مصطفى صادق الرافعي : حياته وآراء العلماء عنه

شهر شعبان : محطة الإعداد لرمضان ورفع الأعمال إلى الله
فبراير 23, 2025
” نساء في الجحيم ” لعائشة بنور : دراسة موضوعية
مارس 24, 2025
شهر شعبان : محطة الإعداد لرمضان ورفع الأعمال إلى الله
فبراير 23, 2025
” نساء في الجحيم ” لعائشة بنور : دراسة موضوعية
مارس 24, 2025

بأقلام الشباب :

مصطفى صادق الرافعي : حياته وآراء العلماء عنه

الباحث محمد دانش مجيد *

وُلد مصطفى صادق الرافعي في بلدة ” يهتيم ” إحدى قرى محافظة القليوبية بمصر في يناير 1880م ، أرادت أمه أن تكون ولادته في بيت أبيها في قرية بهتيم على ضفاف النيل بمصر ، وارتحل في مدن مصر تبعاّ لأماكن الوظائف لأبيه فقد كان والده الأستاذ عبد الرزاق الرافعي رئيساً للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم وهو من أحد عشر أخا اشتغلوا بالقضاء من ولد الشيخ سعيد الرافعي ، وكان آخر أمر الشيخ عبد الرزّاق رئيساً للمحكمة طنطا الشرعية ، وفي طنطا كانت إقامته في آخر أيامه وفيها مات ودفن فيها أيضا أقام أديبنا الأستاذ مصطفى صادق الرافعي وإخوته فاتخذوا طنطا مقاماً لهم [1] .

نشأ مصطفى صادق الرافعي نشأةً تقليديةً ، فقد جاء والداه بألوان من التهذيب من لدن نشأته على الطاعة واحترام الكبير وتقديس الدين ، والقرآن كان هو أداتهما في هذا التهذيب وهذه الطاعة ، فكان والده أوّل من أسمعه تعاليم الدين وحفظ على يديه شيئاً من القرآن الكريم وأسمعه الكثير من أخبار السلف ثمّ التحق بالمدرسة الابتدائية هناك ، وهو في 17 من عمره ، ثمّ أصيب بمرض يقال : إنه التيفود أقعده عدّة شهور في سريره ، وخرج من هذا المرض مصاباً في أذنيه ، واشتدّ به المرض حتى فقد سمعه نهائياً في الثلاثين من عمره ، لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية ، مثله كمثل العقّاد في تعليمه ، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الابتدائية ، كذلك كان الرافعي صاحب عاهة دائمة هي فقدان السمع ، ومع ذلك فقد كان الرافعي من أصحاب الإرادة الحازمة القويّة فلم يعبأ بالعقبات ، وإنما اشتدّ عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد ، وتعلم على يد والده وكان أكثرعمل عائلته في القضاء [2] .

ويتراءى الرافعي في التاريخ مالكاً لأزمة اللغة والبيان ، وكان أوّل ما جاشت به نفسه من النثر الفني كتابه ” حديث القمر ” الّذي نشره في سنة 1912م بعد رحلة طاف بها لبنان ، وعرف شاعرة كان بينه وبينها حديث عاطفي طويل في الحب ، ومن ثم كان الكتاب فصولاً في الحب والجمال والزواج والطبيعة ، تتخللها أشعار متفرقة ، وهو فيه يتفنّن في معانيه وأساليبه تفنّناً رائعاً ، ونتقدم معه إلى سنة 1917م فنراه يخرج كتابه ” المساكين ” معارضاً به كتاب ” البؤساء ” لفيكتور هيجو ، وهو فصول شتّى تصف بؤس البائسين وآلامهم ، وتعرّض آراء مختلفة في الفقر والخط والحب والجمال والخير والشر ، ونراه بعد ثورتنا في سنة 1919م يعنى بأناشيدنا الوطنية ، ونشيده ” اسلمى يا مصر ” يدور على كل لسان ، ويهتمّ بقضية المرأة ، فيؤلف من أجلها كتابه ” رسائل الأحزان ” الذي نشره في سنة 1924م ويزعم في مطلعه أنه رسائل صديق بعث بها إليه ، وهو يقص فيه حكاية حب مصوراً خواطره في العشق والزواج بقلمه البليغ ، وقد مضى ينشر في نفس السنة كتابه ” السحاب الأحمر ” يتحدث فيه عن فلسفة الغضب وحمق الحب وخبث المرأة ، وانطوت ست سنوات فعاد إلى هذا الموضوع ونشر ” أوراق الورد ” مصوراً آراءه في الحب والجمال ، والرافعي في هذه الكتب جميعها يتفنّن في العبارة وفي توليد المعاني .

