النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الرابعة )
مارس 24, 2025في ظلال الإسلام ( الحلقة الثانية الأخيرة )
أبريل 28, 2025الدعوة الإسلامية :
ندوة العلماء
فكرتها– وفعالياتها
بقلم : الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
[ عقدت ندوة العلماء دورتها السنوية للعام الجاري في 24/ شعبان 1446هـ ، المصادف 23/ فبراير 2025م يوم الأحد ، حضرها أعضاء الهيئة التنفيذية لندوة العلماء ، وقدم بهذه المناسبة رئيس ندوة العلماء الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي تقريراً سنوياً لها ، وهو يسلط ضوءاً كاشفاً على فكرة ندوة العلماء ودعوتها ونشاطاتها السنوية . وكان التقرير بالأردية ، نقدم تعريبه تعميماً للنفع وإفادةً للقراء . التحرير ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فيأيها السادة ! قبل كل شيئ أشكركم على أنكم سافرتم للحضور في الدورة السنوية لندوة العلماء ، وتجشمتم له المشاق ، فأدعو الله تعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مباركاً ، ويجزيكم جزاءاً موفوراً .
منذ سنوات تمر ندوة العلماء بحوادث ومصائب فاجعة ، ولم تمض على وفاة رئيس ندوة العلماء الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي مدة عامين حتى حدثت وفاة الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي ( الأمين العام لندوة العلماء ) فجاءةً ، فلم تكن هذه الحادثة مؤلمةً لندوة العلماء فحسب ، بل كانت خسارةً عظيمةً للأمة الإسلامية ، وإن ما قدَّم به من خدمات مخلصة في السنتين الماضيتين نحو ندوة العلماء لا يُنسى أبداً، أضف إلى ذلك كتاباته العربية والأردية التي تنفع الخاصة والعامة ، ولا سيما افتتاحياته في صحيفة الرائد التي كانت تُقرأ بكل شوق ونهامة في العالم العربي ، وما أوتي من الله تعالى من موهبة خاصة للخطابة ، وكان يُلقي كلمته بإخلاص النية مفعماً بحرارة الإيمان ، ومتألماً من الأوضاع والظروف ، كل ذلك كان مصداقاً للمثل العربي : ” كل ما صدر من القلب وصل إلى القلب ، وكل ما صدر من اللسان لا يجاوز الآذان ” .
أيها السادة ! إن الأخطار والتحديات التي تحدق بالعالم الإسلامي ، وما تعانيه بلادنا من ظروف وأوضاع مبعث قلق واضطراب لأصحاب الفكر والبصيرة ، فتزداد في هذه الأحوال مسئوليات العلماء وواجبات المدارس الدينية ، إن ندوة العلماء حركة دينية إسلامية ، قامت بالتوجيه والإرشاد في كل فترة من الفترات منذ تأسيسها ، أما إمامنا وشيخنا السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي فإنه ذهب برسالة ندوة العلماء ودعوتها وفكرتها إلى العالم كله ، وقد رزق الله شيخنا رحمه الله فراسةً إيمانيةً ، فكان يُدرك الأخطار قبل وقوعها ، ويختار لمواجهتها تدابير مناسبةً بحكمته البالغة ، فإنه قاوم فتنة القومية العربية وأنشأ رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وقاد الأمة المسلمة في الهند قيادةً رشيدةً ، وأرسى قواعد حركة رسالة الإنسانية ، كل ذلك إنجازات جليلة في عهد رئاسته وفي ميزان حسناته .
فأوضاع الهند الراهنة تتطلب منا اتخاذ طرق مناسبة لصيانة الإيمان في جانب ، وفي جانب آخر تطالب إزالة أغلوطات وسوء التفاهم من أذهان أتباع الديانات الأخرى أمثال الهندوس والسيخ والمسيحيين وغيرهم ، وقد اقترح الإمام الندوي لصيانة الإيمان إنشاء مدارس عصرية إسلامية ، فنحمد الله تعالى على أن هذا الاقتراح لا يزال يتحقق على أرض الواقع ، كما تُقام كتاتيب دينية ودروس صباحية ومسائية تحقيقاً لهذه الغاية ، وتنظم محاضرات وخطب في مختلف أحياء مدينة لكناؤ للشباب والفتيان ، بحيث أقيمت مراكز دينية ، حيث تجتمع فيها هذه الطبقة ، وتُلقى دروس القرآن ، والخطب الإصلاحية قبل الجمعة في مئات من المساجد ، تحت إشراف قسم الدعوة والإرشاد لندوة العلماء ، فالحاجة إلى أن تتوسع دوائر هذه الأعمال الدعوية والإصلاحية إلى كل ناحية من نواحي البلاد .
