ملامح عامة للأدب الإسلامي عند العلامة محمد الرابع الحسني الندوي

رائد متميز في موكب رواد الأدب الإسلامي
نوفمبر 19, 2023
التعريف السنيّ بكتاب : رسائل الأعلام
نوفمبر 19, 2023
رائد متميز في موكب رواد الأدب الإسلامي
نوفمبر 19, 2023
التعريف السنيّ بكتاب : رسائل الأعلام
نوفمبر 19, 2023

ملامح عامة للأدب الإسلامي

عند العلامة محمد الرابع الحسني الندوي

د . عبد الوحيد شيخ المدني *

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

فإن الأدب تهذيب للنفوس ، وهو كلام معبر عن شعور صاحبه نحو حياته وحياة غيره ، ولا يؤدي هذا الكلام دوره الأدبي إلا إذا استجاب له وجدان سامعه أو قارئه ، وإلا كان ذلك الكلام لغواً وفلسفةً ، وليس أدباً . وكذلك فإن الأدب تعبير عن الحياة ، لذلك نجد أن الأدباء الذين تأثروا بحياة الغرب فإنهم يمثلون أفكارهم وقيمهم ، ولا يمثلون قيم الإسلام إلا نادراً ، فأدبهم يدور حول إنسان مبهم مجهول ، وأوهام وأسرار بتعبيرات ومصطلحات متطرفة ، بينما الأدب الإسلامي تعبير مخلص للحياة ، وتصوير صادق للآمال والآلام للأمة ، فهو يؤدي دوره المطلوب في خدمة الأمة بتوجيهها إلى الغايات والأهداف .

فقد أنجبت الهند عدداً كبيراً من العلماء البارزين على مرّ العصور ، ولم تكن شهرتهم قاصرةً على الهند ، وإنما ذاع صيتهم في الآفاق واتجه إليهم الوفود من العالم كله واستفاد منهم الطلاب من الهند وخارجها . ومن محاسن الهند أنها قدّمت علماء كباراً في مختلف العلوم والفنون من العلوم الشرعية وغيرها واستفاد من مصنفاتهم العرب والعجم قديماً وحديثاً ، وأثروا المكتبة الإسلامية بمؤلفات قيمة حظيت بالقبول عند العلماء ، ويأتي اسم العلامة محمد الرابع الحسني الندوي – رحمه الله – في طليعة هذه النخبة من العلماء الأفذاذ علماً وتواضعاً ، ويمتاز بالنجابة والإخلاص والصدق والأمانة مع اتصافه بالأخلاق الفاضلة وتضلعه من العلوم الشرعية واطلاعه الواسع على الأوضاع الراهنة التي تمر بها الأمة الإسلامية في هذا العصر بالإضافة إلى اهتمامه بقضايا الأمة والسعي الدؤوب إلى تحقيق مصالحها ، فقلبه حزين على وضعها المخفق وقلمه جيّاش على التعبير بآلامها .

فقد اعتنى علماء الندوة بهذه المسؤولية وعلى رأسهم أديب الهند وعَلَمها الشهير العلامة أبو الحسن علي الندوي – رحمه الله – ، فقد ألّف كتباً وألقى محاضرات في هذا الصدد ، وكان لابن أخته العلامة محمد الرابع الحسني الندوي أوفر نصيب من هذا الميراث ، فإنه كان يكتب في مجلة البعث الإسلامي عن موضوعات تمسّ حاجة الأمة إلى معرفتها ، وتتنوع مقالاته ما بين دينية وسياسية وأدبية وتربوية وإصلاحية ، وكل ذلك يغلب عليه النزعة الدينية والغيرة الإسلامية ، ولا عجب في ذلك ، فإنه كان من كبار العلماء في هذا العصر ، وعلماً بارزاً من أعلام الهند ، وقد اعترف بمنزلته القاصي والداني . وكان لنشأته في بيت العلم والأدب ولتربيته في أحضان خاله أبي الحسن علي الندوي تأثير كبير في تكوين شخصيته العلمية والأدبية ، فقد لازمه في حلّه وترحاله ، واستفاد من علمه وحلمه وأدبه وسمته وتأثر بأسلوبه في الكتابة من حيث الوضوح والبيان على منهج الوسطية من غير جفاء ولا ليونة ، واستخلفه في مهامه بعد وفاته . فقد أسندت إليه رئاسة رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئاسة ندوة العلماء ورئاسة هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند بالإضافة إلى العضوية في المؤسسات التعليمية والإصلاحية والجمعيات الخيرية والدينية والأدبية .

