قانون الأوقاف الإسلامية في الهند : مضاره وسلبياته

أثر عموم البلوى في الحكم على أخبار الآحاد
أبريل 28, 2025
جدلية العقل والنقل الأحاديث النبوية نموذجاً
يوليو 9, 2025
أثر عموم البلوى في الحكم على أخبار الآحاد
أبريل 28, 2025
جدلية العقل والنقل الأحاديث النبوية نموذجاً
يوليو 9, 2025

دراسات وأبحاث :

قانون الأوقاف الإسلامية في الهند : مضاره وسلبياته

فضيلة الشيخ خالد سيف الله الرحماني *

ترجمة من الأردية : الدكتور محمد أعظم الندوي §

من المؤسف للغاية أن الحكومة التي هاج بها طرب السلطة ، وتقتاتُ على تجارةِ الكراهية ، قد أقرّت قانونَ تعديل الوقف لعام 2024م ، بالرغم من معارضةِ المسلمين ، بل ومعارضةِ جميع القوى العادلة والعلمانية في البلاد ، وبعد توقيع فخامة رئيسة جمهورية الهند ، أضحى هذا القانون ساري المفعول ، وإنْ كان هذا القانونُ بأكمله قائماً على معاداةِ المسلمين ، ومصادماً للدستور ، ومشحوناً بالاضطهاد والظلم ، إلا أنّ من اللازم الوقوفَ عند بعضِ جوانبه الفاقعة التي تُجسّدُ بأجلى صورةٍ ملامحَ التحيّز والإجحاف .

محاولةُ الاستيلاءِ على ممتلكاتِ الوقف :

(1) يهدف هذا القانون إلى الاستيلاءِ على ممتلكاتِ الوقف وإضاعتها تحت غطاءٍ من التعاونِ الرسمي ، وقد وُضِعت لتحقيقِ ذلك عدّةُ تدابير وخُططٍ مُمنهجة على النحو التالي :

(أ) في قانون الوقف لعام 1995م ، وردَ نصٌّ صريحٌ مفادُه أنَّ كلَّ عقارٍ استُخدِمَ لمدّةٍ طويلةٍ كمسجدٍ أو ضريحٍ أو مقبرة ، وكان مُخصّصاً لأغراضٍ دينيةٍ أو خيريةٍ ، يُعدّ وقفاً شرعياً ، ويُعرف هذا في القانون الوقفي المعاصر باسم : ” الوقف بالاستخدام ” (Waqf by User ) ، بيد أنّ الحكومة الحاليّة قد حذفت هذا المفهوم تماماً من مشروع القانون الجديد الذي كانت قد تقدّمت به ، ثمّ ، وبعد ضغطٍ من المسلمين ، وبناءً على توجيهات بعض حلفاء حزب ” التحالف الديمقراطي الوطني ” ( NDA ) ، أُجري تعديلٌ على النصّ ، ونُصّ على أنَّ هذا المفهوم يُطبَّق فقط على الأوقاف التي ستُنشأ في المستقبل ، أمّا الأوقافُ القائمة ، فسيُعترف فيها بالوقف بالاستخدام ، لكن بشرطٍ شديد : إنْ كان هناك نزاعٌ عليها ، أو كانت الأرضُ من أملاك الدولة ، فلن يُعتَبر الوقف ثابتاً بمجرد الاستخدام .

