الأدب العربي بين عرض ونقد للأديب الناقد الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
يوليو 31, 2021قراءة في :
قصص ” ضفاف الحنين ”
للقاصة : د . جميلة يوسف الوطني
الشاعرة والقاصة الدكتورة جميلة يوسف الوطني ، بحرينية من مواليد ” المنامة ” ، تعمل حالياً محاضرة جامعية ( بترخيص معتمد من وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين ) . وسابقاً تولت منصب مستشار وخبير قانوني للمجلس الأعلى للبيئة بالبحرين من عام 1999 – 2016م . حاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون مع مرتبة الشرف من مصر ، والماجستير بدرجة امتياز من البحرين . وهي عضوة بأسرة الأدباء والكتاب البحرينية ( شاعرة وكاتبة ) ، عضوة في مختلف الهيئات والنوادي الأدبية والثقافية والقانونية في البلاد وخارجها . بدأت كتابة الشعر والنصوص النثرية منذ بواكير حياتها ، ولها إصدارات أدبية منها ديوان شعر ” بهذا الوهج أحيا ” وسيرة تحت عنوان ” تَعْبَة ” ومجموعة قصصية ” ضفاف الحنين ” وديوان شعر ” وسقط القناع عن القناع ” . وبصفتها شاعرة جاءت القاصة بأشعار رائعة في مكان وآخر أثناء سرد القصة مما جعلت القصص أكثر بليغة وأعمق تأثيرة في قلوب المتلقي . |
بقلم : الدكتورمحمد قطب الدين *
الهجرة من الأوطان الأصلية إلى أراض غريبة ، أصبحت سيدةَ الموقف عبر العالم لأسباب شتى ، ذلك لمن ضاقت بهم سبل العيش والرزق ، والأوضاع السياسية والاجتماعية ، والظلم والعدوان . فربما تكون الهجرة طواعية وأخرى إجبارية . ومهما تكن الأسباب ، فإن مغادرة الأوطان وتركها ليس بالأمر اليسير والمرغوب ، لأن تجارب الهجرة وعوائدها وعواقبها أدهى وأمر .
صدر حديثاً مجموعة قصصية بعنوان ” ضفاف الحنين ” للأديبة البحرينية جميلة يوسف الوطني ، من دار يافا العلمية للنشر والتوزيع ، الأردن ، عمَّان ، عام 2020م ، من مأة صفحة تقريباً من القطع المتوسط . وغلاف بلوحة فنية معبرة للفنان الفلسطيني إسماعيل شموط يظهر فيها عائلة مهاجرة من كل الأعمار تعبر عن الهوية العربية ، تحتوي على خمس قصص تحكي عن آلام الشعوب في الغربة والمهجر التي أهدتهم قصصها لعلها تكون بلسماً وضمادة لمن هم يفزعون ويضجون من أبالسة جحيم الحروب وما يعانونه نتاج الغربة واللجوء ، كآبتهم ومعاناتهم من مرارة الهجرة دون جريمة .
وتتمحور القصص الخمس إلى محاور شتى ، منها :
(1) الحنين إلى الوطن :
تنقلك القاصة الدكتورة جميلة إلى أسباب الهجرة ، ومهما يكن السبب فواقع المهاجرين هو الحنين للأوطان الذي له نصيب الأسد في الاشتياق . سردت القصة بلغة إحساس شاعري : ” الغرباء يرجعون بالفكر إلى أوطانهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه ، يميل إلى سرد حكاياتهم ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ القصائد . . . كان حديث جواهر وفرح بلا حدود مع كوب قهوة يفوح بآلام المنافي ، المثقلة بهموم الغربة والانفراد . أحاديث قد تبدد صقيع الوحدة ، ولكنها تترك ندبات أليمة ، بعد تفريغ أوجاع القلب ومصائب الحياة . لقاء أصبح دورياً بعد أن استأنس الغريب بالغريب في بلاد الغربة ” [1] .
(2) معاناة المرأة وأمانتها :
وفي ” أنين المنافي ” يجد القارئ حكايةً مؤلمةً لمعاناة إمرأة يتركها زوجها وحيدةً بعد أن هاجر كل منهما إلى بلد مختلف مما تتطلبه ظروف الهجرة لعل اللقاء يكون قريباً ، إلا أنه يتزوج من امرأة أخرى ، تؤكد القاصة كيف أن الغربة والمنفى هزم الحب والعائلة والأبوة ، وظفت فيه القاصة أبيات شعر تناسب المعاناة التي تعيشها الفتاة في غربتها وترك زوجها لها ، تجدها في قصتها الثالثة أنين المنافي . وتقول بطلة القصة : ” هل نحسب الحب ضيفاً غريباً جاء به المساء ، وأبعده الصباح ! قلب المرأة لا يتغير مع الفصول ، ويشبه البرية تماماً ، حين يتخذها الإنسان لحروبه ومذابحه ” [2] .
(3) ضفاف الحنين :
التي عنونت بها الكاتبة مجموعتها ، والتي اعتبرت مقهى في الغربة هو الوطن العربي ، يضم مختلف الجنسيات العربية ، فيختلف الحضور على أغنية شجن ، فيحدث نزاع بين مرتادي المقهى بسبب تلك الأغنية ، من هذا الحدث تحول الكاتبة الخلاف من الأغنية كخلافات الدول السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها الدول العربية . انتاب الشاب الباحث عن عمل ورأى الصراع بين مرتادي المقهى وقال في نفسه : ” شعور ممزوج بالألم والأمل في آن واحد ، وما زالت الأسئلة تدور وتطحن فكرة : إلى أي مدى ممكن لأحلام اليقظة أن تحقق جزءاً من الواقع ، هنا ؛ في الغربة أو في الأوطان هناك ؟! متى ينتهي العوز لواقع مرير “؟! [3] .
(4) دوافع الهجرة والحياة في المخيمات :
تنقلنا القاصة الدكتورة جميلة إلى قصة تصب في أحداث أخرى من الغربة والوطن ، قصة ” قيثارة مخيم ” كيف أن الحروب الضروس ، تضع أمام القارئ تفاصيل حياة عائلة واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي والنفسي ، إلى عائلة نازحة تعيش في خيمة مع النازحين ، توضح تأثير ذلك على نفسية الطفولة والنفس المهجرة إلى بلاد الشتات . كما أن القصة تبرز لنا أحوال المهاجرين في المخيمات في بلاد الغربة ، حيث يعانون من الشدائد والعذاب صيفاً وشتاءً . فتطرح القاصة سؤالاً ” كيف للثلج أن يذوب في شتاء قارس ، وهو يقطن صقيع الوحدة ؟! حياة أهل المخيمات باردة وجامدة ، مثلجة شتاء ، حارة وجافة صيفا ، تلك الخيام البيضاء المتراصة ، على أرض صلبة ، من غبار الصحراء الموحلة ربما يذوب الثلج في الصيف ، ولكن كيف يذوب الملح دون ماء ، في وقت تكون فيه الحياة قاسية ؟! ” [4] .
وكما تحكي القصة أنه ليس هناك بصيص من الأمل في قلوب المهاجرين للعودة إلى أوطانهم الأصلية ، فإنهم فقدوا الأمل وتعودوا على معاناة الغربة ، ” تطمينات ووعود زائفة ، وخيمة تنتصب كما الخطايا ، أمام وجوههم ، فميقات العودة لم يلبس ثياب النسك بعد ، ليتسربل الفقراء بخيوط واهية ، من أقمشة بالية ! ” [5] .
(5) حقوق الأطفال :
وبما أن القاصة ” جميلة الوطني ” أديبة وخبيرة بالقانون ، في قصة ” قيثارة مخيم ” فقد ركزت على الجانب المهم من الجوانب الإنسانية الذي لم يفقد في قصتها.ونجد قصة تحكى عن حرمان الأطفال من طفولتهم في حياتهم الغريبة ، ومعاناتهم من الأمراض الذهنية والنفسية والبدنية والاجتماعية . فإن الأطفال يتوقون إلى الفرار من الغربة وحياة الضيق والخناق وينتظرون العودة إلى الوطن والتنفس بحرية . ولكن أين العودة وأين الحرية وأين المفر ؟! ” طال انتظار العودة ، إلا أن الحرب الدموية المستعرة ، استمرت في وطنهم ، استمر المسلحون في شن معاركهم المتجددة والدامية ، كل يوم ، ولم يتوقف إطلاق النار بالقرب من حارتهم . . . تأتي النصائح كالهواء وترحل ! سنوات العمر ترفض الألم والإذلال ! حينما ينظر إليك الواقع بسكينة ، وتنظر إلى المرآة العاكسة لروحك الهامدة في المخيم ، يتبين لك حجم الحقيقة ، هل من شمس ستشرق ؟ هل من سلام آت ؟ استمرت في صمت ، تأبى قبول ما يدور حولها . طول انتظار العودة أظهر أكثر مما هو متوقع ! فكيف يستمر الألم النفسي ، ويهوي الاكتئاب – بقسوة – على نفسيتها كالمطرقة ؟ ما نتاج الحروب والحياة المذلة ، إلا التصدع النفسي للطفولة ؟ ” [6] .
(6) لاعبة الجمباز :
عنوان القصة من مجموعته القصصية التي لم تختلف في هدفها القصص السابقة ، أهمية الوطن ومتاعب الهجرة والغربة ، وكأن القاصة تود أن توصل من مجموع قصصها الخمس ، حب الوطن هو الإطلاق الأسمى ، وتظهر به قباحة الغربة إذا كانت من الإجبار ترك الأوطان . فقد أوضحت من خلال الفتاة لعبة الجمباز كيف ترى الأوطان على حقيقتها وهي متشقلبة ، وأن مادة التاريخ والجغرافيا فضحت حقائق الأوطان وكيف كانت تخاطب الشعوب ” أأنتم شعب له أوطان ؟! فكيف تُهجرون من أوطانكم ؟! وكيف رضيتم أن يستبدل بكم الوطن أناساً آخرين ؟! [7] .
إن ” ضفاف الحنين ” تحكي عن واقع المهاجرين في بلاد الغربة بكل جرأة وأمانة بلغة عربية فصيحة وبأسلوب رشيق سهل ممتنع ، إلا أن بعض اللهجات الدارجة تدخلت خلال القصة ، والتي تم شرحها من جهة القاصة في الحواشي ، مما سهل الأمر لغير الناطقين بها .
ومن خلال القصص ” ضفاف الحنين ” يلمسه القارئ أن الكاتبة جميلة يوسف الوطني أديبة بحرينية عربية ذات حماسة وقومية عربيتين ، تسيل في عروقها دماء العربية المتحمسة لكرامة العرب وسيادتهم ، ولها فكر نير واعٍ وقلب حساس يحس بآلام آلاف المهاجرين والمغتربين العرب وكآبتهم ومعاناتهم في بلاد الغربة ، كما تؤمن بحق رجوع المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية وتتمنى القضاء على الحروب الدامية وإخلاء القوات المحتلة من الأراضي العربية الحبيبة ، والتي تتجلى في مجموعتها القصصية ” ضفاف الحنين ” ، فتقول القاصة : ” هل سيبقى أهل الأرض عبيداً للشرائع الفاسدة ، محدقين في التراب ؟ أم ستحررهم الأيام ، ليحيوا بالروح وللروح ، ناظرين نحو الشمس ، تاركين لظلالهم امتلاك الأرض ؟! ” [8] .
* أستاذ مشارك ، مركز الدراسات العربية والإفريقية ،جامعة جواهرلال نهرو ، نيو دلهي ، الهند .
[1] الوطني ، جميلة يوسف ، ضفاف الحنين ، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع ، عمان ، 2020م ، ص : 56 .
[2] نفس المصدر ، ص : 66 .
[3] نفس المصدر ، ص : 47 – 48 .
[4] نفس المصدر ، ص : 81 .
[5] نفس المصدر ، ص : 81 – 82 .
[6] نفس المصدر ، ص : 83 – 84 .
[7] نفس المصدر ، ص : 97 – 98 .
[8] نفس المصدر ، ص : 101 .