مؤلفاته : فقد ترك العلامة محمد الرابع الحسني الندوي كتباً مفيدةً ، يستفيد منها الأجيال والقادمة بعد وفاته ، بالإضافة إلى المقالات والبحوث التي نُشرت في الصحف والمجلات المحلية والعالمية ، منها :

(1) الهداية القرآنية سفينة نجاة للإنسانية (2) أضواء على الفقه الإسلامي (3) الشيخ أبو الحسن علي الندوي : شخصية صنعت التاريخ (4) ندوة العلماء : فكرتها ومنهاجها (5) تاريخ الأدب العربي ( العصر الإسلامي ) (6) الأدب العربي بين عرض ونقد (7) أضواء على الأدب الإسلامي (8) الأصول الثلاثة ( عقيدة التوحيد ، الرسالة ، الآخرة ) (9) قيمة الأمة الإسلامية : منجزاتها وواقعها المعاصر (10) منثورات من أدب العرب (11) الأدب الإسلامي وصلته بالحياة مع نماذج من صدر الإسلام (12) رسائل الأعلام (13) مقالات في التربية والتعليم (14) الأدب الإسلامي : فكرته ومنهاجه (15) معلم الإنشاء (16) مختار الشعر العربي (17) العالم الإسلامي : قضايا وحلول (18) رسالة المناسبات الإسلامية (19) في ظلال السيرة النبوية (20) الغزل الأردي ومحاوره (21) سراجاً منيراً : سيرة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم (22) في وطن الإمام البخاري (23) جزيرة العرب (24) تأملات في سورة الكهف (25) ملامح بارزة في شخصية الشيخ أبي الحسن علي الندوي (26) الحج وآدابه ومشاعره (27) شعائر الله تعالى وتعظيمها (28) أدب الأطفال : أهميته وحاجته (29) المجتمع الإسلامي : حدوده وآدابه في ضوء سورة الأحزاب (30) الأوضاع المعاصرة وطرق علاجها .

مفهوم الأدب الإسلامي : لا يمكن تحديد المراد به في تعريف واحد ، لأن كل أديب يعرّفه من وجهة نظره الخاص ، نستخلص من كلامهم أن الأدب الإسلامي هو تعبير فني جميل يستمد روافده من القرآن والحديث والفكر الإسلامي ، فهو الأدب الذي ينبع من التصور الإسلامي للخالق ويتحدث عن الحياة والإنسان والكون طبقاً للقرآن الكريم والسنة النبوية ، فهو أدب هادف ملتزم بالعقيدة الإسلامية .

يقول كتيل جمال : تعريف الأدب الإسلامي يجب أن يشمل :

  1. العناصر الفنية للأدب ، وهي العناصر التي تساهم في بنائه وتكون جماله الفني .
  2. القوى الأساسية التي ينطلق منها العمل الفني من الإنسان والجذوة التي تطلقه والميادين التي يعمل بها .
  3. العقيدة التي ترعى ذلك كله ، وتغذيه وتهبه القوة والحياة وتحدد له الأهداف المرحلية [1] .

يقول الدكتور نجيب الكيلاني بعد أن ذكر تفصيلاً عن المراد بالأدب الإسلامي : ” ذلك هو مفهومنا للأدب الإسلامي : تعبير فني جميل ونابع من ذات مؤمنة ، ومترجم عن الحياة والإنسان والكون وفق الأسس العقائدية للمسلم وباعث للمتعة والمنفعة ومحرِّك للوجدان والفكر ومحفز لاتخاذ موقف والقيام بنشاط ما ” [2] .

وسبب استعمال التركيب الوصفي لهذا الأدب أن الغرب أفسد في معنى كلمة الأدب حيث استعملها في مفاهيم معينة من الوجدان والشعور والفكر ، وبينما كانت هذه الكلمة تستعمل عند العرب بمعنى الفضيلة لذلك اضطر المتحمسون من الأدباء المسلمين إلى استعمال التركيب الوصفي ، فقالوا : ” الأدب الإسلامي ” للدلالة على المعاني الأصلية لكلمة الأدب لئلا يخطئ في فهم المراد بها مخطئ ، ولا ينال بمعانيها عابث [3] .

