علم الدلالة وعلاقته بالأصوات

من آداب طلب العلم وشروطه
يونيو 4, 2024
من آداب طلب العلم وشروطه
يونيو 4, 2024

بأقلام القراء :

علم الدلالة وعلاقته بالأصوات

الباحثة نصيرة إي . تي . بي *

علم الدلالة أهم وأحدث فروع علم اللغة الحديث ، وعلم اللغة يبحث عن اللغة ووظائفها ومجال عملها والعلاقات بين الصوت والمعنى والدلالات المختلفة وما إلى ذلك . وهو لا يخص لغةً بعينها ، بل يهتم باللغات كلها . وهو ينقسم إلى فرعين : هما علم اللغة النظري وعلم اللغة التطبيقي . لعلم اللغة النظري مجالات ومناهج . الدلالة والأصوات من هذه المجالات ، ودراستهما تعرف بعلم الدلالة وعلم الأصوات . ومن أهم تعريفاته ما قال ابن جنى [1] في كتابه ” الخصائص ” : اللغة هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم [2] . وفي ضوء هذا التعريف : اللغة أصوات منطوقة وليست حروفاً مكتوبةً . ويحتوي هذا التعريف على عنصرين أساسيين في اللغة ، هما : الصوت والدلالة . وهما فرعان متميزان للغة ، وكلاهما من أهم خصائص اللغة . والعلاقة بين هذين العنصرين هي الموضوع الرئيسي لهذا المقال . وتتجلى هذه العلاقات في النقاط التالية .

علم الدلالة :

الدلالة كلمة مشتقة من ” دل ” / ” دلل ” معناها اللغوي في المعاجم المختلفة : الإرشاد إلى الشيئ ، والتوجه إلى الطريق والإبانة عنه . وفي الاصطلاحي معناها العلاقة بين الدال والمدلول [3]  . ويستخدم لفظ الدلالة من معنى الدلالة على الطريق إلى معنى الدلالة على معاني الألفاظ . ولقد وردت مشتقات كلمة دلالة في القرآن الكريم في سبعة مواضع . والمعنى في المواضع السبعة ، ما يتوصل إلى معرفة الشيئ ، أي إرشاد شخص ، طلب معرفة شيئ غير ظاهر وغير واضح . من هنا هي دراسة معنى الألفاظ ومدلولاتها ، وهي علم الدلالة . وهو فرع من فروع علم اللغة ، ومستوى من مستوياتها اللغوية . وهو قمة الدراسات اللغوية ، وأحدثها ظهوراً [4] . ويهتم بدراسة الرموز اللغوية وغير اللغوية . وهو العلاقة بين الدال والمدلول كما شبههما دي سويسر بورقة ذات وجهين : أحدهما الدال ، والآخر هو المدلول ، فلا يمكن تمزيق أحد الوجهين دون تمزيق الآخر [5] .

لعلم الدلالة مكانة مرموقة عند العلماء والباحثين في القديم والحديث ، ليس عند أهل اللغة فقط ، بل عند أهل علوم الإنسانية الأخرى مثل علم الاجتماع ، وعلم النفس ، والفلسفة وغيرها . وقضيته من أقدم قضايا الفكر ، ولكن لم يعرف هذا المصطلح في أواخر القرن التاسع عشر .

ظهر مصطلح ” Semantique ” على يد اللغوي الفرنسي ميشال بريل Michel Breal ، الذي خطا الخطوة الأولى إلى علم الدلالة ، فمنهم من يقول : إنها مقال نشر سنة 1883م ، ومنهم من يقول : إنها كتاب نشر 1897م . كلاهما في موضوع واحد ، هو علم الدلالة [6] .

اشتقت هذه الكلمة الاصطلاحية من أصل يوناني مؤنث            ” Semantike ” مذكره ” Semantikose ” ، أي يعني ، يدل مصدره كلمة ” Sema ” أي : إشارة ، نقلت كتب اللغة هذا المصطلح إلى الإنجليزية ” Semantics ” [7] .

