علامة الأمة وأحد أعلام الأدب الإسلامي

صورة صادقة للأسوة المحمدية
نوفمبر 19, 2023
قطرات من بحر العلم والمعرفة
نوفمبر 19, 2023
صورة صادقة للأسوة المحمدية
نوفمبر 19, 2023
قطرات من بحر العلم والمعرفة
نوفمبر 19, 2023

علامة الأمة وأحد أعلام الأدب الإسلامي

بقلم : الدكتور الأمين قروي ( الجزائر )

قال تعالى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) صدق الله العظيم .

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين ، وبعد فبانتقال سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي للرفيق الأعلى نعزي أنفسنا أولاً وأهل الشيخ وتلامذته وأهل العلم والدّعوة والعاملين في خدمة الإسلام وأمتنا الإسلاميّة جمعاء ، ونتضرع إلى الله تعالى أن يتقبّل الشيخ بقبول حسن ، وأن يرزقه الفردوس الأعلى برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصّالحين ، وأن يربط على قلوب أهله وأحبابه ، وأن يعوّض المسلمين وأهله بفقده خيراً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

لقد كان من فضل الله تعالى علي أني التقيت مرتين بسماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي بدار ندوة العلماء لكنؤ الهند بفضل أخي الأستاذ الدكتور محمد فرمان الندوي ، حيث قمت بنقل رسالة وهدية شيخنا الطاهر بدوي الجزائري – شفاه الله –  المتمثلة في : ” هدي الباري لسماع صحيح البخاري ” ، وهو تسجيل صوتي لشيخنا تلاوة كاملة لصحيح البخاري ” ، وأيضاً ” الشرح الداني لجوهرة الإمام اللقاني ” وهو شرح مفصل لجوهرة الإمام اللقاني في ضوء الكتاب والسنة . وقد أعجب سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي بهدية شيخنا الطاهر بدوي الجزائري ، وأثنى عليه ودعا له وأجازه بأن يصبح من كتاب مجلة ” البعث الإسلامي ” . استأثرتْ بأستاذنا سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمةُ الله في المرة الثانية ، وكان منهمكاً في تتبع أحوال المسلمين لقد كان تعامله معي بمثابة الأب العطوف والأستاذ المعطاء والشيخ المربي ، كيف لا ، وهو وريث خاله أبي الحسن الندوي رحمه الله حلماً وعلماً ورفقاً وإحساناً ومقاماً ، وصدق فيهم كلام شيخنا الطاهر بدوي الجزائري في كتابه ” رسالة إلى لبيب ” باب ” القضاء والإمامة عدل ” حيث قال : ” . . . فإذا شاهد الناس فيك الإحسان فأنت حبيب الرحمن ، لأن الناس شهداء الله في الأرض ، ولا يتم لك ذلك إلا بصبرك على مخالفة نفسك وأذى الناس الذين إن مدحوك غروك ، وإن ذموك أفشلوك . وألزم صحبة الأخيار وحلق ذكر الله البر الرحيم ، وامح دوماً سيئاتك بالاستغفار لتكون من الذين يدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جزاء امتثالهم لأمر نبيهم صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : ” اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ” . وليصاحبك الرفق والحلم والفقه في الدين كلما نهيت عن منكر أو أمرت بمعروف ، ولا تكن من المتنطعين المشددين على الأمة المحمدية . . . ” انتهى كلام شيخنا .

أما بالنسبة للأدب فإن سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله من الأعلام المتفردين في الأدب الإسلامي حالاً ومقالاً ، ولعلي أبرز إبداعاته في مجال الأدب الإسلامي كما قال الأستاذ الدكتور حلمي محمد القاعود : ” . . . تأليفه لكتابين الأول بعنوان ” الأدب الإسلامي وصلته بالحياة ” ، مع نماذج من صدر الإسلام ، والثاني : ” أضواء على الأدب الإسلامي ” ، وفي الكتابين تتبلور رؤية سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي لفكرة الأدب الإسلامي ، انطلاقاً من استخدام السلف نصاعة التعبير في الموضوعات العلمية والتعليمية ، فضلاً عن الأدبية ، وموضحاً أنه من الظلم أن يزعم رجل أن معاني الأخلاق والدين إذا دخلت في كلام زالت عنه السمة الأدبية ، مع أن الأخلاق والدين وسيلة لتحسين الحياة الإنسانية وتهذيبها ، وتنال منهما الحياة الجمال والطهارة ، فضلاً عن كون الإسلام يجمع الدين مع الدنيا ، والدنيا مع الدين . لقد أصبح الفن أسيراً في أيدي النفعيين والمستغلين ، يسخرونه لأهوائهم وشهواتهم ، ويرفضون ما يأتي من أهل الصلاح والاستقامة ، وينفون عنه صفة الأدب حتى ظن بعض الناس أن الأدب لا صلة له بالدين والاستقامة ، فكانت الحاجة ماسةً إلى أن تقوم حركة لتحرير الأدب من هذا الأسر ، وإبراز صلته بالحياة مع موافقة السيرة الإسلامية والاهتداء بهدي القرآن ، وبيان الرسول عليه الصلاة والسلام ، بحيث يكون الأدب جامعاً بين المتعة والفضيلة ، وبين الجمال والخير ، وبين التأثير والتزام الحق . . . ” . انتهى كلام الشيخ .

لقد تتبع سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله سيرة السلف من مؤسسي ندوة العلماء ، حيث أبعد الدار عن الاختلافات السياسية والمذهبية والعصبيات المنطقية في دوائر أعمالها ونشاطاتها ، وإذا حدث شقاق في أي ناحية من نواحي البلاد – الهند – أو خارجها حاول إزالتها ومحو آثارها ، ولقد نأى بنفسه من المساهمة في سياسة البلاد عملياً ، لأنها تقوم على الاختلاف الداخلي والطبيعة الحزبية ، لكنه بالمقابل كان رئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند والمرجعية الإسلامية التي لا يختلف عليها اثنان ، لأن عمله هذا كان مبنياً على الإخلاص والنصيحة فلا ينبعث في نفس المخاطب ردة فعل ، كما أنه كان يخاطب الأمة الإسلامية كلها فلا ينظر إلى القضايا بنظرة ضيقة ، ولم يكن منهجه هذا موافقاً لأهداف ندوة العلماء فحسب ، بل كان مقتبساً من السيرة النبوية الشريفة ذلك المنهج الذي اختاره طبعاً من طول اشتغاله بالدعوة والإصلاح والتعليم .

رحل الإمام المتفرد وعلامة الأمة وأحد أبرز أعلام الأدب الإسلامي في عصرنا  ، بعد قرنٍ حافل بخدمة الدين الإسلامي ونشر العلم الصحيح وجمع كلمة المسلمين ، ملبياً نداء الله جل في علاه ، وذلك بعد 93 عاماً أوقفها على نشر العلم والدّعوة إلى الله تعالى وتربية الأجيال ، والعمل الإسلاميّ الدّؤوب ، ونصرة قضايا الأمة . رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى وغفر لنا وله  . . . آمين .

المراجع :

  1. https://ar.wikipedia.org/
  2. الشيخ الطاهر بدوي الجزائري  www.cheikhbadaoui.org
  3. https://sunnionline.us
  4. جريدة الخبر الجزائري