إنكم لمن المقربين
مايو 4, 2024الهدي المنهاجي للدعاة رسل الهداية
يونيو 4, 2024الدعوة الإسلامية :
مكانة الصحابة رضي الله عنهم
في ضوء الكتاب والسنة
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
الصحابة الكرام جماعة ذات قدسية واحترام ، اختارهم الله تبارك وتعالى لصحبة نبيه الأخير محمد صلى الله عليه وسلم ، وهداية الأمة ، فقد لعن علماء الأمة من استهدفهم بالإهانة والتنقيص .
يقول الميموني رحمه الله : سمعت أحمد يقول : ما لهم ولمعاوية ؟ نسأل الله العافية ، وقال لي : يا أبا الحسن ! إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء ، فاتهمه على الإسلام ، يقول الإمام أبو زرعة أستاذ الإمام مسلم :
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة : سأل الشيخ إبراهيم بن سعيد الجوهري رحمه الله الشيخ أبا أسامة رحمه الله : هل معاوية رضي الله عنه أفضل أم عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال : لا نعدل بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحداً ، يقول الإمام الذهبي رحمه الله : من طعن فيهم أو سبّهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين ، لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم وإضمار الحقد فيهم وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم ، وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وفضائله ومناقبهم وحبهم ، ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول ، والطعن في الوسائط طعن في الأصل ، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول ، هذا ظاهر لمن تدبره ، وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته ، وأضاف قائلاً : من ذم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيئ ، وتتبع عثراتهم وذكر عيباً وأضافه إليهم كان منافقاً ، بل الواجب على المسلم حب الله وحب رسوله وحُبّ ما جاء به ، وحب من يأخذه بهديه ويعمل بسنته وحب آله وأصحابه وأزواجه وأولاده وغلمانه وخدامه ، وحب من يحبهم وبغض من يبغضهم ، ويقول القاضي عياض شارح صحيح مسلم : ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وبره توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم ومعاداة من عاداهم والإضراب عن أخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم ، ويقول ابن حزم رحمه الله : ” وأما الصحابة رضي الله عنهم فبخلاف هذا ولا سبيل إلى أن يلحق أقلهم درجة أحد من أهل الأرض ، يقول الإمام القرطبي رحمه الله : من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرةً في عمره أفضل من يأتي بعده ، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل :
مكانة الصحابة :
كما أن النبوة شرف عظيم ، ومن عقائد الأمة الإسلامية ، وتعتقد الأمة الإسلامية أنه لا ينال هذه المكانة أحد من الملائكة والأولياء ، ولا يصل إلى هذه المنزلة المرموقة ، فلا يعتبر إيمان أحد من المؤمنين حتى يؤمن بنبوة الأنبياء .
كما قال الله تبارك وتعالى : ( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) [ البقرة : 285 ] .
قال الله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) [ البقرة : 253 ] فلا مكانة بعد النبوة ولا رتبة أعلى وأشرف من مرتبة الصحابة رضي الله عنهم ، لا يصل إليها ولي من الأولياء ، كلهم أقل مكانة من النبوة ، صرح جميع المفسرين أن كلمة ( والذين معه ) قد وردت بمعناها العام ، والمراد بضمير الجمع كل صحابي سواءاً كانت مجالسته طويلةً أو قصيرةً ، كما جاء في القرآن المجيد : ( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ الفتح : 29 ] .
قال أبو عروة الزبيري رحمه الله : كنا عند مالك فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ مالك هذه الآية : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) [ الفتح : 29 ] فقال مالك : من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية : ( حلية الأولياء : 6/327 ) وقد ذكر الله تبارك وتعالى المهاجرين والأنصار في آية كريمة فرداً فرداً ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [ الأنفال : 72 ] .
الصحابة الكرام في القرآن الكريم :
منزلة الصحابة الكرام في مواضع مختلفة وأيضاً في آخر آية من سورة الفتح بعد ( محمد رسول الله ) اتصالاً بها ( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) [ الفتح : 29 ] ، وذكر جل شانه ذكر من شهد في بيعة الرضوان تحت الشجرة في آية خاصة : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) [ الفتح : 18 ] وفي سورة الحجرات : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) [ الحجرات : 7 ] ، وهذه الآية الكريمة قد كشفت الأمر : ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ) [ الفتح : 26 ] وقد أكرم هؤلاء بلقب رضي الله عنهم ورضوا عنه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) [ التوبة : 100 ] وفي هذه الآية الكريمة شهادة على أن الصحابة البررة الكرام فارقوا الحياة وكانوا مؤمنين بالله حقاً ، يقول شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية رحمه الله : الرضى من الله صفة قديمة فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضى ، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً .
الصحابة الكرام في الحديث النبوي :
وقد أبدى الرسول صلى الله عليه وسلم حبه للصحابة رضي الله عنهم في مناسبات مختلفة فقال : الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً من بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه : وقال أيضاً : لعن الله من سبَّ أصحابي : وقال في موضع آخر : من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين : وقد اعتبر القرن الأول خير القرون ، وهؤلاء هم الصحابة الذين اصطفاهم الله تبارك وتعالى لمعية نبيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم : وورد في سنن الترمذي : إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم ، وهذه حقيقة واضحة أن من سب الصحابة وأطال اللسان فيهم فهو ملعون عند الله تعالى ، وقد ورد في الحديث الشريف : النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون : وقال الإمام النووي رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد : قال العلماء : الأمنة بفتح الهمزة والميم ، والأمن والأمان بمعنى واحد ، ومعنى الحديث أن النجوم ما دامت باقيةً فالسماء باقية ، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت : وقوله صلى الله عليه وسلم : وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون : أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً ، وقد وقع كل ذلك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون : معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك ، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرةً عن فتن ناشئة في الأمة الإسلامية بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ، فقال : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلها في النار غير واحدة ، قال الصحابة رضي الله عنهم : أي منها على الحق يا رسول الله ؟ فقال : ما أنا عليه وأصحابي ، وجاء في حديث آخر : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ، وفي الحديث دلالة واضحة على أن لا يحل لأحد أن يصفهم بالطعن ، فإمساك اللسان عما شجر بينهم من خلافات لازم وواجب ، كما أنه صلى الله عليه وسلم جعل الصحابة ميزان الحق وقدوةً لسائر الإنسانية إلى يوم القيامة ، وذلك أجمع عليه علماء الأمة ، كما قال ابن الصلاح : للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسئل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ عنه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة ، قال الله تبارك وتعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) إلخ [ آل عمران : 110 ] ، قيل : اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الإمام النووي رحمه الله : الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع .