عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الحلقة الأولى )

لمن الحق اليوم
مارس 3, 2024
حذاري ثم حذاري
أبريل 27, 2024
لمن الحق اليوم
مارس 3, 2024
حذاري ثم حذاري
أبريل 27, 2024

الدعوة الإسلامية :
عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم
( الحلقة الأولى )
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي
والحق الثاني علينا تجاه النبي – صلى اللّه عليه وسلم – بعد الإيمان به تعظميه وتوقيره ، فقد أكرمه اللّه سبحانه وتعالى من الرتبة العالية والمنزلة السامية بما لم يكرم بها أحداً من الخلق أجمعين .
فيلزم كل مسلم أن يعتقد بذلك اعتقاداً جازماً ، كما أسلفنا ذكره بإسهاب في باب الإيمان .
ومما يمتاز به سيدنا محمد – صلى اللّه عليه وسلم – أنه أكرم بالمقام المحمود وأعطي حق الشفاعة العظمى ، وعُرج به إلى السماوات العلى وخُتمت به النبوات ، وشريعته التي بُعث بها شريعة أخيرة دائمة ، وأمته أعظم أمة يفتخر بها يوم القيامة . فقد قال صلى اللّه عليه وسلم : إني مكاثر بكم الأمم . ( سنن ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب ما جاء في فضل النكاح : ١٨٤٦ ) .
وكانت بعثته عليه الصلاة والسلام بعثةً مقرونةً ، فإن أصحابه نيطت بهم مهمة الدعوة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . يقول اللّه تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ) [ سورة آل عمران : ١١٠ ] . وقال صلى اللّه عليه وسلم : إنما بعثتم ميسرين ، ولم تُبعثوا معسرين . ( سنن أبي داود ، كتاب الطهارة ، باب الأرض يصيبها البول : ٣٨٠ ) .
الشفاعة العظمى والمقام المحمود :
إنه صلى اللّه عليه وسلم سيد الخلق أجمعين ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، فقد أكرم بالمقام المحمود كما ذكر القرآن : ( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) [ سورة الإسراء: 79 ] .
ومُنح حق الشفاعة الذي رواه عديد من الصحابة في مختلف الأحاديث الصحيحة ، وتبين مما ورد في شفاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم أن لها أنواعاً متعددةً :
النوع الأول : وهو الذي يتمثل في صورة الشفاعة العامة ، وورد بذكرها كثير من الأحاديث الصحيحة . وقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم في هذا الباب روايات متعددة عن أبي هريرة وأنس بن مالك وجابر ابن عبد اللّه وحذيفة رضي اللّه عنهم ، ومنها ما أخرجه البخاري في صحيحه .
” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ منها نَهْسَةً ثُمَّ قالَ : ” أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ ؟ يُجْمَعُ النَّاسُ – الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ – فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ ، فَيَقُولُ النَّاسُ : أَلا تَرَوْنَ ما قَدْ بَلَغَكُمْ ، أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ : عَلَيْكُمْ بِآدَمَ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ : أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ، أَلا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلا تَرَى إِلَى ما قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ آدَمُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، إِنَّهُ نَهَانِي عن الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إلى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ . فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ : يَا نُوحُ ، إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْداً شَكُوراً، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ، أَلا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا على قَوْمِي ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إلى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إلى إِبْرَاهِيمَ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ : يَا إِبْرَاهِيمُ ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذَبَاتٍ – فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ – نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إلى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إلى مُوسَى . فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فَيَقُولُونَ : يَا مُوسَى ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ على النَّاسِ ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ، أَلا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُوْمَرْ بِقَتْلِهَا ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إلى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إلى عِيسَى . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ : يَا عِيسَى ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ، اشْفَعْ لَنَا، أَلا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ عِيسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ – وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً – نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إلى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ، أَلا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ على أَحَدٍ قَبْلِي ، ثُمَّ يُقالُ : يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَرْفَعُ رَأسِي فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ . فَيُقالُ : يَا مُحَمَّدُ ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ” . ثُمَّ قالَ : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ما بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ : كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ” .
وتُفتح بفضل شفاعته صلى اللّه عليه وسلم الأبواب فيدخل الجنة أهلُها والنار أهلُها .
النوع الثاني : وهذه الشفاعة تكون حينما يجيز الناس الصراط ، مما أثبتته الأحاديث الصحيحة ، ويكون شعارجميع الأنبياء والأولياء والمؤمنين والصالحين حينئذٍ : ” ربّ سلّم سلّم ” كما جاء في حديث متفق عليه ، ويسهل بفضل شفاعته ودعوته على كثير من الناس مروره .
النوع الثالث : وهو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم يشفع للمؤمنين من أمته بعد أن دخلوا النار . ولهذه الشفاعة مراحل متعددة حسب الأعمال ، ففي المرحلة الأولى تخرج جماعة من الناس من جهنم ، وكذلك في المرحلتين الثانية والثالثة ، حتى يخرج في آخر المراحل من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، كما ورد ذلك مفصلاً في صحيح الآثار .
وللشفاعة نوع آخر ، وهو شفاعته صلى اللّه عليه وسلم لمن مات على الكفر والشرك في تخفيف العذاب عنه .
ومن ذلك ما ورد في شفاعته صلى اللّه عليه وسلم لعمه أبي طالب .
” عن عبد اللّه بن الحارث قال سمعت العباس يقول : قلت يا رسول اللّه ! إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك ؟ قال نعم ؛ وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضخضاخ ” . ( كتاب الإيمان ، باب شفاعة النبي لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه : ٥٣٢ ) .
المعراج فضل عظيم ومعجزة إلهية :
وقد عُرج بالنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى السماوات العلى ليرى من آيات ربه الكبرى وعجائب قدرته العظمى ويرى الجنة والنار فبلغ ما شاء اللّه أن يبلغ ، وأعظم ما في هذه الرحلة أن اللّه سبحانه وتعالى قد دعا نبيه إليه فأدناه منه ، وكانت هذه الرحلة بالجسد والروح ، ونزلت سورة كاملة سُميت بالإسراء ، تتحدث آياتها الأولى عن رحلته من مكة المكرمة إلى البيت المقدس :
يقول سبحانه تعالى : ( سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ، إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ) [ سورة الإسراء : ١ ] .
ويقول تعالى في سورة النجم عن رحلته من الأرض إلى السماء : ( وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ . وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ . عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ . ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ . وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ . ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ . فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ . مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ . وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ . عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ . عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ . إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ . مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ . لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ ) [ سورة النجم : 1 – 18 ] .
خاتم النبيين :
إن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين خُتمت به النبوات والرسالات كما أبان اللّه تعالى ذلك قائلاً : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) [ سورة الأحزاب : 40 ] .
ولا يقتصر نطاق رسالته على أمة من الأمم ، أو على جماعة دون أخرى ، ولا يُحد نطاقها كذلك بزمن من الأزمان ، بل إن رسالته رسالة سرمدية خالدة شاملة . قال تعالى : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) [ سورة المائدة : 3 ] .
صاحب الكوثر صلى اللّه عليه وسلم :
ومن عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم كذلك أن الله تبارك وتعالى أعطاه الكوثر ، فأنزل سورةً باسمه . يقول تعالى : ( إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ ) .
الكوثر هو خير كثير ، والمراد به في الآية الشريفة بصفة خاصة الحوض الذي أنعم اللّه على نبيه الحبيب صلى اللّه عليه وسلم بإعطائه فيسقي منه أمته ، ثم أمر اللّه تعالى نبيه الخليل صلى اللّه عليه وسلم بعملين مهمين عظيمين – هما الصلاه والنحر – شكراً له على ما أعطاه من نعمة جسيمة في صورة الكوثر ، وأخبر أن عدوه المبغض هو المقطوع الأبتر الأذل الذي قُطعت أسباب سعادته ، وأن الرسالة التي جاء بها محمد صلى اللّه عليه وسلم دائمة خالدة وأن أتباعه يبقون دائماً في كل زمان ومكان . ولا يخفى على العالم ما أصاب المستهزئين بشخصية النبي صلى اللّه عليه وسلم والمعتدين في شأنه والمؤذين الشاتمين له وأي منقلب انقلبوا ولا يخفى كذلك استعداد أتباعه كل لحظة ليفدوه بأنفسهم ونفائسهم وانتشار ذريته في أرجاء العالم كلها .
ورفعنا لك ذكرك :
خاطب اللّه تعالى نبيه في القرآن الكريم بأساليب متنوعة ، ووقره في ندائه بطرق رائعة جميلة ، فالقرآن أكبر دليل على عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم وسمو منزلته ، ولكن بعض سوره خاصة بمثابة منارة لعظمة للنبي صلى الله عليه وسلم وعلوه . فمن بين هذه السور ” سورة الشرح ” التي خصها اللّه سبحانه وتعالى لإبانة رفع ذكره وإعلاء مقامه وكشف فضيلته .
وقد أوضح تعالى ذلك بأسلوب يتجلى به للعالم ما كتب للنبي صلى الله عليه وسلم من علو وعظمة وكرامة .
ثم قام في هذه السورة بإدراج تلك الآية الكريمة العظيمة معلناً ” وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ” ، وهذه الآية الشريفة منارة شامخة لعظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ورفعته .
والعالم قد رأى بأعينه انتشار ذكره في الآفاق وذيوع اسمه في الأرض والسماوات حتى يرفع اسمه من كل منارة من منارات المساجد التي تنتشر في كل بقعة من بقاع العالم .
يقول الشاعر :
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وقد كشفت لنا دراسة جديدة أنه لا تمر لحظة من اللحظات إلا ويرفع فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم بنداءات الأذان من منارة من منارات مساجد العالم ، فأعلى اللّه ذكره في العالم أجمع ، شرقه وغربه ، شماله وجنوبه ، وأشاع دينه في مشارق الأرض ومغاربها ، ولم يوجب للأمة ذكره في خطب الجمعات والأعياد فحسب ، بل ربط اسمه بكل شأن من شؤون دين الإسلام ، فالكتب التي صنفت في سيرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وقصائد المدح ( النبويات ) التي قيلت في شأنه صلى اللّه عليه وسلم مثبتة لما أعلن اللّه تعالى عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم بقوله ” وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ” .
فما نراه في المدارس الإسلامية من عكوف الطلاب واهتمامهم بدراسة الأحاديث النبوية وما نسمعه في المساجد من ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم وآثاره على المنابر ما هو إلا تمثيل لمعنى الآية ” وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ” .
( للحديث بقية )