مرئيات حول الدّفاع عن المدارس

التربية على الشورى في الإسلام
ديسمبر 11, 2019
حركة الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي الدعوية
يناير 1, 2020
التربية على الشورى في الإسلام
ديسمبر 11, 2019
حركة الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي الدعوية
يناير 1, 2020

مرئيات حول الدّفاع عن المدارس

بقلم : المحدّث العلامة محمد يوسف البَنّوري رحمه الله *

ترجمة/ محمّد شريف راشد ¨

(1) الْمُؤامرة : هذا عصرُ الدبلوماسية والاحتيال ، وقد تغيرت استراتيجية الحروب ، تفرض الحربُ الباردةُ من الأعداء ؛ فيحارَب في ميدان الصّحافة قبل أنْ يُقاتَل في الحروب السّاخنة في ميادين الضّرب  والجبر والاستبداد :

  1. تُنشر المقالات والبحوث في الرسائل والجرائد لتضليل الرّأي العام ( حول المدارس الإسلامية ) .
  2. ثم يبدأ جهازُ القبض الحكومي حركتَه ؛ فيدعو كِبارَ المدارس والمراكز الدينية إلى الانضمام والتّسجيل مع الحكومة مقابلَ الإمداد المالي .
  3. وإذا فشلوا في هذا ، فإنهم يستعملون القانون ويُجبِرونَ أصحاب المدارس إلى الانضمام مع الحكومة .
  4. ثم يأتي دور القرض والتهذيب في المنهج الرائج في المدارس ، فتُخْرَجُ جميعُ الكتب التي تُعْطِي القوّة العِلمية الأصيلة ، ويأتي أصحابها بدلاً منها بكتب العلوم العصرية ، وهكذا تَخْرُج روحُ العلوم الدينية عن المنهج .
  5. وتُعْلِنُ وزارة التعليم اعتمادَها على شهادات تلك المدارس المسجَّلة ، ويُفتَح لهم الطريق للعمل في المؤسسات التعليمية الحكومية وشِبْهِ الحكومية ، وتكونُ دعوتهم هذه لقمةً سائغةً حلوةً لطلاب العلوم الدينية .
  6. ومنْ يَعمل في تلك المدارس الحكومية وشبه الحكومية – من العلماء والمحققين – تُعَيَّنُ لهم الرّواتب الشهرية والعلاوات الفاخرة والترقية السنوية ، ويكون راتبهم الأخير ضخمًا يُعْجِب الناظرين . ويُحقّقون بذلك غرضين : الأول – جلْبُ مَهَرة العلوم الدينية عن سائر البلاد . والثاني – تَعطيبُ المدارس العربية الحرّة . وهذه الأغلال الذهبية تُنْشَرُ للحد على ألْسُنِ المحققين والعلماء المجرّبين عن الكلام ضدّ الحكومة . ومن تَحَرّزَ عن الوقوع في هذه الحِبالة الخَفِيّة ولم يُضَحِّ بـ    ” حرية الصّدع بكلمة الحق ” – ومَنْ آثَر الدّين على الدنيا من العلماء الرّبّانيين وشيوخ المدارس العربية الإسلامية والمبلغين والواعظين – يُغِيْرُ عليهم القانون الحكومي .
  7. ويُحظَرُ قبول النّفقات وطلب المعونات الماليّة من الجماهير قانونًا إلا من حصل على الإجازة من حاكم المديرية .
  8. ثم يُغيرون على زاويتِه ومدرستِه بواسطة وزارة الأوقاف ويُسَيْطِرون على مباني المدارس العربية والمعاهد الدينية التي كانت تذكّر بصُفّة ” المسجد النبوي ” على صاحبه الصّلاة والسّلام .
  9. تُحْتَلُّ بيوت الله المساجد ، وتُغْلَق أبوابُ المساجد لمن لم يحصل على الشهادة عن وزارة الأوقاف من الأئمة والخطباء والمؤذنين .
  10. ويُعْلِنُ سِكْرِتِيْرُ لجنةِ المراقبة : ” لا يُسْمَحُ لأيِّ عالمٍ دينِي أنْ يَخطُب في المسجد من غير موافقة سكرتير اللِّجْنَة ” .
  11. وتُنَفّذ المادة رقم (144) لحظر العلماء عن إلقاء الخطب في الاجتماعات العامة .
  12. ويُعْتَقَلُ من يُشَكِّلُ خطرَ التحريض ضد الحكومة من العلماء والوُعّاظ في بيوتهم أو قُرَاهُم تحتَ قانونِ تنفيذِ الأمن العام أو يُوضع عليهم من الكلام .
  13. ويُجلى العلماء – الذين يُحَسُّ منهم الضرر لمنافع الحكومة – عن الوطن . وهكذا لا يبقى أمام العلماء إلا طريق مخالفة القوانين ونقضها ، ويستعدون لمحاربة القانون .
  14. وهنا تبدأ الحرب الساخنة ، وتُفتَح أبوابُ السّجون أمام العلماء .
  15. وإذا لم يمنعهم التّنكيلُ الوحشي ( والذي يصبح عارًا على الإنسانية ) في الزّنزانات عن الجهر بكلمة الحق – فإنّ الحكومات لا تتحرج عن إعدام هؤلاء العلماء .
  16. وعندئذٍ يتسابق العلماء إلى إحياء سنة علماء الحق : الإمام مالك والإمام أبي حنيفة ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويَتَحمّلون مصائب الحبْس ، بل يَتَقَدّمون للموت في سبيل الله بكل حماسٍ .