علم الدلالة والعلوم اللغوية :

علم الدلالة أهم فرع من فروع علم اللغة ، فإن ارتباطه بالعلوم الأخرى منها اللغوية مثل علم الأصوات ، علم الصرف ، علم النحو ، علم البلاغة ، علم المعجم وغيرها ، ومنها غير اللغوية مثل علم الاجتماع ، علم النفس ، علم الفلسفة ، وغيرها . وإذا كانت الدراسات الصوتية والصرفية والنحوية المعجمية لم ينهض بها عادةً إلا اللغويون ، فإن الدلالة ليست كذلك ، شارك فيها علماء ومفكرون في مجالات مختلفة ، وكذلك علماء النفس ، وعلماء الاجتماع ، والأنثروبولجيا ، والفلاسفة ، والمناطقة ، وكذلك اهتم به علماء السياسة والاقتصاد ، وجماعات من الأدباء والفنانين والصحفيين . ويشتغل فيها المتكلمون جميعاً على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم الفكرية والثقافية ، لأن المعنى أساس كل شيئ في هذه الحياة ، لا حياة بدون المعنى ، ولذا اشترك فيها اللغويون وغير اللغويين جميعاً . فظهرت دراسات ونظريات ومناهج عديدة فيما يتعلق بالمعنى .

علم الدلالة وعلم الأصوات :

علم الدلالة وعلم الأصوات فرعان مختلفان من علم اللغة النظري . ويهتم علم الدلالة بمعنى الكلمات ، وبينما يهتم علم الأصوات بالأصوات وتشكيل الكلمات وكيفية نطقها . علم الأصوات هو دراسة أصوات اللغة . ويختلف عن بقية الفروع مثل اختلاف السماء والأرض . وهو الصورة الحية للغة ، يعني باللغة المنطوقة .

علاقة علم الدلالة بالأصوات :

وكما ذكرنا سابقاً لعلم الدلالة علاقة وطيدة بالعلوم اللغوية . فالدلالة ترتبط بالصوت ، إذن علم الدلالة يرتبط بعلم الأصوات . هذه العلاقة هي الموضوع الرئيسي في هذا المقال .

الدلالة الصوتية :

علاقة الصوت بالدلالة يرتبط بطبيعة العلاقة بين الدال والمدلول على اعتبار الصوت دالاً ؛ لأنه يمثل مكوناً شكلياً في اللغة [8] . وكانت هناك العديد من الدراسات حول هذه العلاقة بين الدال والمدلول في العصر القديم والحديث . وفي هذه الدراسات انقسم القدماء والمحدثون إلى فريقين . ويقول الفريق الأول : إن هذه العلاقة طبيعية ، بينما يقول الفريق الآخر : إنها علاقة اصطلاحية .

يعتمد تحديد المعنى وتوضيحه على خواص صوتية معينة ، سواء أكان ذلك على مستوى المعجم أو السيمانتيك [9] . للتغير الصوتي أثر التغير الدلالي ، مثلاً : قال ، نال ، سال ، جال وغيرها . تعتمد تلك الدلالة على صوت الحرف وما يرمز له من معنى . اللغة العربية لها العديد من الكلمات التي تصدر بنغمات مختلفة ، وتدل على معان مختلفة ، قد تتقارب أصوات لفظين ، وتختلفان في صوت واحد ، وهذا يؤدي إلى اتفاق في المعنى العام للفظين واختلافهما في دلالة اللفظ بحسب ما يميله جرس الصوت المختلف بينهما . وقد أورد ابن جنى عدة أمثلة : ومن ذلك : قضم وخضم ، كلاهما يعني الأكل ، فالقضم : أكل الشيئ الصلب اليابس ، والخضم : أكل الرطب ، حيث اختار العرب القاف لصلابتها والخاء لرخاوتها . ” فأخذوا مسموع الأصوات على محسوس الأحداث ” [10] . ومن ذلك نضح ، ونضخ ، النضخ أقوى من النضح لقوة الخاء ، قال الله تعالى : ( فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ )   [ الرحمن : 66 ] ، فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف ، والخاء لغلظها لما هو أقوى منه . ومن ذلك القسم والقصم . فالقصم أقوى من القسم . لأنه القصم يكون معه الدق ، وقد يقسم بين الشيئين فلا ينكه أحدهما ، فلذلك خصت بالأقوى الصاد والأضعف السين . وأيضاً الوسيلة والوصيلة ، سعد وصعد ، سد وصد ، وغيرها . وقد نبه ابن جنى في كتابه              ” الخصائص ” وجود التناسب بين اللفظ ومدلوله ، أي اقتراب الألفاظ لاقتراب المعاني ، ومن ذلك الأز والهز . الهمزة أخت الهاء لتقاربها في المخرج ، وبالتالي تقارباً في المعنى ، فالأز أقوى من الهز ، قال الله تعالى : ( وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً ) [ مريم : 83 ] ، ( وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ )      [ مريم : 25 ] ، ومنه العسف والأسف ، والعين أخت الهمزة ، الهمزة من أقصى الحلق ، والعين من وسط الحلق . والهمزة أقوى من العين ، والعسيف يطلق على الأجير ، والأسيف يطلق على من اشتد به الأسف .

اهتم العلماء ببيان العلاقة بين اللفظ والمعنى ثنائية الألفاظ ، وهي اشتراك الأصول اللفظية الثلاثة في حرفين يشير إلى تقارب المعنى ، فمثلاً : نفث ، نفخ ، نفد ، نفس ، نفع ، نفذ ، المعنى العام المشترك ، هو الخروج والانتقال ، ومثلها : قطب ، قطف ، قطم ، هناك اشترك في المعنى العام وهو الفصل ، وكذلك حجب ، حجز ، حجم ، وفي معنى العام وهو الحجز والمنع .

وقد أشار إلى هذه العلاقة الخليل بن أحمد ( ت – 175هـ ) رحمه الله يقول : صر الجندب صريراً وصرصر الأخطب صرصرةً ، فكأنهم توهموا في صوت الجندب مدا وتوهموا في صوت الأخطب ترجيعاً [11] .

كذلك التنغيم من التأثيرات الصوتية التي قد تغير دلالة التركيب اللغوي بشكل كامل . ومثال ذلك قول الله تعالى في سورة يوسف بعد فقد صواع الملك . ( قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّالِمِينَ ) [ يوسف : 75 ] . فنقرأ الآية في صورتين تنغيمتين ، ( قَالُواْ جَزَآؤُهُ ) بتنغيم الاستفهام . ( مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ) بتنغيم التقرير .

وكذلك من قوله تعالى في سورة الإنسان : ( حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ) [1] ، هنا لا يشير حرف الاستفهام ” هل ” إلى الاستفهام ، دلالة التنغيم هنا التقرير .

هذا النوع من علاقة الصوت والمعنى يبحث في علم اللغة . ومن هذه الدراسات تبين أن اللغة العربية لها الكثير من الارتباط بين المعنى والصوت .

الخاتمة :

وفي الختام يمكن القول أن علم الدلالة وعلم الأصوات فرعان مختلفان من علم اللغة النظري ، إلا أنهما مترابطان . والدلالة هي الصورة الذهنية للأصوات . وإن الدلالة علاقة خاصة بالصوت وعلاقة عامة بالعلوم الأخرى . ومن تعريفات الدلالة يتضح أن الدلالة هي العلاقة بين الدال والمدلول ، هذه هي العلاقة بين الصوت والمعنى ، على اعتبار الصوت دالاً . وتشير الدراسات أن هذه العلاقات طبيعية واصطلاحية . واشترك في دراستها العلماء والباحثون في مجالات مختلفة على حد سواء . والدلالة هي قمة الدراسات اللغوية وأحدثها ظهوراً . ولكن البحث الدلالي لم يكن وليد القرن التاسع عشر . اهتم العلماء بالدلالة منذ القدم واضحة في بحوثهم ومؤلفاتهم . وكان اهتمامهم باللغة عموماً والدلالة خصوصاً . وكذلك ارتباط الدلالة بالأصوات خصوصاً وارتباط العلوم الأخرى عموماً .

صوت الحروف ومخارجها وتنغيمها كلها تؤثر على المعنى . للتغير الصوتي أثر التغير المعنى . تحديد المعنى على خواص صوتية معينة .

* باحثة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كانور .

[1] ابن جنى ( 555 – 392هـ ) هو أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلي من أئمة الأدب والنحو .

[2] د . محمد محمد داود : العربية وعلم اللغة الحديث ، دار غريب ، ، القاهرة ، 2001م ،  ص 43 .

[3] د . أحمد نعيم الكراعين : علم الدلالة بين النظر والتطبيق ، المؤسسة الجامعية ، بيروت ، ط 1 ، 1993م ، ص 84 .

[4] د . محمود السعران : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، المرجع السابق ، ص 291 .

[5] د . حاتم صالح ضامن : علم اللغة ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة بغداد ، ص 72 .

[6] د . غازي مختار طليمات : في علم اللغة ، دار طلاس ، دمشق ، ط 2 ، 2000م ، ص 206 .

[7] د . فايز الداية : علم الدلالة العربي ، دار الفكر ، دمشق ، ط 2 ، 1996م ، ص 6 .

[8] عادل محلو : الصوت والدلالة ، أطروحة ، جامعية الحاج لخضر ، باتنة ، ص 19 .

[9] كمال بشر : دراسات في علم المعنى ، دار غريب ، القاهرة ، 1998م ، ص 109 .

[10] ابن جنى : الخصائص ، المرجع السابق ، ص 33 .

[11] الخليل بن أحمد : كتاب العين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 1 ، 2003م ، ص 56 .