أسباب حيرة الشباب وعلاجها
مايو 28, 2023قصة سيدنا إبراهيم ، وتمثيلها في الحج
يونيو 23, 2023التوجيه الإسلامي :
قصة أصحاب الكهف وما لها من نتائج وعبر
سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي ( رحمه الله )
تعريب : محمد فرمان الندوي
( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَداً ) ( الكهف : 9 و 26 ) .
الرقيم هو الموضع الذي كان فيه غار أصحاب الكهف ، وكان عددهم قليلاً ، يحكم زمنهم الكفار والوثنيون ، وكان ملكهم جباراً وطاغياً ، يجبر الناس على الوثنية ، لكن أصحاب الكهف آمنوا بعيسى عليه السلام ، وعملوا بشريعته ، فواجهوا مشاكل وصعوبات بإيمانهم ، وأُجبروا على عبادة الأصنام ، وإلا يعاقبوا ، فلجأوا بدينهم إلى جبل ، كان فيه غار شبه غرفة ، ولم يكن هناك عمران ، ولا يخشى إتيان أحد إليه ، فاستتر هؤلاء في هذا الغار ، احتفاظاً بدينهم وعقيدتهم ، فأحب الله عملهم هذا ، فسلَّط عليهم النوم عميقاً ، ناموا فيه إلى ثلاث مأة سنة ، فلما استيقظوا من نومهم ولم يعرفوا كم مدة ناموا في هذا الغار ، إلا أنهم كانوا يشعرون بأنهم ناموا طويلاً ، فلما استيقظوا شعروا بالجوع ، فتحاروا بينهم عن الطعام بأن يذهب واحد منهم خفيةً إلى المدينة لاشتراء الطعام ، ولا يطلع عليه أحد ، ولا يجبرهم على ترك دينهم ، لكنهم لما خرجوا من غارهم عرفوا أن الحكومة قد تبدلت ، واعتنق الملك الجديد المسيحية ، فرحب أهل المدينة بهم ، وقالوا : هؤلاء هم الذين تركوا ديارهم لمجرد احتفاظ دينهم وعقيدتهم ، فنالوا شهرةً وصيتاً حسناً .
يخبر نا الله تعالى من قصة أصحاب الكهف بأنه قادر على تبديل نظام عام ، يمكن أن يحيى إنسان على أكثر تقدير إلى قرن أو ربع قرن ، لكن أصحاب الكهف ظلوا أحياءً طوال ثلاثة قرون ، ولم تتأثر أجسامهم بضعف أو انهيار ، ولم يأكلوا خلال هذه الأيام شيئاً ، فلم يموتوا ، وإذا ما أكل الإنسان أياماً مات حتف أنفه ، كأن الله أخبرنا بهذه القصة أن ما تنظرون في الظاهر ، وتظنونه كل شيئ ليس بشيئ ، بل يكون وراءه أمر الله عز وجل .
من هم أصحاب الكهف ؟
أصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم ، وكان إيمانهم أقوى ، بحيث ضحَّوا في سبيله كل غال ورخيص ، ولم يتنازلوا عن إيمانهم شيئاً ، وكانت البيئة التي يعيشون فيها مشركةً ، فتشاوروا بينهم ، وقالوا : إن سكان بلدنا يعبدون أشياء تخالف عقيدتنا ، ونحن لا نشرك في عبادة الله أحداً غيره ، فيمكن أن يجبرونا على عبادتهم ، فلا نبقى على إيماننا ، وكانت الحكومة آنذاك مشركةً ، وكان من أوامرها الملكية أن تكون ديانة واحدة لجميع المواطنين ، فقرروا أن يلجأوا إلى غار ، ويختفوا فيه ، وإذا ذهبوا إلى بلد أو قرية اطلع رجال الحكومة عليهم ، وعاقبوهم عقاباً شديداً ، فذهبوا إلى مكان قفر ، ليس به أنيس ولا جليس ، وقالوا : ( رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ) .
نظام باطن لصيانة أصحاب الكهف :
جعل الله لأصحاب الكهف نظاماً غيبياً خاصاً ، فسبب إيمانهم تنزل رحمة الله عليهم ، وجعل الشمس إذا طلعت تزاور عن الكهف ذات اليمين ، فلا تقع أشعتها وحرارتها عليهم ، بل تتنحى قليلاً إلى اليمين ، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ، وكانوا على غلوة منها ، رغم أن طلوع الشمس وغروبها كان نافعاً لهم ، لأن الله تعالى جعل أشعة الشمس سبباً من أسباب الحياة الإنسانية ، فإن أشعة الشمس حينما تقع على الأرض يتكون منها طقس في الفضاء ، يصلح للحياة الإنسانية ، وينفعها ، وإذا كان الإنسان محروماً من حرارة الشمس ولا يستفيد من نورها أدى ذلك إلى الإضرار بجسمه ، فالشمس إحدى الأسباب النافعة للجسم ، ولا تزال تصل إلى أصحاب الكهف في الغار حرارة الشمس ما قدر الله تعالى لهم ، لكن هذه الحرارة لا تضرهم ، ولا تؤذيهم ، فأعقبه الله : ذلك من آيات الله ، فجعلها الله مفيدةً ، ولا تكون حرارة الشمس في عامة الأحوال أكثر فائدة .
