أدوات الشرط وأنواعها في القرآن الكريم واللغة العربية
يوليو 11, 2022المناهج النقدية الحديثة في محك النقد
أغسطس 28, 2022دراسات وأبحاث :
كتب فلسفية كثيرة ….. ولكن …… !
بقلم : فضيلة الشيخ فاروق صالح باسلامة ، جدة
– شخصياً – اقتنيتُ كتباً كثيرةً في مواضيع الفلسفة القديمة والحديثة ، والصعبة التناول للوعي والاستيعاب ، والسهلة القليلة العدد والمفهومة أو قابلة للقراءة المستوعبة ، والوعي والمفهوم إلى درجة معقولة ، أو مستوى مقبول ، الأمر الذي جعلني أستمد في متابعة الصادر من كتبها ، ومتابعة الاطلاع والقراءة في مواضيعها الفلسفية ، والفكرية المنطقية منها والعقلية المدركة والمعاني وبعض قيمها التي يستساغ أن يبق القارئ والعاقل والعادل لما بين يديه والمنصف لذلك ، وأنه من المؤكد أن يدرك ذلك بحق ،وأنه على غير حق لو حكم على المؤلف بظلم أو بباطل !! إذ أن هذه مسألة عامة في الحساسية الفكرية والروحية والإيدلوجية ، فلا يجرؤ على ذلك إلا عديم الضمير – والعياذ بالله – أليس ذلك من العلم النافع ؟ والكلمة الطيبة إذا ساق هذا المؤلف حديثه أو فكرته علي هدي أو على كتاب منير !!
إن العلوم الفكرية والفلسفية إذا لم يشبها شائبة الباطل أو البهتان فإنها مقبولة ، ومرغوب فيها ، وفي أمثالها من العلوم التي تنفع الناس وتعطي لهم المفاهيم الصائبة والمعاني الحسنة والأفكار النيرة والأخلاق الحميدة ، وهذا الجانب من الفلسفة مؤكد في وجودها الفكري والمعنوي في ملفات الفكر الفلسفي وكتب مثل مؤلفات أبي حامد الغزالي ، والعقاد وأحمد فؤاد الأهواني ، وعلال الفاسي على سبيل الأمثال السائرة في الفلسفة الموضوعية والوسطية والفكر الفلسفي المؤمن المقبول ، ومفاهيمه السليمة وأفكاره الحسنة ، ومن خلال الاطلاع على كتب فلسفية أخرى كـ : ” جمهورية أفلاطون ” وكتاب ” الكون والفساد ” لأرسطو طاليس ، وفلسفة المشَّاء سقراط وإيثاره للفلسفة والمثالية الجاهلية حتى سقي السم لحد الموت ، الأمر الذي يُرى وكأنه مات شهيداً في سبيل مبدئه المفضل وفكره المثالي وفلسفته العليا ومثاليته العريضة ، لهذا السبب ومثله أحجم كثير من العلماء والأدباء الفضلاء عن جانب الفلسفة وتراثها الفكري والمنطقي حتى قال ابن الصلاح في مقدمته الفقهية : ” من تمنطق فقد تزندق ” !!
إن القيم المعنوية سلبيةً كانت أو إيجابيةً ، ماديةً أو بعكسها المعنوي هي من سنن الحياة وطبيعة أمرها وأسسها الأصيلة ومعانيها الخاصة والعامة وفكرتها الموضوعية الأولى الأساسية والفطرية غير المكتسبة والتي تتسم بالواقعية والآنية الجمالية وسوى ذلك من التلقائية ونشوء الحق من الحق تعالى ، خالقها وفاطرها ومنشئها : ( فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ ) ( سورة المؤمنون : 14 ) ، إن ذلك أبدع وأقص – هنا – معاني الغرض ، غرضنا المقصود من الفلسفة الإيجابية والتفلسف الحق الصافي من أكدار فلاسفة الإغريق واليونان والرومان وسواهم من الضلالية والواهمين بالمنطق الأجوف والفكر المنحرف بأنهم ملكوا الفكر العالمي والدولي قديماً ومستقبلاً ، وهذا أمر باطل القول والمعنى ، ولا مفهوم له حقاً أو باطلاً ! وإنما يلوكه بألسنتهم من هم ليسوا مؤمنين بقلوبهم وأفئدتهم هواء ، حتى الإمام ابن تيمية له الرد على المنطقيين ، وهذا هو اسم الكتاب له ، الذي رد فيه على أولئك المتفلسفة من الزنادقة والملحدين المنطقيين الظالمين ، وقد حاول الدكتور أحمد فؤاد الأهواني في كتبه ” معاني الفلسفة ” و ” الحب والكراهية ” و ” فجر الفلسفة ” أن يسبط الفكر الإسلامي كإضاءات إيمانية على الفلسفة التي ألف فيها بحوثاً وكتباً عديدةً في المجلات والمؤلفات منذ أكثر من خمسين عاماً ، وكان جديراً بذلك فهو ذو علم ودراية وفكر ورواية ونظر ورؤية نحو المسائل الفكرية والفلسفة العلمية والخبرة المعرفية ، وقد سار طويلاً في دروب هذه الثقافة المتنوعة وآدابها وفنونها ، حيث خبر أسرارها ومسائلها وأفكارها ومعانيها التي استمسك فكره بها وذوقه بلغتها وفهمه بما وراء الفلسفة وأبعادها ، إن هذا المسار المعنوي والاستقامة الفكرية والمضي في عالم الفلسفة ودنياها وعوالمها المزدهرة بشيئ جميل وأمر حكيم يسير فيه المفكرون الأصلاء والفلاسفة الحكماء من أجل رفعة الفكر الإنساني وفلسفته البشرية ومنطقها الأصيل ، ومع كل ما سبق قوله فإن كثيراً ممن يُعنون بالفلسفة بشتى صنوفها لا يزالون في غمزة من كيل المديح شرحاً وترجمةً ، لفلسفة اليونان وغيرهم من ألمان وفرنسيس وإنجليز ! الأمر الذي لو استمر عطاء فلسفي كعطاء الأهواني ومن سار مثله لخرجنا بثروة فكرية في الفلسفة وأفكارها وإصلاح ما فسد من الفلسفة الحديثة وحتى القديم منها وازدهرت فروعها وما كتب على غرار تلك !! الفلسفة المنشودة في عالمها الفكري والمعنوي ، ولتخرجت أجيال يعون حقيقة معنى الفلسفة وفكرتها في الوجود الفكري الحقيقي ، لا الوجودية المغلوطة والطبيعة فحسب !
إن الفلسفة حب الحكمة وأسها ، وفي سورة البقرة قوله تعالى : ( يُؤتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً ) ، ومن الحكمة التدبر في آيات الكون الكبير الذي يشكل كثيراً من الأكوان من الكواكب والشمس والقمر والأراضي والناس وشتى النبات والحيوان والجمادات ومظاهر أخرى في هذا الكون الكبير ، وباطنه وما احتواه وانطوى عليه أو التبسه الشيئ الذي يحاد منه فكر الإنسان إذا وقف أمامه مكتوفاً ! إن هذا الأمر ينبغي من فلسفة حكيمة وفيلسوف حكيم ومتلق يبصر أمامه الحكم لا حكمةً واحدةً ، أو تفلسف أجوف ، وإنما مزيد من العطاء الفلسفي الإيجابي وترك سلبية الفلسفة الغربية وانحرافاتها الفكرية والسلبية وغير المفيدة إطلاقاً ، فالموضوع إيماني وليس علمانياً كما قد يُفهم من حديثنا ، فالعلم إذاً نفع فهو غير ضارٍ ! وأدبيته أخلاقية ، وهي ترشد الفكر وتهديه إلي الاستقامة الفكرية المعنوية مادياً وأدبياً ، علمياً وعملياً ودينياً ودنيوياً .
يقول فولتير في قاموسه الفلسفي : ” يبدو لي أن الإغريق ، أساتذتنا ، كتبوا ليستعرضوا ذكاءهم بقدر أكثر بكثير مما استخدموا ذكاءهم ، من أجل التعليم ، لا أرى كاتباً واحداً من العصور القديمة كان لديه نسق متماسك ، نسق واضح ومنهجي يتقدم من نتيجة لأخرى ( ص 269 ، فصل : خلاصة الفلسفة القديمة ، ترجمة يوسف نبيل ، دار هنداوي ، ط أولى 2020م ، المملكة المتحدة ) .
إن هذا النص ومثله كثير ، يقدم دلالةً واضحةً على فم أحد الغربيين أنفسهم الذين يقولون بكل وضوح على انتقاد الإغريق الفلاسفة سواءً كانوا المعلم الأول أو معلمهم الأخير أو من يعجب بهم غربيين أو شرقيين !! والخلاف هنا ليس في ذات الفلسفة ، ولكنه في تناول المتفلسفة لمواضيعهم فيها لكأن ثمة عجزاً في تناول الموضوع الصحيح أو ما يفيد علمه في الوعي العام ويستسيغه الفكر الإنساني الفطري ، ومع ذلك فهم أو غالبيتهم لا يرغبون إلا في المغالطات الفكرية في الفلسفة وتقديم الغامض في أفكارها ، الأمر المتكلف أو كما يقال في الدراجة المصرية : ” كلام لا يؤدي ولا يجيب ؟ ” .
أو أن الإصرار هو افتعال للموضوع والاستمساك بقبضته القوية أو الخاوية على أصدق تعبير !! إن الفلسفة ليست أمراً هيناً أو علماً فارغاً أو فكراً أجوف بقدر معناها وإهداف الفيلسوف من الطرح والتعبير وإنشاء أفكارها الهادفة ! ومواضيع قضاياها وطروحاتها المفيدة والمثيرة للجدل والنقاش والمطارحة والحوار وتعاطي الأفكار والمداراة والمصابرة على ذلك كله ! عندما يحلو الكلام والحديث يغير بعضه بعضاً ، فلسفياً ومعرفياً ، وللتأكيد أن الشباب ، شبابنا المثقف ، مدرك لما يُطرح له من الفلسفة الحقة وفكرها البين إذا تعاون فلاسفة اليوم معهم من هذا المنطق وركيزته الواضحة البينة وستدخل الفلسفة التاريخ من جديد علامةً ونجاحاً طالما دخلته قديماً من أساس البناء الصعب ومرتكز الإغريق والغرس والهند بصورة صعبة المنال والتناول والطرح والوضع ومخاضه العسير ، ونرى أن توليد هذا التاريخ من جديد سينجم عن ثراوت فلسفية جديدة وفكر فلسفي ومنطقي حديث العهد والجدة وفي متناول الكفر الشبابي الفلسفي الحديث والمعاصر بإذن الله تعالى .