كليم أحمد عاجز وأعماله الشعرية والنثرية

رجال غيّروا مجرى التاريخ
يوليو 28, 2023
دراسة لآراء الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في الأدب الإسلامي
ديسمبر 11, 2023
رجال غيّروا مجرى التاريخ
يوليو 28, 2023
دراسة لآراء الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في الأدب الإسلامي
ديسمبر 11, 2023

رجال من التاريخ :

كليم أحمد عاجز وأعماله الشعرية والنثرية

الدكتور محمد سليم أختر *

بيئته ونشأته :

وُلد الشاعر الإسلامي كليم أحمد عاجز ( 1924م – 2015م ) في فترة برزت فيها الحركة التقدمية ، وتطورت تطوراً في أنحاء الهند ، وغطَّت معظم العالم ، وشب وترعرع شاعرنا في فترة اندثر تيارها الأدبي والفكري ، وظهرت حركة التجديد في سماء اللغة الأردية وآدابها تحت قيادة من الأدباء العباقرة ، ونمت اتجاهاتها الفكرية والأدبية في الأمسيات الشعرية والمنتديات الأدبية ، كأن الشاعر الأردي شاهد هاتين الحركتين عن كثب ، وطالعهما بإمعان ودقة ، وأعجب بهما كل الإعجاب ، ولكنه لم يتأثر بهما أي تأثر ، ولم يسلك مسلكهما في تراثه الأدبي ودواوينه البديعة ، بل أخذ منهما أسلوباً أدبياً وسطاً يميزه عن معاصريه ، ويتذكر به في صفحات الكتب الأدبية والبحوث القيمة .

ونشأ في منطقة ” عظيم آباد ” التي لم تزل ولا تزال مصدراً في الثقافة والحضارة والعلم والأدب في كل عصر ومصر ، والتي طلعت فيها فئة كبيرة من شموس الأدب والشعر في أفق اللغة الأردية المبين نحو : ناسخ وشاد وأبي الكلام آزاد وإمداد إمام أثر ومبارك العظيم آبادي وجميل المظهري وبرويز الشاهدي وقاضي عبد الودود وكليم الدين أحمد وأختر الأورينوي وسهيل العظيم آبادي وغيرهم . فكتب الأديب الأريب الدكتور أختر الأورينوي : ” قبل وديابتي وكبير [1] قرض أهل التزكية من ولاية بيهار الشعر في ديار هذه المنطقة ، ولم توجد في هذا العصر إلا نصوص نثرية وشعرية لهم ، وسقى الإحسان الإسلامي أرض بيهار الخضراء ، ووحدت الحركة الناصحة ثقافة الهندوس والمسلم توحيداً ، فنتيجةً لذلك راجت لغة ” ريختا ” ، ثم اللغة الأردية في ولاية بيهار بالموادة والتجانس والتكيف ” [2] . وعبر الشاعر عما كان في ذهنه الواسع عن هذه المنطقة الأدبية :    ” ها هي منطقة ” عظيم آباد ” التي رأيتها وشاهدتها بعين المشاهدة ، وتمنيت أن أزورها غير مرة ، ولا يمكن أن يتم هذا التمني ، لأن المساء قد اقترب ، والشمس قد غربت ” [3] .

وترعرع الشاعر في أسرة متوسطة تشتمل على أب وأم وأربعة إخوة وثلاث أخوات ، وتتزين بالعلم والعرفان ، وكانت أخته الشقيقة الكبرى            ” محمودةً ” متميزةً بقوة الذاكرة والذكاء الحاد ، مولعةً بمطالعة الكتب القيمة منذ حداثة سنه ، وهي له معلمة أولى شجعته على حصول العلم تشجيعاً صادقاً ، ورغبته في مواصلته ترغيباً شديداً ، ولعبت دوراً هاماً في تشكيل شخصيته العبقرية الملهمة ، فيقول الشاعر : ” وهي كانت تحبني حباً جماً ، ولما بدأت الجلوس في الكتاب ، والاختلاف إلى المدرسة ، فهي تُسمع الدرس باهتمام بالغ ، وتقص عليّ القصص الرائعة بعناية فائقة ، وتشغف دائماً بقراءة الكتب عليّ وتفهيمها تفهيماً جيداً ، وهي التي أثارت فيّ ذوق القراءة والمطالعة  . . . وهي كانت لي مدرِّبةً ، كما كانت معلمةً في الليلة ” [4] .