أساس الهداية والضلال :
قال الله تعالى : من يهده الله هو المهتد ، ومن يضلل فلن تجده له ولياً مرشداً ، لا ينبغي لأحد وإن كان ولياً أن يدعي أن كل ما وجده من توفيق وخير من كد يمينه ، بل يعتبره فضل الله ورحمته ، فليست الهداية احتكار إنسان وحقه ، بل هي عطاء الله ونعمته ، وذكر الله بعد الهداية الضلال : من يضلل الله فلن تجد له ولياً مرشداً ، لا يمكن لولي أن ينقذه من الضلال ولا لصديق أو ناصح ، أو قريب ، وليس له دليل يدله على خير أو حسنة ، وكلمة ” ولي ” تحمل معاني عديدةً : ذو الرحم ، وابن العم ، والصديق أو الخليل .
وإن ضلال إنسان لا يكون بدون سبب ، بل يكون بسوء أعماله وتصرفاته ، قال تعالى : ( وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ) ( الشورى : 30 ) ، فعلم منه أن المصيبة التي تصيب الإنسان وتلحق به هي بأعمال إنسان وفساده ، فإذا رأى الله تعالى أن الإنسان أصبح متمرداً ، يعادي الحق علناً وجهاراً ، فيقضي بنزول المصيبة عليه ، رغم أن الله أمهله ، وذكره تذكيراً ، فاستمر هذا الإنسان في غوايته ، وتمرغ في ضلاله فأنزل الله عليه العذاب .
عاقبة الكبر :
إذا استعرضنا الحياة الإنسانية رأينا أن إنساناً لا يقبل في كثير من المناسبات أمراً ، لمجرد أنه ينهزم ، ويصاب بالفشل ، ويخيل إليه أنه لا يعرف الواقع ، فتفادياً من هذا الأمر يعادي الإنسان الحقيقة ، ويبرر لتكذيبها دلائل وشواهد ، تثبت دعواها ، رغم أنه يعتقد أن على خطأ ، هذا الموقف الذي يظهر من الإنسان يمقته الله ، وإذا أصر إنسان على الضلال فأمهله الله تعالى ، حتى يتورط في الغواية والضلال ، ويغرق فيها ما شاء أن يغرق ، فسيجد عاقبة كبره وخيلائه ، ثم تأتي هذه المرحلة : ومن يضلل الله فلا هادي له .
جائزة على العزيمة الصادقة :
أخبر الله تعالى عن أصحاب الكهف بأنهم ثبتوا ثبات الجبال الراسيات ، وبذلوا كل ما عندهم لصيانة دينهم وعقيدتهم فجعل الله لهم منعةً وقوةً ، اعتبرت معجزة ، وهيأ لهم من الأسباب التي لا تتسير في عامة الأحوال ، فإن أصحاب الكهف قدموا أنفسهم لكل تضحية ، واختفوا عن الناس والمجتمع في مكان لا يصل إليه بلغة عيش ، ولا شربة ماء ، لكن هؤلاء واجهوا كل ذلك لمجرد إيمانهم وعقيدتهم ، ورضوا بالموت في سبيل الله ، ولم يتنازلوا عن إيمانهم قيد شعرة ، فأكرمهم الله بنعم كثيرة خارقة للعادة .
نوم العافية :
سلط الله على أصحاب الكهف نوم العافية ، فلو كانوا يقظين لأفزعهم خوف الناس وبطشهم ، وكانوا خائفين أن لا يصل إليهم أحد ، وقد شغل ذلك بالهم ، فجعل الله لهم نظام النوم ، بحيث ناموا نوماً طويلاً إلى أن تأتي حكومة أخرى ، وتؤسس دولةً إسلاميةً ، وينتهي دور الظلم والاعتداء على أحد ، ويحكم هناك رجال ثقات ، وقد استغرق ذلك ثلاث مأة سنة ، ثم حدثت ثورة ، ووصل المؤمنون إلى سدة الحكم ، فأيقظ الله عز وجل أصحاب الكهف .
نام أصحاب الكهف طويلاً لكنهم كانوا أصحاء ، وجعل الله لهم نظاماً غيبياً تحصل منه متطلبات البدن ، رغم أن حاجيات الجسم الظاهرة لا تصل إليهم ، فلا شك أن هذا كان فضلاً من الله ورحمة ، وقد قال الله تعالى : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، وكانوا يتقلبون يميناً وشمالاً ، لأن الجسم إذا استقر بمكان لحق به ضرر وفساد .