أيها الحفل الكريم ! هذه أمور أساسية دينية ، لكن اللافت للنظر أننا إذا أعرضنا عن أتباع الديانات الأخرى ، واكتفينا بأنفسنا ، ولم يفكر واحد منا في إزالة التساؤلات التي توجد في عقولهم لا يمكننا أن نصون أنفسنا من الأخطار التي تحلق فوق رؤوسنا ، فنكرر شكر الله تعالى وحمده على أن متخرجي ندوة العلماء يساهمون في هذه الناحية مساهمةً فعاليةً ، وقد أنشئ لهذا العمل داخل البلاد أكثر من مائة وحدة ، وتظهر لها نتائج سارة ، لكن هذه الجهود الآن بمثابة الملح في الطعام ، فالأوضاع تتطلب إنجاز هذه الأعمال على أوسع نطاق .
أيها السادة ! أنتم قرأتم تاريخ البلدان والأقوام ، وأنتم على علم جم أن أتباع الديانات كلما تغاضى عنهم المسلمون في دولة أو مدينة اختل نظامها وسرى إليها الفساد ، وقد ذكر لنا أحد أعضاء ندوة العلماء المهندس عبد الرشيد الحيدرآبادي قصةً مثيرةً ومؤثرةً ، أنه مرةً قام بجولة دعوية في مناطق سمرقند وتاشقند ، فلقي فيها شيخاً ، ذكر له أننا كنا مطمئنين للغاية في هذه البلدان ، نظراً إلى أنها بلدان العلماء والفقهاء والمحدثين العظام ، ولا يدور بخلدنا أبداً أنها تواجه انقلاباً منقطع النظير ، لكن لما حدثت الثورة الحمراء الروسية أتذكر أني خرجت مع زوجتي وبناتى خارج بيتي ، وكانت النار تحرق على مفترق الطرق ، فأحاط الشرطة بنسائنا وقالوا لهن : انزعن عنكن الحجاب ، وإلا تكنَّ حطباً لهذه النار ، إن زوجتي أبت نزع الحجاب ، فطُرحت في النار ، فقلت لبناتي: انزعن الحجاب وارجعن إلى البيت ، وكان ذلك الشيخ يقول : هؤلاء البنات اضطررن إلى نزع الحجاب ، ورجعن إلى بيوتهن ، ولم يخرجن منها ، حتى فارقن الحياة، فخرجت جنازتهن من البيوت ، ثم إن الشيخ ذكر لنا سبب ذلك قائلاً : كل ذلك كان نتيجةً لعدم الاعتناء بأتباع الديانات الأخرى ، ثم قال : بلِّغوا رسالتي هذه إلى المسلمين في الهند : لا تزدروا أبداً أتباع الديانات ، بل عاملوهم معاملة الإخوة ، فالمسئولية الكبرى لنا في الهند بوجه أخص أن نزيل شبهات وتساؤلات الهندوس والمسيحيين وغيرهم ، وأقوى الطرق والمناهج تأثيراً منهج حركة رسالة الإنسانية .
أيها السادة ! نشطت ندوة العلماء طول السنة الدراسية بقوة وحماس بالغين ، وانتهت نشاطاتها التعليمية التي تواصلها دار العلوم منذ شهر شوال ، في 17/ فبراير 2025م بالامتحانات السنوية ، وقد قدم طلاب دار العلوم نشاطات ثقافيةً وترفيهيةً ، فقاموا برحلة ثقافية إلى مدرسة فلاح المسلمين برائي بريلي ، وتحدثوا خلال الرحلة باللغة العربية صباح مساء ليل نهار ، كما زار طلاب الاختصاصات من التفسير والحديث والفقه والتاريخ والدعوة والأدب العربي الأكاديميات العلمية ، والمجامع البحثية ، وكبرى المكتبات في الهند ، واطلعوا على جهود دار المصنفين بأعظم جراه ، ودار العلوم بديوبند ، وجامعة مظاهر العلوم بسهارنفور ، ومجمع المفتي إلهي بخش بكاندهله ، ومجامع وجامعات دهلي وجي فور ، وجامعة علي جراه ، ومؤسسة التحقيقات الإسلامية بعلي جراه ( الهند ) .
كما كانت هنا سلسلة المحاضرات والخطب العلمية ، التي ألقاها الباحثون والدكاترة والعلماء الأفاضل في البلاد أمام طلبة دار العلوم لندوة العلماء ، وكانت مساهمة الطلاب في تعلم اللغة العربية والإنجليزية خارج الصفوف التعليمية من مراكزها ملموسةً .