وهذا في جوهره محاولةٌ غير مباشرةٍ للاستيلاء على أوقاف الماضي ، فغالباً ما يُقدِم الواقفون على تخصيص أراضٍ أو عقاراتٍ لله تعالى لأغراضٍ دينيّة أو خيريّة ، ثم ينسحبون منها تماماً ، معتقدين أنهم سلّموها للّه ، دون أن يسجّلوها رسميّاً ، وعندما تُجري الحكومة مسحاً للأراضي ، لا يظهر أحدٌ للمطالبة بهذه الأملاك ، فتُدرَج ضمن ” أملاك الدولة ” ، ويوجد عددٌ كبيرٌ من هذه الأملاك الوقفية في القرى والبلدات والمدن الصغيرة ، وتُعدّ الآن مهددة بالاستيلاء تحت غطاء القانون ، باعتبارها     ” أملاكاً حكوميّةً ” ، وثمّة وجهٌ آخر من الخطر ، وهو أنّ الجماعات الهندوسيّة المتطرّفة والإرهابيّة في البلاد بدأت حملةً منظّمةً للمطالبة – دون دليلٍ أو برهان – باعتبار العديد من المساجد والأضرحة والساحات الدينية الإسلامية ” أماكنَ هندوسيّةً مقدّسةً ” ، وقد بدأ هذا النمط مع المسجد البابري بأيودهيا ، حين وُضع سرّاً صنمٌ من الأصنام تحت جنح الظلام ، وزُعِم أنّ الإله ” راما ” قد تجلّى هناك ، واليوم تتكرّر هذه الادّعاءات في مختلف أنحاء الهند ، مثل ما يُقال في ” مسجد غيان وابي ” أنّ نافورة الميضأة ما هي إلا شيف لينغ ” ( Shivling ) ، وهو العضو التناسلي لإلههم  ” شيفا ” ، وهو عضو يعبده الهندوس ، وتوضع صوره وتماثيله في معابدهم ، كما أنّ المجلس الهندوسي العالمي VHP قام بإعداد قائمة تضمّ ما يقارب 3500 مسجد ،  تدّعي أنها كانت معابد ، وتزداد هذه القائمة يوماً بعد يوم ، تُعلّق الرايات الزعفرانية المثلّثة على الأضرحة ، وتُهدم المقابر ، كما أن الحكومة تعتبرها مواضع نزاع استناداً إلى ادعاءات باطلة لا دليل عليها ، وبذلك تكون الحكومة ، من جهة ، قد أرضت حلفاءها عبر استثناء الأوقاف القديمة في الظاهر ، ومن جهة أخرى ، قد فتحت الباب – بدهاءٍ وذكاءٍ – للاستيلاء عليها ، سواء عبر أجهزتها أو عبر تمكين الجماعات المتطرّفة من وضع اليد عليها باسم الدين .

(ب) كانت المادة (107) من قانون الوقف لعام 1995م تنصّ على استثناء أملاك الوقف من أحكام ” قانون التقادم ” ( Limitation Act ) ، وهو القانون الذي يُقرّ بملكيّة العقار لمن استولى عليه مدة اثني عشر عاماً أو أكثر ، ويمنحه الحقّ القانوني في تملّكه ، وقد كان هذا الاستثناء مفيداً جدّاً ، إذ أتاحَ للمؤسّسات الوقفيّة استرجاع ممتلكاتها التي كانت خاضعةً لاحتلالٍ قديمٍ وغير شرعيّ ، أما في القانون الجديد ، فقد تمّ إلغاء هذا الاستثناء ، ما يعني إخضاع أعيان الوقف لأحكام ” قانون التقادم ” العامة ، وبذلك تُمنَح المشروعيّة للقبضات الغاصبة القديمة ، ويُضفَى عليها طابعٌ قانونيّ ، الأمر الذي يُعدّ ضربةً قاصمةً للحقوق الوقفيّة ، وتفريطاً متعمّداً بأملاكٍ دينيّةٍ وخيريّةٍ لا يجوز التصرف فيها شرعاً ولا عرفاً .

(ج) لقد أوقف العديد من الملوك المسلمين والنُّوّاب والمُلاّك في الهند ، في عصورٍ مختلفة ، أوقافاً لصالح رعاياهم من غير المسلمين ؛ كما أنّ عدداً من الحكّام والراجات غير المسلمين تبرّعوا بأراضٍ ومبانٍ لصالح المسلمين ، ولا يزال كثيرٌ من الإخوة غير المسلمين في عصرنا يُقدّمون عقارات لأعمال الخير لصالح جيرانهم المسلمين ، وكذلك يُقدّم المسلمون الهبات العقارية لإخوانهم من المواطنين غير المسلمين .

