مبادئ أساسية لتعلم اللغة العربية

المستشرقون الألمان وتحقيق المخطوطات العربية والإسلامية
مارس 15, 2023
عبد العزيز الميمني
مايو 28, 2023
المستشرقون الألمان وتحقيق المخطوطات العربية والإسلامية
مارس 15, 2023
عبد العزيز الميمني
مايو 28, 2023

دراسات وأبحاث :

مبادئ أساسية لتعلم اللغة العربية

الأستاذ إرشاد أحمد السالارزئي *

الحمد لله الذي أنزل كتابه بلسان عربي مبين ، والصلاة والسلام على رسوله النبيِّ الكريم الناطق بالضاد ، وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا الغالي والنفيس في نشر الثقافة الإسلامية أما بعد  .

فلا شك أن اللغة العربية لها جهتان مختلفتان : إحداهما : دينية ، والأخرى : دنيوية . أما جهتها الدينية فهي أنَّ العربية لغة القرآن والحديث ، وبها تتبيَّن المصطلحات الدينيَّة والتعبيرات الشرعيَّة التي لا يمكن فهمها إلا باللغة العربية ، وكذا لا تتم الاستفادة من تاريخها القديم – الذي امتد إلى أربعة عشر قرناً وخمسين عاماً – واللغة العربية هي السبب الوحيد الذي يتيسر توطيد صلة المسلمين بها وترغيبهم فيها ؛ ومن ثم يجب على سائر المسلمين أن يفهموها فهماً كاملاً بصورة صحيحة متكاملة .

وأما الجهة الدنيوية للغة العربية فهي أنها لغة عاشت لغةً حيةً في العصور الإسلامية كافةً إلى يومنا هذا ؛ حيث بقيت على هويتها الحقيقيَّة لكونها لسان الوحي الإلهي الشريف ، وإلى ذلك فإنَّ العربية لغة راقية في الزمن الحاضر ؛ فإنَّ الناطق بها يتمكن من التعبير عن خواطره ، ومن ثم يجب على المسلمين أن تكون علاقتهم واقعيةً وطيدةً بها في حياة الفرد اليومية ليكون أشخاص المجتمع الإسلامي قاطبة قادرين على المحادثة والخطابة والكتابة بها بكل حرية من دون تكلف ، بل ينبغي أن تكون العربية لغة الكلام والمخاطبة في جميع المجالس العامة .

ومن العجب العجاب أنَّ قوما يَقضون قسطاً كبيراً من الحياة ويَصرفون قدراتهم الذهنية في دراسة العلوم العربية وتعلمها وفهمها لكنهم رغم ذلك يعجزون عن النطق بها ، فإنها مأساة كبيرة في التاريخ الحاضر ، وليس لها نظير إلا في شبه القارة الهنديَّة فإلى الله المشتكى وهو المستعان .

وسبب ذلك الضعف أنَّ اللغة العربية لم تُدرَس كلغة ؛ بل اعتبرت فناً من الفنون فحسب ، واقتصرت إلى فهم الكتب العربية فقط ، ولذلك لم تقدِّم الأمة الهندية محاولاتها ومساعيها لتعليم الإنشاء والتحرير العملي – إلا في الآونة الأخيرة ، ولكنها لا تفي بالحاجة – وبالتالي : نجد أمامنا في العصر الراهن كثيراً من خريجي المدارس الدينية الجدد لا يتمكنون من تحرير سطور معدودة أو محادثة بسيطة بالعربية ، وخاصةً إذا كان ذلك التحرير العملي أو الحوار الشفهي لا يكون دينياً وعلمياً بل يتعلق بشؤون الحياة الفردية اليوميَّة ، وقديماً كان المعنيون بالتعليم العربي أدركوا هذه النقيصة ، ولكن لمَّا اتسعت لنا الاتصالات والعلاقات بالعلماء العرب ، وعمت دائرة الخدمات الدينية ظهرت الحقيقة لكل صغير وكبير ، وذلك قد أسفر عن إنشاء مناهج مختلفة لتعليم العربية في المعاهد والمدارس المختلفة ليتعلم معاشر المسلمين الأعاجم أسماء جديدةً لمعطيات العصر الحديث وأساليب استعمالاتها الصحيحة مع دراسة العلوم الدينية .

مبادئ وتوجيهات هامة لمتعلمي العربية :

ونظراً إلى ذلك فإن تعلم العربية يتطلب بيان بعض المبادئ الأساسية المهمة التي يجب إلمامها ومعرفتها لتعلم اللغة العربية على الوجه الصحيح فكلما بقي فيها تقصير صار تعلمها من دون جدوى ، ويفتقر الموضوع إلى إشباع البحث وإيفاء المقال ؛ ولذلك فقد أحببت أن أحرِّر ههنا أسطراً قليلةً ليتضح الأمر .

التوجيه الأول : التضلع من علمي النحو والصرف :

إذا أراد شخص أن يدرس العربية ويتمهر فيها فعليه أن يتعلم قواعد النحو والصرف على أتم وجه ، وينبغي أن يطلع على سائر محاسن التعبيرات والعبارات العربية ، وأن يتمكن من حل العويصات النحويَّة كلها ، وبالتالي : يُهيمِن على فهم المعاني وإدراك المفاهيم العربية وتصحيح الأخطاء فيها ، وهذه المرحلة تتعلق بتطبيق القواعد على الأمثلة ، وتتقوى بقدر تضلُّع التلميذ من قواعد النحو والصرف ، ويمكن تعلم العربية بهذه المرحلة لمن يريد الاشتغال بدراسة العلوم الشرعية فقط ؛ إذ لا يتمكن أحد من فهم العبارات العربية من غير إتقان الأصول النحويَّة .

التوجيه الثاني : تصحيح القراءة العربية وتعلم الطلاقة :

لا جَرَمَ أن قراءة العبارات العربية الصحيحة والتمهر فيها أمر مهم للغاية ؛ إذ كثرت الغفلة وشاع الضعف في الدارسين من هذه الناحية إلى حد كبير ، وتتردى حالتهم يوماً بعد يوم ؛ ولذلك يجب أن يصرف الطلاب مجهودهم في تصحيح القراءة العربية من أول خطوة تعليمية وهي نقطة انطلاقه من الصف الأول ، فإن الطالب يتخلف في مجالات كثيرة إن كانت قدرته ضئيلةً في فهمها وقراءتها ، وكان الأساتذة يقولون قديماً : إنَّ الأخطاء الصرفية والنحوية – بعد اجتيازه الصف الأول والثاني – ذنبٌ لا يُغتَفر ، ولكن مع الأسف كل الأسف لقد شاع هذا الذنب بين المحصلين غالباً حتى لا يكاد يتجنبه أحدهم .

ولقد سلَّط الشيخ المفتي محمد تقي العثماني – أطال الله بقاءه بالعافية – الضوء على أساليب تدريس علم النحو فأحسن تسليط الضوء ، وأجاد البحث ولتعم الفائدة أذكر هنا نقولاً مما كتبه باللغة الأردية فقال :

” وليَعلم الأساتذة أنَّ تحصيل العلوم الإسلامية يفتقر إلى فهم القواعد الصحيح وتطبيقها الكامل واستخدامها في مواقعها على الوجه الصحيح ؛ فإنه أساس العلوم ويَتوقَّف عليه فهم سائر العلوم ، فإن كان هذا الأساس مضعضعاً فتتأثر به دراسته لبقيَّة العلوم ، ولذلك فإنه من أهم المهام ، وإنجازه يحتاج إلى الأمور التالية :

  1. ليست الغاية من تعليم النحو تحفيظ عبارات الكتاب ، وإنما المقصود أن يَفهم الطالب القواعد المذكورة فيه بحيث يتذكر القاعدة النحوية المطلوبة عند الحاجة إليها ، ويتبادر الذهن إليها ويتمكن من استخدامها الصحيح في مظانها المنشودة .
  2. يجب على المدرس أن يُحذِيَ الطلابَ أمثلةً توضيحيَّةً لجميع القواعد والمصطلحات الفنيَّة ، ويا حبذا إن كانت الأمثلة مأخوذةً من الآيات القرآنية توطيداً لصلة الطالب بالكتاب المبين ، وليراجع المدرسُ         ” مفتاحَ القرآن ” لذلك بصورة مستمرة مستقلة .
  3. بعد أن يُبيِّنَ المدرس للطلاب أمثلةً مُوضِّحَةً بصورة شفهيَّة من عنده يجدر به أن يطلب منهم أمثلةً شتى ، وليكن ذلك بالكتابة والشفاه معاً لتكتمل الفائدة .
  4. يجب الأخذ على الطالب كلما أخطأ في جملة عربية نطقاً وقراءةً ، ويجب تصحيحه عندها ؛ لأنَّ أولَ ما يخطئ فيه الطالب هو إدخال الألف واللام على المضاف ، وعدم التمييز بين التركيب الوصفي وتركيب المبتدأ والخبر ، ولا يتركنَّ للطالب مجالاً للخطأ في هذه التراكيب النحويَّة أصلاً حتى يعتاد الاحترازَ عن هذه الأخطاء النحوية في بادئ الأمر .
  5. ينبغي أن يُكلَّف الطلاب تدريباً كتابياً كل يوم أو بعد ثلاثة أيام على أقل تقدير ، وليراجع الكتب التالية في وضع التمارين : ” عربي كا معلم ” و ” معلم الإنشاء ” و ” النحو الواضح للابتدائية ” ثم يختارمن الكتب المذكورة التمارينَ المتعلقة بالدروس التي أُلقِيَتْ عليهم مع مراعاة مستويات الطلبة ، ويُطالبهم بحلِّ أجوبتها تحريرياً في كراريسهم . ( منقول من الأردية : درس نظامی کی کتابیں کیسے پڑھیں اور پڑھائیں : 11 – 14 ) [1] .

التوجيه الثالث : إمكانية القضاء على الأخطاء في القراءة العربية :

اختلفت طرق الأساتذة وأساليبهم في تصحيح الأخطاء الصرفية والنحوية ، ونقدم هنا ثلاث نقاط تفيد – بإذن الله – في إصلاح سائر الأخطاء اللغوية نحواً وصرفاً :

الأولى : يجب أن يكون تعليم النحو والصرف بصورة دقيقة في بادئ الأمر ، بحيث يُحفَّظ الطلاب القواعد مع تطبيقها العملي بالأمثلة كما مر تفصيله في مقال المفتي محمد تقي العثماني حفظه الله .

الثانية : لابد لمُدرِّسي العلوم العربية – من النحو والصرف والإنشاء – أن يكون لديهم ذوق أدبي سليم ، وينبغي أن يدرس علمي النحو والصرف المدرسون المهرة الراسخون فيهما بحيث يقدرون على بث ذوق الأدب العربي والولوع به في قلوب الطلبة بما آتاهم الله تعالى من المواهب والقدرات الذهنية .

هذا ، وقد كان المدرسون القدماء يُنشِؤون حبَّ كتاب الله العزيز وحبَّ رسوله ولغةِ الإسلام في تلاميذهم حتى كان الطلاب يستمتعون بحفظ قواعد العربية وكتابتها وأدائها الصحيح ؛ لأنهم كانوا يجدون لذةً ليس بعدها لذة ، وإلى جانب ذلك أصبحت معظم الجهود والمشاق سهلة لديهم ؛ لكن مع الأسف الأسيف ! تغيرت الحال وانقلب الأمر رأساً على عقب ، وقلما يوجد شخص يحمل في صدره عواطف الولوع والمحبة للغة العربية الشريفة في الزمن الحاضر مخلصاً لله .

الثالثة : ومن أهم أسباب إنشاء الذوق العربي في الطلاب أن يمنعوا من قراءة الشروح الأردية أصلاً وإن كانوا في البيوت أو غرفات السكن بالمدرسة ، وبخاصة في مراحل الدراسة الابتدائية ، إلا أن يسمح لهم بالنظر في الشروح والحواشي العربية فقط لاغير ؛ ليتعودوا قراءة العبارات العربية ؛ لأنَّ التلميذ الناشئ إذا اعتاد فهم الكتاب بالشروح الأردية من بداية زمن التحصيل تُعيِيه عباراتٌ عربية وأمهات الكتب العربية ، وعلى الأستاذ أن يقوم بإقراء عبارات الكتب العربية فَينةً بعد فينة ليألف فهم أصعب العبارات بالتدريج .

التوجيه الرابع : الإكثار من القراءة والاطلاع على الكتابات القديمة :

لابد للناشئ في الكتابة العربية أن يُكثِر من قراءة الكتابات ونفثات الأقلام القيمة للأدباء والمصنفين ، وأساتذة الأدب العربي – قديماً وحديثاً – قراءةً تفصيليلةً وتحليليلةً ، إذ لا يتمكن الكاتب الناشئ من إجادة التحرير وتثقيف الكلام من غير أن يكون له سابق اطلاع واسع على الأدب العربي القديم والجديد وكتب الأدباء والمصنِّفين ، ومع ذلك عليه أن يواصل الكتابة الحرة خلال التدريب والممارسة على القراءة والدراسة .

وإنَّ هناك آداباً لتحسين التحرير والكتابة تدعو القارئ إلى قراءتها والعكوف عليها دوماً إذا ما التزم بها الكاتب من خلال كتابته حتى لا يدع القارئ ما سطرته أنامل الكاتب مثله إلى أن ينتهي إلى نهايته ، وهي تورث روعةً وجمالاً في الكتابة ، وهي التنسيق في المقال ، والتفصيل عند الحاجة إليه والتقديم والتأخير في الكلام ، والتيسير والسلاسة وحلاوة البيان ، وجميل اختيار التعبير ، فإذا كان التحرير حاملاً لتلك المزايا والصفات الآنفة يستحق عندها أن يقال عنه : ” تحرير رائع ” ، وإذا خلا الكلام منها لا يقرؤه بل لا يلمسه أحد القارئين المتتبعين .

التوجيه الخامس : التمكن من الكتابة بالعربية :

إنَّ تعليم العربية كما يفتقر إلى النحو والصرف فكذلك يتطلَّب تمكين التلميذ من الكتابة الحرة بها ، وأن يقدر على التعبير السليم عن خواطره وتحرير ما يجول بخاطره بحرية كاملة ؛ لأن القدرة على الكتابة الأدبية الحرة من المهارات الأربع المطلوبة ، بل إنَّ مسيس الحاجة لتعلم الكتابة العربية الصحيحة أشد وأعظم من المحادثة والخطابة ؛ فإنَّ فائدتهما موقتة غير شاملة ، وأما الكتابة فإنَّ لها فوائدَ ثابتةً مستقلةً بعيدة المدى ؛ لأنَّ الناطق مهما أفصح وسلس كلامُه ، والخطيب مهما فاق وصقع في المقال ولكن مداهما قصير ، ويفنى أثرهما إذا وافاهما الأجل المحتوم ، وأما الكاتب فقد تبقى كتاباته ومقالاته وتأليفاته إلى سنين طويلة وقد تتوارثه أجيال إثر أجيال في القرون اللاحقة ، ألا ترى أن مؤلفي الكتب المنهجية الدراسية خلوا قبل قرون طويلة ، لكن نفثات أقلامهم باقية عند الأجيال الحاضرة ويستقون منها العلوم الشرعيَّة ويدعون لهم ليل نهار زاعمين أنَّ نجاتهم في الآخرة يمكن بالدعاء لهم .

ومما لا شك فيه أنَّ الحركات والفرق الباطلة والأحزاب العلمانية – التي تحمل أفكاراً فاسدةً – هيمنَتْ على اللغة العربية منذ مدة كبيرة ، وجعلت تلك الفرق اللغة العربية سلاحاً قويّاً ومجالاً واسعاً لبذل قصارى جهودها في نقد الإسلام والجماعات الدينيَّة المستقيمة على الدين الصحيح المتكامل ، وتريد أن تحطم المسلَّمات والثوابت الإسلامية وتكسِّر بيضتها وتفتك كيانها ؛ فإنَّ اللغة أي لغة كانت هي سلاح حديث متطور في عصر النهضة الحاضر ، ولكنها أصبحت اليوم وسيلةً للدعوة إلى التحلل والفساد وذريعة نشر الإلحاد ، وكذلك أخذت اللغة ووسائل الإعلام ، والتواصل الاجتماعي ، والصحف ، والمجلات المعاصرة دورها النشيط في سبيل إنجاز نشاطات كبيرة لتلك الفرق والأحزاب ، وبالعكس من ذلك فقد عم التهاون في أوساطنا الإسلامية في هذا المجال إلى حد كبير ، وفُقِدَ الشعور الذي يقتضي من المسلمين القيام بأعمال جبارة .

ويؤسفنا كل الأسف أننا لو ألقينا نظرةً عابرةً على الماضي القريب والحاضر لألفينا تقصيراً كبيراً في الأوساط العلمية والطلابية ، ولكن هذه المشكلة تحتاج إلى حلول صارمة على الفور قبل أن يتقدم الجيل المعاصر إلى المستقبل .

وقد تبيَّن – مما قدَّمنا البيان – أنَّ مهارتي النطق والكتابة بالعربية مهمتان لازمتان كل منهما آخذ بالآخر ، إلا أنَّ التركيز على الكتابة أشد حاجة بالنسبة إلى النطق والكلام ؛ لأن المحادثة يمكن تعلمها في أشهر معدودة ، وإلى جانب ذلك فإنَّ الإنسان العادي لا يحتاج إلى دراسة القواعد النحوية والصرفية ؛ فإنَّ كثيراً من الناس يتحدثون بالعربية وهم لا يعرفون من أصول النحو والصرف شيئاً ؛ لأنهم عاشوا مدةً طويلةً في البيئة العربية وصاحَبُوا العرب في مجالسهم وندواتهم ، ومعظمهم ممن يتجهون إلى بلاد العرب طلباً للمعاش ولا صلة لهم بالتعليم والدراسة أصلاً ، حتى يكون أحدهم قادراً كاملاً وناطقاً ، سلس بالعربية أحسن من المواطنين العرب ، فالواقع أنَّ تعلم النطق باللغات كلها أيسر وأسهل ، والتحرير لا يحصل إلا بمعرفة القواعد والآداب ولا بد من مراعاتها خلال الكتابات .

التوجيه السادس : أهميَّة تصحيح الإملاء والألفاظ العربيَّة :

لا جرم أنَّ اللغة التي يراد تعلمها يجب مراعاة قواعد الكتابة المعروفة فيها ؛ فقد يفوت معنى الكلام المطلوب عند ترك مراعاتها ؛ ولذلك فإنَّ أهميَّة الإملاء وعلامات الترقيم كبيرة في الكتابة العربية ، علاوة على أنَّ  أهل كل الألسن العالمية طفقوا يلتزمون باستخدامها الآن علماً أنَّها لم يَلْقَ اهتماماً كبيراً في الزمن القديم كالاهتمام بها في الحاضر ، وإن كانت كتابة الكلمات العربية صحيحة .

ولو كُتِبَت الكلمة بصورة غير معهودة اليوم فقد يصعب على القارئ إدراك المعنى المطلوب عند الكاتب من ظاهر الكلمة لكونها مكتوبةً بشكل غير مألوف عند الكُتَّاب ، وكأنَّ الكاتب بكتابته يُرغِمُ القارئ على أداء الكلمة على أسلوب غير مطلوب لدى الكاتب أصلاً ، وتحصل هذه الظاهرة إذا كان القارئ عالماً بقواعد الإملاء والترقيم .

الفرق بين إملاء اليوم والإملاء القرآني :

إنَّ الله عز وجل أنزل آخر الكتب السماوية بهذه اللغة المباركة تشريفاً وإكراماً لها ، وكأنه تعالى قضى باستدامتها من خلال إنزال القرآن الكريم بها إلى يوم القيامة ؛ لأنَّ القرآن باق أبداً فكأنَّه وَعَدَ بإبقاء لغة الضاد إلى يوم القيامة حيةً على حالها . وكما أن المسلمين قاموا بالحفاظ على لفظ القرآن ومعناه فكذلك وحفظوا الإملاء القرآني من حين نزوله إلى هذا اليوم ، ولم يتحملوا أدنى تغير ولا تبدلٍ فيه أصلاً في زمن من الأزمنة ، واتضحت لنا من ذلك أهمية الإملاء في اللغة العربية كل الاتضاح .

وكما علم أن العلماء جعلوا الإملاء القرآني خاصاً به دون غيره من الكتابات العربية ، وأخذوا يكتبون بالإملاء الذي يسهل على عامة القراء فهمه وقراءته ؛ حيث التزموا بكتابة الكلمات كقراءتها ، كما أن كلمة ” الصلوة ” كتبت في المصحف الشريف بالواو ؛ لأن كاتبي الوحي ضبطوها كذلك ؛ لكنها تُكتب في الكتابة العربية العادية بالألف        ” الصلاة ” إذ تقرأ بالألف فضبطت بها أيضاً . وكذلك كلمة ” كتب ” ورد ضبطها في المصحف بالتاء فوقها الألف ولكن الكتابة العربية اليوم تأبى إلا ضبطها بالألف بعد التاء . وهناك كلمة ” النفثت ” نُقل ضبطها بالألف فوق الثاء والفاء مع أنها صيغة الجمع المؤنث السالم ، لكنها تكتب بصورتها المقروءة ، وهي ” النفاثات ” وأيضاً كلمة ” اليل ” تضبط في رسم القرآن بلام واحدة إلا أنها تضبط باللام المضاعفة في الإملاء المعاصر فلابد من مراعاة الفرق بين نوعي الإملاء لئلا يختلط الحابل بالنابل .

التوجيه السابع : تحسين الخط :

لقد استشرى الإهمال والغفلة بين أوساط الطلاب في تعلم الخط الصحيح ، وينبغي للطلاب أن يتعلموا الخط الصحيح بحيث يتمكن القارئ من فهمه دون مشقة إن لم يتعلم جميع أسرار الخط والكتابة ؛ إذ قد يقع القارئ في الفهم المغلوط لسوء خط المكتوب ، وقد كان العلماء والكُتَّاب يبذلون جهودهم في تحسين الخط ، فكان القارئ يشتهي أن يقرأ ما كتبوه ، ولكنَّ الزمان قد تجدَّد الآن وانقلبت الآية ، وغدا الناس يكتبون أكثر كتاباتهم بالأجهزة الحديثة كالحاسوب المحمول وجهاز الجوال المتطور ، وأسفر ذلك عن ازدياد نسبة الخط السيئ بين العلماء والدهماء ، ومع كل ذلك فإنَّ الحاجة داعية لتعلم الخط اليدوي ، إذ لا يمكن أن يتوفر للإنسان الأجهزة الحديثة في كل آن ومكان مهما تقدم الزمان وتطور .

وقد علم من ذلك حق العلم أن تحسين الخط ركن من أركان اللغة ؛ ومن ثم لا يمكن الإغفال عنه .

ونعم ما قاله الشاعر مخاطباً لمن يتعلم الأدب :

تعلَّم  قِوَامَ الــــخَــــطِّ يا ذا التأدُّب     فـــمـــا الـــــخـــــطُّ إلا زيـــنــةَ الـمتأدِّب

فإن كنتَ ذَا مالٍ فــحَظُّك وَافِرٌ    وإن كنتَ محتاجًا فأفضل مَكْسَبٍ

التوجيه الثامن : كسب المهارة في الحوار والمحادثة :

إنَّ المحادثة الحرة والحوار العملي الواقعي الخالي من التكلف والتصنع في اللغة العربية من إحدى المهارات الأربع الأساسية الذي بها يقدر على التغلب على العربية ؛ ولذلك على كل من أراد تعلم النطق بالعربية أن يجعل لسان الحوار اليومي والمحادثة العامة ، ولا يخش أو يستح فيه أحداً ، وعليه أن يمارس التعبير الارتجالي عما يجول على خاطره بالخطابة العربية عن ظهر القلب مهما أخطأ ، فإذا التزم بذلك في كل وقت وكل مكان ، انطلق لسانه بسهولة ويسر دون صعوبة وتعب ، وبأسرع وقت ممكن ، ولكنه لو لم يلتزم بالنطق بالعربية حياءً أو خوف الوقوع في الأخطاء لتَعَذَّر عليه تعلم النطق السليم الصحيح ، ولست مبالغاً إن قلت : لا يمكنه أن يتعلم إلا ما قدر الله له ذلك .

التوجيه التاسع : تصحيح التلفظ والأداء :

ينبغي لمن يتعلم العربية أن يهتم اهتماماً كبيراً بتصحيح الألفاظ العربية وأدائها على وجهها الصحيح ، والاحتياج إلى ذلك أشد في تعليم العربية من غيرها ؛ لأن من ميزات العربية أنَّ ناطقيها ( العرب العاربة والمستعربة ) كلهم متعودون على الأداء الكامل والتلفظ الصحيح بصورة طبيعية .

