مجمع البحوث والدراسات الشرعيةالتابع لندوة العلماء بالهند
أخبار علمية وثقافية :
قرارات الندوة الفقهية حول قضايا كورونا والقروض الحكومية
مجمع البحوث والدراسات الشرعيةالتابع لندوة العلماء بالهند
تعريب : الأستاذ محمد علي شفيق الندوي *
أولاً : القرارات المتعلقة بكورونا :
تمهيد :
ظلّت الأوبئة والجوائح تنتشر عبر تاريخ البشرية في شتى الأزمنة والبقاع ، وقد تسببت في مقتل ما لا يحصى من البشر ، وتركت وراءها آثاراً عميقةً وبعيدة المدى على المجتمع البشري ، والغالب أن الأوبئة تقتصر على منطقة أو بلد وقعت فيه ، ولكن جائحة كورونا ( كوفيد – 19 ) القاتل حطّم الأرقام القياسية السابقة ، فقد تأثر العالم كله تقريباً بهذا الوباء ، ومات عدد كبير من الناس ، حتى توقف النظام على مستوى العالم ، وتأثر كل مجال من مجالات الحياة بصورة سيئة .
وقد نشأ بسبب هذا الوباء العديد من المسائل الشرعية المستجدة ، والتي أصدر فيها العلماء فتاوى بصورة فردية ، فقاموا بإرشاد المسلمين وتوجيههم شرعياً .
وإن المشكلات الناشئة عن وباء كورونا لم تكن ذات طبيعة معتادة يمكن حلّها والإفتاء فيها بمجرد النظر في الجزئيات الفقهية المنصوصة ، وإنما كانت مشكلات وأسئلة ظهرت لأول مرة ولم تخطر على بال .
ومن جهة أخرى لم يكن ممكناً لأهل العلم وأصحاب الإفتاء أن يجتمعوا في مكان واحد ، ويتناقشوا في هذه الأمور بشكل جماعي ؛ لفرض الحظر عن ذلك في ظل خطورة مرض كورونا ؛ لذلك استمرت الفتاوى والتوجيهات الفردية في الظهور ، وكانت أحياناً تتناقض وتتعارض فيما بينها .
وبناءً على احتياج المجتمع ومتطلبات الظروف قرر مجمع البحوث والدراسات الشرعية التابع لندوة العلماء بلكناؤ عقد ندوة فقهية حول قضايا كورونا . وكأول خطوة تم إعداد استفتاء شامل حول قضايا ومسائل كورونا ، وإرساله إلى نخبة من العلماء وأصحاب الإفتاء ، وبحمد الله قام كثير من أهل العلم والإفتاء بالإجابة على الاستبيان المرسل بعد البحث والدراسة .
وبعد عودة الأوضاع إلى طبيعتها ، حدد المجمع يومين : 23 و 24 نوفمبر 2022م لعقد ندوة حول قضايا كورونا ، وبحمد الله انعقدت الندوة في موعدها المقرر ، بقاعة ( العلامة حيدر حسن خان الطونكي رحمه الله ) في جامعة ندوة العلماء . وبعد النظر في المقالات والفتاوى التي وردت ، وبعد المناقشة المتبادلة بين المشاركين ؛ تم إصدار القرارات التالية بالإجماع :
أولاً : جائحة كورونا من منظور الشريعة :
- الوباء مرض ينتشر سريعاً ، ويجتاح مناطق سكنية بأكملها ، وغالباً ما يكون قاتلاً . تحدّث عنه الكتاب والسنة بوضوح ، والأوبئة قد تنتج عن معاصي بني آدم وآثامهم ، وأحياناً يبتلى بها الإنسان امتحاناً ، فهي تحذير إلهي .في جميع الأحوال ؛ عندما يعاني الإنسان من وباء ، فإنه يستحق التعاطف والدعم .
- في الشريعة الإسلامية إرشادات وتوجيهات للاحتراز والوقاية من الأوبئة ، والتي تشمل إجراءات ظاهرة ، مثل العناية بالنظافة ، وتجنب التنقل من مكان إلى آخر من غير ضرورة ، واتباع تعليمات الأطباء والخبراء ، وكذا تشمل إجراءات باطنة ، مثل : الاستغفار والدعاء والتوبة والرجوع إلى الله والتصدق ونحو ذلك .
