تطبيع العلاقات أو تهويد المناطق من النيل إلى الفرات ؟
أكتوبر 20, 2020حرية الرأي أو جريمة لا تغتفر ؟!
ديسمبر 15, 2020صور وأوضاع :
مصير المسلمين مرتبط بمصير العرب
محمد فرمان الندوي
وحدتان لا ثالث لهما :
عرف التاريخ البشري عبر سفره الطويل وحدتين بارزتين ، هما وحدة الرب ، ووحدة الأب ، فالمالك الحقيقي هو الله الخالق الرازق ، عالم الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم ، خلق الكائنات كلها ، إنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ، فليس هو رب النوع البشري فحسب ، بل هو رب العالمين ، رب السماوات السبع ورب الأرضين ، فتبارك الله أحسن الخالقين . أما وحدة الأب فهي أن النوع البشري ينتمي إلى سيدنا آدم عليه السلام ، فيسمى بأبي البشر ، انحدرت منه السلالات البشرية إلى أقاصي البلدان وأدانيها ، فهاتان الوحدتان لا ثالث لهما : وحدة الرب ووحدة الأب ، وقد أشار إليه ذلك لسان النبوة على صاحبها ألف ألف تحية وسلام : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ( مسند الإمام أحمد : 22978 ) . وقد علّم الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام اللغات كلها ، فكانت منها العربية والسريانية والعبرية وغيرها ، وقد ذهب المؤرخون إلى أن العرب هم الذين تكلموا بالعربية ، وقال آخرون : من ينحدر إلى الأصول العربية فهو عربي . على كل ، فإن العرب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : العرب البائدة ، وهم قبائل بادت وهلكت أمثال عاد وثمود وطسم وجديس ، والعرب العاربة وهم العرب المنحدرة من صلب يعرب بن قحطان ، والعرب المستعربة هم من صلب إسماعيل عليه السلام .
العرب مفخرة الإنسانية :
وقد فضل الله تعالى العرب ببعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأكرمهم بالشهادة على الناس والوصاية على العالم ، وقد اختصوا كابراً عن كابر بمزايا وخصايص يندر وجودها لدى الأمم الأخرى ، من الكرم والجود والفروسية والشجاعة وفصاحة اللسان والخطابة البليغة ، والصدق والشهامة والنخوة ونجدة الملهوف ، ويشهد بذلك الشعر العربي ، الذي هو ديوان العرب ، ولا شك أنهم هم أول من أخذوا هذا الدين من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وجاهدوا معه ، وبلّغوه إلى العالم ، فالعالم الإسلامي كله مدين بفضلهم وكرمهم ، ولا يمكن أن يتنازل عن الاعتراف بقيمتهم قيد شعرة ، وهو يتجه إليهم دينياً وروحياً ، لأنهم خدم بيت الله الحرام وأحفاد وأسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملة الأمانة الإلهية التي منّ الله بها على الإنسانية جمعاء ، وقد قُدر لهم الفتح والنصر إلى الأبد ، لأنهم يطبقون الفطرة الإلهية على كل جزء من الحياة ، ويحملون الرسالة الدائمة الخالدة ، قال تعالى : فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأَرْضِ ( الرعد : 17 ) ، وقد ثبت تاريخياً أن الأمم والشعوب لا تحيى ولا تدوم إلا بالرسالات والغايات التي يدعو إليها رب العالمين . وقد كان العرب مفخرة الإنسانية ، تهابهم الحكومات الجبابرة والسلاطين القياصرة ، وقد سجلوا تاريخاً مشرقاً لا يزال غرةً على جبين الإنسانية .