وقد بلغ عدد فروع ندوة العلماء التعليمية إلى 460/ في أرجاء الهند ، وهي مدارس ملحقة بندوة العلماء في مناهجها التعليمية ، ولا تزال تأتي طلبات الالتحاق ، وتوجد في هذه الفروع سبع مدارس إلى مرحلة العالمية ، ويعقد في السنة اجتماع لمسئولي هؤلاء الفروع في ندوة العلماء حيث يجري التشاور والمذاكرة ، كما تُرسل وفود أساتذة دارالعلوم إلى هذه المدارس للاطلاع على نشاطاتها عن كثب ، وتقديم مشورات مناسبة لها ، ولكل من هذه المدارس نظام الكتاتيب ، كما توجد لندوة العلماء في داخل مدينة لكناؤ 13/ كتاباً ، حيث يدرس فيها 1503/ طالب ، من القرآن والأدعية المأثورة والعقائد الصحيحة والأخلاق الإسلامية ، وتوجد في المناطق الريفية 20/ كتاباً .
يوجد في ندوة العلماء ثلاثة أقسام للفقه الإسلامي : (1) قسم دار الإفتاء ، حيث وجهت إلى هذا القسم أكثر من خمسين ألفاً من الأسئلة ، (2) قسم دار القضاء ، وقد بلغ عدد أقضيته حتى الآن 1281 ، (3) وقسم التدريب على القضاء والإفتاء ، ويدرس فيه عشرة طلاب كل عام ، كما تستمر الدراسة والتعليم في قسم الصحافة والألسنة ، وقسم اللغة الإنجليزية ، ويلتحق بها عشرة طلاب كذلك .
وهناك مؤسسة الصحافة والنشر لندوة العلماء ، وهي تصدر مجلات وصحفاً عربيةً أمثال البعث الإسلامي ، والرائد ، وتعمير حياة ، وسجا راهي ، وفرينكرنس آف إيست في أربع لغات : العربية والأردية والهندية والإنجليزية ، كما ينشر هذا القسم كتب المقررات التعليمية لندوة العلماء .
مجمع البحوث والدراسات الشرعية : هذا القسم يعقد ندوات فقهيةً ليومين كل عام ، ويساهم فيها كبار المفتين في البلاد ، كما يصدر هذا القسم مؤلفات فقهيةً قيمةً ، وتصدر منه كذلك مجلة فقهية في ثلاثة شهور ، وقد تم تحقيق كتاب ” فتاوى عزيزي ” للشيخ عبد العزيز المحدث الدهلوي ، تحت إشراف هذا المجمع .
معهد الدراسات العلمية : هذا المعهد يقوم بنشر بحوث ومقالات الاختصاصات من القرآن والحديث والفقه والأدب العربي ، وقد نشر هذا العام ثلاث مقالات : (1) الرشحات في الحروف المقطعات للأستاذ عمير خليفة الندوي .
(2) تحقيق كتاب ” شيم الحبيب في ذكر النبي الحبيب ” للأستاذ محمد فاروق القاسمي الندوي .(3) أضواء على حياة العلامة الندوي وجهوده في علم التفسير والحديث للأستاذ محمد عثمان ممتاز الندوي .
قسم التدريب العلمي : ينتخب لهذا القسم عشرة طلاب من مختلف الاختصاصات ، وتفوض إليهم أعمال بحثية ، وقد أنجز الطلاب هذا العام أعمالهم في الفترة المخصصة ، كما قام بعض الطلاب بتلخيص : موسوعة بيان الإسلام والرد على الافتراءات والشبهات ( 11 مجلداً ) في خمسة مجلدات .
أما المكتبة العامة لندوة العلماء ، وهي مكتبة العلامة شبلي النعماني فتوجد فيها 229318/ كتاباً ، ما عدا المخطوطات ، والمكتبات الشخصية التي أهديت إلى مكتبة ندوة العلماء ، وتوجد بحمد الله في كليات وأروقة دار العلوم مكتبات ، يستفيد منها الطلاب .
أيها السادة ! هذه إطلالة على الفعاليات والنشاطات التي تقوم بها ندوة العلماء ، ويتعاون في مواصلة هذه المسيرة التعليمية كل فرد من أفراد ندوة العلماء ، وخاصةً الأمين العام لندوة العلماء ورئيس الشئون التعليمية، وأمين القسم المالي ، وسعادة المدير لدار العلوم ، ونائباه وغيرهم . تقبل الله جهودهم، وجزاهم الله خيراً . وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .