في ظلال الإسلام ( الحلقة الثانية الأخيرة )

ندوة العلماء فكرتها– وفعالياتها
أبريل 28, 2025
سورة التحريم : دلالاتها وما يستفاد منها
أبريل 28, 2025
ندوة العلماء فكرتها– وفعالياتها
أبريل 28, 2025
سورة التحريم : دلالاتها وما يستفاد منها
أبريل 28, 2025

الدعوة الإسلامية :

في ظلال الإسلام

( الحلقة الثانية الأخيرة )

الدكتور أشرف شعبان أبو أحمد *

الدعوة إلى الإسلام :

وواجب على المسلمين كافةً إبلاغ دعوة الله وبذل الجهد في ذلك ، قال تعالى : ( يا أَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) [ المائدة : 67 ] ، فتكليف النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ دعوته تكليفاً لأمته ، وقد صرحت بذلك الآيات البينات من كتاب الله تعالى :  ( قُلْ هذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ) [ يوسف : 108 ] ، وقد دلت هذه الآية على أمور أن تكليف النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالة ربه ، تكليف لأمته ، لا يتخلى عنه مؤمن ، ولا يتركه أمين ، وأن يكون الداعي على بصيرة من الأمور ، ومن يتخاذل عن الدعوة إلى الله تعالى وهو قادر عليها لا يعد تابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم . وعن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” بلغوا عني ولو آية ” . وكل منا يعمل في مجاله بدقة وإتقان وابتغاء لوجه الله وسيرى الله عمله ورسوله والمؤمنون ، قال تعالى : ( وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ) [ التوبة :  105 ] ، حيث تنص الآية الكريمة على أن هناك ثلاث جهات تراقب من يعمل : الله سبحانه وتعالى ورقابته تنعكس فيما يسمى بالرقابة الذاتية ، والرسول صلى الله عليه وسلم ورقابته هي رقابة السلطة التنفيذية والتي يتولاها ولي الأمر في كل زمان ومكان ، والمؤمنون ورقابتهم هي رقابة الرأي العام والسلطات الشعبية سواء تمثلت في مجالس منتخبة أو أفراد عاديين ، والرقابة الذاتية هي خط الدفاع الأول ضد أي انحراف ، وبخصوص الرقابة الشعبية فنجد حرص الخلفاء الراشدين وبخاصة أبي بكر وعمر وعلي على دعوة جماهير الشعب إلى ممارسة هذا النوع من الرقابة على تصرفات الحكام فلم تخلو خطبهم من ذلك ، يقول عمر بن الخطاب : أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم وأمرته بالعدل أقضيت ما علي . فقالوا : نعم . قال : لا حتى انظر في عمله أعمل ما أمرته أم لا .

وليكن هدفنا الإصلاح :

فالهدف من كل رسالة وخاصة الرسائل السماوية هو إصلاح حال الناس ، قال تعالى : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ) [ هود : 88 ] ، وطرق الإصلاح تختلف من قوم لقوم ، كما يختلف أسلوب المصلح من فرد لآخر ، والمصلحون هم شموع الأرض ، ومصابيحها التي يهتدى بها ، وهم أملها بعد الله في تصحيح مسار البشر ، وإنقاذ الأرض قبل خرابها ، وهم قدر الله في محاربة ومقاومة المفسدين ، وهم الذين يصطفيهم الله في الدنيا ويجمعهم معاً في الآخرة ( وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ ) [ النحل : 122 ] . والصلاح يشمل الأعمال والأقوال ، وعلى أي منا لا يعمل من الأعمال إلا الصالح منها ، ولا يقول من الأقوال إلا السديد منها ، وهو الذي يوافق الصواب والحق . والقرآن الكريم لا يذكر لفظ العمل إلا مضافاً إليه كلمة الصالح ، فلا يقبل الله إلا العمل الصالح ، ومن أراد قبول توبته فعليه بالعمل الصالح ( فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ) [ المائدة : 39 ] ، وأهل النار يريدون الخروج منها لكي يعملوا صالحاً ، قال تعالى في سورة فاطر 37 : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ ) ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ) [ فصلت : 33 ] ، وقال عز وجل في سورة الأحزاب الآية 70 : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ) .

التقوى :

والأمر بالتقوى ليس في القول فقط ، ولكنه مصاحب للعديد من آيات الأوامر والنواهي في آيات القرآن الكريم ، بل كانت وصيةً عامةً لنا ولمن قبلنا ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ) [ النساء : 131 ] ، أي وصينا الأولين والآخرين وأمرناكم بما أمرناهم به بتقوى الله تعالى . قال تعالى في سورة آل عمران الآية 102 : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ ) ، والتقوى هي الميزان الذي يوزن به المرء : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [ الحجرات : 13 ] ، ومن وصايا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لقادة جيوشه : أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله ، فإن تقوى الله أفضل العدة وأقوى المكيدة في الحرب . وأصل التقوى مأخوذ من اتقاء المكروه بما يجعله حاجزاً بينه وبينك ، فالمتقي هو الذي يقي نفسه ما يضرها ، وهو الذي يتقي عذاب الله بطاعته ، إن التقوى هي الحارس القابع في أعماق النفس لضامن امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ، فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته ، ومن ثم يجب أن تكون التقوى هي الجو الذي يسود جماعة المؤمنين في جميع أحوالها . كما أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بالحياء ، وهو خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع التقصير في حق ذي الحق ، قال صلى الله عليه وسلم : ” لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء ” ، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الحياء من الإيمان ” ، والحياء يحمل المرء على ألا يظهر منه ما ينفر منه الذوق السليم ، وهذا أساس الائتلاف في المجتمعات ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إذا لم تستح فاصنع ما شئت ” ، وتحذيراً لمن تسول له نفسه الإساءة للآخرين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :    ” افعل كما شئت كما تدين تُدان ” أي كما تفعل تجزيء .

