من آداب طلب العلم وشروطه

المقرئ أحمد الله القاسمي الباغلفوري إلى رحمة الله
مايو 4, 2024
المقرئ أحمد الله القاسمي الباغلفوري إلى رحمة الله
مايو 4, 2024

بأقلام الشباب :
من آداب طلب العلم وشروطه
الأخ الأستاذ محمد سلمان الندوي البجنوري 
العلم نور من الله عز وجل ، لأنه صفة من صفات الله تعالى ، والله نور السماوات والأرض وينجلي بنور علمه كل ما يخفى في الظلام ، والعلم يكشف الستار عن أسرار الكون وهو يخرج اللؤلؤ والمرجان من عمق البحار ، وكأنه المصباح في الليلة الظلماء ، ويستضيئ به الطارقون ويصلون إلى منازلهم ، وكأنه اللبن الشافي في الإناء الصافي ، فمن يشرب منه جرعةً أو جرعتين تتباعد عنه الأمراض والأدواء التي توجد فيه ، ويتمتع بالصحة والعافية والأخلاق الفاضلة والأوصاف الطيبة الطاهرة ، فهو يضيئ بنور علمه قلب الحزين ، ويبعث في الذين يصابون باليأس والقنوط روحاً جديدةً ويعطيهم حياةً طيبةً ، ولا شك في أن أفضل عمل يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى هو طلب العلم الديني والتفقه في الدين والشريعة ، وأفضل عبادة عند الله تعالى طلب العلم .
شروط تحصيل العلم :
وهناك شروط وآداب لطلب العلم نذكرها فيما يلي :
الأول : الإخلاص : إن الإخلاص والنية الصالحة الخالصة هي الأصل في جميع الأعمال والأفعال ، فينبغي لطالب العلم أن يخلص في تحصيل العلم ولا يخلطه بغرض دنيوي أو بنية فاسدة ولا يطلبه إلا لوجه الله تعالى ، وهدد النبي صلى الله عليه وسلم الطالب الذي يتعلم علماً للحصول على الدنيا والتمتع بلذاتها ونيل مناصبها ، فقال : ” من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يعني ريحها ” . قال شيخنا الأستاذ سعيد الأعظمي الندوي حفظه الله في شرح هذا الحديث : ” …. نرى في هذا الزمان كثيراً من الطلاب لا يأتون ولا يقصدون إلى هذه المدارس الإسلامية إلا للأغراض المادية والتجول وتضييع الأوقات الثمينة ، وبعضهم يكسبون العلم لطلب الدنيا وما فيها ، لا للعمل بالشريعة والدين ولا بنية الإخلاص ولا لابتغاء وجه الله تعالى في معنى الكلمة ، …. بل من أهدافهم الرئيسة أن يحوزوا الوظائف الحكومية والمناصب العالية في حياتهم ، وهم يتفكرون فيما يحصل لهم من الفوائد المادية فحسب ، فكيف يجدون ريح الجنة .
الثاني : الاجتناب عن المعاصي : إن المعاصي والرذائل والأخلاق الذميمة والعادات الخبيثة عائقة عن اكتساب العلم ، فينبغي لطالب العلم أن يحفظ نفسه من الوقوع في المعاصي والذنوب وأن يطهر قلبه من الأدواء الخلقية كالغيبة والنميمة والحقد والحسد والكبر والضغن والطمع وتضييع الأوقات في اللهو واللعب والتجول في الأسواق والجلوس في المطعم والمقهى ، وكذلك التحرز عن الشح والطمع وشهوة النفس والملذات المادية ، ” ينبغي لأهل العلم أن لا يُذل نفسه بالطمع في غير المطمع ، ويتحرز عما فيه مذلة العلم وأهله ويكون متواضعاً ” ، والطمع سبب لضياع العلم وخسرانه كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعبٍ : ” مَن أرباب العلم ؟ قال : الذين يعملون بما يعلمون ، قال : فما أخرج العلم من قلوب العلماء ؟ قال : الطمع ” ، وأن يتحرز الطالب عن أهل الفساد ومجالسة الفساق وصحبة الأشرار ، لأن العلم نور من الله تعالى ونور الله لا ينور القلب الذي أصيب بتلك الأدواء المهلكة ، روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه شكا إلى أستاذه وكيع بالعراق سوء حفظه فأوصاه إلى ترك المعاصي ، وهذه نصيحة مهداة إلى طلاب العلم في كل مكان وزمان :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأوصاني إلى ترك المعاصي
فإن الــــعــــلـــــم نــــــور مـــــن إلـهي ونور الله لا يـــعــطى لعاصي
والثالث : الجهد المتواصل : لا بد لطالب العلم أن يبذل جهوداً مكثفةً متواصلةً في هذا السبيل وأن يرهن إليه نفسه ويجود بها في سبيل العلم وألا يركن إلى اليأس والقنوط والكسل والتثاقل والضعف والاستكانة والانهيار والهزيمة ، ولا بد له من أن يتحمل الأذى والمشقة والصعاب والعناء في تحصيل العلم ، وقيل : ” ومن لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب ” .
