المحدث الكبير الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي
يوليو 13, 2021الشيخ عبد الشكور الفاروقي وجهوده العلمية والإصلاحية
يوليو 31, 2021رجل فقدناه :
مساهمة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي
في تطوير الصحافة العربية في الهند
الأستاذ أبو المفيد محمد حسّان *
إن الصحافة العربية في الهند لها مكانة ممتازة بين الصحافة العربية العالمية . بدأت رحلتها منذ عام 1871م حينما صدرت جريدة ” النفع العظيم لأهل هذا الإقليم “[1] من مدينة لاهور . وهي تُعتبر أول جريدة عربية في الهند غير المنقسمة . ثم تابعتها جرائد ومجلات أخرى ، ومن أشهرها مجلة البيان ، ومجلة الجامعة ، ومجلة الضياء ، ومجلة دعوة الحق . وبذل كثير من العلماء جهودهم المستطاعة في تنميتها وترقية مستواها . وعلى رأسهم أبو الكلام آزاد ، والشيخ مسعود عالم الندوي ، والشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، والأستاذ محمد الحسني ، والأستاذ وحيد الزمان الكيرانوي . وعلى مر العصور والأيام توسعت دائرة الصحافة العربية في بلدنا الهند . فتصدر الآن أكثر من مأة جريدة ومجلة دينية أو ثقافية أو أدبية من مختلف المدارس ، والجامعات ، والمجالس ، والمنظمات . وأهمها البعث الإسلامي ، والداعي ، وثقافة الهند ، وصوت الأمة ، ومجلة الرابطة الإسلامية ، ومجلة التلميذ ، ومجلة الجيل الجديد ، ومجلة كاليكوت ، ومجلة النصيحة ، ومجلة النهضة ، وجريدة الرائد ، ومجلة أقلام الهند وغيرها . ومن أعلامها في أيامنا هذه سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ، والأستاذ سعيد الأعظمي الندوي ، والأستاذ نور عالم خليل الأميني ، والأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي ، والأستاذ محمد نعمان الدين الندوي ، والأستاذ أسعد الأعظمي ، والأستاذ محمد فرمان الندوي ، والأستاذ محمد وثيق الندوي ، والسيد معراج الدين الندوي ، والسيد أشفاق أحمد الندوي ، والسيد رضوان الرحمن وغيرهم . فبجهودهم المخلصة ، ونشاطاتهم الفعالة تتقدم الصحافة العربية يوماً بعد يوم . ففي هذا المقال نقتصر البحث حول إسهامات الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي فيها .
فالشيخ الندوي هو من مواليد عام 1932م . وينتمي نسبه إلى أسرة الشاه علم الله التي اشتهرت في الهند وخارجها بخدمات أفرادها الجلية وأبنائها الفذة في شتى المجالات . إنه بعد دراساته الابتدائية التحق بدار العلوم لندوة العلماء وتخرج منها عام 1952م . وحصل على شهادة الليسانس في الإنجليزية من جامعة عليكرة الإسلامية . وبدأ حياته العلمية في المحطة الإذاعية لعموم الهند في نيو دلهي حيث عمل في القسم العربي عشرين عاماً . وفي عام 1973م رجع إلى الدار وعين أستاذاً للغة العربية ثمّ تولى عدة مناصب علمية وإدارية في الهند وخارجها . ومنها رياسة التحرير لجريدة الرائد ونيابة رياسة التحرير لمجلة البعث الإسلامي .
بدأ الشيخ الندوي حياته الصحافية مبكراً ، وهي في المحطة الإذاعية لعموم الهند في نيو دلهي ، وكان حينئذ في الثامن عشر من عمره . وقام الندوي في إقامته في نيو دلهي بنقل عدد من المقالات والبحوث العلمية والأدبية والسياسية والتمثيلات والقصص إلى العربية التي أذيعت من دلهي ، وعدد من محطات الإذاعة العربية . وتجدر الإشارة هنا إلى أن القسم العربي لمحطة الإذاعة في ذلك العهد كان استولى عليه المذيعون والمترجمون العرب الذين كانوا منتمين إلى بلدان عربية مثل العراق ، وسورية ، ومصر ، وفلسطين . وكان منهم أدباء ، وقصيصون ، وكان منهم صحافيون ، فاستفاد الندوي منهم استفادةً كاملةً ، ونال خبرةً تامةً في الصحافة والأدب العربي حديثاً وقديماً .
فهذا هو جانب من حياته الصحافية ، والجانب الآخر هو التحاقه بالجرائد والمجلات . فإن الشيخ الندوي نشأ في فترة كانت الصحافة العربية في الهند تمرّ بعصر التطور . وأنه شهد نشاطات أبي الكلام آزاد ، ومسعود العالم الندوي ، ومحمد الحسني ، وأبي الحسن علي الحسني الندوي في مجال صالح للصحافة العربية من قريب . فمتأثراً بهم اهتم بها فزاد شغفه بالصحافة حتى أصبح صحافياً مثالياً ذا أسلوب رائع ممتاز .
إن كتاباته الصحافية توجد في مجلات وجرائد مختلفة لكنّ نجد معظمها في مجلة ” البعث الإسلامي ” وجريدة ” الرائد ” ، وكلتاهما تصدران من دار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ . وقد نشر مقاله الأول في ” البعث الإسلامي ” في عددها التاسع للمجلد الخامس عشر باسم ” ذكرى حبيب ومنزل ” . ثمّ نشرت له عشرات من المقالات حول موضوعات مختلفة أمثال العقيدة والعبادة ، والدعوة والتوجيه ، والتعليم والتربية ، والأدب الإسلامي ، والحضارة الإسلامية والغربية ، والاستشراق ، والاستعمار ، والعالم العربي والإسلامي ، ورجال من التاريخ .
وعندما نتصفح مقالاته في أوراق المجلات والجرائد نجد أنه عالج في أكثرها قضايا الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي . فحاول تارةً بكتاباته إيقاظ الشعور الديني في المسلمين ، وتحدث تارةً عن التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية ، وتنبه أفرادها من هذه التحديات ، وتارةً بحث عن أسباب الصراع في العالم الإسلامي ، وتارةً قدم مشاورته المناسبة لحل المشاكل ، وتارةً ذكر خصائص نظام الحكم الإسلامي . ونذكر هناك بعض الفقرات على سبيل المثال من مقالاته المنشورة في مجلة ” البعث الإسلامي ” وجريدة ” الرائد ” .
فقال بحثاً عن التحديات التي تواجهت الأمة الإسلامية :
” تمرّ الأمة الإسلامية بأصعب فترات ، لا يوجد لها مثيل في التاريخ ، باعتبار عموم المشاكل وشمولها ، وبتعبير أوضح : تألم سائر جسدها ، وتناخر سائر بنيانها ، فإن مشاكلها ومعاناتها تعم العالم كله ، وتلمس آثارها في سائر الأجزاء التي فيها وجود إسلامي .
وهذه المشاكل أو المحن تبدأ من العقيدة ، إلى الحياة الاجتماعية والثقافية ، والسياسية ، والاقتصادية ، فهي شاملة لسائر جوانب الحياة ” [2] .
ويقول كذلك :
” يواجه المسلمون اليوم دعاية مكثفة ضدّ الإسلام والمسلمين ، ولا يستطيعون أن يردوا هذه الدعاية ، رغم وجود صلاحيات وقدرات فيهم ، ورغم كون الحق معهم فإنهم بعيدون كل البعد عما يشاع عنهم في الإعلام ، لأنهم لا يملكون وسائل الإعلام القوية ، وقد أغلق المعادون لهم سائر الإمكانيات البشرية والعلمية ، وتساندهم في ذلك حكومات المسلمين أنفسهم ، لأنها خضعت رغبة أو رهبة للقوى العالمية التي تحارب الإسلام ، فتساعد هذه الحكومات على تنفيذ هذه المخططات .
وأخطر من ذلك ما يجري تنفيذه في مناهج التعليم ، وإخراج المواد التي تحدث في الطلبة وعياً إسلامياً ، فإنه يؤدي إلى تجريد المسلمين من الشعور والوعي الإسلامي المتميز ، والإحساس بما يحاك ضدهم من مؤامرات ” [3] .
كما أن الشيخ محمد واضح رشيد الندوي كان محللاً كبيراً لقضايا العالم الإسلامي وذا معلومات واسعة في تاريخه كذلك إنه يعتبر من أولئك الأشخاص المعدودين الذين أدركوا أخطار الغرب الفكرية البعيدة المدى ، لأنه قرأ كثيراً من الفكر الغربي ، واطلع عليه دراسةً ومشاهدةً ، وأدرك آثاره في كتابات المتجددين العرب الذين حملوا راية التغريب ، والغزو الفكري في العالم الإسلامي . فقام في كثير من مقالاته بتشريح جُثة الغرب الفكرية ، وتحليل الفكر الغربي وفلسفته المادية ، وكشف عن أهداف الغرب الحقيقية ، والمخططات الاستعمارية التي تبذل كل الوسائل ، والمواهب ، والطاقات للقضاء على القيم الإنسانية .
فتحدث في مقال نشر له في ” الرائد ” السنة : 31 ، العدد : 3 ، أول أغسطس 1989م عن أسس الحضارة الغربية قائلاً :
” ولكن إذا درس أحد تاريخ الحضارة الغربية ، والنظم المعاصرة التابعة لها وجد أنها تعتمد على الإرهاب ، والتطرف اعتماداً كلياً ، وجميع مصادر الإرهاب توجد في أوربا ، وهي التي تدرب الإرهابيين ، وتوزع عليهم الأسلحة ، وتمول العصبات الإرهابية ، وتدعم نشاطاتها ، وتساند حركات الانفصال ، والحرب مع النظم القائمة ، ولا يخفى ذلك على أي مطلع على الظروف المعاصرة ، ومن يطالع الصحف يعرف تقارير المنظمات الإرهابية العالمية في ” إيطاليا ” و ” فرنسا ” ، و ” ألمانيا ” ، و ” كيوبا ” ، تمثل دوراً رائداً في تدريب الإرهابيين ، وهم متوغلون في مختلف أنحاء العالم ، فإنّ ” مازني ” و ” مكيافيل ” كانا إيطاليين ، ولهما تأثير على الفكر المعاصر ، ويرجع الإرهاب في العالم المعاصر إلى أفكارهما ، وإن انتشار عصابة مافيا ، وقيادتها للإرهاب في العالم اليوم أمر معروف ، كذلك الحركات الماسونية مقرها الدول الأوربية ، وهي التي تدير الإرهاب في البلدان المختلفة ” [4] .
كما أن الشيخ الندوي كان يكتب على الدوام افتتاحية جريدة الرائد ففي هذه المقالات كان يقوم حسب خصائص المقال الافتتاحي بتفسير وتشريح الأحداث المعاصرة الحارة والتعليق عليها .
وكذلك تشمل بعض مقالاته ذكريات رجال من التاريخ . فتحدث في مقال عن الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي ومنهجه للدعوة ودوره في حل القضايا والمشاكل . نذكر هنا بعض الأجزاء من هذا المقال :
يقول عن منهجه الدعوي :
” بدأ حياته بعد الفراغ من مرحلة التعليم ، كمدرس ، لكنه ترك الوظيفية ، وأطلق نفسه من قيدها ، ليقوم بأعباء الدعوة والإصلاح بحرية ، واختار منهجاً خاصاً للعمل ، ووسع دائرة نشاطاته من إطار المسلمين إلى الإنسانية كلها بأسلوب يميل القلوب ، ويجذب النفوس بالكتب والخطب ، والرسائل واللقاءات والحوارات ، يخاطب بها الحكام ، والقادة ، والمثقفين ، وعامة الناس ، لكل طبقة أسلوب ، ولكل بيئة طريقة خاصة ” [5] .
وبالإضافة إلى ذلك فإن الموضوعات الأدبية أيضاً تحتل جزءاً ليس تافهاً من كتاباته الصحافية . ففي جريدة الرائد نشرت له سلسلة من المقالات تحت عنوان ” أدب أهل القلوب ” . وفي هذه المقالات عكف على البحث عن أولئك الأعلام من أهل القلوب ممن أكرموا بموهبة أدبية وفكر خصيب ، ويذكر مقتبسات من كلامهم هي أصدق تمثيلاً للغة العربية وأدبها العالي ، ومثال رائع للكتابات الأدبية العالية يتدفق قوةً وحياةً وتأثيراً .
قد سبق الذكر أن الندوي رأس تحرير جريدة الرائد ، فلذا كتب المقال الافتتاحي لمعظم عددها . ومعلوم أن افتتاحية أية جريدة أو مجلة تعتبر روح هذه الجريدة أو المجلة ، وتنعكس فيها أهدافها ، كما تظهر فيها موقف أصحابها تجاه أية واقعة أو قضية دينية أو اجتماعية ، أو سياسية ، أو اقتصادية وغيرها . فالشيخ الندوي أدى مسؤوليته في هذا المجال بأحسن أداء . ومقالاته الافتتاحية تشهد خبراته الغالية في الصحافة . وكذلك مقالاته في مجلة البعث الإسلامي تحت عنوان ” صور وأوضاع ” أعجبت القرّاء كثيراً . وفي كل مقال كان الندوي يختار قضيةً من القضايا الساخنة التي يواجهها العالم المعاصر ، خاصةً العالم العربي والإسلامي والمسلمين . فيحللها حق التحليل وينتقدها حق التنقيد ثمّ يقدم حلولها في ضوء الإسلام ، الدين الحنيف .