- لم يثبت في الكتاب والسنة القيام بالصلاة الجماعية للوقاية من الأوبئة .
- المرض والشفاء بيد الله تعالى ، وإنما يصاب الإنسان بمرض أو يتعافى منه بإذن الله ، ولكن بعض الأمراض معدية ، وهذا لا يتعارض مع مفهوم التوحيد في الإسلام .
ثانياً : ما يتعلق بتخفيف العبادات في زمن جائحة كورونا :
- إذا مُنع الناس عن إقامة صلاة الجماعة في المساجد زمن الوباء ، ينبغي أن يصلوا في منازلهم بدلاً من المساجد ، بجماعة أو بانفراد .
- خلال فترة الوباء ، إذا نصح خبراء الصحة بعدم التجمع بأعداد كبيرة ، يسمح للمصلين أن يقيموا الجمع والجماعات في المسجد على التوالي ، بتغيير الهيئة بعد الجماعة الأولى .
- في ظل التعليمات الطبية والحكومية بعدم التجمع خلال فترة الوباء ، تصح إقامة صلاة الجمعة والعيدين في أماكن ومنازل مختلفة علاوةً على أدائها بالمسجد .
- خلال فترة الوباء ، يصح لمن يرغبون إقامة صلاة الظهر في بيوتهم يوم الجمعة بسبب القيود أن يصلوا بجماعة كما لهم أن يصلوا فرادى .
- بناءً على التعليمات الطبية ، يجوز أداء الصلاة مرتدياً القناع والكمامات ، كما يجوز ترك مسافة للتباعد بين الصفوف .
- يحظر المصابون بكورونا من الحضور في المسجد والمشاركة مع المصلين في الجماعة .
- يسمح للمصابين بكورونا بعدم الصيام بناءً على إرشادات الأطباء .
ثالثاً : المسائل المتعلقة بالمساجد في زمن كورونا :
- المساجد بيوت الله ومن الأماكن المقدسة ، أُمِرنا بإعمارها في جميع الأحوال ؛ فلا يجوز إغلاق المساجد بشكل كامل في زمن كورونا أو أي وباء آخر .
- يلزم رفع الأذان في وقته وإن توقفت صلاة الجماعة في المسجد لسبب ما .
- من مطالب الشريعة كثرة المصلين ، ومع ذلك ، إذا أكره الناس على تحديد العدد المسموح لحضور صلاة الجماعة بسبب تعليمات الحكومة بسبب الوباء ، فيجب اتباع ذلك .
- احتراماً للمسجد وقدسيته ، لا يجوز استعمال أي جزء من المسجد كمركز لعلاج مصابي كورونا .
رابعاً : تمريض مصابي كورونا :
- عزل المصاب بكورونا وعدم تمريضه مخالف للشريعة والإنسانية .
- إذا لم يستطع المصاب بكورونا تحمل نفقات العلاج ، فمن مسؤولية الأقارب ترتيب علاجه وعدم تركه بلا عون ، وإذا لم يتمكنوا من تحمل تكاليفه أو إذا كانوا مهملين ، فعلى الحكومة والمجتمع مسؤولية تمريضه ورعايته .
خامساً : ما يتعلق بتغسيل موتى جائحة كورونا وصلاة الجنازة عليهم :
- إذا تعذر غسل الميت أو تيميمه بسبب القيود المفروضة خلال فترة كورونا ، تسقط فرضية الغسل والتيمم لكن يصلى عليه صلاة الجنازة .
- إذا كان المتوفى بكورونا في الغلاف ولم يتعذر تكفينه وفق السنة ، لزم تكفينه على الغلاف ، وفي حالة التعذر يكون الغلاف في حكم الكفن .
- إذا كان المتوفى بكورونا قد دُفن بلا صلاة الجنازة ، يجوز أن يصلى على قبره ما لم يغلب على الظن تغيره .
- إذا دُفن الميت بلا صلاة الجنازة ولم يُعرف مكان قبره ، يجوز أن يُصلى عليه صلاة الغائب .
- من مات بسبب وباء كورونا من المسلمين فإنه يستحق أجر الشهادة بإذن الله .
