لا رُزْء أعظمُ في الأقوام نَعْلَمُه

حارس الإسلام ورائد المسلمين
نوفمبر 19, 2023
ملَك كريم في صورة إنسان
نوفمبر 19, 2023
حارس الإسلام ورائد المسلمين
نوفمبر 19, 2023
ملَك كريم في صورة إنسان
نوفمبر 19, 2023

شخصية مثالية فقدناها :

لا رُزْء أعظمُ في الأقوام نَعْلَمُه

بقلم : الأستاذ هارون الرشيد الشيريفوري *

معنى التعزية : وهي لغةً : من عزى ، يعزي ، تعزية أي تصبيراً وتسليةً .

واصطلاحاً : أوضح الدكتور الشيخ مشبب بن فهد القحطاني المشرف التربوي على التعليم الشرقي أن التعزية هي كلام يقال لأهل الميت ، ويقصد به تسليتهم في المصيبة والوقوف معهم لقضاء ما يلزم قبل الدفن وبعده ، وحثهم على الصبر والتحمل ، إضافةً للدعاء لهم ولميتهم .

التعزية في الأدب العربي :

وجمع بعض الشعراء بين التعزية والتهنئة ، وأول من جمع بينهما – عبد الله بن همام السلولي – فقد ذكر صاحب العقد الفريد أن معاوية بن أبي سفيان مات ، ويزيد غائب ، ثم قدم من يومه ذاك فلم يقدم أحد على تعزيته حتى دخل عليه عبد الله بن همام ، فدعاه إلى الصبر على الرزية وحمد الله على العطية ( الخلافة ) فقال :

اصـــبر يـــزيد فقد فارقــت ذا ثقة           واشكر بلاء الذي بالود أصفاكا

لا رزء أعــــظــم في الأقـــوام نعلمه                كــــما رزئت ولا عقـبى كعقباكا

أصبحت راعي أهل الدين كلهم              فأنـــــــــت تـــــرعــــاهـــم والله يرعاك

وفي معاوية الــــبـــاقـــي لنا خـــلــف               إذا نــــــعيت ولا نسمع بـــــمــــنـــعاكا

ومن ألفاظ التعزية : ” إِنّ لِله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكُلُّ شَيْئ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ،  فَاصْبِرَ واحْتَسَبْ ” ، وأيضاً قول : ” أَحْسَن الله عزاءك ” . وليس لها ألفاظ مخصوصة ، والأفضل أن يعزي بالألفاظ التي عزى بها النبي صلى الله عليه وسلم .

حكم التعزية : وهي مستحبة ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وحُكي الإجماع على ذلك . وكره بعض الفقهاء ، وأباح بعضهم التعزية بعد ثلاثة أيام .        ( والله تعالى أعلم بالصواب ) . مراقي الفلاح للشر نبلالي ( ص : 228 ) ، ( حاشية ابن عابدين ) ( 2/240 ) ، ( التاج والإكليل ) للمواق ( 2/229 ) ، ويُنظر : ( شرح مختصر خليل ) للخرشي ( 2/129 ) ، ( المجموع ) للنووي ( 5/305 ) ، ( مغني المحتاج ) للخطيب الشربيني ( 1/354 ) ، ( الفروع ) لابن مفلح ( 3/43 ) ، ( كشاف القناع ) للبهوتي ( 2/159 ) ( 1651 ) مسألة ، قال : ” وَيُسْتَحب تعزية أهل ( الميت ) لا نعلم في هذه المسألة خلافاً ( المغني لابن قدامة ) .

الأدلة من الكتاب والسنة ؛ قال الله تعالى عن التعزية : ” إنا لله وإنا إليه راجعون …… كل نفس ذائقة الموت .

وعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا مِن مُسلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بمصيبة إلا كساه الله من حُلل الكرامة يوم القيامة . هذا الحديث رواه البيهقي .

قلت ولفظ النووي في الحلية ، وروينا في سنن ابن ماجه والبيهقي بإسناد حسن عن عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من مسلم يعزي أخاه المؤمن بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة .

وروينا في كتاب الترمذي والسنن الكبير للبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : من عزى مصاباً فله مثل أجره ” ، وفي سنده ضعف .

وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من عزى ثكلى كُسي برداً في الجنة ” . قال الترمذي : ليس إسناده بالقوى .

قلت : إلا أن ذكره هنا في باب الترغيب حسن اتفاقاً . انتهى .

من كتاب ” أربعون حديثاً في اصطناع المعروف ” جمع زكي الدين أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة ( 256هـ ) علَّق عليه وقدم له محمد بن تاويت الطنجي ، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المملكة المغربية .

وإن التعزية مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي داخلة أيضاً في قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) [ المائدة : 2 ] .

إن هذه الفترة التي تمر بها الأمة الإسلامية ، هي من أشد الفترات قلقاً واضطراباً ، ودقةً وخطورةً ، ثورات تندلع نيرانها ، حكومات تقمع شعوبها ، وشعوب تتمرد على حكامها .  هتافات ، واعتصامات ، ومظاهرات ، ومسيرات ، وتفجيرات ، واعتقالات ، محاكمات ، واشتباكات بين السلطة والشعب ، توقف عجلة الرقي والتقدم في تلك البلاد . كل ذلك يعود إلى طبيعة استخدام القوة ، وتوجيه التهديد ، واللجوء إلى العنف والقيام بما ينافي الحكمة ومصلحة الأمة والبلاد ، هذا الوضع الذي يشهده اليوم معظم دول العالم الإسلامي هو وضع مؤلم للغاية يحتاج في تغييره إلى تغيير ، تغيير في  التفكير ، تغيير في الطبيعة ، تغيير في المنهج ، تغيير في التعامل مع الآخر ، وهذه الدراسة تدعونا إلى كل ذلك ، يعطينا أسلوباً رائعاً لحل الأزمات ، ومعالجة القضايا ، وإخماد نار الفتن ، وإزالة سوء التفاهم ، والتواصل بين رؤساء البلاد وشعوبها ، والتوصل إلى نتيجة ترضي الجميع ، وتضمن الخير والسعادة . هذه الدراسة تتناول جانباً مهماً من حياة الإمام القائد الإسلامي الحكيم الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي ، وهذا الجانب من أبرز جوانب حياة العلامة الندوي ، وهو الفراسة الإيمانية والقيادة الحكيمة ، فقد دعا إلى الدين على بصيرة ، وقاد المسلمين إلى الحق عن بينة .

نقدم تعازينا بوفاة العلامة محمد الرابع الحسني الذي وافته المنية عن عمر يناهز 94/ عاماً .

ونقول في رسالة تعزية : ودعت الأمة الإسلامية علماً من أعلامها الأفذاذ ، العلامة محمد الرابع الحسني الندوي الذي عاش عمره المبارك للعلم والأدب ، يعلِّم ويدرِّس ، يؤلف بحكمة بالغة ، ورفق وبصيرة .

وإن الشيخ محمد الرابع الندوي رحمه الله عاش جندياً وحارساً للإسلام ، فأيما شخص اقترب من الإسلام يريد اختراق قلاعه ، وهدمها صرخ بأعلى صوته لمقاومته ، يوقظ النائمين ، وينبه الغافلين . وقاوم الفكر الوافد ، وترك تراثاً ضخماً ، يتمثل في عشرات الكتب في الدين والفكر ، والأدب والتاريخ ، والتربية والدعوة ، والإصلاح والتوجيه .

عباراتنا شتى وحسنك واحد     وكل إلى ذاك الجمال يشير

الحق أن الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي قد آتاه الله من المواهب والقدرات ، ومنحه من المؤهلات والأدوات ما أحله المكانة الرفيعة في عالم الدعوة والدعاة والأدب والأدباء ، وهب الله الإمام الندوي البيان الناصح والأدب الرفيع ، كما يشهد بذلك كل من قرأ كتبه ورسائله ، وكان له ذوق وحس أدبي ، فقد نشأ وتربى في حجر لغة العرب وأدبها منذ نعومة أظفاره ، ليكون صلةً بين الهند والعرب ، ليخاطبهم بلسانهم ، فيفصح كما يفصحون ، ويبدع كما يبدعون ، بل قد يفوق بعض العرب الناشئين .

تلقى العالم نبأ وفاة النحرير الرباني الجليل والمفكر الإسلامي العظيم الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي الرئيس العام لندوة العلماء ظهر يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك 1444هـ المصادف 13 من أبريل 2023م بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ، وإن وفاته خسارة لا تعوض ، وثلمة واسعة لا تسد إلا ما شاء الله .

فقد نعي إلينا رجل وأي رجل ، رجل العفة ، رجل النزاهة ، رجل الفصاحة ، رجل البلاغة ، الكاتب القدير ، لقد أدمى نعيه العيون وجرح القلوب وعقل الألسن وأوقف الأقلام ، فلم نقدر أن نصف هذا المصاب الخطير الذي أصاب الأمة الإسلامية والعربية بفقيدكم العظيم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

إننا إذا ننعى هذا العلم البارز ، أحسسنا كأننا قد قطعت أجزاء منا ، ونكاد نجزم بأنه لا يوجد بيت إلا ودخله الحزن والأسى بفقد هذا الطود العظيم ، فقد رزئت الأمة الإسلامية في أنحاء العالم بخطب فادح ومصاب جلل .

ولقد قدَّر الله تعالى علينا أن نودع – في سنة رحيل العلماء والأعلام هذه – كبارهم وخيارهم علماً ، وزهداً وتقىً ، ودعوةً إلى الله تعالى ، وتعليماً وتدريساً وتوجيهاً وإرشاداً .

نحسب أن فقيدكم من أكتب الكتاب في هذا العصر ، ولا أنسى ما خطت يمينه في البعث الإسلامي ، ومن ذلك مقالات أخذت بمجامع القلوب ذكرتنا علماء بغداد وأدباء قرطبة .

وهو من فحول البلغاء ، وله إجازات من كبار المحدثين ، أمثال : شيخ الحديث العلامة محمد زكريا الكاندهلوي ، وخاله النبيل الشيخ الإمام أبي الحسن علي الندوي ، والشيخ الحافظ عبد الفتاح أبي غدة ، والشيخ المفتي أحمد حسن خان الطونكي وغيرهم . وقد ألف الفقيد المرحوم كثيراً من الكتب ، وكنت أعرفه منذ صباي عن طريق ” معلم الإنشاء ” و ” الأدب العربي بين عرض ونقد ” و ” منثورات من أدب العرب ” .

أما تقاريظه العلمية للكتب والمخطوطات ، فلم أر مثلها لغيره ، وإني لأعده من المبرِّزين في هذا الفن فن الانتقاد الأدبي ، الذي كاد يُطمس نوره لولا نهوضكم السريع بالعربية في هذا العصر ، فرحمه الله رحمةً واسعةً ، ورزقنا جميل الصبر ، وأجزل ثوابه بقدر مصابنا فيه ، وأطال بقاءكم وبارك فيكم وفي ذويكم .

وفي هذه المرحلة العصيبة نتوجه إلى الله تعالى – والقلوب ملؤها الأسى والحزن – داعين إياه سبحانه أن يتقبل سعينا قبولاً حسناً ، ويغفر لنا ذنوبنا ، ويخلف لدار العلوم ، التابعة لندوة العلماء والأمة الإسلامية خيراً كما نتوجه إلى أهل الفقيد وذويه كلهم بالعزاء – الذي أمرنا به الشرع الحكيم – سائلين الله سبحانه وتعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان ، فإن في الله عزاءً من كل مصيبة ، وعوضاً من كل مرزئة ، ودركاً من كل فائت ، وخلفاً من كل غائب .


* أستاذ الحديث والأدب العربي بالجامعة الأهلية المحسنية دار الحديث شورئيغهات من كنائيغهات في سلهت ، بنغلادش .