وكان الشاعر محباً للعلم والعرفان ، مولعاً بمطالعة الكتب الأدبية ، باذلاً قصارى جهوده في الدراسة ، جدياً في عمله القيم منذ نعومة أظفاره ، فلما بلغ السابعة من عمره أكمل قراءة القرآن الكريم ودراسة آمد نامه ونسخة نعيمية ورقعات عزيزية وغلستان وبوستان ، كما طالع في عمره العاشر الروايات الشهيرة للأستاذ نذير أحمد نحو ” مرآة العروس ”          و ” بنات النعش ” و ” ابن الوقت ” و ” توبة النصوح ” وغيرها . وخلال هذه الفترة استوعب برغبة من نفسه دراسة جميع الكتب الموجودة في مكتبة جده الصغيرة ، ولم يترك أديباً وكاتباً إلا قرأ كتاباته ومجلاته .

ولما سافر إلى مدينة كولكاتا – عاصمة بنغال الغربية ، الهند – بعد أن أصر والده على رحلته إليها بشدة ، فربَّاه والده تربيةً حسنةً ، وعين له معلماً لتزيينه بزينة اللغة الإنجليزية والعلوم الرياضية ، ولكنه – لسوء حظه – لم يستطع أن يركز توجيهاته الكاملة وذهنه الفائق عليها على الرغم من فوزه فيهما بدرجة ممتاز ، بل مالت نفسه إلى التفرج ومطالعة الكتب الأدبية طبيعياً ، وتزايد شغفه بهما يوماً بعد يوم ، فيكتب  الشاعر : ” لم أشغف بمطالعة الكتب والرسائل الأردية ، بل كنت فيها مجنوناً ، وأظن بل أؤمن به ، قلما يوجد أحد يولع بها في هذه المدينة أكثر مني ، ومن 1934م إلى1937م كنت مشغولاً من الاستيقاظ صباحاً إلى الساعة الحادية عشر ليلاً في المطالعة سرياً وخفيةً ، ولم يصدر عدد خاص من المجلات والجرائد آنذاك حتى تمت مطالعتها ، ومن الجرائد والمجلات التي كانت طالعتها آنذاك باهتمام بالغ ، على سبيل المثال        ” عالمكير ” لاهور و ” نيرنك ” لـحكيم يوسف حسين خان ، لاهور          و ” همايون ” لـــميان بشير الدين و ” ساقي ” دهلي و ” كليم ” لــجوش المليح آبادي و ” رومان ” لأختر الشيرازي . ومن الروائيين الذين أولعت بهم وأطفأت العطش الأدبي من مناهلهم الأدبية الرائعة ، وهم بريم جند وإيم أسلم وبندت سدرش وخواجه حسن النظامي وأشرف الصبوحي ومرزا محمد شفيع الدهلوي وظفر قريش وغيرهم . . . إلخ ” [5] .

كيف أصبح كليم عاجز شاعراً :

وبعد ما أقام شاعرنا في مدينة كولكاتا مدةً رجع الشاعر إلى مدينة بتنة ، والتحق بالصف التاسع في المدرسة المسلمة الثانوية ببتنا ( بتنا مسلم هائي اسكول ) عام 1939م ، وحصل على الترقية مرتين ، وأكمل الصف العاشر( 10th ) بالدرجة الخامسة على مستوى ولاية بيهار عام 1940م ، وحصل على وسام من الفضة ، ثم التحق بكلية ” بي اين ” ببتنا ، ولكنه لم يستطع مواصلة الدراسة لأجل ما أصابته المآسي العظيمة والأحزان العنيفة من وفيات أبيه المشفق وأخيه الصغير ، وما انطفأت نار الحزن والألم في بيته حتى نشبت الاضطرابات الطائفية في منطقته عام 1946م ، وتلظت نارها في كل بيت من بيوت قريته ، وأحرقت البيوت السكنية والدكاكين ، وسفكت دماء مئات من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء ، وقتلت أمه وأخته مع عائلته وأسرته بصورة وحشية لا توصف ، وبأي ذنب قتلت .

وهزت هذه المجزرة التاريخية قلبه ، وأضعفت نفسه إضعافاً ، وأحزنت ذهنه حزناً شديداً ، ودفعته إلى عزلة حزنية ، وقطعت مسيراته العلمية . . . ثم أصر أصدقاؤه وزملاؤه إصراراً شديداً على مواصلة الدراسة العليا ، وشجعوه تشجيعاً صادقاً عليها ، فالتحق بكلية ” باره ” من جامعة بتنا من جديد بعد السنوات السبع ، وأكمل تعليم الصفين الحادي عشر والثاني عشر كطالب خارجي عام 1954م ، كما نال شهادة البكالوريوس في اللغة الأردية بدرجة ممتاز مع المركز الأول على مستوى الجامعة عام 1956م ، ثم انتسب إلى الماجستير في تلك الجامعة ، وحصل على درجة الماجستير بالدرجة الممتازة مع الدرجة الأولى على مستوى الجامعة عام 1958م ، وتشرف بالوسام الذهبي ، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1965م تحت إشراف الأديب الأريب جميل المظهري على موضوع ” تطور الشعر الأردي في ولاية بيهار بعد 1857م ، وعين – لحسن حظه – كأستاذ مساعد للتدريس فيها [6] .

ويعتقد بعضنا أن المجزرة الوحشية التي واجهتها أسرته وأقاربه ، دفعت شاعرنا إلى قرض الشعر الرائع وإنشاده بصوت العندليب وتأليف الكتب الأدبية فقط ، الواقع أن هذا ليس سبباً وحيداً لقرض شعره وتدفق قريحته ، لأنه حينما سافر إلى كولكاتا قرأ المجلات الأردية والكتب الأدبية والدواوين الشعرية ، ولقي عباقرة الشعراء والأدباء آنذاك ، وجالس مجالس الأمسيات الشعرية والمنتديات الأدبية ، فمالت نفسه إلى المجالس الأدبية ، وثارت قريحته الشعرية ، وقرض الشعر أول مرة عام 1937م ، واستعمل فيه لقبه ” عاجز ” ، وثانياً أنه بدأ قول الشعر بالاهتمام البالغ بعد سنوات لتلك الواقعة الفاجعة . ولذا أستطيع أن أقول بكل ثقة : إن تلك المجزرة وحدها لم تحركه إلى هذا الفن الرائع الذي نراه اليوم ، بل كل من الطبع والميل إلى المطالعة ومجالس الأمسيات الشعرية والمنتديات الأدبية والمجزرة المروعة خلفية ذهبية جرت مجرى الدم في قرض الشعر الأردي وكتابة المقالات الأدبية . كما يشير الشاعر بنفسه إلى ما يصدق قولي ويؤيد مذهبي : ” لو أن جرحي الشخصي تحول شعراً ، لكان لي أن أكون شاعراً على إثر مأساة 1946م – التي قتل فيها والدتي وأختي و 22 فرداً من أفراد أقربائي إلى 800 من مسلمي قريتي خلال أيام عيد الأضحى وبالذات في أيام الأضحية والتشريق – ولكن ذلك لم  يحدث ، وإنما حالت بيني وبين الإعراب عن الجروح شعراً فترة خمسة أو ستة أعوام ” [7] .

أعماله النثرية والشعرية :

وأثناء مسيراته الأدبية قرض شاعرنا أول قصيدة غزلية ليساهم بها لأول مرة في حياته في أمسية شعرية عقدتها جمعية ” رفيق الشعراء ” في قطاع ” لودهي كاترا ” بمدينة باتنة عام 1949م ، ثم شارك في أمسية شعرية اهتمت بها جمعية ” بزم فرح ” خارج المدينة لأول مرة عام 1954م ، ثم بدأت سلسلة المشاركة الشعرية في أمسيات شعرية عديدة في داخل البلاد وخارجها ، واستمرت حتى توفي رحمه الله عز وجل ، ومن أهمها : في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية عام 1966م وباكستان عام 1979م وأمريكا على دعوة ” مركز الأقلية الإسلامية ” عام 1979م و1984م ومدينة تورنتو بكندا على دعوة ” جمعية تطوير الأردية ” عام 1984م وقطر على دعوة ” المجتمع الأردي الهندي القطري ” .

وخلف لنا تراثاً أدبياً ثميناً بأسلوب رصين ولغة سهلة واضحة وتعبيرات نادرة منسجمة ، ومن أهمه : ” وه جو شاعري كا سبب هوا ”    ( الأمر الذي أفضى إلى قرض الشعر ) و ” جب فصل بهاران آئي تهي ”      ( عند ما حلَّ موسم الربيع ) و ” إك ديسي إك بديسي ” ( مواطن وأجنبي ) و ” جهان خوشبو هي خوشبو تهي ” ( حيث كانت الروائح منتشرةً )        و ” أبهي سن لو مجه سي ” ( اسمع مني الآن ) و ” ديواني دو ” ( مجنونان اثنان ) و ” دفتر غم كشته ” ( الوثيقة المفقودة ) و ” بهلو نه دكهى غا ”    ( لن يتألم الجنب ) و ” ميري زبان ميرا قلم ” ( لساني وقلمي ) و ” فر أيسا نظاره نهيى هوغا ” ( لن تعود هذه المناظر ) و ” يهان سى كعبه ، كعبه سى مدينه ” ( من هنا إلى الكعبة ، ومنها إلى المدينة المنورة ) و ” تطور الشعر الأردي في ولاية بيهار بعد 1857م ” ، وهو أطروحته لنيل درجة الدكتوراه .

دراسة علمية في شعره :

إن كتاباته الأدبية مرآة للإخلاص والصدق وصلة الأرحام ، وصورة للمجتمع البشري ، وصورة لشخصيته العبقرية الملهمة وأفكاره وتخيلاته ووجهاته الرائعة ، وصورة لتراثه الأدبي ، وظاهرة لحزنه الدفين وكمده الرزين ، وسجل للاضطرابات الطائفية التي نشبت عشية استقلال الهند . وللشاعر كليم أحمد قدرة كاملة على اللغة والأسلوب ، وكنز عظيم للألفاظ ، ومهارة تامة في استعمال الأساليب البسيطة والجمل الجميلة ، وبصيرة عظيمة في التعبيرات البديعة والتراكيب الجذابة ، ولذا نراه يحتل مكانةً عظيمةً في سماء الأدب . فيقول الأديب الشاعر فراق الغوركفوري : ” لما سمعت غزله ، فأحببته حباً جماً ، وثار فيّ التجانس والتكيف والحب والفرح الشديد ، وأعجبته إعجاباً أزعجني إزعاجاً ، وغضبت عليه غضباً شديداً ، لماذا يقول مثل هذا الشعر الجميل البديع ، ولن أستطع أن أصفح عنه ، ولن يستطع أحد أن يقرض الشعر الرائع بأسلوب خلاب ولهجة سحرية ولغة عذبة إلا بالإخلاص العميق ، ولم أسمع مثله في هذا العصر ، ونسيت أسلوب تراثي الأدبي بعد سمعه ” [8] . ويقول الكاتب العبقري الملهم كنهيا لال كفور : ” كلما يتغنى الغزل ، يبدو أن ملائكة مجروحة تستغيث استغاثةً ، ويتألم هو نفسه بصوت مؤلم حزين ” [9] . ويقول الناقد الأديب كليم الدين أحمد : ” ما قرأت غزله أول مرة ، بل سمعته ، فصوته مترنم ، أسلوب تغنيته خلاب . . . فهمه سهل جداً لعباراته الساذجة وتراكيبه البسيطة وعدم التضاد بين التراكيب والألفاظ . . . وفي شعره حزن الأحبة وألم العصور ، وكل منهما يختلط بالآخر ، وليس من الممكن فراقه من الآخر ” [10] .