لكنّ القانون الجديد ألغى الاعترافَ بتلك العقارات التي تبرّع بها غير المسلمين ، إذا كانت تُستخدم فعلياً كمساجد أو مقابر أو رباطات للمسافرين ، وبهذا تُستبعَد هذه الأملاك من نطاق الوقف ، وتُخرَج من حمايته ، ما يجعلها عرضةً لخطر الاستيلاء عليها من قبل الدولة ، ويهدّد ضياع عددٍ كبيرٍ من الأوقاف التي شُيّدت على مبدأ التعايش والتسامح بين أبناء الوطن الواحد .

قانون قائم على التمييز والتفرقة :

(2) إن هذا القانون قائمٌ في جوهره على التفرقة والتمييز؛ ويتجلّى ذلك في ما يلي :

(أ) إنّ مفهوم ” الوقف بالاستخدام ” لا يزال مُعتمداً في حالة الأملاك الدينية الخاصة بالهندوس ، والسيخ ، والبوذيين ، وأتباع الديانات الأخرى ، بينما أُلغيَ هذا المفهوم في حالة الأوقاف الإسلامية ، كما سبقت الإشارةُ إليه ، وهو ما يُمثّل تمييزاً صارخاً بين المسلمين وغيرهم في القانون نفسه .

(ب) كذلك ، فإنّ الاستثناء من ” قانون التقادم ” لا يزال سارياً بالنسبة للهندوس والسيخ والبوذيين والمسيحيين ، إلا أنّ هذا القانون يحرم المسلمين من هذا الامتياز ، ويجرّدهم من أحد أهمّ أدوات حماية أوقافهم .

(ج) في نظام ” الهندو إندومنتس ” ( Hindu Endowments ) – وهو ما يُشبه الوقف الهندوسي – يُشترط أن يكون جميع أعضاء الإدارة من الهندوس ، وتوجد قوانين في ولايات مثل أترا براديش ، كيرلا ، كارناتكا ، وتامل نادو ، تنصّ على أن إدارة الأملاك الدينية الهندوسية لا تُسند إلا للهندوس ، وفي ” قانون الإندومنت ” الخاص بولاية بيهار ، أُنشئت ثلاثة مجالس : مجلس الإندومنت الهندوسي ، ومجلس الإندومنت الجيني ( سوتمبر ) ، ومجلس الإندومنت الجيني ( دغمبر ) ، ويُشترط في جميع أعضاء هذه المجالس أن يكونوا من أتباع الديانة المعنية ، وكذلك  ” لجنة إدارة المعابد السيخية ” (Gurdwara Prabandhak Committee ) يشترط في أعضائها أن يكونوا من الطائفة السيخية فقط ، أما في القانون الجديد المتعلق بالأوقاف الإسلامية ، فقد فُرضَ أن يكون هناك – وجوباً – اثنان من غير المسلمين ضمن إدارة الأوقاف ، وتمّ تقليص تمثيل المسلمين في أكثر من جانب ؛ فقد كانت الشروط السابقة تنصّ على أن يكون الرئيس التنفيذي للوقف مسلماً ، فتمّ حذف هذا الشرط ، وكان تعيينه يتمّ بناءً على توصية مجلس الوقف ، أما الآن فالحكومة هي التي تُعيّنه مباشرةً .

