كتاب ” أخي العزيز ” : دراسة علمية وأدبية

خواطر للأستاذ السيد جعفر مسعود الندوي ( مجموعة افتتاحيات لصحيفة الرائد )
فبراير 23, 2025
عن جعفر بن ” رشيدٍ ” أطيب الخبر
فبراير 23, 2025
خواطر للأستاذ السيد جعفر مسعود الندوي ( مجموعة افتتاحيات لصحيفة الرائد )
فبراير 23, 2025
عن جعفر بن ” رشيدٍ ” أطيب الخبر
فبراير 23, 2025

علم فقدناه :

كتاب ” أخي العزيز ” : دراسة علمية وأدبية

محمد فرمان الندوي

اطلعنا على كتاب الأستاذ الأديب علي الطنطاوي : مقالات في كلمات ، وقرأنا هذا الكتاب ، فأعجبنا بأسلوبه ومنهج كتابته ، وتنوع عباراته ، وجمال تعبيراته ، وهو لا شك مصداق لهذا المثل العربي السائر : كأن البحر صب في كأس ، طبع الكتاب ، ونال شهرةً فائقةً ، وصيتاً حسناً ، وقبلته الأوساط الأدبية على الصعيد العالمي .

نهل كثير من الناهلين من نمير الأستاذ علي الطنطاوي ، واستنشقوا عبيره ، وملأوا عيبتهم من دُرره ولآلئه ، لكن قلما يوجد رجال حاكوا أسلوبه مائةً في المائة ، ونسجوا على منواله ، ومشوا على أسلوب كتابته ، وإذا قلنا لسنا مبالغين : إن الأستاذ السيد جعفر مسعود الندوي قد أصاب المحز في هذا المجال ، فإنه حينما يكتب المقالات والدراسات باللغة العربية يمشي على مشوار الطنطاوي ، فيسحر بطريقة كتابته ، ومنهج أسلوبه قلوب الناس ، فكما أن أسلوب الطنطاوي يتسم بالعلم والأدب ، وجمال العبارة ، ورصانة الفكرة ، كذلك تتصف كتابات الأستاذ جعفر مسعود الندوي برشاقة الكلمات وغزارة المعلومات ، إنه لا يجمِّل عباراته بالكلمات الفارغة ، ولا ينمِّق مقالاته بالمفردات الزائدة ، بل يأتي بالألفاظ حسب المعاني والمفاهيم ، وإذا كانت الحاجة بالتركيز على شيئ ما ، فإنه يدعمه بالكلمات القوية ، والتعبيرات الهادفة ، وقد أيد هذه الفكرة مقدِّم الكتاب الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي : ” أرجو أن هذا الكتاب المشتمل على كلمات علمية وأدبية شائقة بأسلوب جميل مؤثر سائغ ، مفيداً ومعيناً في تعلم الكتابة باللغة العربية ، وطريقة عرض الأفكار والآراء والمشاعر والعواطف ، والتعليق على الحوادث والأنباء ، والتعبير عما يشاهده في مجتمعه من قضايا ومشاكل ، أو ما يقع حوله من أحداث وأزمات ” ( المقدمة : 5 ) .

وغرس طاب غارسه فطابا :

تربى الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي تحت إشراف والده العظيم الأديب العبقري ، المفكر الألمعي ، الكاتب اللوذعي ، الصحافي المحلِّل الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، فنشأ على خلال طيبة من الإخلاص والعمل الصالح ، وكان مصداقاً للمثل العربي : الولد سر لأبيه ، فكان يتميز بالبساطة في المعيشة ، والسذاجة في الحياة ، وكان يلقى كل صغير وكبير بأريحية وانشراح قلب ، لا يحسد ، ولا يكمن في قلبه غلاً لأحد ، نقي الصدر ، طاهر الفؤاد ، وكان يضع في قلبه احتراماً وعظمةً لأساتذته ومن يفوقه في العمر ، وكان كثير الإنفاق على الفقراء والمساكين واليتامى والثكالى والملهوفين .

أما دراسته العربية فقد كسب من والده مباشرةً ، وكان يهتم بتربيته وتثقيفه ، فقد بدأ كتابته العربية منذ دراسته في دار العلوم لندوة العلماء ، وكانت تنشر كتاباته في صحيفة الرائد النصف الشهرية ، فقد غرست في ذهنه بذور الكتابة العربية ، ثم حالفه التوفيق الإلهي لتعريب عدد من كتب التراجم والسير أمثال سيرة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي الذي ألفه الإمام الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي باللغة   الأردية ، وسيرة الداعية الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي للشيخ محمد الثاني الحسني ، وهما كتابان ضخمان ، قام الأستاذ السيد جعفر مسعود الندوي بنقلهما إلى العربية ، وكذلك ترجم مجلداً واحداً من ( كاروان زندكي للإمام الندوي ) إلى العربية باسم : في مسيرة الحياة ، وطبعت هذه الكتب من المكتبات في العالم العربي ، كما ترجم من العربية إلى الأردية مؤلفاً للإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي ، وهو مطبوع باسم : أضواء على الحركات الدينية والمؤسسات التربوية في الهند ، وطبعت ترجمته باسم : بصائر .

هذا ، وقد كتب الأستاذ الأديب السيد جعفر مسعود الندوي كلمات الناشر على عدد من منشورات دار الرشيد ، بلكناؤ ، وهي بالعربية الفصحى ، فليست هذا الكلمات عابرةً أو عفويةً ومروريةً ، بل كتبت بروح من الإخلاص ، فإنها مدخل الكتاب أو مفتاح الباب ، أو سلَّم البيت الذي يذهب بالإنسان إلى أعلى مكانه ، فعلى سبيل المثال : كلماته على كتاب : صور وأوضاع ، والغزو الفكر ي ، ومصادر الأدب العربي ، وأعلام الأدب العربي في العصر الحديث تقدِّم نماذج رائعةً لكتابة تقديمات للكتب ، وتعرض أساليب جميلةً للتعريف بالموضوعات الرئيسية ، يتناول الأستاذ السيد جعفر مسعود الندوي في هذه الكلمات النواحي البارزة للكتاب ، ويركز عليها بادئ ذي بدء قراءةً وإمعاناً ، ودراسةً وتعمقاً ، ثم يكتبها ويلخصها في كلمات وجيزة ، تنحصر فيها أسسها وركائزها ، فإذا اكتفى قراء الكتاب بقراءة هذا التقديم أغناهم عن قراءة الكتاب بكامله ، وأصبحوا مفعمين بفحوى الكتاب ، ومغزاه ، ومطلعين على دقائقه وأسراره ، ولا شك أن هذا العمل لا ينجزه إلا من اطلع على كل جانب من جوانب الكتاب ، وكان الكتاب أمامه في ورقة مفتوحة يقرؤه من حيث شاء وأراد .

تعريف بكتاب : أخي العزيز :

هذا الكتاب هو مجموعة مقالات وكتابات وجيزة نُشرت في صحيفة الرائد خلال ستة عشر عاماً من سنة 2003م إلى 2018م ، وذلك تحت عمود ” ركن الأطفال ” ، وقد بدئ هذا العمود عام ثلاثة وألفين الميلادي برعاية كريمة من رئيس تحرير صحيفة الرائد آنذاك الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي ، فإنه كان حريصاً على أن يتعلم طلاب المدارس العربية اللغة العربية كاللغات الأم ، ولا يمكن تعلمها فقط بالمجلات العلمية والأدبية ، ولا شك أن المجلات العلمية والأدبية صدرت في القرن العشرين الميلادي في عدد وجيه ، ولا تزال تصدر الآن كذلك ، لكن لم توجد صحيفة تركز على تعلم اللغة العربية للناشئين في الهند ، إلا صحيفة الرائد ، فإنها منذ أول يومها فتحت أبوابها لتحقيق هذه الغاية النبيلة ، وفي بداية القرن الحادي والعشرين حينما بدأت هذه الصحيفة ركن الأطفال فكان ذلك خطوةً مباركةً ، ومشروعاً ميموناً غير مسبوق في تاريخ الهند العربي ، يقول مؤلف الكتاب في كلمته عن هذا الواقع :

” إن هذا الكتاب الذي بين يديك – أيها الأخ – يحتوي على ما يسَّر الله لي من الكتابة في ركن الأطفال الذي بدأته صحيفة الرائد في صفحاتها بأمر من رئيس تحريرها ، فبدأ بعنوان بأخي العزيز ( من العدد الخامس ، السنة الخامسة والأربعين ، أول سبتمبر 2003م ) لإخوتنا الطلبة الدارسين في دار العلوم وفروعها المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد ، فأرغمتني هذه المسئولية الملقاة على عاتقي على الكتابة ” ( كلمة المؤلف : 12 ) .

يحتوي الكتاب على خمس مائة واثنتين وثلاثين صفحة ، وهو في مجلد واحد من القطع المتوسط ، يبتدئ الكتاب من عنوان : العظمة الحقيقية ، وينتهي على عنوان : ميزة الإنسان ، وقد قدم له الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي وأبدى تقديره وإعجابه لهذا الكتاب ، كما قرَّظ هذا الجهد الأدبي سعادة أستاذنا الدكتور سعيد الأعظمي الندوي   ( رئيس تحرير مجلة البعث الإسلامي ، ومدير دار العلوم لندوة العلماء ) بكلمات مشجعة للعزائم والطموحات ، واعتبر الكتاب معلِّم العربية ومفتاحاً لأبوابها مع ما ينال به قراء الكتاب من الإيمان والتقوى .

ميزات وخصائص للكتاب :

أما ميزات الكتاب فهي على ما يأتي : (1) الكتابة الرشيقة والجمال الفني (2) تنوع الموضوعات (3) التحليل والتدقيق (4) الجانب التربوي والإصلاحي (5) الإيجاز غير المخل .

(1) الكتابة الرشيقة والجمال الفني : هذه الميزة متوافرة في هذا الكتاب مائةً في المائة ، ومعلوم أن العلم هو بيان الحقائق ، وسرد المعلومات ، والفن هو الاعتناء بجانب الشعور والوجدان في الكلام ، فمجرد العلم يكون جافاً ويابساً ، مثل علم الحساب ، وعلم الجغرافية ، وعلم الهندسة ، وغيره ، لكن الفن يجعل العلم جميلاً وقوياً ، والفن له علاقة بالعاطفة والخيال ، وكلما كان هذان العنصران مؤثرين في الكلام كانت العبارة رشيقةً وأنيقةً ، ومما يتميز به الكتاب هو أسلوبه الرائع ، فأحياناً يكتب المؤلف المقالة بلفت الأنظار إلى الماضي المشرق ، والتراث التليد ، ويكثر من استعمال التعبيرات المرادفة ، والجمل الرائعة الداعمة للفكرة الأساسية للمقال ، مثلاً يقول : ” شهد العالم كثيراً من العظماء الذين ذاع صيتهم ، وعمت شهرتهم في مجال من مجالات الحياة المختلفة ، لأن العظمة ليس لها مقياس خاص ، وليس لها مجال معين أو إطار محدد ، فقد يكون العظيم عالماً ، وقد يكون لاعباً ، وقد يكون فاتحاً ، وقد يكون مخترعاً ، وقد يكون مدرساً ، وقد يكون مربياً روحياً ، أو زعيماً سياسياً ، لكن هؤلاء العظماء ينتهي دورهم ، وتنطمس آثارهم عند ما يدركهم الأجل ، لأنهم لا يعيشون إلا لأنفسهم ، ولا يسعون إلا إلى تعزيز مصالحهم ، وتحقيق مآربهم ، لكن العظماء الذين تخلد أسماؤهم ، وتدوم مآثرهم وأمجادهم ، ولا يحول الموت بينهم وبين المعجبين بهم هم الذين يعيشون لغيرهم ويبذلون حياتهم ومالهم وراحتهم في خدمة المجتمع البشري ” ( ص : 15 ) ، ومما يزيد الكتابة الرشيقة رونقاً وبهاءً أنه يستعمل الأبيات خلال كلماته ، وهي موافقة تماماً لعناوين المقالات ، مثلاً ينقل بيتاً في مقال له : بين صديق وصديق :

عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب ( ص : 32 ) .

وينقل في مقال عنونه : كسب المحبة :

إذا كنت في كل الأمور مـــعاتـــبــــاً صــــديــقـك لم تلق الذي لا تعاتــبـه

فعش واحداً أو صل أخــــاك فــــإنـــه  مـــقارف ذنـــــب مـــرة ومـــجـــانـــبـــه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت ، وأي الناس تصفو مشاربه

(2) تنوع الموضوعات : لم يذكر مؤلف الكتاب في هذا الكتاب موضوعاً واحداً ، بل تناول جميع الموضوعات من الإيمان والعبادة ، والأخلاق والمعاشرة والسلوك ، وإصلاح النفس وتربية الناس ، ومشكلة الشباب والمناسبات الإسلامية ، والشرق والغرب ، هكذا استوعب جوانب كاملةً للحياة الإنسانية في كتابه ، فتيسرت الدراسة والمطالعة لكل من يشغف بأي موضوع من الموضوعات ، فأحياناً يتحدث عن قصص القرآن الكريم ، والتوبة تغسل الحوبة ، وأحياناً يتحدث عن سر تقدم أوربا ، ولماذا تخلف المسلمون ؟ وحضارة مسيحية ، وشعب مطرود استولى على العالم ، وساعة مع العارفين ، وعصر التناقضات ، وهل الإسلام خطر على أوربا ؟ وغيرها من الموضوعات المهمة .

(3) التحليل الدقيق : لم يقصر المؤلف كتاباته على سرد القصص والأحداث ، بل تناول خبراً أو نبأً أو قصةً طريفةً ثم قام بتحليلها ، واستنتاج نتائج ذات عبرة ونصيحة ، فهناك عنوان في الكتاب : ميثاق حقوق الإنسان بين الدعاية والواقع ، ذكر المؤلف ضمن هذا الموضوع الأكاذيب والافتراءات التي أثيرت نحو حقوق الإنسان ، فإنه فند هذه الدعاية الكاذبة ” أن إعلان حقوق الإنسان يرجع إلى الثورة الفرنسية ، وميثاق الأمم المتحدة هو تطوير لهذا الإعلام الرسمي ، وأثبت الواقع في ضوء الحقائق والأرقام أن الإسلام هو أعلن حقوق الإنسان قبل أن يخطر لفرنسا بعض هذه الحقوق وقبل أن يفكر بها القائمون على هيئة الأمم المتحدة بنحو ثلاثة عشر قرناً ، ولم يعلنها الإنسان لشعب دون شعب ، ولا لأمة دون أمة ، وإنما أعلنها للناس جميعاً ، وأوجبها على كل من اعتنقه ودخل في حظيرته ” ( ص : 154 ) .

(4) الجانب التربوي : ركز المؤلف في هذا الكتاب جل عنايته على الجانب التربوي والإصلاحي ، فإنه خاطب في هذه الكلمات أولاً الجيل الجديد ، وهو بأمس حاجة إلى هذه الدروس والتوجيهات ، فإن المؤلف كتب مقالات عديدةً حول أمثال هذه الموضوعات : الجانب الخلقي للإسلام ، وحق المسلم على المسلم ، وصلاة الفجر ، وأمراض القلب ، والحياة السعيدة ، والمداومة والرفق ، وحب الدنيا وكراهية الموت ، والقلب واللسان ، ثم يسترعي انتباهات الشباب إلى موضوعاتهم ومشكلاتهم : مرحلة الشباب ، ومشكلة الشباب ، وظاهرة الفساد في الشباب ، والعبقرية لا تورث ، والصمت أجمل بالفتى ، وكيف يتحقق حلمك ؟ وسر الانتصار والغلبة ، فإنه قام برفع مستوى الأجيال الناشئة والشباب المسلم إلى أعلى ما يمكن ، ويقول في مقال له : ” من مشكلات الشباب هو تحديد الهدف وملء الفراغ ، فلا بد لنا أيها الأخ وخاصةً في هذه الفترة الزمنية التي نمر بها اليوم أن نحدد الهدف ، ثم نسعى لتحقيقها ونملأ الفراغ بشغل أنفسنا بما يجدينا في الدنيا والآخرة ، لكي لا نقع في حبائل ، نصبها لنا الشياطين من الجن والإنس ، ولا تضيع قدراتنا في التردد إلى هنا وهناك ” ( ص : 469 ) .

(5) الإيجاز غير المخل : كل مقال من مقالات هذا الكتاب يحتوي على صفحتين أو ثلاث صفحات ، فهو يوافق نفسية الأطفال والشباب الذين يتمنون أن يستفيدوا من هذا الكتاب في هذا العصر المكدس بكثرة الأعمال ، فهذا الإيجاز الذي اختاره صاحبه في هذا الكتاب لا يخل بالموضوع ، بل يغطي أطراف الموضوع ، ويتناول كل جانب من جوانبه اللائقة به .

الواقع أن هذا الكتاب ينوب عن كتب ومكتبات ، فكل من يريد أن يطلع في لمحة واحدة على أصول وقواعد للإيمان والعمل الصالح ، وتوصيات وتوجيهات للحياة السعيدة ، وآداب وطرق للمطالعة الهادفة ، والكتابة المنهجية ، وأساليب حديثة لتعلم العربية والتمرن على الكتابة العربية ، فعليه أن يقرأ هذا الكتاب بإمعان وإتقان ، فهو خزينة دراسات ، وثروة تعبيرات رائعة وأفكار إيجابية واتجاهات سلمية من الزيغ والضلال .