كلب أصحاب الكهف :
وهناك نظام آخر من الله تعالى لصيانة أصحاب الكهف ، وهو أن كلبهم الذي كان معهم ظل باسطاً ذراعيه بالوصيد ، وجلس كالحارس على فم الغار ، وكان الكلب نائماً ، لكن لا يرى نائماً ، وقد جلس أمام الغار في صورة لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ، ولملئت منهم رعباً ، والواقع أن رجلاً إذا رأى هذا المنظر من مسافة لا يدخل الغار ، بل يظن أن هناك كلباً يسكن ، فلا حاجة إلى الذهاب إليه ، وحكمة أخرى لجلوس الكلب هناك أن هذا الموضع لم يكن ذا عمران ، ويمكن أن يأتي هنا صائد ضل الطريق ، أو رجل مسافر ، ودخل الغار ، ثم إذا رأى أصحاب الكهف نائمين حاول لإيقاظهم ، فأجلس الله تعالى الكلب على فم الغار ، لئلا يأتي إليه أحد ، وإذا وصل فجاءةً إليه ظن أن هذا الموضع مسكن للكلاب ، فكيف يكون هنا ابن آدم ؟ وقد استعمل الله بهذه المناسبة تعبيراً جميلاً : وهو أن كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد يحدق النظر إلى الواردين لئلا يهجموا عليهم ، لو اطلعت عليهم لوجدت منهم فراراً ، ولملئت منهم رعباً .
تخوفات أصحاب الكهف :
تأسست حكومة إسلامية في مناطق أصحاب الكهف التي خرجوا منها فراراً بدينهم ، وقد استيقظوا من نومهم ، فبدوأ يتحاورون بينهم ، ويتساءلون : كم لبثنا هنا في الغار ، وقد شعروا بأنهم قد ناموا طويلاً ، فخيل إليهم وقالوا : نمنا يوماً أو بعض يوم ، ثم قالوا : لا يمكن أن نحكم بأنفسنا ، والله أعلم بنا كم لبثنا ، فلنترك هذا الموضوع ، ولنتفكر في طعامنا وشرابنا ، لأننا نشعر بالجوع الشديد ، فأخرجوا ورقاً من عندهم ، ثم أعطوا واحداً منهم ، وقالوا : فلينظر أزكى طعاماً ، فليأتنا برزق منه ، ولكن لا بد من مراعاة أمرين : أولاً : لا يشعر أحد بوجودنا ، لأنه إذا ظهر علينا وانكشف سرنا رجمنا القوم ، أو أعادونا في ملتهم ، وإذا انحرفنا عن دين الله ضللنا ضلالاً بعيداً ، ولن نفلح إذاً أبداً .
استعمل للنقود في الآية كلمة الورق ، وكان الورق عامةً مصنوعاً من الورق ، وأحياناً من الذهب ، وكان ورق الفضة رخيصاً ، وورق الذهب غالياً ، فكان المراد من الورق هنا ورق الفضة .
لماذا ذكرت قصة أصحاب الكهف ؟
ذكر الله قصة أصحاب الكهف بغاية من التفصيل ليعرف الناس أن وعد الله حق ، وأن الساعة لا ريب فيها ، فكل ما عمل الإنسان من عمل وجد جزاءه في الآخرة ، فلا حاجة فيه إلى شك ، لأن وعده حق ، والحق باللغة العربية هو ما وافق الواقع ، فكأن الله أنشأ بهذه القصة عقيدةً ثابتةً في قلوبنا أننا سنحاسب أمام الله تعالى بعد الموت ، ليرسخ في أذهان الله فكرة الآخرة مع اليقين بالأعمال ، واستعملت لليقين الراسخ هنا كلمة : ليعلموا ، فكل من رأى مناظر أصحاب الكهف اعترف بكل صراحة : أن الله فعال لما يريد ، فإذا كان الله قد صان أبدانهم إلى مدة ثلاث مأة سنة ، فهو قادر على أن يفعل ما يشاء ، فلا نشك أبداً ما يقول الله عن الآخرة .
ردود عمل لأهل القرية :
مات أصحاب الكهف فطرياً بعد ثلاث مأة سنة ، فلما تم دفنهم تنازع الناس فيما بينهم ، ما هو موقفنا نحوهم ؟ وكان أصحاب الكهف مسنين ذوي أعمار طويلة ، فقال قائل : نحن نتخذ عليهم مسجداً ، وقال بعض : نحن نبني عليهم مقبرةً ، لأن الناس قد تأثروا بهم للغاية ، وحينما علموا أن الله أنامهم ثلاث مأة سنة ، وكانوا أحياء ، فيتهافت عليهم الناس تهافت الظمان على الماء ، وكان عدد المؤمنين آنذالك كثيراً ، وأصبحوا في عدد هائل فكانوا يقولون : نحن نبني عليهم مبنىً أو مقبرةً ، قال تعالى : ربهم أعلم بهم ، لكن الذين كانوا أقوياء ، إما كانوا من أصحاب الحكومة وإما أذكياء الناس قالوا : نبني عليهم مسجداً ، ويمكن أن هذا المسجد قد بني ، لأن الآثار التي توجد في هذه المنطقة ، تدل دلالةً واضحةً على وجود المسجد هنا . ( للحديث صلة )