الهدي المنهاجي للدعاة رسل الهداية
يونيو 4, 2024عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الحلقة الثالثة )
يوليو 3, 2024الدعوة الإسلامية :
نجاة المؤمنين : دراسة علمية
في ضوء حديث : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة
( الحلقه الأولى )
بقلم : الشيخ السيد محمد علي المونكيري رحمه الله
تعريب : الأخ طلحة نعمت الندوي
كيف نحمد وبماذا نحمد الذات المقدسة سبحانه ، الذي سهّل لعباده طريق النجاة والفلاح ، وأرسل لهدايتنا رسلاً هم رحمة للعالمين ، فالصلوات عليهم وعلى أهلهم . آمين .
وبعد فإني أخوض الآن في مبحث علمي كثير الاختلاف متضارب الآراء ، فليُصْغ إليه الناظرون ، وليستمع المستمعون ، مع أني الآن لست في حالة أتناول فيها مسألة معقدة من المسائل الشرعية الدينية مثل هذه ، لأنّ التحقيق فيها يتطلب قوةً في الروح والجسد كليهما ، ولا أجد في نفسي أي واحد منهما .
ولكن طلب مني أحد أصدقائي ، وسألني عنه اطمئناناً به حتى اضطررت إلى أن أقيد رأيي في هذا .
ولقد سألني صديقي عن أمرين : أولهما ، ما هو الشرك الذي قال الله عنه أنه لا يغفر من أشرك ، وهو خالد مخلد في النار ، وثانيهما أنه جاء في الأحاديث أنّ من أقرّ بتوحيد الله عز وجلّ وآمن برسالة سيدنا محمد فالنار عليه حرام ، فلا يدخلها ، مما يدلّ على أن الإيمان يكفي لدخول الجنة ، وذلك يثير شبهةً ، وهي أنّ الأحاديث التي وردت في العقوبات من الله عز وجلّ على المعاصي في القرآن الكريم – والأحاديث بكثرة – على ما تحمل ، وكيف تؤوّل ، وأيّ داعية إلى فعل الطاعات والقيام بالأعمال الشرعية ، لأجل ذلك نشرح ههنا معنى الشرك ، والأحاديث التي تبشر المؤمن بالجنة ، أمّا معاني الشرك فقد استفاض فيها الحديث عن العلماء وأكثروا من الردّ عليه ، فأوجز القول فيه ضمن الأحاديث المذكورة آنفاً .
والأحاديث التي تصرح بأنّ النجاة تقتصر على الإيمان فحسب عدّها العلماء من الأحاديث المتواترة ، كما يتضح ذلك من بعض الآيات القرآنية .
ولكن بما أنّ صديقي قد تعرض للأحاديث فحسب ، فأورد ههنا بعض الأحاديث في هذا المعنى ثمّ أتبعها بآية وأعقبها بآراء من الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ الرباني مجدد الألف الثاني . ( أحمد بن عبد الأحد السرهندي ) .
والأحاديث التي وردت في هذا المعنى ينقسم إلى قسمين :
الأول : الأحاديث التي وعدت فيها الجنة وبشر بها على الإقرار بالتوحيد فحسب .
والثاني : الأحاديث التي ورد فيها ذكر التوحيد والنبوة كليهما ، وجاء الوعد بالنجاة عليهما ، كما ذكر أنّ من آمن بتوحيد الله تعالى ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالنار عليه حرام ، أو هو لا يدخل النار ، وأنا أورد أولاً الأحاديث من هذا القسم :
(1) ” من شهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وررح منه ، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ” ( رواه البخاري ومسلم عن عبادة رضي الله عنه ) .
(2) ” أتاني جبريل فبشرني أنّ من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ، قال : وإن زنى وإن سرق ” ( رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه ) .
(3) وأخرج البخاري في الرقاق هكذا ، ” قال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، قلت : يا جبريل ! وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم ، قلت : وإن سرق وإن زنى : قال : نعم ، قلت : وإن سرق وإن زنى ، قال : نعم وإن شرب الخمر ” ( صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه ) .
ويخرجه البخاري في كتاب الاستقراض من أبي ذر نفسه بهذه الكلمة ” قال : أتاني جبريل ، فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، قلت : وإن فعل كذا وكذا ، قال : نعم ” .
