منهج الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي في التفسير القرآني

تأثير الكلمات الحكيمة على المجتمع البشري
مارس 15, 2022
انتقادات المستشرقين للحديث الشريف في ضوء الواقع والميزان
مارس 15, 2022
تأثير الكلمات الحكيمة على المجتمع البشري
مارس 15, 2022
انتقادات المستشرقين للحديث الشريف في ضوء الواقع والميزان
مارس 15, 2022

دراسات وأبحاث :

منهج الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي

في التفسير القرآني

الباحث شبير علي ك . ك *

الدكتور علي نوفل ك §

مناهج التفسير :

كلمة ” مناهج ” هي جمع ” منهج ” ، وهي مشتقة من الكلمة الثلاثية ” نهْج ” .  قال ابن فارس في ” مقاييس اللغة ” عنها : ” النهج : هو الطريق . ونهج لي الأمر معناه : أوضحه . وهو مستقيم المنهاج . والمنهج : الطريق . والجمع : المناهج ” [1] . وقال الراغب الأصفهاني في المفردات :       ” النهج : الطريق الواضح . ونهج الأمر وأنهج : وضح . ومنهج الطريق ومنهاجه . قال تعالى : ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ( المائدة : 48 ) ” [2] .

يلخص الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي الأقوال هكذا : ” أن مادة ” نهج ” تقوم على : توضيح الأمر وبيانه ، وتستعمل في الطريق الذي يكون واضحاً مستقيماً معروفاً بيناً ، بحيث تمكن معرفته وتمييزه ، ويسهل سلوكه والسير فيه ” [3] . المنهج والمنهاج هو الطريق الواضح البين المستقيم .

فمعنى ” مناهج المفسرين ” هو : ” الخطط العلمية الموضوعية المحددة التي التزم المفسرون في تفاسيرهم للقرآن الكريم ، هذه الخطط الموضوعية لها قواعد وأسس منهجية مرسومة ، ولها طرق وأساليب وتطبيقات ظهرت في تفاسيرهم .

ومنهج المفسر : هو الخطة المحددة التي وضعها المفسر عند تفسيره للقرآن الكريم ، والتي انعكست على تفسيره الذي كتبه ، وصارت واضحةً فيه . هذه الخطة تقوم على قواعد وأسس ، وتتجلى في أساليب وتطبيقات ” [4] .

الشيخ محمد مصطفى المراغي : حياته ونشأته ونشاطاته :

ولد الشيخ محمد مصطفى المراغي في ( ٩ فبراير ١٨٨١م ) في بلدة المراغة بمحافظة سوهاج ، أتم حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية ، والتحق بالأزهر الشريف بعده ، وتلقى العلوم على يد كبار العلماء والمشايخ ، واتصل بالإمام محمد عبده ، ولازم معه ونال من دروسه التاريخ والاجتماع والسياسة ، واتبع طريق الشيخ وتأثر بأفكاره في الإصلاح والتجديد .

تلقى الشيخ محمد مصطفى المراغي العلوم على يد الشيخ دسوقي العربي ، ومحمد حسنين العدوي ، ومحمد نجيب المطيعي وغيرهم . تخرج الإمام المراغي من الأزهر عام 1904م ، وحصل على الشهادة العالمية من الأزهر في  الثالث والعشرين من عمره ، وهي سن مبكرة بالنسبة لعلماء الأزهر في ذلك الوقت .

وفي سنة التخرج اختاره أستاذه الشيخ محمد عبده ليعمل قاضياً في مدينة دنقلة بالسودان ، واستمر الشيخ المراغي في تلك الوظيفة لمدة ثلاث سنوات فقط حتى عام ١٩٠٦م ، ولكنه استقال من منصبه بسبب خلافه مع الحاكم العسكري الإنكليزي للسودان . وعاد إلى مصر وتدرج بعد عودته إلى منصب القضاء ثم وصل إلى رئاسة المحكمة الشرعية العليا عام ١٩٢٣م .

