نبوءة وجود سبع قارات في الأحاديث في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة ( الحلقة الأولى )

منهج حسن الحضري في دراسة التراث
ديسمبر 11, 2023
حاجة العلوم الإسلامية إلى علم القواعد العربية ( الحلقة الأولى )
يناير 14, 2024
منهج حسن الحضري في دراسة التراث
ديسمبر 11, 2023
حاجة العلوم الإسلامية إلى علم القواعد العربية ( الحلقة الأولى )
يناير 14, 2024

دراسات وأبحاث :

نبوءة وجود سبع قارات في الأحاديث

في ضوء القرآن والحديث والجغرافيا والجيولوجيا الحديثة

( الحلقة الأولى )

الأستاذ أنيس الرحمن الندوي *

في العصور القديمة ، لم يكن الإنسان على دراية بمفهوم القارات كما يتصوره اليوم . إن مفهوم القارات الموجود اليوم هو نتيجة آلاف السنين من البحث والتحقيق والاستكشاف . استمر اكتشاف قارات كوكب الأرض من العصور القديمة حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي . رقم ذلك ، توجد في القرآن والأحاديث النبوية ، عبارات عن جغرافية أرضنا ، خاصةً القارات والمحيطات ، تبدو متوافقةً ومتناغمة تماماً مع الأبحاث والمفاهيم الجغرافية الحديثة ، ولها أهمية إعجازية قصوى في هذا الأمر . سنحاول في هذا المقال دراسة وفهم نصوص القرآن والحديث النبوي الشريف في ضوء العلم الحديث والاكتشافات الجغرافية ، مما سيعطي فكرةً عن قيمتها العلمية . قبل أن نقدم تحليل نصوص القرآن والحديث فيها ، إنه من الضروري إلقاء نظرة على المفاهيم الجغرافية السائدة في العصور القديمة وخاصةً في العصر النبوي .

وجهات النظر الجغرافية القديمة :

إن الآراء والمفاهيم البشرية عن الأرض وجغرافيتها قديمة قدم الوجود البشري على وجه الأرض . حتى إن أقدم المجتمعات والقبائل البشرية حاولت تكوين أفكار جغرافية وفقاً لفهمهم الخاص لجغرافيا كوكب الأرض . فإن المفاهيم الجغرافية للأمم القديمة التي وصلت إلينا كان من بينها المصريون والبابليون واليونانيون والهندوس والصينيون والرومانيون ، إلخ .

رأى قدماء المصريين في النيل على أنه مركز العالم ، وكان العالم كله قائماً على هذا النهر ، واعتبرت الواحات الواقعة في شرق وغرب هذا النهر أماكن لعديد من الآلهة [1] . بينما احتل نهر الفرات ومدينة بابل موقعاً مركزياً على خريطة العالم للبابليين . تظهر الخرائط المصرية والبابلية أن المصريين والبابليين كانوا على دراية بالأماكن المجاورة لهم فقط . لذلك لم يكن المصريون على دراية بأوروبا ، بينما اقتصرت الحدود الشمالية للخريطة البابلية على شرق الأناضول [2] .

على عكس قدماء المصريين والبابليين ، يبدو أن المفكرين والجغرافيين اليونانيين يحملون أفكاراً ووجهات نظر مختلفة حول الأرض . ويبدو أن الفلاسفة اليونانيين القدماء لم يكن لديهم نظرية واحدة صلبة حول جغرافية أرضنا . على العكس من ذلك ، يبدو أن آراءهم في هذا الشأن تنمو مع تزايد عدد الفلاسفة . فوفقاً للفيلسوف اليوناني القديم هوميروس ( القرن الثامن قبل الميلاد ) ، إن العالم دائري ، محاط بمحيط كبير من جميع الجهات [3] . يعتقد فيلسوف يوناني آخر ، طاليس ( القرن السابع قبل الميلاد ) ، أن العالم قائم على الماء ، وأن جميع الأشياء في عالمنا خلقت من هذه المياه . إن المعلومات الجغرافية لهيكاتيوس من ميليتس ، الجغرافي اليوناني من القرن السادس قبل الميلاد ، شملت مصر وبلاد فارس وآسيا الصغرى وبعض مناطق شمال إفريقيا والهند . يقال : إن فيثاغورس ( القرن السادس قبل الميلاد ) قد اقترح نظرية الشكل الكروي للأرض ، والتي تبناها فيما بعد أفلاطون ( القرن الخامس قبل الميلاد ) وأرسطو ( القرن الرابع قبل الميلاد ) .

قسم الإغريق القدماء العالم إلى ثلاثة أجزاء – أوروبا وآسيا وليبيا ( إفريقيا ) . شمل عالمهم المعروف شريطاً يضم المناطق الشمالية من إفريقيا ومناطق جنوب أوروبا والشرق الأوسط والمناطق المجاورة في آسيا . وفقاً لهم ، لم يتم تقسيم هذه القارات الثلاث حسب المحيطات ، بل كانت تقع على قطعة واحدة كبيرة من الأرض ، وقاموا بتقسيم هذه القطعة الضخمة من الأرض إلى ثلاث قارات عن طريق رسم حدود افتراضية . ( انظر أدناه للحصول على التفاصيل ) هذا يدل على أن مفهوم الإغريق للقارة كان مختلفاً عن المفهوم التقني الحديث للقارة . وفقاً لليونانيين ، كانت هذه القطعة الضخمة من الأرض محاطةً بمحيط عملاق .

على العكس من ذلك ، تُظهر خريطة العالم لعالم الفلك والجغرافيا المصري الشهير بطليموس ( 100 – 170م ) محيطاً كبيراً ومنطقةً قاريةً كبيرةً . الاختلاف الوحيد بين خريطة العالم لبطليموس هذه والخرائط اليونانية السابقة هو أنه في خريطة بطليموس ، كان البحر في المنتصف ، وكانت المنطقة القارية محاطةً به من جميع الجهات    ( انظر الشكل 2) ، بينما في الخرائط اليونانية السابقة كان الجزء القاري في المنتصف ( انظر الشكل 2 ) ، وكان البحر يحيط بها من جميع الجهات ( انظر الشكل 1 ) .

تظهر آراء الفلاسفة اليونانيين حول أرضنا أن معرفتهم بجغرافيا الكوكب لم تكن مبنيةً على البحث والاستكشاف ، بل كانت مجرد خيال وتكهنات . لأنه لم يزعم أي منهم أنه اكتشف كوكب الأرض لا بالكامل ولا على نطاق واسع على الأقل . هذا هو سبب وجود اختلافات كبيرة في أفكارهم ووجهات نظرهم الجغرافية .

 

 

 

 

 

 

 

مفهوم الربع المعمور  الأقاليم السبعة :

لما يقرب من سبع مائة عام بعد بطليموس ، لم يتم إحراز أي تقدم في مجال الجغرافيا . خلال العصر العباسي في القرن الثامن الميلادي ، حقق المسلمون تقدماً مهماً للغاية في علم الجغرافيا . فهذا الموضع لا يناسب للخوض في تفاصيلها . سيتم إجراء دراسة شاملة حول هذا الموضوع في مقال منفصل . ولكن من المهم هنا أن نضع في اعتبارنا أن الجغرافيين المسلمين لم يثبتوا فقط أن الأرض كروية ، بل بدأوا أيضاً في الإسقاط الكروي للخرائط الأرضية لأول مرة . في هذا الأمر ، تظهر ملاحظات الجغرافيين المسلمين في هذا الصدد أنه حتى القرن الثاني عشر الميلادي ، كان الإنسان على دراية بربع الكرة الأرضية فقط ، والذي كان يُطلق عليه اسم الربع المعمور أو الربع المسكون ( نصف الكرة الشمالي ) من كوكب الأرض . ثم كان الجغرافيون القدماء يقسمون هذا الربع من خط الاستواء إلى القطب الشمالي إلى سبعة مناطق متساوية من الشرق إلى الغرب واصفين إياها سبع مناطق مناخية ، وأطلقوا عليها اسم الأقاليم السبعة [4] ، يمكن فهم هذا الربع المعمور من الأرض بشكل واضح من خريطة الجغرافي الشهير الإدريسي ( المتوفي 1165م ) حيث رسم خريطة للعالم المعروف آنذاك من أوروبا الغربية إلى اليابان ومن سيبيريا إلى المناطق الشمالية من إفريقيا وعرضه على الكرة الأرضية [5] .