وهناك فرق بين الرواية السابقة وبين هذه ، وهو أنه جاء في السابقة ذكر السرقة والزنا ، وفي هذه ورد السؤال عن المعاصي الأخرى مما يشير إلى أن ليس المطلوب هو التقصير ، ويُروى هذا المعنى في مشكاة المصابيح عن البخاري وهو على ما يأتي :
قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما من عبد قال لا إله إلاّ الله ثمّ مات على ذلك إلاّ دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق قال : وإن زنى وإن سرق قلت : وإن زنى وإن سرق قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ” .
فهذه الأحاديث الخمسة تصرح بالوعد التامّ على الإيمان ، وهو من أهل الجنة كيفما كانت أعماله سيئةً أم حسنةً ، على أن يموت على الإقرار بالتوحيد والتصديق بالرسالة ، ولو آمن قبل الموت وبقي عليه إلى الموت ، فقد صرح في الحديث الأول ” أدخله الله على ما كان من العمل ” ، وفي الأحاديث التي بعدها وإن لم يصرح بكلمة مثل هذا ، بل ذكر السرقة والزنى ، ولكن الغرض منها هو هذا ، وإلاّ لم يكن هناك داعية إلى التخصص لهذه الأعمال ، كما يؤيد هذا الرأي ما جاء في الحديث الثالث من زيادة جبريل عليه السلام على سؤال النبي عليه السلام ” وإن شرب الخمر ” ، كأنه أشار إلى أن الذنب أيّاً ما كان فإنه يغفر له .
وقد أورد العلامة السبكي هذا الحديث في طبقاته ، وذكر في شرحه أنه ذكرت هنا معصيتان فحسب وهما السرقة والزنا ، وفيه إشارة إلى أنه يدخل الجنة وإن اقترف الكبائر كائنةً ما كانت ما لم تكن شركاً أو كفراً ، لأنّ الذنوب نوعان : أحدهما ما يتعلق بحق الله ، والثاني ما يتعلق بحقّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبذكر المعصيتين إشارة إلى كلا النوعين من الذنوب ، فالزنا هو حقّ الله ، والسرقة هي حقّ العباد ، وصرح عن كليهما بأنه وإن اقترف شيئاً منهما فإنه يدخل الجنة ، فهذه الأحاديث تشهد بنجاته بعد الإقرار بالتوحيد والرسالة ، ولكن لا بدّ من موته على هذا الإقرار ، كما تدلّ عليه الأحاديث الآتية .
(6) ” من مات وهو يعلم أنه لا إله إلاّ الله دخل الجنة ” ( رواه مسلم ، وأحمد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ) .
(7) ” من كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله دخل الجنة ” ( رواه أبو داؤد ) .
(8) ” من لقي الله وهو لا يشرك به شيئاً جعله الله في الجنة ” ( رواه أحمد ) .
وجاء ذلك في صحيح البخاري بهذه الكلمة : ” من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ” .
وقد دعا سيدنا معاذ بعض الناس عندما كان في سكرات الموت وحدَّثهم بهذا الحديث .
فملخص هذه الأحاديث أن من مات وهو على هذا الإيمان فله هذه البشارة ، ومن عاش مؤمناً ولم يمت على هذا فليست له هذه البشارة .
(9) عن زيد بن خالد الجهني قال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر الناس أنه من شهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له فله الجنة . ( عن زيد بن خالد الجهني ) .
وينبغي لنا أن نفكر في كيفية التبشير بهذه الأحاديث والمراحل التي مرّت بها ، فكانت هذه البشارة في البداية خاصةً ببعض الناس ، ولم يبشر بها عامة الناس جميعاً ، لكنهم لما ازدادوا في الإيمان وفهموا حقيقة الدين أمر بأن ينادى بها في عامة الناس وأذن بذلك ، ولو ذهبنا نفكر في تلك الأحاديث لأدركنا معنى الشرك بها ، لأنه جاء في الحديث الثامن أن من لا يشرك بالله فهو من أهل الجنة ، وشرح في الحديث التاسع أن بشر بالجنة لمن اعتقد بقلبه أنه لا يستحق أحداً بالعبادة ، فاتضح أنّ الشرك هو عبادة غير الله تعالى .
(10) يا أباهريرة ! اذهب بنعليّ هاتين ، فمن لقيك من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة .
ورد في هذا الحديث الإعلان بالتبشير لأهل الجنة على العموم ، وقد أعطى عليه السلام نعليه لمن يعلن حتى يصدقه من رآه ، وبقي النبي عليه السلام حافي القدمين ، مما يدعونا إلى التأمل .
(11) من شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنة . ( رواه الطبراني ) .