ضرورة تكتلنا في وحدة واحدة :

ومن الملاحظ أن أهم مبادئ الإسلام وهي الصلاة ، الصيام ،   الحج ، الزكاة ، الصبر ، الجهاد ، تقوى الله ، ولاية المؤمنين ، إصلاح النفس ، ذكر الله ، طاعة الله ورسوله ، اجتناب ما نهى الله عنه ، أكل الحلال ، القصاص ، الآداب الاجتماعية ، المعاملات لاجتماعية ، الأحوال الشخصية ، جاءت كلها بصيغة الجمع لبيان أهمية جماعة المسلمين في أدائها ، فمن صيغ الجمع التي نزلت بها سور الأحكام ومن وجوب دعوة كل فرد إلى لزوم جماعة المسلمين ، وجب وجود قاعدة عريضة من المؤمنين ، تؤيد وتقوي دعائم المجتمع الإسلامي ، ولقد دعا الإسلام المسلمين إلى الوحدة ، ونهاهم عن التفرق والتشرذم ، قال تعالى :            ( وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) [ آل عمران : 103 ] ، وقوله تعالى :   ( وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ ) [ آل عمران : 105 ] ، وقوله تعالى :      ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [ الأنفال : 46 ] ، ومن الآيات والأحاديث التي تصف علاقة المسلم بالمسلم مهما باعدت بينهما الأوطان وناءت بينهم الديار بأنها علاقة أخوية ، قال تعالى : ( إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )   [ الحجرات : 10 ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : ” ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ” البخاري . وهذه الأخوة التي تفوق أخوة الرحم والنسب والجنس والعرق ، وما تستلزم على المسلم تجاه أخيه المسلم من واجبات لا يمكن القيام بها خير قيام إلا في ظل وحدة المسلمين ، لم تعد الوحدة بين المسلمين فريضةً شرعيةً فقط ، بل أصبحت ضرورةً حتميةً يحتمها علينا الواقع الذي نعيشه اليوم ، ونحن في أمس الحاجة إلى الوحدة أكثر من الأمس ، وكل يوم يمر تزداد حاجتنا إليها أكثر من سابقه .

الغرض من الابتلاء :

والابتلاء سنة من سنن الحياة في الأولين والآخرين ، قال تعالى :    ( أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ ) [ العنكبوت : 2 – 3 ] ، وقال تعالى : ( وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ) [ الأنبياء : 35 ] ، والابتلاء بالشر مفهوم أمره ليكشف مدى احتمال المبتلى ومدى صبره على الضر ومدى ثقته في ربه ورجاء رحمته ، أما الابتلاء بالخير فهو أشد وطأة ، وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر ، وإن كثيرين يصمدون أمام الابتلاء بالشر ، ولكن القلة القليلة هي التي تصمد أمام الابتلاء بالخير ، قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ ) [ البقرة :  155 ] ، روى الترمذي عن سعيد بن أبي وقاص قال : قلنا يا رسول الله ! أي الناس أشد بلاء ؟ قال : ” الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ” ، قال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ ) [ البقرة : 214 ] ، أي أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ولما يصبكم من الابتلاء ما أصاب الذين من قبلكم من فقر ومرض وخوف ورعب ، وزلزلوا بأنواع المخاوف حتى قال رسولهم والمؤمنون معه على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى متى نصر الله ؟ ألا إن نصر الله قريب . وقال تعالى : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ ) [ آل عمران : 140 ] ، وإن كانت هذه الآية نزلت بعد ما أصاب المسلمين في غزوة أحد ، لكن الشاهد أنها عامة في كل المعارك على كل الجبهات ، فالقتلى والجرحى يكونون من الطرفين وإن اختلف عددهما ، والأيام دول ، يوم هزيمة وآخر نصر ، لا نصر مطلقاً ولا هزيمة مطلقاً ، وقال تعالى : ( إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ) [ النساء : 104 ] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه ” ، ورحمة الله وسعة كل شيئ وفي لحظة الانتكاس التي تمر بها الأمم والأفراد ، لا معين لها إلا الالتجاء إلى الله ، وعدم القنوط من رحمته ( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ ) [ الحجر : 56 ] ، والقرآن الكريم به من السنن ما تخالف السنن الطبيعية التي اعتادها البشر في حياتهم ، مما تدفعنا لعدم اليأس نهائي ، وتبين لنا أن الفرج قريب جداً وأن مع العسر يسراً . ولنجعل الأمل في الله دائماً وأبداً .

