نجاة المؤمنين : دراسة علمية في ضوء حديث : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ( الحلقة الثانية )

قصة ذي القرنين وما يستفاد منها
أغسطس 3, 2024
قصة ذي القرنين وما يستفاد منها
أغسطس 3, 2024

التوجيه الإسلامي :

نجاة المؤمنين : دراسة علمية

في ضوء حديث : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة

( الحلقة الثانية )

بقلم : الشيخ السيد محمد علي المونكيري رحمه الله §

تعريب : الأخ طلحة نعمت الندوي *

القسم الثاني من الأحاديث التي تنصّ على أنّ من أقرّ بالتوحيد والرسالة واجتنب الشرك حرمت عليه نار جهنم .

(1) ما من أحد يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله ، صدقاً من قلبه إلاّ حرمه الله على النار . ( رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه ) .

(2) من شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً من قلبه أو يقيناً من قلبه دخل الجنة ولم تمسه النار . ( أخرجه أحمد 5/236 ) .

(3) إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه إلاّ حرّم الله على النار ، وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله . ( أخرجه أحمد وابن حبان عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ) .

(4) من شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً على ذلك حرمه الله على النار . ( أخرجه الطبراني عن أنس وعتبان ) .

(5) إنّ الله قد حرّم على النار من قال لا إله إلاّ الله ، يبتغي بذلك وجه الله . ( أخرجه البخاري ومسلم عن محمد بن الربيع وعتبان بن مالك ) .

لا يثبت من هذه الأحاديث أن جهنم حرام مطلقاً على من قال لا إله إلاّ الله مهما كان فاسقاً وعاصياً ، بل المعنى أنه إذا لم يقترف إثماً أو تاب عن المعاصي فإنه يحرم عليه النار على الإطلاق ، ولو لم يتب دخل النار ونال جزاء وعقاب عصيانه ثمّ يدخل الجنة ، هذا الشرح لهذه الأحاديث يخالف الأحاديث التالية عدا خلافه لظاهر كلماتها .

(1) من شهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة ولم تمسه النار . ( أخرجه الطبراني والبيهقي وابن خزيمة ) .

(2) قال لي جبريل : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ولم يدخل النار ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال نعم . ( أخرجه البخاري عن أبي ذرّ رضي الله عنه ) .

(3) من كان آخر كلامه أن لا إله إلاّ الله لم يدخل النار .          ( أخرجه الطبراني عن عليّ ) .

(4) لا يشهد أحد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه . ( أخرجه مسلم عن عتبان بن مالك رضي الله عنه ) .

فهذه الأحاديث الأربعة تنصّ وتصرح بأنّ من لم يشرك بالله وأقرّ بالوحدانية والرسالة لا يدخل النار حتى لا تمسه نار جهنّم ، فالتأويل فيها مثل تحريف بعض الفرق الضالة معنى النصوص الصريحة وتفسيرها تفسيراً يشبع أغراضها ويوافق أهواءها .

تأملوا في كلمات الأحاديث التالية :

(5) قال يا معاذ ! هل تدري ما حق الله على عباده ، وحقّ العباد على الله ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به   شيئاً . ( أخرجه البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ) .

(6) من شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمد رسول الله حرم الله عليه النار . ( أخرجه مسلم والترمذي وأحمد عن عبادة رضي الله عنه ) .

(7) من شهد أن لا إله إلاّ الله حرمه الله على النار ، وأوجب له  الجنة . ( أخرجه أحمد وابن حبان وابن أبي شيبة والطبراني عن سهيل بن البيضاء ) .

ولما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث كان في  السفر ، وكان الذي رواها عنه – وهو سهيل ابن البيضاء – كان معه على البعير ، فخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات يسميه مرةً تلو أخرى ، والصحابة الذين كانوا قريباً منه توقفوا لهذا الخطاب  والنداء ، والذين كانوا على مسافة تقربوا إليه ، لأنهم ظنوا أنه عليه السلام يدعوهم ، فلما اجتمعوا حدثهم النبي عليه السلام بهذا الحديث ، وكما يظهر اهتمامه عليه السلام ليحدثهم بهذا الحديث ويبشرهم بهذه البشارة كذلك نجد مثله عدة مرات ليقول لهم ذلك ويبشرهم به ، وكلّ مرة بصورة أخرى كما أشرت إليه في مواضع مما سبق .

وعلى كلّ فعلينا أن نفكر في الاهتمام بذكر هذه البشارة من النبي عليه السلام ، والأحاديث الأخيرة السبعة تصرح وتوضح أن من وحّد الله تعالى وآمن برسالة النبي عليه السلام لا يدخل النار ، لا يعذبه الله في النار ، فالأحاديث الواردة السبعة ههنا هي شارحة لما سبقها من الأحاديث ، وحاصل تلك الأحاديث كلها أنّ النار خصت بالكفار والمنكرين ، ولا يدخلها المؤمن والمسلم ، وذلك ما تشير إليه آيات قرآنية وتفيده ، وبهذا أخذ كبار علماء هذه الأمة .