نزعته الدينية : وقد غلب على كتاباته النزعة الدينية والثقافة الإسلامية ، فكثر فيها الدعوة إلى الأخلاق النبيلة والصفات السامية والسعي إلى ما فسد في المجتمع وما ساد فيه من الجهل والظلم على مستوى الفرد والمجتمع والأمة ؛ لذلك فقد كان القراء ينتظرون بفارغ الصبر لصدور مجلة البعث الإسلامي للوقوف على مقالاته الممتعة وتحليله البارع للقضايا المهمة لهذه الأمة ، وقد كتب الله له القبول والاحترام بين تلاميذه في مشارق الأرض ومغاربها ، وما ذلك إلا لآرائه السديدة وتوجيهاته القيمة التي فيها مصالح العباد والبلاد . ومنبعه في ذلك كله القرآن والحديث ، يقول الشيخ : ” والأدب في كل أمة لا تنبثق مضامينه ومعانيه من حياة أمته فحسب ، بل ويكون مرآةً لها ، فلا بد فيه من التفريق بين الأصل منه والمستورد ، ولكن إذا اضطربت الموازين بسبب تواضع الأصيل منه أمام الدخيل لانخذل أمام الوافد الجديد ، فلا بد لأصحاب العزيمة والعقول الكبيرة أن يقيموا سدّاً يمنع الغارة ويحيط التراث الأصيل من الذوبان ويربطوه بالمنابع الأصيلة الصافية ، وهي للمسلين كتاب ربهم وكلام نبيهم وإبداعات سلفهم وآراؤهم القيمة ويستعينوا بها لإعادة الصرح الإسلامي ” [4] . ومن ذلك يتبين أن الثقافة الإسلامية تكونت عند الشيخ محمد الرابع الندوي بمجموع المصادر الأساسية للإسلام ، وهي القرآن والحديث بفهم السلف ، ووصل به الأمر إلى أنه يرى أن كل جملة وآية في القرآن تحمل ثروة أدبية وقوة بيانية لا يمكن حصرها ، وكذلك الحديث النبوي الشريف يضم ثروةً أدبيةً كبيرةً تفوق ما تشتمل عليه الكتب الأدبية .

تأسيس رابطة الأدب الإسلامي : والأدب الإسلامي عنده أدب شامل للدين والدنيا ، وليس المراد به الدنيا فقط وهو ينعزل عن الآخرة ، وإنما هو يحيط بالحياتين معاً ، ولهذه الأهمية فقد أسّست رابطة الأدب الإسلامي بتوجيه العلامة أبي الحسن علي الندوي ، وانضم إليها كبار المفكرين والأدباء من المسلمين من العرب والعجم . وكانت لهذه الرابطة دوافع وأسباب ، ذكرها الشيخ محمد الرابع الندوي فقال : ” فإن رابطة الأدب قد أنشئت لتكون منبراً عالمياً لدعم التصور الإسلامي في الأدب ” [5] .

الأدب يؤثر في الحياة ويصنع الأجيال كما يرسمه الأديب في أدبه ، لأنه يؤثر في النفس والعاطفة والخيال فتسير الأفكار وفق تأثير الأدب ويصير الأدب هو الحياة ، لأنه يسجل أحداث الحياة ويخلدها وتتسع مجلات الأدب كلما اتسعت مجالات الحياة .

الإسلام هو الميزان الصحيح لمعرفة الصحيح وغيره : ومن التوجيه الجميل الذي ذكره الأستاذ محمد الرابع في قول النابغة الجعدي عند ما قال :

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا     وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً

فلما كان البيت يحتمل معنيين مغايرين : أحدهما قبيح إذا ما أريد به الجرأة على الله عزّ وجلّ ، والآخر جميل وهو الذي أراده الشاعر النابغة بأن مراده به الجنة وهو يتفق مع النظرة الإسلامية الرشيدة إلى الحياة [6] . فالبيت الواحد قد يكون مقبولاً إذا فسّر بالمعنى الحسن الموافق لروح الإسلام ، وقد يصير مرفوضاً إذا حمله الشارح على ما يشين بروح الدين ، فالإسلام هو الميزان الصحيح لمعرفة هذه الأمور ، وهو الحد الفاصل بين الصحيح وغير الصحيح ، ومن المعروف أن الإسلام قد أقرّ بكل ما هو خير ، ولو كان ذلك في العهد الجاهلي ونفي الشر كله سواء كان في الجاهلية أو الإسلام .