طبقة تحتقر العرب :
وحينما قامت الدولة العباسية ، سال سيل الأجانب إليها ، فوصل بعضهم إلى سُدة الحكم ، واشتغل بعضهم بالترجمة والتأليف والبحث ، وعمت النظرات العجمية ، والأفكار الأجنبية في المجتمع ، فنشأت هناك طبقة تحتقر العرب وتنظر إليهم نظرة ازدراء ، وقد ألفت كتباً ومؤلفات تحط من شأن العرب وتنال من عظمتهم ، وهذه الطبقة تعرف بالشعوبية ، فقام رجال من أولي الغيرة والإنصاف ممن دحضوا هذه النظرية المنتنة ، وفندوها ، وكشفوا ما علق من غبار بفضل العرب وسبقهم إلى الإسلام ، هكذا ماتت هذه الفتنة العمياء في عقر دارها ، لكن آثارها السيئة ما زالت موجودةً في بعض الأذهان ، فهبت الشعوبية في الآونة الأخيرة في صورة الأوروبيين والمستشرقين ، يقول أحد المفكرين الإسلاميين :
” طغى الأوروبيون على بلاد العرب والإسلام ، واستولوا عليها واستعمروها ، ولم يقف استعماره على استعمار الأراضي عسكرياً ، وإنما استعمروا العقول والنفوس ، وغرسوا حبهم وهيبتهم في القلوب ، بتمجيد حضارتهم وتحقير حضارة الدول التي استعمروها ، فظهرت طبيعة تفضيل الغرب على العرب ، وهي أخطر من الشعوبية العباسية ، فظهر الآن كتاب معاصرون فُتنوا بالاستعمار الغربي وهم ينتمون إلى العرب لأنهم ولدوا في بيئة عربية إسلامية ……. لكنهم تعلموا في البيئة الأوربية ، فتأثروا بها ، وانقلبوا على لغتهم العربية وثقافتهم العربية وتاريخهم العربي وعقيدتهم الإسلامية ، وآمنوا بالغرب وتغنوا بمجده وعظمته ، ودعوا أمتهم العربية إلى الاقتباس منه ، ليس في العلوم والفنون والصناعة فحسب ، بل في الأكل والشرب واللباس والكلام والأخلاق والسلوك والعقيدة ……. إنها لشعوبية عربية يوجهها العالم العربي في هذا العصر ” ( البعث الإسلامي : المجلد 60 ، العدد : 8 ، عام 2015م ) .
العرب محاطون بالفتن :
وقد أحدقت بالعالم العربي وبالتالي العالم كله الفتن والبلايا من جهتين مختلفتين : من الغرب المادي الذي يؤمن بفلسفة لا إله إلا البطن والمعدة ، ويعلن بكل جراءة : أن البعث بعد الموت حديث خرافة وهلم جراً ، ومن عملائه الكتاب والساسة وغيرهم في داخل العالم العربي خاصةً ، ولا نستطيع أن نحصي هذه الفتن على الأصابع ، فإنها خرجت من مرحلة الاستقصاء والإحصاء ، وهي تتلخص في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ( صحيح مسلم في كتاب الإيمان 169 ) ، وقد حذرنا من أمثال هذه الأوضاع ، الحديث النبوي الشريف الذي روى عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً ، يقول : لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر ، قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها ، فقلت : يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث ( أخرجه الحاكم ، 4/26 ) .
إذا ذل العرب ذل الإسلام :
فهذه المراحل التي يجتازها العرب مراحل حاسمة للإنسانية كلها ، إن أدنى ضعف واستكانة يسري إليهم من خلال التعاملات الإنسانية يؤدي إلى خطر كبير وخسارة لا تعوض ، فهم كالقطب في الطائرة إذا انحرف قليلاً من المسار الصحيح بعدت الطائرة إلى مآت من الأميال عن خطها الصحيح ، فالعرب هم قلب العالم الإنساني ، وقد ذكر الأطباء للقلب ثلاث صفات : الحياة والحركة والحرارة ، وإذا صلح القلب صلح العالم ، وإذا فسد القلب فسد العالم بأجمعه – لا قدر الله تعالى – ومعلوم أن هناك مجهودات مخلصة من الجهات الإيمانية تبذل للبقاء على تعاليم الإسلام ومزاياه الخالدة ، وقد جد الجد ، وتبين الهدف ، فالحاجة ماسة إلى سماد جديد ، وروح جديدة – وإلى الإسلام من جديد – .
وقد قال الإمام الندوي رحمه الله : ” إن مصير المسلمين في كل بلد مرتبط بمصير العرب ، فإذا عز العرب عز الإسلام والمسلمون ، وإذا ذل العرب ذل الإسلام والمسلمون ، أولئك الذين لا أعدل بهم قوماً ، ولا أعدل بكتابهم كتاباً ، ولا أعدل بلغتهم لغةً ، ولا أعدل بحضارتهم حضارةً ، على ذلك أحيا وعلى ذلك أموت ، فإلى الراية المحمدية أيها العرب ! لا إلى الراية القومية ، ولا إلى أي راية جاهلية ” . ( مقالات إسلامية في الفكر والدعوة للإمام الندوي : 317 ، طبع ابن كثير 2004 ) .