أمّا القرآن الكريم فأكثر آياته تصريحاً بهذا المعنى آية سورة الليل ( فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ . لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى . ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ) [ الليل : 14 – 16 ] ، فقد نصت الآية وبرهنت على أنّ النار خصت بالكفار ، فهم يصلونها ولا يدخلها مسلم .

لقد ثبت آنفاً بكلّ من القرآن الكريم والأحاديث النبوية ثبوتاً قاطعاً بأنّ من آمن وأسلم ، فهو من أهل النجاة من النار .

وأمّا المشايخ والربانيون فيقول منهم الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله في كتابه غنية الطالبين : ” واعلم أنّ دخول النار بالكفر وتضاعف العذاب وقسمة الدركات بالأعمال السيئة والأخلاق السيئة ، ودخول الجنة بالإيمان وتضاعف النعيم وقسمة الدرجات بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة ” [1] .

ويقول الإمام الرباني ( أحمد عبد الأحد السرهندي ) : ” عذاب النار عند الفقير خاص بالكفر وصفاته سواء كان موقتاً أو مخلداً ، كما سيأتي تحقيقه ” [2] .

اتضح بما سبق أنّ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال كبار الأمة قد أجمعت كلمتهم على أنّ عذاب جهنم يختصّ بالكفار ، ولله الحمد .

ثمّ أريد أن أبيّن أنّ الأحاديث التي وردت في هذا الباب وإن اختلفت ألفاظها ، ولكنّ فحواها أنّ مدار النجاة على الإيمان ، ولم يقيّد بعمل أو شرط ، كما أريد أن أوضح هنا مدى صحة الأحاديث التي تقدمت والاعتماد عليها ، فأكاد أقول عن هذا : روى هذا المعنى عدد كبير من الناس يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب ، ولا يتطرق إلى صدقهم   شكّ ، فيحدثه الرواة بكلمات مختلفة ومع أحوال متنوعة ، كما لا يخفى على رجال الفنّ وأهل الحديث أن الأحاديث في هذا المعنى تتعلق بعصور مختلفة ، فمنها ما يتعلق بأول عهد الإسلام ، ومنها ما ذكر في وسطه ، ومنها ما حدَّثه بها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ، فلو كان هناك شرط آخر غير الإيمان لحدث به النبي صلى الله عليه وسلم بعضاً من أصحابه ، وإن كانت كناية دون صراحة ، وكيف يقال : نقيد هذا الحديث بقيد حتى نكمله ، فقد كان معناه غير كامل ، رغم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه مرات ومرات وفي أحوال مختلفة ، وربما اهتمّ عند ذكره بلفت انتباه الناس ، فلا بدّ من أن نفكر في ذلك .

ثمّ إنّ رواة هذا الحديث من كبار الصحابة أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء وجابر وأبي سعيد الخدري وبلال وزيد بن خالد وسلمة بن نعيم وأبي شداد وعبادة بن الصامت وعمران بن الحصين والنواس بن سمعان وجرير بن عبد الله وأبي عمرة الأنصاري وعبد الله بن عباس وسعد بن عبادة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وعقبة بن عامر وعمارة بن رؤيبة وأبي هريرة     وأبي الدرداء وأبي ذر ومعاذ بن جبل وزيد بن أرقم وعتبان بن مالك وسهيل بن البيضاء وطلحة بن عبيد الله وأبي سلمة وعبد الله بن عمر ورفاعة وسعيد بن وائل وعبد الله بن سلام ومحمود بن الربيع رضي الله عنهم ، وبلغ عددهم 37 صحابياً .

ولو اقتصرنا على هذا العدد لكفانا تحقيقاً لما نقول ، لأنّ هذه القائمة قد شملت أسماء جميع كبار أصحاب النبي عليه السلام ونوابغهم ومشاهيرهم ، رضي الله عنهم ، ولأجل هذا قال بعض أئمة الفنّ :  هذا حديث متواتر ، أي لا شبهة في صحة هذا المعنى ، إلا أنّ هناك أموراً جديرة بالتأمل :

أولاً : معظم الأحاديث تبشر بالجنة على الإقرار بالتوحيد والاجتناب عن الشرك فحسب ، ولم تشترط الإقرار بالرسالة ، فأمثال هذه الأحاديث توحي بأنّ الذي يقرّ بالتوحيد دون الرسالة يدخل الجنة ، بينما وردت أحاديث أخرى بالأمرين أي الإقرار بالتوحيد والرسالة ، مما يشير إلى أنّ التوحيد المحض لا يكفي للنجاة والجنة ، فما سبب هذا الاختلاف ، أجاب عنه كبار علمائنا ومشايخنا ، وأحسنها ما جاء به العلامة السبكي في الطبقات الكبرى [3] ، ولكني الآن أذكر هنا ما ألقى الله في روعي وألهمني :