وكذلك يجب على طالب العلم أن يواظب على الدروس ، ويحضر الحصص الدراسية على الميعاد ، ويستمع إليها ويحفظ كل ما يسمع من أساتذته ويجهد نفسه ويستخدم كل لحظة من لحظات حياته ويغتنم الليالي ويسهرها ويصل النهار بالليل والليل بالنهار ويكتسب العلم في صمت الليل ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله :
بـقَـدْرِ الْـكَـدِّ تُـكْـتَسَبُ الْمَعَالِي وَمَـنْ طَـلَـبَ الْعُلا سَهِرَ اللَّيَالِي
وَمَـنْ رَامَ الْـعُـلا مِــــنْ غَــــيْــرِ كَـدٍّ أَضَـاعَ الْعُمْرَ فِي طَلَبِ الْمُحَالِ
تَــــــرُومُ الْـــــــعِــــــزَّ ثُـــــمَّ تَــنَـامُ لَـيْـلاً يَغُوصُ الْبَحْرَ مَنْ طَلَـبَ اللَّآلِي
الرابع : توقير الأستاذ والصلة به : إن توقير الأستاذ وتعظيمه واجب على كل طالب ، وأن يتحرز عن هتك حرمته وتحقيره ، بل وجب أن يملأ قلبه بحبه ووده ، ولا يغيب إجلاله وتقديسه وحبه عن خاطر الطالب للحظة واحدة ، وأن تستمر علاقته بالأستاذ من البداية إلى آخر ساعة الحياة ، وقال الإمام الغزالي : ” ….. و أن لا يتكبر على العلم ولا يتأمر على المعلم ، بل يلقى إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل ، ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته ” .
الخامس : العمل وفقاً للعلم : ينبغي لطالب العلم أن يعمل بما علم ، وأن يقضي حياته في ضوء العلم الذي تلقاه ، وأن يطبق هذا العلم على جميع شئون الحياة ، لأن العلم بغير العمل جسم بلا روح ، وماء لا حياة فيه ، وعسل لا لذة فيه ولاشفاء ، ولا نور للعلم إلا في العمل به ، فبذلك يمتلئ القلب نوراً وضياءً ، والعلم بغير عمل حجة الله على ابن آدم يوم القيامة ، كما جاء في الحديث الشريف : ” عن الحسن البصري قال : العلم علمان : فعلم في القلب فذاك العلم النافع ، وعلم على اللسان فذلك حجة الله عز وجل على ابن آدم ” .
ينبغي لنا أن ندعو الله سبحانه وتعالى في دعواتنا كلها أن يوفقنا للحصول على علوم القرآن والحديث النبوي الشريف والجمع بين العلم والعمل ، لأن هذا ثروة عظيمة ونعمة كبيرة ، فهذه الثروة العظيمة تبقى معنا إلى آخر أنفاسنا ، وترافقنا في كل مكان وزمان ولا نحتاج معه إلى أي ثروة وإلى أي مال وإلى أي منصب مادي ، والله ولي التوفيق .