الهجرة النبوية : حادث في التاريخ كبير
يوليو 3, 2024رقم سبعة في القرآن والحديث
أغسطس 3, 2024الدعوة الإسلامية :
عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم
( الحلقة الرابعة )
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي
تعظيمه صلى اللّه عليه وسلم بالكلام :
ظن اليهود أن خاتم النبيين الذي وُعد بإتيانه في صحفهم السماوية ، يكون من بني إسرائيل ، وكانوا على يقين بنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فعندما كان من بني إسماعيل لم يسلموا رسالته من أجل ما كان في قلوبهم من عصبية وعناد ، بل إنهم سعوا دائماً أن يؤذوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإذا جاءوا مجالسه لم يسمعوا ما قاله بل فعلوا أفاعيل فاحشةً خبيثةً سيئةً ، وكان المؤمنون حينذاك يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ” راعنا ” أي راع أحوالنا حتى نفهم كلامك ونحفظه بشكل جيد ، ويقصدون به معنى صحيحاً . ولكن اليهود قد تجاوزوا الحدود الخلقية ، وقالوا ” راعينا ” يعنون به راعياً من رُعاة الغنم أو يقصدون نسبته إلى الرعونة . فنهى اللّه سبحانه وتعالى عن استخدام هذه الكلمة ، وقال : ” قولوا انظرنا ” كي لا يجد اليهود بذلك سبيلاً إلى الحط من شأن الرسول صلى اللّه عليه وسلم وشتمه ، قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ البقرة : ١٠٤ ] .
النهي عن كثرة السؤال :
وقد نهي المؤمنون عن كثرة السؤال للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء ليست مما يعني ولا ينفع في أمر الدين ، فإن ذلك يتسبب في إيذاء الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وينافي عظمته ومقامه صلى الله عليه وسلم . ويؤدي إلى ضر السائل ، ويتجاوز ضره منه إلى الأمة بأسرها . ويُخشى بكثرة السؤال أن يشدد في الأمور ، فيفرض ما لم يفرض ويحرم ما لم يحرم .
عن علي رضي اللّه قال : لما نزلت هذه الآية ( وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قالوا يا رسول اللّه ! أفي كل عام ؟ فسكت ثم قالوا : أفي كل عام ؟ فسكت ثم قالوا : أفي كل عام ؟ قال : لا ، ولو قلت : نعم لوجبت . فأنزل اللّه : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) ( أخرجه الحاكم : ٣١٥٧ ) .
ويقول تعالى في موضع آخر : ( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ) [ البقرة : ١٠٨ ] .
ولما أُمر بنو إسرائيل بذبح البقرة كان الأمر سهلاً جداً ، لكن بني إسرائيل أكثروا السؤال فتعمقوا فيه من المواصفات ، فشددوا على أنفسهم كما شددوا بسؤالهم المستمر على نبيه وآذوه . وكان يبدو منه أنهم لا يريدون بسؤالهم اهتداءاً إلى الحق ووصولاً إلى الصواب . فأنزل اللّه تعالى : ( وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) [ البقرة : ٧١ ] .
ومنع اللّه سبحانه وتعالى المسلمين كذلك من السؤال عن أمور لا حاجة لهم بها ، فإنها إن ظهرت لهم ساءتهم ، ولأن مثل هذا السؤال كان منافياً لعظمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ، فكان لابد للمسلمين أن يتجنبوه كل الاجتناب .
مراعاة النبي صلى اللّه عليه وسلم واجبة على الأمة :
وبعد زواجه من زينب بنت جحش رضي اللّه تعالى عنها اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة الوليمة ودعا إلى طعامها ، فطعموا ، وبقي بعد انصراف الناس رهط منهم ، حتى أطالوا المكث ، فتأذى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، واستحيى من أن يقول لهم شيئاً ، وكان الحجاب لم يفرض بعد ، فصوّر القرآن الكريم كل ذلك وأكد ما يجب على الأمة من مراعاته صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً ) [ الأحزاب : ٥٣ ] .
فالمعنى الذي يتمحور حول هذه الآية أنه يجب الامتناع عن كل ما يؤذي النبي صلى اللّه عليه وسلم كل الامتناع . فإن إيذاء النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر خطير يتسبب في حبط الأعمال ، ويؤدي إلى خروج الإيمان . وفي هذه الآية أتى اللّه تعالى بحكم فرض الحجاب ، وأوضح أنه لا يحل لأحد أن يتزوج نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم . فإن ذلك يؤذي النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى جعله اللّه تبارك وتعالى إثماً عظيماً . فإن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم كلهن أمهات المسلمين الطاهرات اللاتي يتبوأن مكانةً كبيرةً في الإسلام ، لا يبلغها غيرهن من النساء .
ومن أهم الحقوق علينا تجاه النبي صلى اللّه عليه وسلم أن نتجنب كلَ عملٍ يعارض تعظيمَ النبي صلى اللّه عليه وسلم وتوقيره ، ونقوم بمراعاته بغاية من الاهتمام .