ونراه منذ احتدمت المعركة بين القديم والجديد في سنة 1923م يحمل لواء المحافظين مدافعاً بقوة عن مثله العربية الإسلامية ، وقد عرضنا لهذه المعركة وموقفه منها في غير هذا الموضع ، إلا أنه ينبغي أن نعوذ فينشر إلى كتابه ” تحت راية القرآن أو المعركة بين القديم والجديد ” الذي نشره في سنة 1926م عقب ظهور كتاب كتاب طه حسين ” في الشعر الجاهلي ” وفيه صوّب سهامه إلى كل ما في هذا الكتاب من آراء وأفكار ، وتحول إلى المجددين في الشعر ممثلين في عباس محمود العقّاد يرميهم بأقذع صور الهجاء في كتابه ” على السّفّود ” ، وظل بقية حياته ثابتاً للمجددين من الشعراء والكتّاب جميعاً ، ينقدهم نقداً مرّاً ، كما ظلّ مؤمناً بالميراث العربي في لغته وآدابه وأن نهضة العرب لا تقوم إلا على أساس وطيد من الدين وعربيته الفصحى السليمة ، وكان يكتب في ذلك المقالات المختلفة في المجلات ، ودعاه أحمد حسن الزيّات للإسهام في تحرير مجلّة ” الرسالة ” ، فلبّى الدعوة ، وأخذت مقالاته في الإسلام والعروبة تتوالى ، حتّى وافاه القدر ، وقد جمعت هذه المقالات وطبعت في لجنة التأليف والترجمة والنشر باسم ” وحي القلم ” وهي في ثلاثة أجزاء [3] .

وفاته :

في يوم الاثنين العاشر من مايو لعام 1937م استيقظ الرافعي لصلاة الفجر ، ثم جلس يتلو القرآن ، فشعر بحرقة في معدته ، تناول لها دواء ، ثمّ عاد إلى مصلاه ، ومضت ساعة ، ثم نهض وسار ، فلما كان بالبهو سقط على الأرض ، ولما هب له أهل الدار وجدوه قد أسلم روحه إلى بارئها ، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا ، توفي مصطفى صادق الرافعي عن عمر يناهز 57 عاماً .

قالوا عنه :

(1) كتب إلى الرافعي الإمام محمد عبده : ” ولدنا الأديب الفاضل مصطفى أفندي صادق الرافعي ، زاده الله أدباً . . . لله ما أثمر أدبك ، ولله ما ضمن لي قلبك ، لا أقارضك ثناء بثناء ، فليس ذلك شأن الآباء مع الأبناء ، ولكني أعدك من خلص الأولياء ، وأقم صفك على صف الأقرباء . . . وأسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل ، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسّان في الأوائل ، والسّلام .

(2) وقال الزعيم مصطفى كامل : ” سيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي قال الناس : هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان ” .

(3) وقال واصفاً إيّاه السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة ” المنار ” :   ” الأديب الأروع ، والشاعر والناثر المبدع ، صاحب الذوق الرقيق ، والفهم الدقيق ، الغواص على جوهر المعاني الضارب على أوتار مثالثها والمثاني ” .

(4) وقال عنه الأديب عبّاس محمود العقّاد بعد وفاة الرافعي بثلاث سنين : ” إنّ للرافعي أسلوباً جزلاً ، وإنّ له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتّاب العربية المنشئين ” .

وقد قال قبل ( قبل أن تدور رحى الحرب بينهما ببضع عشرة    سنة ) : ” إنّه ليتفق بهذا الكاتب من أساليب البيان ما لا يتفق مثله لكاتب من كتّاب العربية في صدر أيامها ” .

(5) وقال عنه المحدّث أحمد محمد شاكر : ” إمام الكتّاب في هذا العصر ، وحجّة العرب ” .

(6) وخطّ أمير شكيب أرسلان كلمةً رائعةً ، عنونها بـ ” ما وراء الأكمة ” صدرها بقوله عن الرافعي : ” حضرة الأستاذ العبقري ، نابغة الأدب ، وحجّة العرب ” [4] .

(7) كتب الدكتور شوقي ضيف للرافعي : ” مما لا شك فيه أنه كان يكتب في حذر شديد ، فهو لا يكتب كل ما يفد على ذهنه ، بل ما زال ينتخب ويختار ، ينتخب المعاني ويختار الألفاظ محتاطاً في ذلك أشدّ الاحتياط ، وكأنّه لم يكن يريد أن يكون أديباً ممتازاً بفكرته العميقة وعبارته الدقيقة ، ومن ثمّ آثر في أدبه ومقالاته الجهد العنيف والغناء الشاق ، حتى يصبح حقّاً من راضة المعاني وصاغة الكلام ” [5] .

* قسم اللغة العربية ، بجامعة لكناؤ ، لكناؤ ، ( يو – بي ) ، البريد الإلكتروني : majeeddanish001@gmail.com

[1] تلخيص الأدب العربي ، لشميم أحمد ، ص 234 .

[2] صحيفة الرائد ، أول يناير سنة 1985م ، ص 4 .

[3] الأدب العربي المعاصر ، في مصر ،ـ ص 243 إلى 245 .

[4] https://en.m.wikipedia.org/wiki/Mostafa_Saadeq_Al-Rafe’ie

[5] الأدب العربي المعاصر ، في مصر ، ص 251 .