نصوص الأدب الإسلامي : أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الخلق قاطبة واعتبر الشيخ كلامه نبراساً يستضيئ به الأدب الإسلامي على مر العصور والأزمان ، فكلامه عليه الصلاة والسلام آية في الفصاحة والبلاغة يعبر عن المشاعر الإنسانية ، وقال : ” نبوته تمنحه قوةً وصرامةً وبشريته تمنحه الرقة والانفعال العاطفي وبلاغته تمنحه التعبير البليغ والمنهج المؤثر الجميل ” [7] . وضرب لذلك أروع مثال من كلام النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار عندما وجد بعضهم في أنفسهم شيئاً لما وزّع النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم في غزوة حنين بين أفراد من قريش تأليفاً لقلوبهم ، وترك الأنصار اعترافاً منه بقوة إيمانهم ، فلم يعطهم منها شيئاً ، فلما سمع به النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقام فيهم خطيباً فقال : ألا ترضون يا معشر الأنصار ! أن يرجع الناس بالشاه والبعير وترجعون برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى رحالكم ” . وبذلك حرّك مشاعرهم وأزال شكواهم بأسلوب جميل وتعبير قوي معجز وبلاغة مؤثرة ، فإن المال لا يساوي شيئاً في مقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى الأنصار وقالوا : ” رضينا برسول الله قسماً وحظاً ” .

ومما ذكره الشيخ محمد الرابع من الأدب الإسلامي شعر الابتهال والمناجاة ، وانتقد المؤرخين الذين لم يهتموا به وأهملوه كليّاً ، مع أنه أنموذج أدبي رائع مدعم بالوجدان والانفعال ويستحق كل تقدير واهتمام [8] .

ويندرج في هذا الصنف ما قيل في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو غرض من الشعر مستقل بذاته ، ويمتاز بالرزانة والاحترام ويتصف بالروعة الأدبية والبلاغة الشعرية [9] .

تساؤل وجواب : ذكر الشيخ أن بعض الناس يرى أنه ليس هناك أدب إسلامي وغير إسلامي ، وأن هذا التقسيم غير معترف به ، لأن ما يسمونه بالأدب الإسلامي ما هو إلا صوراً من المواعظ والإرشاد لا ترتقي إلى المستوى الفني للأدب ، ولكن هذا الاعتراض مرفوض ومردود على صاحبه لأن الأدب الإسلامي ليس قاصراً على المواعظ والإرشاد ، وإنما هو جزء منه فقط ، ثم إن الأدب الإسلامي عمل وجداني بمعنى أنه يؤثر في وجدان القارئ والسامع ، والإسلام لا يستنكر شيئاً من جوانب الحياة ، وإنما يعارض صوراً فيها اعتداء على إنسان أو مخالفة لمرضاة الله ، فإذا كان كذلك فهو خارج من إطار الأدب الإسلامي ، وأما الصور الأخرى التي لا منافاة فيها لروح الإسلام فهي داخلة فيه .

هذا ما أمكن من استخراج الملامح العامة للأدب الإسلامي عند الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي – رحمه الله – من خلال النظر في كتابه ” أضواء على الأدب الإسلامي ” ، فجزاه الله خيراً عما قدمه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين .


* كشمير ، الهند .

[1] الأدب الإسلامي ، ط 2018م ، ص 5 .

[2] مدخل إلى الأدب الإسلامي ، كتاب الأمة ، قطر ،ط 1 ، 1407هـ ، ص 36 .

[3] أضواء على الأدب الإسلامي ، المجمع الإسلامي العلمي ، لكناؤ ، الهند ، ط 2 ،   2017م ، ص 86 .

[4] المصدر السابق ، ص 7 .

[5] المصدر السابق : ص 25 .

[6] المصدر السابق ، ص 38 .

[7] المصدر السابق ، ص 50 .

[8] المصدر السابق ، ص 42 .

[9] المصدر السابق ، ص 46 .