أعداء الإسلام :

فالعداوة التي يكنها أعداء الإسلام للمسلمين سواء كانت حرباً تبيد الأخضر واليابس ، يوجهون إلينا شتى أنواع أسلحتهم ، يفتكون بكل ما تصل إليه نيرانها ، لا يفرقون بين رجل أو امرأة ، أو بين طفل وعجوز ، أو بين إنسان وحيوان ، لا يبقون على بشر ولا على شجر ولا حتى على حجر ، يهدمون المباني السكانية على من فيها ، يجرفون الأراضي الزراعية ، ويقلعون ما بها من زرع ، وينسفون المصانع والمستشفيات والمحال التجارية ودور الإذاعة والتلفزيون ، ويدكون الموانئ والمطارات ، كما يفعل اليهود بشعب فلسطين ، وكما فعلت أمريكا بالمجاهدين في أفغانستان مصداقاً لقوله تعالى : ( وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً ) [ النساء : 102 ] ، أو حرباً بالألسنة أو بالأيدي مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 118 ( لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) ، ولقوله تعالى في سورة الممتحنة الآية 2 : ( إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ ) ، فعداوتهم لنا سببها ، عداوتهم لديننا الحنيف ، ولن تخرج حروبهم لنا عن كونها حرباً دينيةً لا يبتغون من ورائها إلا محو الإسلام وإبادة كل ما هو مسلم ، مصداقاً لقوله تعالى :   ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ ) [ البقرة : 217 ] ، ولقوله تعالى في سورة البقرة الآية 120 : ( وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) ، وقوله تعالى : ( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً ) [ النساء : 89 ] ، وستستمر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

نحتاج لرجال بمعنى الكلمة :

أخيراً فمنذ بدء الدعوة الإسلامية ، لم يكن يقدم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، والانضمام إلى التجمع الإسلامي ، إلا كل من نذر نفسه لله ، وتهيأ لاحتمال الأذى والفتنة والجوع والغربة والعذاب والموت في أبشع الصور في بعض الأحيان ، وهذه النقطة يجب أن يعيها الغيورون على الدعوة الإسلامية ، فيجب إعداد أنفسهم لمثل هذه المحن والمصاعب التي تعرض لها الجيل الأول من المسلمين ، فالإسلام يحتاج إلى طليعة على مستوى جيد من الإعداد والتكوين ، طليعة نذرت نفسها لهذا الدين ، طليعة راسخة العقيدة والإيمان ، ثابتة القلب والجنان ، طليعة سامية الخلق ، عميقة الإدراك ماضية العزيمة ، طليعة تعيش الإسلام بكل وجودها وتمنحه كل وجودها .

يقول سيد قطب : وانتصر ( محمد بن عبد الله ) يوم صنع أصحابه رضوان الله عليهم صوراً حيةً من إيمانه تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ، يوم صاغ كل منهم قرآناً حياً يدب على الأرض ، يوم جعل من كل فرد نموذجاً مجسماً للإسلام ، يراه الناس فيرون الإسلام . إن النصوص وحدها لا تصنع شيئاً ، وإن المُصحف وحده لا يعمل حتى يكون رجلاً ، وإن المبادئ وحدها لا تعيش إلا أن تكون سلوكاً ، ومن ثم جعل ( محمد ) هدفه أن يصنع رجالاً ، لا أن يلقي مواعظ ، وأن يبني أُمة ، لا أن يقيم فلسفة . أما الفكرة ذاتها فقد تكفل بها القرآن الكريم ، وكان عمل  ( محمد ) أن يحول الفكرة المُجردة لشيئ تلمسه الأيدي وتراه العيون . ولقد انتصر ( محمد بن عبد الله ) يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصاً وحول إيمانهم بالإسلام عملاً ، وطبع من المُصحف عشرات النسخ ثم مئات ثم ألوف ، لكن لم يطبعها بالمداد على صحائف من ورق ، إنما طبعها بالنور على صحائف من القلوب ، وأطلقها تعامل الناس وتأخذ منهم وتعطي وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام الذي جاء به ( محمد بن عبد الله ) من عند الله . سأل رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه قائلاً : ما بال المسلمين قد اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر ؟ قال رضي الله عنه : لأن أبا بكر وعمر كانا وليين على مثلي ، وأنا اليوم والٍ على مثلك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اعملوا فكل ميسر لما خلق له ” ، وقال تعالى في سورة الأنعام آية 132 : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ) ، أي لكل عامل من طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها ، ويثيبه بها ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وقال تعالى في سورة البقرة آية 148 : ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً ) ، فلكل أمة من الأمم قبلة أو جهة يتوجهون إليها حسيةً كانت أو معنويةً ، فتسابقوا أنتم أيها المؤمنون إلى فعل الخيرات التي أمرتم بفعلها ، وسيجمعكم الله يوم القيامة من أي مكان كنتم فيه ليجازيكم على عملكم .

* جمهورية مصر العربية .