وفي ” المجلس المركزي للأوقاف ” ، كان يُسمَح سابقاً بعضوٍ غير مسلم واحد ، أمّا الآن فقد رُفِع العدد إلى ثلاثة عشر عضواً ، منهم عضوان غير مسلمين على الأقلّ ، وفي مجالس الأوقاف على مستوى الولايات ، كان يمكن لرئيسٍ غير مسلم أن يترأس المجلس ، ولكنّ الأعضاء الآخرين كانوا كلّهم من المسلمين ، ويُنتخبون ، بينما الآن يُسمح بسبعة أعضاء غير مسلمين ، ويُفرَض وجود عضوَين غير مسلمين وجوباً ، كما لم يعُد الأعضاء يُنتَخَبون كما كان الحال ، بل تقوم الحكومة بتعيينهم مباشرة .

العرقلة في إنشاء الأوقاف :

لقد سعى هذا القانون أيضاً إلى عرقلة إنشاء الأوقاف الجديدة ؛ إذ سبق أن بيّنّا أنه لا يُسمَح لغير المسلم بإنشاء وقف ، وهو أمرٌ يُخالف تقاليد التعايش والتبرّع الخيري في الهند ، ولكن الأخطر من ذلك ما ورد في نص القانون من أن من يرغب في إنشاء وقف إسلامي يجب أن يكون قد مارس الإسلام فعلياً لمدة لا تقل عن خمس سنوات متواصلة قبل إنشاء الوقف .

وهذا النصّ يُعدّ مخالفاً صريحاً لأحكام الشريعة الإسلامية ؛ إذ في نظر الإسلام ، من أسلم اليوم فهو مسلمٌ كامل الحقوق والواجبات ، كمن أسلم قبل خمس سنوات أو خمسين ، ولا يجوز شرعاً تقييد حقّ المسلم في التبرّع أو الوقف بمثل هذا القيد الزمني ، بل إنّ هذا التقييد يُجسّد انتهاكاً لحقّ دينيٍّ أصيل ، ويُشكّل تمييزاً غير مبرّر بين المسلمين أنفسهم ، فضلاً عن كونه يجعل من إجراءات إثبات الالتزام بالإسلام على مدى خمس سنوات أمراً شاقّاً ومفتوحاً على التأويلات والمزاج السياسي ، وبذلك يُصبح إنشاء الوقف ، الذي هو في أصله عملٌ تطوّعيٌّ خالص لوجه الله ، أمراً معقّداً ومُقيّداً بضوابط تعسفيّة لا تمتّ إلى جوهر الشريعة ولا إلى روح القانون العادل بصلة .

مخالفة أصول الوقف الثابتة في الشريعة الإسلامية :

إنّ من المبادئ الراسخة في الإسلام أنّ المالك له الحقّ الكامل في التصرّف في ممتلكاته تصرّفاً مشروعاً ، وأنّ الإحسان إلى الأولاد والأقارب يُعدّ من أعظم وجوه البرّ والثواب ؛ حتى إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” وإنك لن تُنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها ، حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك ” .

ومن هذا المنطلق ، أقرّ الإسلام مشروعيّة ” الوقف على الأولاد ” ، وهو أمرٌ ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وجمعٍ من الصحابة رضي الله عنهم ، حيث يجوز للإنسان أن يوقف أرضاً أو عقاراً لصالح ذريّته ، بحيث ينتفع بها أفراد عائلته دون أن يكون لهم حقّ بيعها أو التصرف فيها بما يُخالف شروط الواقف .

غير أنّ القانون الجديد سعى إلى تعديل هذا الأصل أيضاً ؛ إذ ورد في مشروع القانون الأصلي أن الوقف لا يكون معتبراً إلا إذا لم يُخلّ بحقوق الورثة الشرعيين ، وهذه الصيغة مردودةٌ شرعاً ، لأنّ حقّ الورثة لا ينشأ إلا بعد وفاة المورّث ، ويُستوفى من خلال قسمة التركة ، لا من خلال تقييد تصرّفاته في حياته ، ثم في التعديلات الأربعة عشرة الأخيرة ، تمّ إدراج صيغة تنصّ على أن الوقف على الأولاد لا يجوز أن يُؤدّي إلى انتقاص أيّ ” حقّ قانوني ” ، وهي عبارةٌ واسعةٌ وفضفاضة ، تفتح الباب أمام تأويلاتٍ قانونيّةٍ تتعارض مع المبادئ الشرعية المستقرة .