ويتصف غزله الرائع ونصوصه البديعة بالتحادث مع النفس بعزلة حزينة ثارت فيه المأساة المؤلمة الرهيبة التي أصابته بعد أن انقسمت البلاد بين الهند وباكستان ، وأن هذه العزلة الحزينة لم تنته فقط ، ولم تتحول مجلساً ، وكل ما قاله ليس لأحد ، وإنما قاله لنفسه ، ولم يهدف من ورائه إلى إسماع الغير ، وإنما الغرض أن يتغنى به شخصياً ، وإن ما قاله هو في الواقع حديث صامت مع النفس ، إنه حديث مع القلب لتسليته ، فهناك من يتسلى باللعب بالورق ، ومن يتسلى بموسيقى ، ومن يتسلى بلحن من الألحان ، ومن يتسلى بالاستماع للإذاعة أو برؤية الأفلام وارتياد دور السينما ، وأما شاعرنا كليم عاجز ، فتسلى بشعره البديع الذي تحدث به مع نفسه . فيقول الشاعر : ” إن الشاعر بعد ما يقول الشعر يقلق كثيراً ، ويظلّ مدفوعاً برغبة جامحة لا توصف في إنشاده الناسَ . أمّا أنا فإن لذاذاتي كلها تنحصر في قولي الشعر . فربما أقول غزلاً وأظلّ أتغنى به أسابيعَ ، وأحياناً شهوراً ، وأحتاط في هذا التغني هو الآخر حتى لا يتسامع به غيري ، ولا تقع عيناه على هذه الفتاة الفنية البِكْر ، فأظلّ أَلَذُّها وحدي ، وأهب لها حبيّ دونما مشاركة من أحد . فلو اضطررتُ أن أتلو غزلاً لي في الإذاعة أو في أمسيّة شعرية ، وجدت أن حرارة الحبّ نحوه وحلاوة اللذّة تجاهه قد خَفَّتْ بنحو ملموس ” [11] .

وأعظم ما يختص به الشعر وهو معاني الحب المتناهي التي عُجنت به طينته ، والتي أذكتها الحوادث الأليمة التي مر بها في بداية مراحله الأولى ، واعتبرها قيمة فريدة وحيدة في حياته ، وتصوراً أمثل ، وفلسفة فضلى ، وحقيقة كبرى ، وعدها ثروة لا تثمن ، ثروة لا يقدر أحد على دفع قيمتها ، وليس هناك من يسلبه إياها ، ولن تحل محلها قوة ولا حادثة ، ولا ثورة . فيقول شاعرنا كليم عاجز : ” الحبّ الغامر الشديد الذي صار قِوَام حياتي ، والذي أمارسه نحو كل شيئ في الكون ، فإني أَتَمَلْمَلُ عندما أرى كآبةً على وجه أحد ، أو عبرةً مهراقةً من عين إنسان ، أو شعراً أشعث على رأس عضو في المجتمع الإنساني ، أو قطوباً على جبين رجل أو امرأة ، أو ضعفاً في مشية أحد ، أو بؤس حالته . إن شعوري بحر تتلاطم أمواجه عندما أشاهد أي موقف من هذه المواقف ” [12] .