ذكر سبع قارات في الأحاديث :

كانت هذه لمحة عامة عن الأفكار والمفاهيم الجغرافية لمختلف الحضارات القديمة في العالم ، مما يدل على أن الإنسان لم يكن يدرك سوى جزء محدود من كوكبنا في العصر النبوي ( القرن السابع   الميلادي ) . ليس حتى العصر النبوي ، ولكن حتى القرن الثاني عشر الميلادي ، كان الإنسان على دراية بربع كوكب الأرض فقط ، والذي يشمل أجزاء من قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا . تم اكتشاف قارات أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأستراليا وأنتاركتيكا ( القارة القطبية الجنوبية ) وغرينلاند لاحقاً ، والتي ستتم مناقشتها في هذه المقالة بالتفصيل لاحقاً .

ومع ذلك ، فإن الأحاديث تحتوي على عبارات واضحة عن القارات السبع والمحيطات السبعة ، بالإضافة إلى عدد من السمات الجغرافية والجيولوجية الهامة الأخرى لكوكب الأرض ، والتي وُجدت متوافقةً تماماً مع البحوث والاكتشافات الجغرافية الحديثة ، مما يؤكد الإعجاز العلمي للقرآن والأحاديث في هذا الشأن . هدفنا هنا هو تقديم دراسة علمية لمختلف الأحاديث المتعلقة بالقارات السبع والمحيطات السبعة . وستعرض هنا دراسة تفصيلية لجميع هذه الأحاديث المروية في هذا الباب .

من الأحاديث المتعلقة بالقارات السبع والمحيطات السبعة ، ما رواه أبو الشيخ بن حيان ( م 369هـ ) عن وهب بن منبه ، وهو كما يأتي :

أخرج أبو الشيخ عن وهب قال : إنها سبعة أبحر وسبع أرضين والأرض على ظهر الحوت واسم الحوت بهموت [6] .

يوضح هذا الحديث بعض أهم الحقائق والنظريات في كل من الجغرافيا والجيولوجيا . بعضها مذكور صراحةً ، والبعض الآخر مذكور كنايةً . في هذا الحديث ، تم وصف حقيقتين في الجغرافيا وإحدى أهم نظريات في الجيولوجيا ، وهي على النحو التالي :

  1. توجد سبعة محيطات على وجه الأرض .
  2. وبالمثل توجد هناك سبع قارات عليها .
  3. أرضنا تقع على ظهر سمكة .

سيتم مناقشة النقطة الأولى والثالثة من هذه النقاط الثلاث لاحقاً في هذه المقالة . سنناقش النقطة الثانية أولاً هنا .

المعنى اللغوي لكلمة الأرض :

في الحديث أعلاه ، تم استخدام كلمة ” أرض ” في صيغتين . إحداهما في صيغة الجمع ” سبع أرضين ” والآخر في صيغة المفرد ” الأرض ” . إنه يدل على معانٍ مختلفة في كلا المكانين . تشير ” سبع أرضين ” إلى القارات السبع ، بينما تشير الصيغة المفردة ” الأرض ” إلى الطبقة العليا من كوكبنا ، أي الغلاف الصخري lithosphere الذي ستتم مناقشة تفاصيله لاحقاً . لفهم هذا الاختلاف الدلالي لكلمة ” الأرض ” ، من الضروري فهم المعاني اللغوية لكلمة ” الأرض ” أولاً .

في الواقع ، إن كلمة ” الأرض ” في اللغة العربية هي كلمة واسعة وبليغة ، شبيهة بكلمة ” السماء ” التي لها معانٍ متنوعة وشاملة . لذلك فإن نطاق دلالاته يشمل كل ما هو أدنى من الإنسان . إن جميع القواميس العربية الكلاسيكية المهمة تقريباً تُعرَّف كلمة ” الأرض ” على النحو التالي :

كل ما سفُل فهو أرض [7] .