وقد أمر المسلمون في البداية بأن يقدّموا – كلَما أرادوا أن يناجوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم – صدقةً تزكي قلوبَهم وتطهر أذهانَهم ليتأدبوا ويعرفوا ما للتحدث مع النبي صلى اللّه عليه وسلم من أهمية وخطورة . يقول تعالى : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [ المجادلة : ١٢ ] . ثم نسخ اللّه هذا الحكمَ بقوله : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [ المجادلة : ١٣ ] .
ونظراً إلى هذه الآية الشريفة يقول بعض العلماء اليوم : إذا سنحت لأحد فرصة المثول بين يدي الرسول صلى اللّه عليه وسلم وفرصة تقديم الصلاة والسلام على النبي صلى اللّه عليه وسلم عند قبره ، استُحب أن يقدم صدقةً ، وذلك له أمر محبوب ومندوب ، وذلك خير له وأطهر .
لعنة اللّه على إيذائه صلى اللّه عليه وسلم :
ولنعلم أن اللّه سبحانه وتعالى كما أمر بتعظيم نبيه صلى الله عليه وسلم نهى عن إيذائه ، وهذا يشمل كلَ ما يؤذي النبي صلى اللّه عليه وسلم من قول وفعل وسب وشتم وطعن وشين ، مما يعتاده اليهود والكفار والمشركون فكانوا يحاولون الحط من شأن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ويؤذونه ويعيبونه ويطعنون في شخصيته . فإن عظمته ومحبته ليست علامة الإيمان فحسب ، إنما هي أساس لدين الإسلام ومراعاتها من واجبات أهل الإيمان . يقول تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) [ الأحزاب : ٥٧ ] .
ومن قبايح المنافقين أنهم كانوا يؤذون النبي صلى اللّه عليه وسلم ويتآمرون عليه ويتشاورون فيما بينهم من أجل القضاء على دينه ، ويقولون له ما لا يليق بجنابه الشريف عليه الصلاة والسلام ، فإذا قال أحدهم : يجب أن لا نفعل كذا ، فإننا نخاف أن يبلغه عنا ، قالوا : لا نكترث بما نقول . فإذا دخلنا عليه واعتذرنا إليه وحلفنا له صدّقَنا ، فإنه يسمع من كل أحد . يقول تبارك وتعالى : ( وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ التوبة : ٦١ ] ، فأبان اللّه تعالى أنه من رحمة النبي صلى اللّه عليه وسلم وشفقته أنه يسمع كلَ أحدٍ ، ولكنه يميز بين الخير والشر ويفرِّق الحقَ من الباطل ، والذين يعيبون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويشتمونه ويؤذونه بأي نوع من أنواع الإيذاء لهم عذاب موجع أليم ، وعليهم لعنة شديدة أكيدة في الدنيا والآخرة .
وكان من أشد المشركين عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة أبو جهل بن هشام ، وكان سيداً من سادات قريش يتكبر ويعلو ويسعى دائماً إيذاء رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ومن صور العداء الشديد من أبي جهل للنبي صلى اللّه عليه وسلم ما ذُكر في سورة العلق . يقول تعالى : ( أَرَأَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ . عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ . أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ . أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ . أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ . أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ . كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ . نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ . فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُو ٱلزَّبَانِيَةَ . كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب ) [ العلق : ٩ – ١٩ ] .
ومن فضايح أبي جهل ما رواه عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه فقال : بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جذور بالأمس فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلا جذور بني فلان ، فيأخذه فيضعه في كتفَي محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلما سجد النبي صلى اللّه عليه وسلم وضعه بين كتفيه ، قال : فاستضحكوا ، وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر ، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة ، فجاءت وهي جويرية ، فطرحتْه عنه ثم أقبلت تشتمهم ( صحيح مسلم : ١٧٩٤ ) .
ومنها ما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس قال أبو جهل : لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأنّ على عنقه فبلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : لو فعله لأخذته الملائكة …. ( صحيح البخاري : ٤٩٨٥ ) .
ومن مواقف عدائه للنبي صلى اللّه عليه وسلم ما رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه فقال : قال أبو جهل : هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال : فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، أو لأعفرنّ وجهِه في التراب ، فأتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي ، زعم ليطأ على رقبته ، قال : فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، قال : فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحةً ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً ( صحيح مسلم : ٢٧٩٧ ) .
وفي الآية الأخيرة من سورة العلق يخاطب اللّه نبيه الحبيب صلى اللّه عليه وسلم بغاية من الحب واللطف ؛ يا محمد ! لا يستطيع أحد منعك عن العبادة للّه تبارك وتعالى ، فلا تخف ولا تحزن ، وأنا معك حيث ما كنت ، فكن مواظباً على السجود والركوع تتقرب بذلك من ربك الشكور .
يقول تعالى : ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ . ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
فليرتدع هؤلاء الكفرة الفجرة مما يقترفونه من جرائم شنيعة بإيذاء أفضل البشر والإساءة إلى أقدس الخلق أجمعين صلى اللّه عليه وسلم .