وعُين شيخاً للأزهر في عام ١٩٢٨م ، وكان معنياً بإصلاح الأزهر بعدها ، ولكنه واجه عقبات كثيرة واستقال من منصبه في أكتوبر سنة ١٩٢٩م . وعُين مرةً أخرى في هذا المنصب سنة ١٩٣٥م بعد المظاهرات الكبيرة التي قام بها طلاب الأزهر وعلماؤه للمطالبة بعودة الإمام المراغي للأزهر لتحقيق ما نادى به من إصلاح . واستمر في منصبه عشر سنوات إلى أن توفي في ١٧ أغسطس ١٩٤٥م .

تأثير الشيخ محمد عبده في محمد مصطفى المراغي :

ظهرت مدارس فكرية إسلامية في العصر الحديث ، انطلقت من تفسير القرآن في إصلاح المجتمع ، وأشهر هذه المدارس اثنتان : الأولى منهما مدرسة الشيخ محمد عبده ، والثاني مدرسة الإخوان المسلمين . فمدرسة الأولى أسسها الشيخ محمد عبده ، وناداه تلاميذه ” الأستاذ الإمام ” ، ” كان شيخاً للأزهر ، ومفتياً لمصر ، وهو تلميذ لجمال الدين الأفغاني ، وقام بجهود كبيرة في الدعوة والإصلاح ” [5] .

يقول الدكتور الخالدي : ” بينما يراه المحققون من الباحثين مؤسساً للمدرسة العقلية التوفيقية في التفسير ، وهي التي تعتمد على دعامتين : تحكيم العقل تحكيماً مبالغاً فيه فهو مراد الله تعالى ، والتوفيق بين الإسلام وبين الحضارة الغربية ” [6] . هذا النوع من الاتجاه التفسيري يعرف بالاتجاه الاجتماعي .

وله تلاميذ مشهورة مثل الشيخ محمد رشيد رضا المعروف بأستاذ الإسلام الأكبر ، وأحد منهم الشيخ محمد مصطفى المراغي ، يقول الدكتور الذهبي : ” لم نعرف من رجال هذه المدرسة رجلاً تأثر بروح الأستاذ الإمام ، ونهج على طريقته من التجديد وإطراح التقليد ، والعمل على تنقية الإسلام من الشوائب التي ألصقت به ، وتنبيه الغافلين عن هديه وإرشاده ، مثل الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي عليه رحمة الله وضوانه ” [7] .

فهذا خير دليل لما تأثر به الشيخ محمد مصطفى المراغي من أستاذه الشيخ محمد عبده . وقد تربى المراغي في مدرسة الشيخ محمد عبده ، وتخرج منها ، وكان راغباً في الإصلاح ، والثورة على كل ما يقف في سبيل الإسلام والمسلمين . إنه تأثر بأفكار الشيخ ، وهذه الأفكار قد دفعته إلى الجهد والعمل في الحياة الإجتماعية ، خلال عمله في منصب شيخ الأزهر حيث انتهز الفرصة لتحقيق أهدافه للإصلاح في خطباته وتأليفاته .

لم يصاحب الشيخ المراعي أستاذه إلا فترةً قليلةً ، يقول الدكتور الذهبي : ” ولكنه كان على رغم ذلك أعمق أثراً وأكثر تحقيقاً لما تهدف إليه هذه المدرسة من ضروب الإصلاح وصنوف التجديد ، والسر في ذلك هو تقلب الشيخ في مختلف المناصب الدينية الكبيرة ” [8] . واستجلب الجميع إليه وتجذبوا بشخصيته وجالسوا معه للسماع إليه ، بينهم الملك والأمراء والوزراء والطلاب والعامة من الناس . كما قال الذهبي : ” جلس هؤلاء جميعاً يستمعون إليه ويأخذون عنه ، فكان الميدان فسيحاً أمام الشيخ ، يلقى فيه بآرائه وأفكاره ، فتجد الدعوة قبولاً من مستمعيه ، ورواجاً عند مريديه ” [9] .