سمع هذا الحديث من معاذ بن جبل رضي الله عنه أولاً أنس بن مالك رضي الله عنه ، فحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك فقال عليه السلام في نشاط وفرح : ” صدق معاذ ، صدق معاذ ، صدق معاذ ” ، وبما أن أنساً كان يتعجب من هذا الحديث ، فصدق النبي عليه السلام معاذاً ثلاث مرات .
(12) ” من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإخلاصها أن تحجزه عما حرم الله ” ( رواه الطبراني عن زيد بن أرقم ) .
والمحدثون وإن ضعفوه روايةً ولكن معناه صحيح كما يتضح مما يأتي .
وفي هذه الأحاديث الثلاثة قيّد النجاة بالإقرار بالتوحيد واليقين القلبي والإخلاص ، كما ستأتي أحاديث تقيدت بهذا القيد ، وورد هذا القيد بعناوين مختلفة ، مما يشير إلى أنّ الإقرار باللسان أو العلم به غير مفيد للنجاة ، بل لا بدّ من العلم به باليقين والإخلاص ، لأنّ الإقرار باللسان والعلم به دون اليقين والإخلاص فيه ، مثله مثل رجل يعلم عن الدواء وخواصه ، ولا يتناوله فلا ينفعه ، كذا الإقرار باللسان فحينما وقع اليقين في القلب وأخلص فيه فيعود عليه ذلك بأنه ينجيه من النار ويحفظه منها .
والجدير بالذكر هنا هو أنّ لليقين والإخلاص مراتب ودرجات ، ولكل درجة أثر دون ما لغيرها ، فكانت مثلاً مرتبة ليقين الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، الذي أثر تأثيراً كبيراً فيهم ، فالذين قرأوا سيرهم يعلمون أنه قد سهل عليهم ترك الأهل والأولاد لله ولرسوله وفداء أنفسهم وأموالهم وأولادهم لله ولرسوله ، فقد نشروا الإسلام في الدنيا رغم قلة عددهم ، وإزاء ذلك إيماننا بحيث إننا سمعنا من آبائنا عن الدين فقبلنا ، ولكن ليس فيه من القوة ما تظهر به العجائب ، والفرق بين هذين النوعين من الإيمان . مثل ما هو بين الصورة والحقيقة ، وكذلك هناك إقرار بتوحيد أولياء الله ، فهم لا يرون شيئاً سوى الذات الواحدة له ، وقد اختلط التوحيد بلحومهم ودمائهم ، وهناك درجة من اليقين تدفع صاحبه إلى تدفق الإيمان من قلبه ، فلا يحبّ أن يسمع دليلاً على هذا فضلاً عن المطالبة به ، بل ينظر إليه نظرة ازدراء ، ويدفعهم ذلك إلى أنهم لا يصدر منهم شيئ يخالف حكم الله ورسوله ، ويكونون لهذه الذات المقدسة رهين إشارة وطوع أمر ، حتى لم تكن أنفسهم لتحدثهم بما يخالف ذلك إلا قليلاً .
وربما يخطر ببالي أن إخواننا الذين يؤمنون إيماناً ظاهراً ليس من المستغرب أن ما أقول لغواً من القول أو هجراً من الكلام ، ولكننا نعذرهم ، لأن هذا يتعلق بالكيفية وهو الأمر الكيفي ، ولا يدرك هذا إلاّ من ذاق طعمه أو تملكته تلك الحالة ، أو يصدق ذلك فهو الذي يقرّ بأمثال هذا .
وهناك درجة من الإيمان تؤيد بالأدلة ، ويؤدي إلى ذلك أنه ربما يضعف وربما يقوى ، وبعض الأحيان يفارقه ، وذلك بأنه إذا واجه معارضاً بالمناظرة وهو ضعيف وهذا قوي فيغلبه ، وربما قوي خصمه بأن أورد وأثار شبهاً قوية ولم يستطع الردّ عليها فهذا يضعف ويعود بالضعف والشك في الإيمان ، ولو كان الخصم صاحب علم غزير أو يمتلك بناصية البيان وقوة الخطاب والبراعة فيه ، فإنه يذهب بإيمانه ويجعله هباءً منثوراً .
ثمّ نأتي إلى أمر آخر ، وهو أنه هل النجاة موعودة بنيل جميع مراتب الإيمان ودرجاتها أم المراد به درجة خاصة ، وهذا أمر مشكل ، ومن الصعب القطع فيه بشيئ ، فإنّ ما جاء في الأحاديث من كلمات تشير إلى الظفر بالنجاة بعد التصديق بالقلب ، ثم الرقي في درجات الإيمان يزيده درجات في الجنة ، والله أعلم .
( للحديث صلة )