منثورات من أدب العرب : دراسة موضوعية

كتاب جزيرة العرب : دراسة موضوعية
نوفمبر 19, 2023
المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الحجرات
نوفمبر 19, 2023
كتاب جزيرة العرب : دراسة موضوعية
نوفمبر 19, 2023
المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الحجرات
نوفمبر 19, 2023

منثورات من أدب العرب : دراسة موضوعية

الدكتور محمد وسيم الصديقي الندوي *

درستُ هذا الكتاب في الثانوية الخامسة ، وكنت في الخامس عشر من عمري ، حينما قرأته تأثرت ببعض مقالاته كثيراً فحفظتها وألقيتها في الحفلات الأسبوعية للنادي العربي ، وهذه المقالات والدروس المختارة التي توجد في هذا الكتاب تدل على الذوق الرفيع للمؤلف ، وأدبه الرائع ، واختياره البديع ، لأن المؤلف حينما اختارها ، اختارها مع المراعاة الدقيقة لمستوى الطلاب ومبلغهم العلمي وشعورهم الديني ووعيهم الفكري ، ولذلك أدخل فيه ما يفيد الطلاب ويوقظ الوعي الإسلامي ويربيهم تربيةً دينيةً ، ويزودهم بمعارف إسلامية جمة ، ويرسخ عقيدتهم وإيمانهم ودينهم ، ويشعل فيهم حرارة الإيمان ويشحن بطاريتهم من جديد ، والكتاب بين منثور ومنظوم ، وجميع الدروس المختارة للأدباء الكبار والعلماء العظام والمؤرخين الموثوق بهم وأهل الفضل والكمال ، ولا شك أنني فقدت بفقده علماً من أعلام العلم والأدب ، وعلماً من أعلام الفضل والكمال ، وعلماً من أعلام الخير والتقى ، وعلماً من أعلام الصبر والحلم ، وعلماً من أعلام التواضع والانكسار ، وله مكانة سامية مرموقة في جميع أنحاء العالم من بين العلماء والأدباء المبرزين والصلحاء والأتقياء الربانيين .

المؤلف بدأ كتابه بالأحاديث التي وردت في صحيحي البخاري ومسلم ، هكذا يرسخ في ذهن الطالب مكانة كتب الحديث الشريف وأهميتها بما فيه من زاد علمي وتربوي وديني للقارئ ، ثم أتبع بمقالات المؤرخين والأدباء النابغين في زمانهم ، واختار من بينها خاصةً المواد التي تحتوي على غذاء فكري وعلمي وأدبي ، من سيرة ابن هشام ، ونزهة الخواطر للشيخ عبد الحي الحسني ، والأمالي لأبي علي القالي ، وابن عبد ربه ، والدكتور طه حسين ، وأبي الفرج الأصبهاني ، وابن قتيبه الدينوري ، وعبد الله بن المقفع ، ومصطفى لطفي المنفلوطي ، والشيخ علي الطنطاوي ، وابن الجوزي ، والفضيل بن عياض ، وأحمد أمين ، وجرجي زيدان وغير ذلك من الأدباء والعلماء الربانيين ، فإذا قرأ أحد جميع الدروس التي جاءت فيه ، يطلع على الأدباء الكبار في اللغة العربية في سن طفولته ، وتؤثر هذه الدروس تأثيراً عظيماً في سلوكه وسيرته وعاداته وأخلاقه ، وهذا الانتخاب ليس سهلاً ميسوراً ، كما يظن بعض الناس ، بل هو صعب جداً ، وله دور عظيم في تربية النفوس وتزكيتها ، وعمل صامت إيجابي في إيقاظ الشعور الإسلامي والوعي الديني ، وتكوين الأخلاق والعادات وتوجيه الجيل الجديد إلى نموذج صالح مثالي  وعمل هادف بنَّاء للأمة وللإنسانية جمعاء ، وأشار إلى ذلك الشيخ         أبو الحسن علي الحسني الندوي فقال : ” إنه اقتبس من كتب السيرة والتاريخ والأدب والدين قطعاً نابضةً مشرقة الديباجة ، واضحة الفكرة ، إسلامية النزعة ، تغذي الملكة الأدبية والعاطفة الدينية في وقت واحد ، وتمثل الأخلاق العربية الفاضلة والحضارة الإسلامية المثلى ، وقد جمع فيه المؤلف بين النثر البليغ والشعر الرقيق والأدب القديم والأدب الحديث ، فجاء كتابه مجموعةً جامعةً تغرس في قلوب الناشئة حب هذه اللغة الكريمة التي يدرسونها ، وحب الأخلاق والأغراض التي يحملها أدبها ، وحب المجتمع الذي عاشت فيه هذه اللغة وآدابها ، ويدفعهم إلى تقليد هذه الأساليب الأدبية السهلة الطبيعية ، فنشأ فيهم الثقة بنفوسهم وبدينهم ولغتهم وقريحتهم ” ، وقام فضيله الشيخ أبو الحسن علي الندوي بإشادة هذه المجموعة المختارة والتنويه بها في مقدمة هذا الكتاب بقوله : ” أنا أعرف صعوبة الاختيار وجهد المؤلف لمثل هذه المجموعة على كثرة مصادرها ومراجعها ، لذلك أهنئ المؤلف على هذا الجهد الذي بذله والنجاح الذي أدركه ، وأهنئ ندوة العلماء على هذا العمل الصامت المنتج ، تأليف الكتب الدراسية ، فإنه جزء مهم في برنامجها الإصلاحي الضخم الذي قامت لأجله وأسست دار العلوم ، وأرجو أن تتسع دائرة الإفادة من جهودها في المستقبل ، ومع اليوم غد ” .

هذه الكلمات إن دلت على شيئ فإنها تدل على مكانته العلمية والأدبية ، وخير شهادة على فضل المؤلف ، ونبوغه وكماله في العلم والأدب والاعتراف بجهده وسعيه المشكور من هذا الرجل العظيم العبقري الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي .

هذا الكتاب أدى دوراً كبيراً في ملء الفراغ الذي يوجد في الأدب في المدارس الإسلامية ، ووسع النطاق الأدبي الذي كان محصوراً في بعض الكتب القديمة .

جزى الله المؤلف خير الجزاء ، وأسكنه في فسيح جنانه ، وتغمده برحمته الواسعة .


*  أستاذ كلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء .