ملَك كريم في صورة إنسان
نوفمبر 19, 2023ولكنه بنيان قوم تهدما
نوفمبر 19, 2023عليك تحية الرحمن تترى
الأخ محمد عفان الندوي *
كل نفس ذائقة الموت ، ومن سنة الله أن كل نفس مهما طال عمرها لابد أن يصيبها الموت ، ووجه الله باق لم يزل ولا يزال ، يقول الله تبارك وتعالى : ( كُلُّ مَنْ عليها فان ، ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذو الجلالِ وَالْإِكْرَام ) [ الرحمن : 26 – 27 ] ، وكم من نفس تموت ولا تدمع لها عين ، ولا يتفطر لها قلب ، بينما يموت بعض الناس ، وتبكي عليهم السماوات والأرض .
وكان سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى من أولئك المعدودين الذين يرثى على وفاتهم الزمان ويبكي على موتهم الدهر .
في الساعة الثالثة والنصف من يوم الخميس الحادي والعشرين من رمضان المبارك سنة 1444هـ الموافق 13 من أبريل عام 2023م ، ارتحل فقيد الأمة سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي إلى رحمة ربه مثلما لبَّى خاله سماحة العلامة السيد أبو الحسن الحسني الندوي نداء ربه يوم الجمعة في 22 من رمضان المبارك سنة 1420هـ الموافق 31 من ديسمبر عام 1999م .
وصلى عليه صلاة الجنازة الأولى فضيلة الشيخ الدكتور سعيد الأعظمي الندوي حفظه الله ورعاه ، في جموع حاشدة من العلماء الكبار وجم غفير من عامة الناس ، متجاوز وفق ما نشرته الصحف الهندية ثلاث مائة ألف في رحاب ندوة العلماء ، وذُهب بجثمانه إلى مسقط رأسه تكيه كلان راي بريلي ، وصلى عليه ثانية الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي حفظه الله تعالى ، ودُفن جثمانه في جنب أخيه وأعزائه .
وُلد ونشأ سماحة الشيخ عام 1929م في أسرة شريفة معروفة للإصلاح والتقوى والعلم في الأوساط العلمية والدينية بمنطقة راي بريلي .
تلقى التعليم البدائي في بيته ، وتلقى العلوم الإسلامية ثم درس الأدب العربي في دار العلوم لندوة العلماء وتخرج في قسم التخصص في الأدب العربي بتفوق عام 1948م ، بعد التخرج في دار العلوم لندوة العلماء عُين مدرساً مساعداً للغة العربية وآدابها عام 1949م ، ثم عُين عميد كلية اللغة العربية وآدابها عام 1970م ، وقام بتدريس الطلاب لمدة طويلة ، وقد تخرج العديد من العلماء الكبار والشخصيات البارزة تحت إشرافه .
وكان الفقيد رحمه الله من أولئك العلماء البارزين الذين أدوا دوراً هاماً في تطوير اللغة العربية وآدابها تعليماً وتدريساً ، تصنيفاً وتأليفاً .
ففي عام 1993م اختير مدير دار العلوم لندوة العلماء ، وأخيراً في عام 2000م انتخب رئيس ندوة العلماء العام بعد وفاة خاله العظيم الشيخ العلامة السيد أبي الحسن الحسني الندوي رحمه الله ، ورئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند ، كما كان عضواً في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية .
ومن صفاته البارزة أنه كان لين الطبيعة ، باسم الوجه ، كريم الصحبة ، جامعاً بين العقل والحكمة ، متجنباً فضول الكلام ، حافظاً لوقته ، وكان قليل الكلام ، بعيداً عن الحب والجاه والمنصب ، وصاحب وقار وسكينة وحياء وصبر ، وكان بعيداً عن تحقير الناس وتفريق الناس على أساس اللون والجنس والطبقة ، يحب الجميع ، ولا يفرق بين هذا وهذا ، كما كان يُوصي الطلبة بالصلاح والتقوى وبالرجوع إلى الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالحين بعد العشاء كل يوم في دار الضيافة لندوة العلماء ، وكان في صحبته تأثير عميق ، من زاره مرةً ، لا ينساه أبداً .
رحمه الله رحمةً واسعةً ، وأدخله الفردوس الأعلى ، وحشره الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . آمين يا رب العالمين .
وقال الشاعر :
عليك تحية الرحمن تترى برحماتٍ غوادٍ رائحات
* مكتبة كلية الشريعة بدار العلوم لندوة العلماء .