وبذلك يُعتبر هذا التدخّل في ” الوقف على الأولاد ” تعدّياً صريحاً على أحد أركان نظام الوقف في الإسلام ، وتدخّلاً غير مشروعٍ في ما قرّرته الشريعة من حقوقٍ للمالك في حياته .

محاولة إضعاف قانون الوقف :

من صور السعي إلى إضعاف قانون الوقف ما تضمّنه هذا القانون الجديد من إلغاء صفة ” القانون المُقدَّم ” ( Overriding Act ) التي كانت مُعترفاً بها سابقاً لقانون الوقف ؛ أي أنه إذا وُجد تعارضٌ بين قانون الوقف وأيّ قانونٍ آخر ، فإنّ قانون الوقف هو الذي يُطبّق ويُقدَّم ، أما في هذا المشروع الجديد ، فقد أُلغيت هذه السمة ، ما يُضعف مكانة قانون الوقف قانونياً ، ويجعل أحكامه خاضعةً لتأويلات القوانين العامة الأخرى ، فينتفي بذلك أثره الخاص ، والحقيقة أنّ قانون الوقف هو قانونٌ خاص    ( Special Law ) ، ومن المبادئ القانونية المقرّرة – والتي أكّدتها أحكام المحكمة العليا – أن القانون الخاص يُقدَّم على القانون العام عند التعارض ، وهذا لا يقتصر على قانون الوقف وحده ، بل هو مبدأٌ نافذ في جميع القوانين الخاصة ، غير أنّ هذا الامتياز ، الذي هو حقّ أصيل من حيث التشريع والقضاء ، قد حُرم منه قانون الوقف وحده ، في خطوةٍ تُعدّ تمييزاً قانونياً غير مبرَّر ، ومساساً مباشراً بخصوصيّة الوقف وخصوصيّة أحكامه في الشريعة الإسلامية .

الاحتيال على الحقيقة حين يُبنى القانون على الأكاذيب :

لعلّ من أعظم ما يُؤسَف له في هذا العصر أن تتّخذ السلطة من الكذب وسيلةً للحكم ، وأن يصبح تزييف الوقائع طريقةً ممنهجةً ، حتى لكأنّ مسؤولي الدولة قد بلغوا في ذلك مبلغاً يجعلهم أوائلَ من يستحقون جوائزَ إن أُنشئت يوماً لتكريم الأكاذيب والوعود الزائفة !

وفيما يتعلّق بقضية الوقف ، تتكرّر على ألسنتهم مزاعمُ وافتراءاتٌ تؤثّر في الرأي العام وتُضلّل المواطنين . ومن أبرز هذه الأكاذيب ما يلي :

(1) ” مؤسسات الوقف تمتلك أكثر العقارات في البلاد ؛ لأنها تستطيع أن تدعي على أي عقار ، تُروَّج هذه المقولة كثيراً ، ويُقال : إنّ الوقف يمتلك قرابة ست مائة ألف فدّان ، ويُعتبر ثالث أكبر مالكٍ للأراضي في الهند !

غير أنّ أحد المتخصّصين قد فصّل الحقيقة فقال :

بحسب تقرير لجنة ” سَتْشَر ” Sachar Committee فإنّ مجمل أراضي الوقف في عموم الهند لا يتعدّى ست مائة ألف فدّان ، بينما نجد في ولاية ” تاميل نادو ” وحدها ما يقرب من 478,000 فدّان من الأراضي تحت يد الهندو إندومنت ، وفي ” آندرا براديش ” 468,000 فدّان ، أي أنّ هاتين الولايتين معاً تتجاوزان تسع مائة ألف وأربعين ألف فدّان ، ما يفوق مجمل أملاك الوقف في الهند كلها ، ثم إنّ تسجيل أي أرضٍ كوقف ليس أمراً سرّياً ، بل يتمّ وفق آلية قانونية مفصّلة في ” قانون الوقف ” ، فلا يُقبل الوقف إلا من مالكٍ رسمي ، يقدّم وثائقه ويُعلَن ذلك في الجريدة الرسمية ، وتُفتح أبواب الاعتراض للجمهور ، ويتمّ تحقيق ميداني بإشراف ” مفوض المسح ” ، وتُنشَر النتائج رسمياً ، ويمكن الطعن فيها أمام ” محكمة الوقف ” خلال عامٍ كامل .

أما من الناحية الواقعية ، فإن في الهند ما يقرب من سبع مائة ألف وسبعين ألف قرية ، ولو قُدِّر أنّ نصفها يسكنه مسلمون في عدد قليل أم كثير ، فلدينا 385,000 قرية مسلمة ، ولكلّ واحدة منها عادةً مسجد ، ومصلى ، ومقبرة ، ولو قُدِّر لكلّ منها مساحة متواضعة بمتوسط 5,2 فدّان ، لبلغ مجموع أملاك المسلمين من الأوقاف ما يُقارب 962,500 فدّان ، وهو ما يتجاوز الرقم المُعلن بكثير ، وهذه الأرض لم تهبها الدولة ، بل اشتراها المسلمون بمالهم ، وأوقفوها طوعاً لخدمة دينهم ومجتمعهم .

(2) ” محكمة الوقف تصدر أحكاماً منفردة لصالح الوقف ، وتُتيح له السيطرة على العقارات ! ”

وهذه كذبة أخرى ؛ إذ إنّ محكمة الوقف ( الترِبيونال ) ليست جهازاً إدارياً تابعاً للوقف ، بل هي محكمة مدنية يترأسها قاضٍ من درجة قاضي محكمة المقاطعة ، وتُنظر فيها القضايا كما تُنظر في المحاكم الأخرى ، ولكل طرفٍ الحقّ في تقديم بيناته أمام محكمة الاستئناف ، ثم المحكمة العليا ( Supreme Court ) ، فلا مجال هنا للأحكام الاعتباطية أو الاستيلاء القهري ، فهذه دعاية كاذبة .

(3) ” قانون الوقف السابق يسمح للوقف بالادعاء على أي عقار شاء ! ”

وهذا تضليلٌ صريح ؛ فالوقف ، كأي جهة أو فرد ، لا يمكنه أن يرفع دعوى بلا مستندات ، فليس هناك ما يمنع قانوناً أي طرفٍ من الادعاء على أرضٍ يزعم أحقيته بها ، لكنّ المحكمة لا تقبل أيّ دعوى إلا ببينة ، ولا تفصل في شيئ إلا بعد إثبات الحقّ بالوثائق والشهود ، ومن ثمّ ، فإنّ هذه المقولة ليست سوى دعاية إعلامية تهدف إلى تشويه صورة الوقف ، وإثارة الرأي العام ضده .

وبذلك ، يتّضح أنّ هذه الأكاذيب المتكررة ليست مجرد أخطاء في التعبير أو نقصاً في المعلومات ، بل هي جزءٌ من حملةٍ منظّمة لتشويه النظام الوقفي ، وتهيئة الأرضية لتقنين الاستيلاء عليه باسم ” الإصلاح ” : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُم لَا تُفسِدُوا۟ فِي ٱلأَرضِ قَالُوۤا۟ إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ . أَلَاۤ إِنَّهُم هُمُ ٱلمُفسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشعُرُونَ ) [ البقرة : 11 – 12 ] .

* رئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند .

  • أستاذ الفقه الإسلامي بالمعهد العالي الإسلامي – حيدرآباد .