وقد ألَّف العلماء قديماً وحديثاً كتباً كثيرةً حتى ظهرت مكتبة زاخرة بما كُتِبَ في ذلك قديماً إلى أنَّ هناك مؤلفات عظيمة بمجلدات كثيرة في علم التجويد بما فيها بيان وشرح لأداء كل كلمة من القرآن الكريم على وجهها الصحيح . ويحق لنا أن نقول : إنَّ أي لغة من لغات المعمورة لم تعتزَّ باهتمام في تصحيح ألفاظها وطرق أدائها كاهتمام المتحدثين بالعربية بها ، وبيان مخارج حروفها وأصواتها وسائر حالاتها بياناً تطبيقياً دقيقاً ، ونظراً إلى ذلك يؤسفنا كل الأسف أننا نجد كثيراً من ناطقي العربية لا يكادون يفرقون بين الثاء والسين والضاد والذال والزاء والظاء ، وينطقون بكلمات العربية نقطَهم بالأردية أو الإنكليزية بصورة مشوَّهة ، فذلك عار وشنار لمن فعل ذلك أو لا يلقي له بالاً .

التوجيه العاشر : الأخذ بلهجة العرب وتصحيحها :

إنَّ كل لغة من اللغات يتطلب تعلمُها رعاية اللهجة نطقاً وقراءةً وأداءً لنبرات الصوت فيها ، واتخاذ أسلوب مألوف فيها عند أهلها بقدر الإمكان ؛ فإنَّ المتحدث بلغة ما إن لم يكن من أهلها عليه أن يحاكي الناطقين بها بأسلوب مصطنع إلى مدة يسيرة ، وقد يستشعر الناطق بها بالمتعة التامة واللذة الفائقة لدوافع وبواعث الحب والولوع باللغة العربية ؛ فإنه إذا تحدث بالعربية فليكن في باله أنها لسان الرسول الحبيب المصطفى – صلى الله تعالى عليه وسلم – ويحسب أنه ينبغي النطق بالعربية كما ينطقها أهلها ، ويرجى من الله كل الرجاء أن تصل هذه الأحاسيس بالناطق الملتزم إلى انطلاق اللسان وسيلان قلمه في الكتابة والتحرير لا محالة إن شاء الله .

تعلّم اللهجة العربيَّة بقنوات الإعلام :

إنَّ اللهجة العربيَّة الصحيحة نطقاً لا تتأتى إلا بملازمة العرب وصحبتهم ، والعيش معهم مدةً كافيةً ولاسيما صحبة العرب المثقَّفِين منهم ؛ إذ لا يمكن التغلب على اللهجة العربية دون ذلك ؛ ولكن من الصعب أن يتسنى للأعاجم أمثالنا – الذين يعيشون في شبه القارة الهندية من الراغبين في العربية – ملازمةُ العرب الفصحاء الأقحاح ؛ نعم ثمة سبيل إلى ذلك نظراً إلى نشأة معطيات العصر الحديث ، وهو أن يسمع الناشئ نشرة الأخبار اليوميَّة عبر القنوات العربية ؛ لأنها تَنشر الخطب والمواعظ لعلماء العرب والمواد الشعريَّة غالباً ، وما إلى ذلك من الوسائل المعينة على تعليم اللهجة العربية الأصيلة .

ومن أهم القنوات العربية محطة ” الرافدين ” ، فإنَّ لغتها فصيحة وبليغة جداً ، ومن الجدير بالذكر القناة الصادرة من دولة الجزائر المسماة بـ ” الجزيرة ” حيث تُنشر الأخبار باللغة العربية الفصحى ، وكذلك قناة نشرة الأخبار من مكة المكرمة الموسومة بـ ” القناة العربية ” ، وقد يزيد عدد القنوات على حد الإحصاء والاستقراء .


* المدرس بجامعة العلوم الإسلامية علامة محمد يوسف ، بنوري تاؤن كراتشي باكستان .

[1] لندوة العلماء في تعليم اللغة العربية مقررات عربية تساعد على إتقان اللغة العربية .