فكتابات السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي الصحافية لسان حال للدعوة الإسلامية تعبر عن الأسس الإيمانية العقيدية ، والمناهج الفكرية الأصيلة . ومقالاته تثبت عالمية الأمة الإسلامية وحتمية رسالتها الخالدة ، وتكافح الدعايات الباطلة ، وتناضل الشعارات الزائفة ، وتنقد الحضارات الغربية المادية ، وتصادم الحركات الهدامة ، وتكشف عن المذاهب الخداعة المدمرة كالاشتراكية الملحدة والشيوعية المنحرفة ، وتنادي إلى المنهج الإسلامي السليم ، وتدعو إلى أفكار بنّاءة صالحة طيبة .
فيمكننا أن نقول : إن الشيخ الندوي قد أثبت نفسه صحافياً مثالياً بجهده المتواصل ، وأسلوبه الرائع ، وفكره النير . وإسهاماته في مجال تطوير الصحافة العربية في الهند لا تجهل ولا تنكر في أي وقت . ونقدم هنا بعض الأقوال لمعاصريه في الاعتراف بفضله ، ومكانته في الصحافة العربية الهندية :
قال الدكتور سعيد الأعظمي الندوي يبين مكانته الرفيعة في الصحافة : ” وله براعة كبيرة في مجال الصحافة العربية وتجربة فريدة فيها منذ مدة طويلة ، لا يدانيه في ذلك أحد في الهند اليوم ” [6] . وقال أشفاق أحمد الندوي ، أستاذ ورئيس في قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة الهندوكية ببناراس ورئيس التحرير لمجلة الشروق الهندي ، يعترف بخبرته فيها ويبين أسلوبه : ” إنه خبير بفن الصحافة ، وله خبرة واسعة في مجال الصحافة العربية . يتخذ لكتاباته الصحافية أسلوباً حديثاً ممتازاً ، ويقدم تحليلاً سياسياً لقضية من القضايا الساخنة من المنظور الإسلامي ، والمجتمع الإنساني ، يتمسك هو في كتاباته الصحافية بالموضوعية ، ولا يبدو من كتاباته أنه متخرج في مدرسة إسلامية هندية لا يعرف الإسلام وتعاليمه حسب ، بل يعرف مختلف العلوم الشرقية والغربية ، وهو مطلع على ما يحدث حول العالم من التغيرات السياسية ، والحركات الأدبية ، والثورات الثقافية [7] . اعترف رحمة الله الندوي ، أستاذ للغة العربية وآدابها في دار العلوم لندوة العلماء بمنزلته العالية في الصحافة العربية الهندية قائلاً : إن منزلة الشيخ الندوي في الصحافة العربية الهندية الرفيعة ، وهو يحتل على قمة عالية منها ، لأن له ذوقاً رائعاً وشغفاً زائداً فيها ، وله اطلاع واسع ، ونظر ثاقب حاد ، وخبرة تامة ، ودراسة موسعة راسخة للصور والأوضاع العالية ، أراه لا مثيل له في ذلك أو قلماً يوجد له نظير في هذا الصدد ” [8] .
* أستاذ ضيف في قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة آسام ، سيلتشار ، آسام .
[1] أنشأها الشيخ شمس الدين ، وصدر عددها الأول تحت رياسة الشيخ مقرب علي في 17 أكتوبر عام 1871م .
[2] الندوي ، محمد واضح رشيد الحسني ، ” القيادة الإسلامية أمام تحديات جديدة ” ، البعث الإسلامي ، محرم – صفر 1431هـ : 85 .
[3] الندوي ، محمد واضح رشيد الحسني ، ” القيادة الإسلامية أمام تحديات جديدة ” . البعث الإسلامي ، محرم – صفر 1431هـ : 86 .
[4] الندوي ، محمد واضح رشيد الحسني ، ” أوربا مصدر الإرهاب في العالم ” ، الرائد ، أول أغسطس 1989م : 1 .
[5] الندوي ، محمد واضح رشيد الحسني ، ” الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ومنهجه للدعوة ودوره في حل القضايا والمشاكل ” ، البعث الإسلامي ، شوال 1430هـ : 41 .
[6] الأعظمي ، الدكتور سعيد ( 2009م ) . الصحافة العربية : نشأتها وتطورها ، لكهنؤ : مؤسسة الصحافة والنشر ، ندوة العلماء ، ص 69 .
[7] أحمد ، أشفاق ( 2013م ) ، النثر العربي المعاصر في الهند ، نيو دلهي : دار عمر للطباعة والنشر ، ص 330 .
[8] مقابلة شخصية مع رحمة الله الندوي في الساعة التاسعة مساء من المؤرخة 19 ديسمبر 2012م .