ولا يفوتني من الذكر أن بعض النقاد والباحثين يوجهون سهام الاتهام إلى أن الشاعر كليم عاجز قلد تقليداً أعمى أسلوب الشاعر الشهير مير تقي مير في التعبير عن التألم للمآسي والآلام الإنسانية . ما هذا إلا وهم كبير لن يصفح عنه ، لأن جميع ما صنع الشاعر أنه وجد مصطلحات الغزل القديمة ، وصياغاته التقليدية ، وكلماته الكلاسيكية ، تقدر قدرةً كاملةً على مسايرة العصر ، فبدَأَ يُحَمِّلُها عِبْءَ تجارب جديدة للعالم المعاصر ومقتضيات الحياة الحالية الجديدة ، ورأى أن خطواتها تتزلزل في مستهلّ الأمر ، وأحياناً حدث أنها سقطت ، ولكنها تمالكت نفسها وانتعشت رويداً رويداً ، وتَقَوَّت من جديد ، وازدهرت وعادت ناضرة الوجه ، فصارت تتناغم مع حياته مع مرور الأيّام بنحو كامل . وقد تباهى الشاعر أنه بعد تجارب سنوات وبذل دماء القلب استطاع أن يُحَوِّل تقنية الغزل ومصطلحاته القديمة وأساليبه التقليدية تكسب معنويةً جديدةً حيّةً ، وتماشي العصر الحاضر في كامل القوة والجمال والتفاعل . فصرح الشاعر أنه لم يكتسب هذا الأسلوب من الكتب ، وإنما هو أسلوب تلقائي ذاتي ، ولم يتخذه بإشارة من أحد ، وليس تقليداً لـــمير ، فقال ” لم يقلد في أسلوبه الشعري أحداً من الشعراء ” [13] ، وقال : لو كان التقليد تميل إليه نفسه لقلَّد بسهولة أي سهولة الشاعر النابغ غالب ، لأنه تعرف عليه مبكراً قبل أي شاعر من الشعراء الكبار ، لكن التقليد يتعارض مع طبيعته ” [14] ، وما يوجد في شعره من شبه بشعر ” مير ” إنما يرجع إلى تشابه في نمط الحياة ، ولا يرجع أبداً إلى الأسلوب والفن ” [15] .


* رئيس قسم اللغة العربية وآدابها ، كلية بتنة ، التابعة لجامعة بتنة ، ( الهند ) .

[1] تجدر الإشارة إلى أن كبيراً ( ١٤٤٠م – ١٥١٨م ) يتمتّع بشهرةٍ واسعة في الهند منذ خمسة قرون ، ليس باعتباره شاعراً فحسب ، بل باعتباره حكيماً وقائداً روحياً أيضاً يبلغ عدد أتباعه اليوم ملايين .

[2] أختر الأورينوي ( الدكتور ) ، بيهار مين أردو زبان وأدب كا ارتقاء ( تطور اللغة الأردية وآدابها في ولاية بيهار )، ترقي بيرو نيو دهلي 1989م ، ص 82 – 83 .

[3] عاجز كليم أحمد ، جهان خوشبو هي خوشبو تهي ( حيث كانت الروائح منتشرةً ) ، عرشي ببليكشنز إنديا ، دهلي 1981م ، ص 346 .

[4] المصدر السابق ، ص 26 .

[5] المصدر السابق ، ص 90 – 91 .

[6] لمزيد من التفاصيل ، راجع إلى عدد خاص من مجلة ” أردو دنيا ” ، أبريل 2015م .

[7] عاجز كليم أحمد ، وه جو شاعري كا سبب هوا ( الأمر الذي أفضى إلى قرض الشعر ) ، ص 175 .

[8] المصدر السابق ، ص 25 .

[9] المصدر السابق ، ص 23 .

[10] المصدر السابق ، ص 30 .

[11] المصدر السابق ، ص 175 .

[12] المصدر السابق ، ص 150 .

[13] المصدر السابق ، ص 173 .

[14] المصدر السابق ، ص 173 .

[15] المصدر السابق ، ص 174 .