أرض  يعبر بها عن أسفل الشيئ كما يعبر بالسماء عن أعلاه [8] .

يتضح من التعريفات السابقة لكلمة الأرض أنه مثلما تستخدم كلمة ” السماء ” في اللغة العربية للإشارة إلى كل كائن أعلاه ( السحاب ، والغلاف الجوي ، والهواء ، والسماء ، والجرم السماوي ، والنجوم ، والكواكب ، والكون ، وما إلى ذلك ) وهي كلمة شاملة ، وبالمثل إن كلمة ” الأرض ” هي كلمة شاملة تُستخدم للإشارة إلى كل ما هو أدناه . لذلك ، وفقاً لهذا التعريف اللغوي لكلمة الأرض ، يمكن تطبيق معناها على كوكب الأرض ، والقارة ، والقشرة الأرضية ، والبلد ، والأرض ، والتربة ، والجزيرة ، وقطعة من الأرض ، وما إلى ذلك . وبالمثل تُستخدم كلمة ” الأرض ” بمعنى آخر ، أي للإشارة إلى مكان مليئ بالخضرة والنباتات .

أرض، يأرض ، أرضاً ( المكان ) كثر عشبه وازدهى وحسن في العين [9] .

أرِض ، يأرَض ، أرضاً كثُر نبتها وحسن مرآها [10] .

أرضٌ أريضة أي حسنة النبت وتأرض النبت تمكن على وجه الأرض فكثُر [11] .

لذلك ، يمكن تطبيق كلمة ” الأرض ” لغوياً على مكان مليئ بالخضرة والنباتات . فمن هذه الناحية تسمى الأرض أرضاً لأنها قادرة على زراعة الغطاء النباتي . وفقاً للمعنى اللغوي لكلمة ” الأرض ” هذه ، تشير كلمة ” الأرض ” ضمناً إلى مجموعة متنوعة من الأشياء : قطعة أرض وقارة وكواكب ( كواكب يوجد فيها إمكانية للخضرة والغطاء النباتي بسبب وجود الماء ) . ومن ثم ، سيتم تطبيق معنى ” الأرض ” اعتماداً على سياقه . تم استخدام كلمة ” الأرض ” في الحديث أعلاه في كلا معاني ” القارة ” والغلاف الصخري للأرض lithosphere [12] .

( للبحث صلة )

* الأمين العام ، الأكاديمية الفرقانية الوقفية ، ورئيس تحرير مجلة ” تعمير الفكر ” ، بنغالور ( الهند ) .

[1] Montet, Pierre, 2000, “Eternal Egypt”, Phoenix Press

[2] Lewy H., Lewy J., “The Origin of the Week and the Oldest West Asiatic Calendar”, The Hebrew Union College Annual 17 (1943), 1-146

[3] Strabo, Geography, I, 1

[4] كشاف اصطلاحات الفنون ، محمد أعلى التهانوي ، ص 307 ، التنبيه والإشراف ، المسعودي ، ص 23 – 24 .

[5] كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، الإدريسي ، مكتب الثقافات الدينيات ، بور سعيد ، مصر .

[6] الهيئة السنية ، جلال الدين السيوطي ، ص 74 .

[7] معجم الصحاح ، الجوهري ، ص 37 ، لسان العرب ، ابن منظور ، ج 1 ، ص 87 ، تاج العروس ، الزبيدي ، ج 18 ، ص 226 .

[8] المفردات في غريب القرآن ، راغب أصفهاني ، ص 16 .

[9] المنجد .

[10] المعجم الوسيط .

[11] المفردات في غريب القران ، الراغب الأصفهاني .

[12] ناقش الكاتب هذا الموضوع بالتفصيل بأمثلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية في مقال بعنوان ” دلالات الكلمتين الأرض والسماء وإعجازها العلمي ” ، منشور في مجلة          ” التحقيقات الإسلامية ” ، أكتوبر – ديسمبر 2013م ، عليكرة ؛ ومجلة تعمير الفكر ، مارس – أبريل / مايو – يونيو 2014م ، الأكاديمية الفرقانية ، بنغالور .