دور الزكاة في معالجة مشكلة الفقر
أبريل 28, 2025الفقه الإسلامي :
فريضة الزكاة : مقاصدها وتطبيقاتها المعاصرة
الأستاذ السيد أزهر حسين الندوي [1]
الزكاة هي ركن من أركان الإسلام الخمسة ؛ وهي ثالثة دعائم الإسلام بعد الشهادتين والصلاة ، وقد قرنت في الصلاة في عشرات المواضع بالقرآن الكريم والسنة النبوية ، وتأتي بعد الصلاة في كتب الفقه عادةً في قسم العبادات ، فالزكاة فريضة محكمة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .
أما الكتاب : فقد تضافرت آياته القرآنية في إيجاب الزكاة والعناية بها عنايةً بالغةً ، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى : ( وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [2] . ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [3] .
وأما السنة : فقد جاءت بتأكيد وجوب الزكاة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضى الله عنه إلى اليمن قال : إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ” [4] ، وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان ” [5] .
وأما الإجماع : فأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوب الزكاة إذا اكتملت الشروط ، واتفق الصحابة رضى الله تعالى عنهم على قتال مانعيها [6] ، وكما فعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، حيث قال : ” والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة ” [7] .
مقاصد الزكاة الشرعية والاقتصادية :
الزكاة نظام فريد ومؤسسة مالية ، لها وظيفتها المهمة في حياة المجتمع من تحقيق التكافل الاجتماعي والتأمين ضد العجز والكوارث والفقر ، وإزالة الحسد والبغض ، وتطهير الأنفس ، وتنمية الخير عند الناس ، كما أنها تعين الدولة على تحقيق المصالح والمنافع العامة للمواطنين ، وهي مورد مالي من موارد الدولة التي تسهم في تغطية كثير من النفقات التي يحتاجها المجتمع [8] .
فمن مقاصد الزكاة حراسة الدين ودعمه ونشره وتمكينه في الأرض ، ففي الزكاة تجهيز الغزاة والمجاهدين والإنفاق عليهم ، ومن مقاصدها كذلك مواساة ذوي الحاجات وسد الخلات ، وتحقيق الأخوة الإيمانية وتكافل المجتمع ؛ فالشارع الحكيم أراد أن يكون المجتمع المسلم متكافلاً متآزراً متعاوناً يأمن فيه العاجز والضعيف والقاصر يشعرون أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس الأخوة ، فالزكاة لون من ألوان العبادات التي فرضها الله فهي من العبادات التي تكون ليست فقط علاقة بين العبد وربه ، إنما يمتد تأثيرها إلى المجتمع ، فهي واجب شرعي يحقق التكافل والتضامن والمواساة في المجتمع ، فهي المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي في الإسلام ، وقد قامت الزكاة بدور كبير في حل مشكلة الفقر والبطالة [9] .
التطبيقات المعاصرة لدور الزكاة في القضاء على أسباب الفقر :
الزكاة للتعليم :
العلم هو الركيزة الكبرى لنهوض الأمم واتخاذ مكانة لها بين الأمم والدول [10] ، وهذا ما يجعل الوقف على مدارس العلم وطلبتها والباحثين فيها من الألوية بمكان ، نظراً لما يحققه من مقاصد كثيرة منها الحفاظ على الأمة ، وتحريك حركة الإنتاج فيها وتقوية نسيجها الداخلي وإتاحة الفرص لكل أبنائها من الاستفادة من الفرص المتاحة في نيل العلم وفتح الباب أمام الباحثين والمبدعين ، ولكن كثيراً من الناس اليوم لا يعرفون أين يضعون أموالهم وصدقاتهم ، بل من غريب ما نراه اليوم أن يتكدس فرش المساجد ويتجدد مراراً – على أهميته وفضل فعله – أو تؤمن مبردات المياه في بعض المساجد أكثر من حاجة المصلين بكثير ، ثم تلتفت إلى حاجات التعليم ونشره وتطويره ، فلا تجد من يكفي لسدها وتوفيرها ، ويحتاج هذا الواقع المرير للنظر الشرعي الذي يقوم على توعية الناس بحاجات المجتمع التعليمية والتثقيفية من خلال أموالهم وصدقاتهم الجارية لكي يكون لهم أجرها ممتداً ، ونفعها قائماً مستمراً ما استفاد منها العلم وطلبته وأهله ، ويقول أحد الباحثين : ” تعد الزكاة من أهم المؤسسات التي كان لها الدور الفعال في تنمية التعليم ، فلقد شملت الأموال الزكوية كثيراً من الجوانب المختلفة التي تخدم عملية التعليم والتعلم ، ومن أهم هذه الجوانب إنشاء المدارس وتجهيزها وتوفير العاملين فيها من معلمين وغيرهم ، وتشجيع طلاب العلم على الانخراط في عملية التعليم من خلال التسهيلات التي وفرت لهم ، وبالإضافة إلى إنشاء المكتبات وتجهيزها وغير ذلك من الجوانب الأخرى ” [11] ، ولتشجيع ثقافة المساعدة العلمية بين الطلاب والطالبات يمكن أن نقوم بإنشاء الصناديق الزكوية على مبدأ المشاركة الجماعية أو زكاة النقد الجماعية ، وتعتبر أموال الصناديق بمثابة وقف خيري لتمويل الطلاب والطالبات لتكميل دراستهم الثانوية أو العالية ، وسد احتياجاتهم من اللوازم الدراسية المختلفة ، بحيث يساعد في القضاء على ظاهر الأمية في المجتمعات كما أنه يساعد المعوزين في التحاقهم بالمدارس والكتاتيب ، فيؤدي كل ذلك لازدهار الحركة العلمية والثقافية [12] ، وقد أكدت الدراسات المعاصرة أن نهضة المجتمع نهضة علمية وثقافية تنحصر على النهوض بالمجتمع علمياً وثقافياً [13] ، وفي الهند كثير من المدارس الإسلامية مثل جامعة ندوة العلماء وجامعة ديوبند وجامعة مظاهر العلوم التي تأسست قبل مائة سنة – ولا تزال موجودةً في الساحة العلمية والثقافية مع القيام بدورها العلمي الريادي في المجتمع الهندي – تعتمد من أول يومها على الأموال الزكوية من أغنياء المسلمين ، وتقوم بإعانة الدارسين والمتعلمين والمشتغلين بالبحث والتحقيق والكتابة والتأليف ، وتكفل لجميع الطلاب والمدرسين مصارفهم الدراسية والغذائية والسكنية ، والنفقات الأخرى [14] ، ويتمثل مال الزكاة للتعليم في بناء الكتاتيب والمكتبات وإنشاء المدارس الوقفية والمعاهد العلمية وغير ذلك ، كله يعد من تقوية الحركة العلمية في المجتمع [15] .
الزكاة للصحة :
تعد المستشفيات من الظواهر البارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية في القرون الماضية ، ومن المعلوم أن أساس نشأتها الأوقاف بدايةً وتطوراً وتعليماً للعاملين فيها ، وبرزت أسماء عديدة في هذا المجال ، مثل المستشفيات العضدية ببغداد ، والمستشفيات النورية في دمشق ، والمستشفيات المنصورية في القاهرة ، ومستشفيات مراكش ، والمستشفيات المقتدرية ، ويقدم للمرضى في هذه المستشفيات العناية الصحية وفق تنظيم مدهش لفت انتباه كل من زارها ، فبالإضافة إلى الأكل والشرب والملبس الذي يقدم للمرضى برزت خدمات اجتماعية مصاحبة [16] ، فقد كان لنظام الوقف الخيري أثر كبير في دعم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين والسكان على اختلاف مذاهبهم ونحلهم ، وكان للوقف الخيري أثر حميد في النهوض بعلوم الطب ، لأن دور المستشفيات التي ينفق عليها من الأوقاف لم يقتصر على تقديم العلاج ، وإنما تعدى ذلك إلى تدريس علم الطب [17] .
إن التجربة الإسلامية العريقة في مجال الوقف الصحي يمكن تكرارها اليوم عن طريق الأموال الزكوية ولجان الزكاة ونظامها ، ومن المجالات التي يمكن أن يسهم بها نظام الزكاة في مجال الخدمات الصحية حسب إمكانيات المزكين ، وسوف تحل كثير من المشكلات القائمة في مجال الرعاية الصحية اليوم ، ولتفعيل نظام الزكاة في مجال الصحة يشجع :
- بناء المستشفيات الكبيرة والصغيرة والمستوصفات سواء العامة منها أو المتخصصة عن طريق لجان الزكاة ، إما بتقديم المنشآت أو الأراضي الخاصة بها أو عمارتها أو تجهيزها وفرشها أو القيام بذلك كله .
- توفير الأجهزة الطبية التي تحتاج إليها المستشفيات والمراكز الصحية مثل جهاز غسيل الكلى وأجهزة الأشعة المتطورة وغيرها مما قد لا يتوافر في كثير من المستشفيات رغم الحاجة المتزايدة إليها ، وخاصةً للفقراء والمساكين ، وذلك عن الأموال الزكوية .