(2) الكفاح : هذه هي المؤامرة ( ذاتُ السنوات الخمس أو العَشْرِ ) لإبادة مراكز العلوم الدينية المباركة ( التي تصنع علماء الحق الرّبانيين ) عن وجه الأرض ، ومراحلها المختلفة . لكنّ العوام الأغرار السُذج لا يفهمون ما وراء هذه المؤامرات ، وعلماء الحق الرّبّانيون يُدْركونها جيدًا . ويستعدون للكفاح بإعداد كامل ، ويتحمّلون كلَّ جورٍ وعدوانٍ ، ويكونون مستعدين لكل تضحية . لا يتنازلون عن القيام بواجبِ حفظِ العلوم الدينية ، ولا يتراجعون عن سعادة الخدمة العلمية الحرة الخارجة عن أثر الحكومة .

وما توفيقنا إلا بالله ، هو مولانا ، نعم المولى ونعم النصير .

….. (2) …..

(3) قصة إبادة المدارس في العالم الإسلامي : هذه هي الأساليب التي اتّخذَتْها الحكومات في الدّول الإسلامية لتعطيل المدارس والمعاهد الدينية وإخلائها عن علوم الأنبياء وعلوم الآخرة . وتتكرر أسماء تلك الدّول الإسلامية في الحرب الباردة ضد المدارس العربية ، وقد شغَرَت وخلَتْ وحُرِمَتْ هذه الدّول الإسلامية عن تعليم علوم الكتاب والسنة ( علم التفسير ، وأصول التفسير ، علم الحديث وأصول الحديث ، علم الفقه وأصول الفقه ) والعلوم التي تُعِيْنُ على معرفة الأقسام المذكورة وتدريسها ودِراستها المنتظِمَة ، ولا وجود لمدارس العلوم المذكورة ومعاهدها الحرة عن تأثير الحكومات سوى بعض الدول الشرقية ، ولا زالت سلسلة العلوم المذكورة ( ودراستها المنتظمة وتدريسها وتحفيظ كلام الله وتجويده ) ناضرةً في هذين البلدين ، ويتخرج في مدارس هذين البلدين العلماء  والحفّاظ والمجوّدون والوعّاظ والمبلّغون حسَب حوائج هذا العصر ، ويشتغلون بالخدمات الإسلامية المتنوّعة ، وما بقيَتْ من الروح الدّينية في هذه الرّبوع إنما هي ببركة جهود هؤلاء العلماء ، وأهل هذين البلدين ما زالوا على طبيعة دينية صالحة .