الموحد على عدة أنواع ، أحدها : من يقيم بمكان لم يبلغه صدى نبي من الأنبياء أو خبر له ، الثاني : من بلغه ذلك ، ولكن لم يهتد إلى دليل على نبوته رغم تفكره وتأمله بما أوتي من قوة في الفكر والفهم ، الثالث : بلغه الخبر عن نبي ، ولكنه في موضع يسكن فيه المنكرون ، فهو يسمع على ألسنة الجميع أنّ هذا النبي مثل ما سبق من الأنبياء الكذابين السابقين ، وهذه الأكاذيب والشائعات لم توجهه إلى التحقيق في الأمر ، فلم يزل في زمرة الجاحدين والعُصاة مغروراً بما سمع ، الرابع : أولئك الذين بلغهم نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلم بفضائله عليه السلام وشمائله الكريمة وأخلاقه ، ولكن منعه هوى نفسه أو النزعة العصبية عن التفكر في ذلك والتوجه نحو هذا النداء ، أو لم يزل على إنكاره بعد ما تفكر في ذلك .

فمن بين هؤلاء الفئات الأربع يكفي الإقرار بالتوحيد للنوع الأول من الناس إجماعاً ، لأنه معذور عن التصديق بالرسالة إطلاقاً ، وأمّا النوعان الثاني والثالث فيقول عنهما بعض العلماء والمشايخ : إنه يكفي له الإقرار بالتوحيد ، ومن بين هؤلاء القائلين عبيدالله العنبري شيخ البخاري والإمام الغزالي ، فهو يقول : إنه سعى واجتهد ، ولكن أعذره مانع وحال دونه خداع فيشمله رحمة الله لزاماً ، لأنه قد ثبت أنه ( لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) ، وهذا قول الله تعالى في سورة البقرة .

يقول العبد الفقير : إذا نظرنا إلى رحمة الله تعالى الواسعة فإنه أرحم الراحمين ونظرنا معاً إلى ضعف العبد ومعاذيره يغلب على الظن نجاته ، وتؤيده الأحاديث التي تبشر بالجنة على الإقرار بالتوحيد ، أمّا النوع الرابع الذي منعه هواه عن قبول الحق وتصديق الرسالة فلا يكفيه الإقرار بالتوحيد ، بل يلزمه الإقرار بالتوحيد .

وملخص هذا التفصيل أنّ الأصل للنجاة هو الإقرار بالتوحيد مع تصديق الرسالة ، ولكن إذا ظهر أنه يكفيه بعض الأحيان الإقرار بالتوحيد لبعض أعذاره المناسبة ، ولأجل ذلك  اقتصر سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام حيناً على الإقرا بالتوحيد فحسب ، وحيناً أتبعه بذكر التصديق بالرسالة ، فإذاً يحمل النوعان من الأحاديث على محاملهما بدون أي تأويل ، وما أجدر بشأن النبي الحبيب الصادق المصدوق وعظمته الجليلة أن يظهر صدق قوله كما قال ، وصدر من لسانه دون أي تأويل فيه أو تغيير ، ولا تدعو حاجة إلى شيئ من التأويل .

وكما أنّ الأحاديث حيناً تقتصر على التوحيد ، وحيناً يتبعه التصديق بالرسالة كذلك نجد في القرآن الكريم ، فقد جاء في سورة النساء : ( فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ ) [ سورة النساء : 175 ] . وفي سورة الحديد : ( وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ ) [ سورة الحديد : 19 ] . وقال : ( سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ) [ سورة الحديد : 21 ] .

فكما أنّ الأحاديث التي سبقت غير مقيدة بذكرالعمل ، كذلك هاتان الآيتان جاء فيهما تعليق المغفرة على الإيمان بالله والرسول .

ثانياً : الأحاديث التي قدمناها إن دلت على شيئ فإنما تدلّ على تعليق النجاة بالإيمان ، فالذي يشهد بقلبه بالتوحيد والرسالة هو من أهل الجنة ، حتى حرمت عليه النار ، ويحالفه النجاة فلا ينال سوءاً أو مكروهاً في جهنم ، إذاً فكيف بالعقوبات التي كثر ذكرها في النصوص ، لأنّ الله حينما وعدهم بالجنة على الإيمان وبشرهم بأنّ النار عليه حرام فتعذيبه على ذنب يخالف ما وعد الله به ، وقد ورد الجواب عنه في كتب الأحاديث من عدة وجوه ، ولكني أريد الإجابة عن ذلك بما لا يسوّغ تأويلاً ولا تحريفاً ، لأنّ التأويل والتحريف يسوّغ لكلّ رجل معنى النصوص الذي يريده كما فعلت الطوائف المختلفة من الأمة إذ فسرت النصوص الصريحة بما يوافق هواها .

( للحديث صلة )

  • مؤسس ندوة العلماء ورئيسها الأول .

* استاوان ، بهار شريف ، الهند .

[1] انظر الغنية 1/279 ، طبع دار الكتب العلمية .

[2] كذا قال المصنف . وقد حقق هذه المسألة في رسالة أخرى له .

[3] انظر طبقات الشافعية الكبرى 1/68 بتحقيق الطناحي والحلو ، طبعة عيسى البابي .