- شراء سيارة الإسعاف وغيرها من الوسائل المساعدة التي تحتاج إليها المستشفيات والمراكز الطبية اليوم ، وذلك عن طريق أموال الزكاة .
- توفير الأدوية حيث يمكن تخصيص بعض الأموال الزكوية لتوفير الأدوية وخاصةً أدوية الأمراض المزمنة ، مثل أدوية السكر وأدوية الضغط وأدوية القلب وغيرها للفقراء والمحتاجين الذين لا يستطيعون شراءها بسبب فقرهم .
- تحديد بعض الأموال الزكوية من لجان الزكاة على كليات الطب والمعاهد الصحية ، وتوفير احتياجات طلابها وأساتذتها من الكتب والأجهزة وغير ذلك .
- وهذه فقط أمثلة يمكن أن يضاف إليها الكثير مما يمكن أن يقدمه نظام الزكاة في مجال دعم مؤسسات الرعاية الصحية في البلاد الإسلامية وغيرها [18] .
[1] مسقط ، سلطنة عمان .
[2] البقرة : ١١٠ .
[3] التوبة : ١٠٣ .
[4] البخاري ، صحيح البخاري ، باب وجوب الزكاة ، رقم الحديث 1395 .
[5] البخاري ، محمد بن إسماعيل ، صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، رقم الحديث 8 .
[6] ينظر : ابن قدامة ، المغني ، ج 4 ، ص 5 .
[7] البخاري ، صحيح البخاري ، باب وجوب الزكاة ، رقم الحديث 6925 .
[8] محمد إبراهيم ، الزكاة ودورها في القضاء على الفقر ، بحث إلكتروني ، ص 43 .
[9] ينظر : الندوي ، أبو الحسن علي ، الأركان الأربعة ، ط 3 ، ( دار القلم ، الكويت ، 1394هـ/1974م ) ، ص 115 ، وفاطمة محمد عبد الحافظ ، أثر كل من الزكاة والضريبة على التنمية الاقتصادية ، رسالة الماجستير من جامعة نابلس فلسطين ، ص 18 – 19 .
[10] راجع : الغزالي ، محمد ، خلق المسلم ، ط 13 ، ( دمشق ، دار القلم ، 1418هـ/1998م ) ، ص 226 .
[11] الأسرج ، حسين عبد المطلب ، نحو تفعيل الوقف الإسلامي لأعمال حقوق الإنسان .
[12] راجع : الوهيبي ، صالح بن سليمان ، دور الوقف في دعم المؤسسات والوسائل التعليمية ، مرجع سابق ، ص 722 – 723 .
[13] راجع : رحماني ، إبراهيم ، الوقف العلمي وسبل تفعيله في الحياة المعاصرة ، بحث ضمن أعمال أثر الوقف الإسلامي في النهضة العلمية ، ص 811 – 813 ، والشلتوتي ، أنور محمد ، التدابير الشرعية لإعادة الوقف العلمي إلى دوره الفاعل في النهضة العلمية للأمة ، ضمن أعمال أثر الوقف الإسلامية في النهضة العلمية ، ص 7 – 8 .
[14] راجع : الحسني ، عبد الحي بن فخر الدين ، الهند في العهد الإسلامي ، ( الهند ، مجمع الإمام أحمد بن عرفان الشهيد ، 1422هـ/2001م ) ، د . ط ، ص 356 – 359 ، والندوي ، أبو الحسن علي ، المسلمون في الهند ، ط 1 ، ( دمشق ، دار ابن كثير ، 1420هـ/1999م ) ، ص 129 – 140 .
[15] راجع : مجلس التعليم ، سلطنة عمان ، الوقف التعليمي ، موروث حضاري وآفاق مستقبلية ، 17 – 19 .
[16] راجع : السباعي ، مصطفى ، من روائع حضارتنا ، مرجع سابق ، ص 107 – 118 ، والحسنية ، سليم ، من البيمارستان إلى المستشفى دراسة تحليلية مقارنة للنظام الإداري ، ط 1 ، ( الشام : وزارة الثقافة دمشق ، 1998م ) ، ص 9 – 17 .
[17] راجع : الأسرج ، حسين عبد المطلب ، نحو تفعيل الوقف الإسلامي لأعمال حقوق الإنسان ، مرجع سابق .
[18] راجع : الأسرج ، حسين عبد المطلب ، نحو تفعيل الوقف الإسلامي لأعمال حقوق الإنسان ، مرجع سابق .