سادساً : المسائل المتعلقة بلقاح كورونا :
- يباح استخدام المعقّم الذي يحتوي على الكحول .
- لقاح كورونا هو نوع من الأدوية وإجراء وقائي ، يجوز أخذه عند اللزوم .
ثانياً : القرارات المتعلقة بالقروض الحكومية وغيرها بفائدة :
تمهيد :
إن تقديم القروض للمحتاجين بدون فوائد من أجل أعمال البر ، وقد رغب فيه الشرع المطهر ، ووعد على إقراض المال للمحتاجين بأجر كبير ، وكأنه توقفت عملية منح القروض في العصر الحالي ، ونادراً ما يكون هناك أشخاص لديهم فائض مالي ويقدمون القروض للمحتاجين دون اشتراط الفائدة .
ومن الأهمية بمكان ترغيب المسلمين في القيام بهذا العمل الخيري وتوجيههم إلى أهميته ؛ حتى لا يضطر المحتاجون إلى أخذ قروض ربوية ، وبالتالي يعرّضون حياتهم وممتلكاتهم ، وشرفهم وكرامتهم ، ودينهم وإيمانهم للخطر ؛ بأخذ تلك القروض الربوية .
يضطر المحتاجون إلى أخذ قروض ربوية ، ولا يعرضون حياتهم وممتلكاتهم وشرفهم وكرامتهم ودينهم وإيمانهم للخطر . بأخذ قروض ربوية .
وكان قد عقد مجمع البحوث والدراسات الشرعية التابع لندوة العلماء ، ملتقًى فقهياً في عام 1971م حول موضوع القروض الحكومية ، وكتب العديد من العلماء البارزين وأصحاب الإفتاء في ذلك الوقت أجوبةً على الاستفتاء الصادر بهذه المناسبة ، ولكن لسبب ما لم يتم التوصل إلى قرار في هذا المجلس ، وتم تأجيل الموضوع .
وفي هذه الندوة الفقهية المنعقدة من قبل مجمع البحوث والدراسات الشرعية – ندوة العلماء ، لكناؤ ، والتي استمرت يومين 23 و 24 نوفمبر 2022م ، تمت مناقشة هذا الموضوع مرةً أخرى ، ووضع المشاركون نصب أعينهم تلك الفتاوى والكتابات التي جاءت في ذاك الملتقى الفقهي لعام 1971م ، وكذا التوصيات التي نوقشت بين المشاركين آنذاك ، وكذا المقالات والكتابات الجديدة التي وردت في الندوة الفقهية الأخيرة ، كما تمت مناقشة التغييرات التي طرأت على القروض الربوية الحكومية والقروض الربوية للبنوك من عام 1971م إلى 2022م في هذه الندوة الفقهية .
في ضوء كل هذه المناقشات التفصيلية ومداولة الآراء تم اتخاذ القرارات التالية باتفاق المشاركين :
- إنّ أخذ أكثر مما أقرض ربا ، وقد صرح بحرمته الكتاب والسنة ؛ لذا دفع مبلغ زائد وأخذه كلاهما محرم ، نعم لو اقترض أحد ، فدفع أكثر مما أخذ برغبته من غير شرط ولا عرف ، فهذا أمر مستحب .
- الاقتراض بغير ضرورة ممارسة غير مرغوب فيها في الإسلام ، وإذا تم الحصول على قرض من فرد أو مؤسسة وجب على المقترض سداد القرض في موعده ، وبذل قصارى جهده من أجله ، والتأخير في سداد القرض عن الوقت المحدد بالرغم من القدرة لا يجوز .
- يجب على المسلمين بشكل فردي وجماعي إنشاء نظام أو آلية يسهّل تقديم القروض بدون فوائد للمحتاجين .
- إذا تعذر الحصول على قروض بدون فوائد بأي شكل من الأشكال ؛ فلا بأس بأخذ قروض بفائدة بقدر الحاجة ، وذلك عند الحاجة الماسة ، على سبيل المثال : الإكراه القانوني ، وحفظ المال والأراضي والممتلكات ، وتأمين السكن بقدر الكفاية ، والحصول على التعليم ، وحماية التجارة ، والعلاج ، ونحو ذلك من الأغراض .
* أستاذ الفقه الإسلامي بدار العلوم لندوة العلماء .