منهج الشيخ محمد مصطفى المراغي ومصادره :

كان الشيخ محمد مصطفى المراغي يلقي الدراسات القرآنية ، وإليه يشير الإمام الذهبي حيث يقول : ” استمع إليها الكثير من الناس على اختلاف طبقاتهم ، من الملك إلى رجل الشارع كما قلت ،  وأذيعت هذه الدروس أيضاً في كثير من ممالك الأرض ، ودول الإسلام وغيرها ، وأخيراً طُبعت هذه الدروس ” [10] .

وهذه الدروس لم تتناول جميع آيات القرآن بل تناولت مقداراً قليلاً منها ، هي الآيات التي ألقاها في مناسبات مختلفات كما يبين الدكتور الإمام الذهبي في المجلد الثاني من كتابه ” التفسير والمفسرون ” [11] بقوله : ” وهو على قلته عمل كبير عظيم ، بالنظر لما يهدف إليه من إصلاح ، وما يحمل في طياته من توجيه حسن في التفسير . وحسب الشيخ أن يكون قد لفت قلوب كثير من المسلمين إلى القرآن ، بعد أن أعرضوا عن هديه ، وضلوا عن إرشاده ” [12] .

وهذه الآيات التي اختار الشيخ المراغي لدروسه تدل إلى رغبته في التفسير العلمي ، فيقول الدكتور الذهبي في كتابه : ” كان يختار لدروسه من آيات القرآن ما تتجلى فيه دلائل قدرة الله وآيات عظمته ، وما تظهر فيه وسائل هداية البشر ، ومواضع العظة والعبرة ، كما يلحظ أيضاً أنه وجه جانباً كبيراً من عنايته إلى الآيات التي يجمعها وقضايا العلم الحديث صلة القربى ؛ ليظهر للناس أن القرآن لا يقف في سبيل  العلم ، ولا يصادم ما صح من قواعده ونظرياته ، وذلك بما يهديه الله إليه من الدقة في التوفيق بين قضايا القرآن ، وقضايا العلم الحديث ” [13] .

وخلاصة القول أنه كان الشيخ محمد مصطفى المراغي يستند في تحضير دروسه على كتاب الله تعالى بجمع ما كان من الآيات في موضع واحد ، وما صح من بيان رسول الله ، وبيان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، وعلى أساليب اللغة وسنن الله في الكون ، وعلى ما كتبه المفسرون القدامى .

القرآن وعلم الحديث في رأي المراغي :

كان الشيخ المراغي يكره مسلك من يجر الآية القرآنية إلى العلوم باعتقاده أن القرآن قد أتى بأصول عامة . ولكن مع هذا كله ” كان يرى أن يكون مفسر كتاب الله على شيئ من العلم ببعض نظريات العلم الحديث ، ليستطيع أن يأخذ منها دليلاً على قدرة الله ، ويستلهم منها مكان العبرة والعظة ” [14] . إنه يعتقد هو المسلك السليم لفهم القرآن الكريم وقال في تفسيره لسورة لقمان : ” ليس من غرض مفسر كتاب الله أن يشرح عالم السماوات ، ومادته وأبعاده ، وأقداره ، وأوزانه ؟ لكنه يجب أن يلم بطرف يسير منه ، ليدل به على القدرة الإلهية ويشير إليه للعظة والاعتبار ” [15] .