والذين زاروا المدارس عن قريب في الدّول الإسلامية في العصر  الحاضر ، أو اطَّلَعوا على أخبارَها – فإنهم يُصدِّقون كلامنا المذكور . وإنّ الأمر قد وصل إلى أنّهم اشترطوا للمناصب الدينية الخالصة              ( كمنصب شيخ التفسير والحديث والفقه في جامعات العلوم الشرعية وكلياتها ) – أن يكون المرشّح حاملاً لشهادة الدكتوراه من جامعات أوربّا وأمريكا ، وهو الشرط الأول اللازم ، وهو يعني : أن لا بد للمرشّح أن يكون متأثّرًا بالغرب وأنْ يكون مصبوغاً باللون الأوربي ، شاربًا السّمّ الغربِيّ الْمُمَوَّه بلون التّرياق أربع سنواتٍ ، السمُّ الغربي الذي يَذْهبُ بالرّوح الإسلامية الخالصة . لذلك ! لم يبقَ عمل للحفاظ على العلوم الإسلامية العربية – وحماية المدارس العربية ( التي تصنع علماء الدين ) فرضَ كفاية ، بل أصبح فرضَ عينٍ على ” علماء الحق ” الرّبانيين .

….. (3) …..

(4) توجيهاتٌ مخلصة : ولو أرادت الحكومات خيراً ، ولو كانت محاولاتها قائمةً على المصداقية في تثقيف المتخرّجين من المدارس العربية ، وأنْ يتعلم المتخرّج من المدارس الإسلامية العلومَ العصرية واللغة    الإنجليزية ، وأنْ يعرفَ الأوضاع المعاصرة العالمية ، ( ليكون نفعهم أكثر في الخدمات الدينية ، ولتكون آثار أعمالهم الإسلامية بعيدة المدى ) – فلْيَعملوا بما أشار عليهم كبارُ وفاق المدارس العربية قبل ثلاث سنوات ، وهو :

  1. أنْ يتركوا هذه المدارس العربية والمعاهد الإسلامية ومناهجها التعليمية على حالها ، وليخلّوا السبيل أمامهم .
  2. ولِيضعوا منهجًا ( ذا السَّنوات الأربع ، مشتملاً على العلوم العصرية واللغة الإنجليزية ) للمتخرجين من تلك المدارس ، وذلك بالاستشارة مع علماء الحق .
  3. ولِينشؤوا لها مدارس مستقلّةً في المدن الرّئيسية ، أو في داخل المدارس الإسلامية الكبيرة بحساب الحكومة أو بحساب تلك المدارس ( إنْ كانت ماليتهم قادرةً على تحمّل ذلك ) .
  4. ولِيَخُصُّوا قبولَ تلك الشهادات في المناصب الدينية في المؤسسات الحكومية ، لا في الأعمال الإدارية والمكتب . وبذلك يتحقق غرضُ تثقيف هؤلاء الطلاب من غير أنْ يتضرر تعليم العلوم الإسلامية الأصيل ، ويُجبر نَقصُ اللاعلمية بالعلوم العصرية والأحوال العالمية المعاصرة واللغة الإنجليزية ، وهكذا يكون أحدهم عالِمًا دينِيًّا خبيراً بالعلوم العصرية في الواقع ، قادرًا على الخدمات الإسلامية في داخل البلد وخارجه .

وأما منهج وزارات الأوقاف المختلفة ( المنهج المختلِط من العلوم الدينية والعصرية ، المذبذب الذي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، والرائج في بعض الجامعات الإسلامية ) فإنّه منهجٌ مُبِيْدٌ للعلوم الدينية ، بل هو فاشلٌ في إنشاء معرفة العلوم العصرية واللغة الإنجليزية والأحوال الحاضرة . ويشهد على مصداقية قولنا مَن رأى ( مِن المخلصين الغير المتعصبِين ) هذا المنهجَ من قريب ، وكمّيّة ما يُدَرَّسُ من صحيح البخاري والهداية والجلالين في السنة .

وما علينا إلا البلاغ . وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العلمين ، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين ، محمد وآله وصحبه أجمعين .

* مؤَسِّسُ جامعة العلوم الإسلامية ، بَنّوري تاون ، كراتشي .

¨ مدرس بالجامعة الحمادية ، كراتشي .