مثلاً : في شرحه لسورة لقمان الآية 10 : ” خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ” ، إنه يقول ( خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ) السماوات مجموع ما نراه في الفضاء فوقنا من سيارات ؛ ونجوم وسدائم وهي مرتبة بعضها فوق بعض تطوف دائرة في الفضاء ، كل شيئ منها مكانه المقدار له بالناموس الإلهي ونظام الجاذبية ، ولا يمكن أن يكون لها عمد والله هو ممسكها ومجريها إلى الأجل المقدر لها ، فإذا قيل : إن نظام الجاذبية وهو الناموس الإلهي قائم مقام العمد ويطلق عليه اسم العمد جاز أن نقول : إن لها عمداً غير منظورة وإذا لاحظنا أن لا يوجد شيئ مادي  تعتمد عليه ، وجب أن نقول : إنه لا عمد لها ، ……….. وقال : قرر الكتاب الكريم أن الأرض كانت جزءاً من السماوات وانفصلت عنها وقرر الكتاب الكريم أن الله ( ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ : فصلت ، 11 ) ، وهذا الذي قرره الكتاب الكريم هو الذي دل عليه العلم ، وقد قال   العلماء : إن حادثاً كونياً جذب قطعةً من الشمس وفصلها عنها وإن هذه القطعة بعد أن مرت عليها أطوار تكسرت وصارت قطعاً كل قطعة منها سارت سياراً من السيارات وهذه السيارات طافت حول الشمس وبقيت في قبضة جذبتها ، والأرض واحدة من هذه السيارات فهي بنت الشمس ، والشمس هي المركز لكل هذه السيارات ” [16] .

الخاتمة :

تفسير الشيخ محمد مصطفى المراغي كان مقصوراً على بعض آيات القرآنية المختارة ، آراؤه وأفكاره كانت تحتل في مرتبة عليا من العلم والتفسير ، وهو لا يعرض عن الاتجاهات الجديدة في مجال العلم والعلوم ، ولكنه كان يحاول أن يأخذ ما يوافق للحقائق الإلهية ويترك ما لم يوافقها . وهذا سبيل متوسط ، واتبع منهج السلف ورأى من مسيس الحاجة إلى وضع تفسير للكتاب العزيز يشاكل حاجة الناس في هذا العصر في أسلوبه وطريق رصفه ووضعه ، ويكون دانى القطوف ، سهل المأخذ يحوي ما تطمئن إليه النفس من تحقيق علمي تدعمه الحجة والبرهان ، وتؤيده التجربة والاختبار ، ويضم إلى آراء مؤلفه آراء أهل الذكر من الباحثين في مختلف الفنون التي ألمع إليها القرآن على نحو ما أثبته العلم ، ويترك الروايات التي أثبتت في كتب التفسير .

* الباحث في قسم دراسات الماجستير والبحوث في اللغة العربية وآدابها ، كلية فاروق ، كيرلا ، الهند .

  • رئيس القسم ومشرف البحوث ، قسم دراسات الماجستير والبحوث في اللغة العربية وآدابها ، كلية فاروق ، كيرلا ، الهند .

[1] مقاييس اللغة ، ابن فارس : ص 1000 .

[2] مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : ص 825 .

[3] تعريف الدارسين بمناهج المفسرين ، الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي : ص 16 .

[4] المصدر نفسه : ص 16 – 17 .

[5] تعريف الدارسين بمناهج المفسرين ، الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي : ص 563 .

[6] المصدر نفسه : ص 563 .

[7] التفسير والمفسرون ، الدكتور محمد حسين الذهبي : 2/519 .

[8] المصدر نفسه : 2/519 .

[9] التفسير والمفسرون ، الدكتور محمد حسين الذهبي : 2/519 .

[10] المصدر نفسه : 2/520 .

[11] قد أعطى الدكتور محمد حسين الذهبي عدد الآيات التي فيها تفسير المراغي في كتابه     ” التفسير والمفسرون ” : 2/520 – 522 .

[12] المصدر نفسه : 2/522 .

[13] التفسير والمفسرون ، الدكتور محمد حسين الذهبي : 2/523 .

[14] المصدر نفسه : 2/530 .

[15] تفسير سورة لقمان : ص 13 – 14 .

[16] تفسير سورة لقمان : ص 13 – 15 ( كما حكى الدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون : 2/531 – 532 ) .