نجاة المؤمنين : دراسة علمية في ضوء حديث : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ( الحلقه الأولى )
يوليو 3, 2024اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد ( الحلقة الأولى )
يوليو 3, 2024الدعوة الإسلامية :
عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم
( الحلقة الثالثة )
الشيخ السيد بلال عبدالحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي
إمام الأنبياء والرسل :
ومن عظمة النبي – صلى اللّه عليه وسلم – أن اللّه تبارك وتعالى جعله إماماً لجميع الأنبياء والرسل ، فقد قام بإمامتهم بالمسجد الأقصى عندما عرج به إلى السماوات العلى . وقد صرح المفسرون بأن اللّه تبارك وتعالى نبّأ كل نبي من أنبيائه بإتيان نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وأمره بأن يؤمن به إن شهد زمانه وسعد برؤيته أو لقائه ، قال اللّه تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُمْ مِّنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ ) [ آل عمران : 81 ] .
وأمر كل نبي كذلك أن يوصي بذلك أتباعه وأنصاره ، ويلقنه من يأتي بعده . فقد جاء في القرآن : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِى إِسْرَائِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ ) [ الصف : 6 ] .
وقد قدّم الله سبحانه وتعالى نبيه الحبيب – صلى اللّه عليه وسلم – على الأنبياء الآخرين في الذكر . ونقدم هنا آيتين كريمتين على سبيل المثال . يقول تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ) [ الأحزاب : 7 ] . ويقول : ( إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ … ) [ النساء : 163 ] .
ومما يدل على عظمته كذلك أن اللّه سبحانه وتعالى قرن محبته باتباع نبيه الحبيب – صلى اللّه عليه سلم – فقال : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [ آل عمران : 31 ] .
فأبان تعالى في الآية الشريفة أن من يريد منكم أن ينال محبة اللّه ، لا بد له أن يسلك مسلك النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ و يتبعه في كل شأن من شؤون الحياة .
ومن عِظم مكانة النبي – صلى اللّه عليه وسلم – أن الله تبارك وتعالى لم يناده باسمه ، بل دعاه قائلاً ” يا أيها الرسول ” حيناً ، وخاطبه مسمياً ” يسين وطه ” حيناً آخر .
” عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال في كلام بكى به النبي – صلى اللّه عليه وسلم – فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله : لقد بلغ من فضيلتك عند اللّه أنه بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم ؛ فقال : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ) [ الأحزاب : 7 ] .
بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ! لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك و هم بين أطباقها يعذبون يقولون : ( يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولَاْ ) [ الأحزاب : 66 ] ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى ، الفصل السابع ، ص : 85 ، ط : وحدة البحوث والدراسات ، الطبعة الأولى ، 1434هـ ) .
تعظيمه في المعاملة والسلوك :
وكان من شأن عظمته ومقتضى محبته أن نعظمه ونوقره ، ولا نعامله كما نعامل الناس الآخرين . والصحابة الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين – خير نموذج لنا في هذا الأمر ، فقد أحلوا عظمته بقلوبهم ، وأحبوه حباً لا نجد مثله لأحد في صفحات تاريخ البشرية ، وتشهد بذلك كثير من الأحداث . وقد شدّد القرآن الكريم كذلك على احترامه وتعظيمه حتى عدّ أدنى إساءة إلى شأنه كفراً . وقد خاطب اللّه سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) [ الحجرات : 1 – 2 ] .
وهذا الخطاب لم يوجه إلى الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – فحسب ، إنما يشمل الأمة المحمدية بأسرها .
ومن أجل تمكين عظمة النبي – صلى اللّه عليه وسلم – من القلوب وترسيخه في الأذهان والعقول ، جمع الله سبحانه وتعالى في الآية الشريفة بين ذكر عظمته وذكر عظمة نبيه الحبيب – صلى الله عليه وسلم – ، وصرح بأن أكبر حق يجب أداؤه على المؤمن هو حق الله تعالى وحق رسوله – عليه الصلاة والسلام – ، وينبغي له أن يراعي ذلك في كل لحظة من لحظات الحياة . فلننظر أن هذا الخطاب وإن كان موجهاً إلى المؤمنين الأوائل ، وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، كما يؤيد ذلك ما ذُكر في نزول هذه الآيات من الأحداث ، لكن من أصول ذوي العلم والفقه أن ” العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ” يعني ذلك أن الاعتبار يكون بعموم الألفاظ من غير تخصيص الحكم بسبب معين أو بحدث خاص ، فالمعنى يشمل المسلمين جميعاً ، ويغشى الأزمان كلها ، لا يختص بزمن دون غيره و لا بأفراد بعينهم .
فينبغي للمسلم أن يفكر كثيراً قبل أن يقوم بعمل ، فلا يخضع لرغباته وشهواته ، ففي كل مرحلة من مراحل الحياة يجب على المؤمن أن يتأمل كثيراً عند اتخاذ قرار أن لا تكون عظمة أحد غير اللّه ونبيه متمكنةً من قلبه وأن لا يكون هوى النفس هو الدافع ، وأن لا يكون حب العادات والتقاليد قد احتل من قلبه مكاناً مما يُصعّب عليه التمسك بالعروة الوثقى واتباع شريعة اللّه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم .
وهذه الآية الشريفة إعلان صريح عام بأنه يجب على المؤمنين الصادقين أن يفضلوا حق الله تعالى وحق رسوله العظيم – صلى الله عليه وسلم – في كل ساعة من ساعات الحياة ، ويجعلوا أداءهما نصب أعينهم .
وإن الله سبحانه وتعالى جعل الاهتمام باحترام النبي – صلى الله عليه وسلم – ومراعاة عظمته مقياس التقوى فأكد ذلك قائلاً ” وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ” فمن كان النبي – صلى اللّه عليه وسلم – في قلبه عظيماً ، سهل له الاتباع ، ورافق الإخلاص جميع أعماله .
ولابد كذلك لكل من الحب والعظمة والطاعة أن يكون بحقيقته لا بصورته فحسب ، فنبه قائلاً : إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
إساءة إلى النبي الكريم صلى اللّه عليه وسلم من مقدمات الكفر :
وقد أوضح ذلك جلياً بقوله : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ … ) [ الحجرات : 2 ] .
ويعيد اللّه سبحانه وتعالى بهذه المناسبة في الآية التالية قوله : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ) ليتنبه المؤمنون ويعرفوا أن كل ما يقال في الآية جزء من الإيمان ، ولابد للمؤمنين أن يراعوا ذلك كله صيانةً لنعمة الإيمان التي مُنَّ بها عليهم ، فإن من سعد بالنعمة وعرف قيمتها لم يصعب عليه حفظها .
وما أجمله اللّه سبحانه وتعالى في الآية الأولى بعموم ، فصّله في الآية الثانية حتى يتجلى الأمر . . ورغم أن العرب كانوا يعتادون الجهر بالكلام ، أمرهم الله سبحانه وتعالى أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت نبيهم ، وجعل ذلك إساءةً إلى النبي الكريم – صلى اللّه عليه وسلم – حتى حذّر قائلاً : أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ .
فإذا كان الجهر بالكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم إساءةً إلى شأنه فإن مخالفة أحكامه وتجنب اتباعه ، يعتبر أعظم إساءة إليه . بل رفض اللّه سبحانه وتعالى وجود الإيمان في من يخالف الرسول عليه الصلاة والسلام ويميل عن تحكيمه في قضايا الحياة ، فصرّح تعالى بذلك قائلاً : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) [ النساء : 65 ] .
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن تعاليمه ورسالاته باقية تستطيع هداية البشرية في كل زمن من الأزمان ، ولها في شخصية النبي عليه الصلاة والسلام أسوة تميز لها طريق الحق والإيمان من طريق الضلال والظلام ، وهي جديرة بأن يُتأسى بها في كل زمان ومكان .
فعلى كل فرد من أفراد الأمة أن يعظم كل شيئ يتصل بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعتني به اعتناءً بالغاً .
فمن مقتضيات الإيمان والتقوى أن يحترم المسلمُ مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – ويخفض فيه صوته ويفضل تعاليمه على ميوله ورغباته وشهواته في كل لحظة من اللحظات ، وينبغي أن يهين في عينه كل شيئ دون حكم النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى اختاره رسولاً عظيماً وجعل طريقه سنةً دائمةً خالدةً تضمن سعادة كل طبقة من طبقات البشرية . . وإن عظمة الرسالة المحمدية في قلب المرء تبعثه على الطاعة والانقياد الذي هو مجبول عليه ، فكل امرئ يطيع ، وطاعته تنجيه أو ترديه ، أما الذي يقصر طاعته على اللّه ورسوله فهو على سواء الصراط . ثم حذر اللّه تعالى من عاقبة سوء الأدب مع نبيه فقال : أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ .
فتبين أن هذه الإساءة من الجهر بالكلام ورفع الصوت فوق صوت النبي – عليه الصلاة والسلام – يتسبب في ضياع جميع الأعمال الصالحة وإنما يكون ضياع الأعمال بعد الكفر والشرك ، فيعني ذلك أن رفع الصوت والجهر بالكلام وإن لم يكن من الكفر الفاحش ، لكن هذا من تلك الأعمال الشنيعة النكراء التي توصل من يمارسها إلى الكفر والشرك .
فالإساءة ولو كانت تبدو هينةً في عين صاحبها ، ولكنها تنمو وتربو في قلبه متدرجةً وتدنو به من حدود الكفر ثم تخرج به من حظيرة الإسلام إلى متاهات الظلام . وإلى ذلك أشار فقال : ( وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) .
فإن ذلك يحدث تدريجياً وتضيع أعمال الإنسان وهو لا يشعر بخطورة ما يقوم به .
فعلينا أن نستعرض أحوالنا ونفكر في أعمالنا ونتأمل أفكارنا ونظراتنا ، ولا نفضل شيئاً في عمل من أعمالنا على أحكام الرسول عليه الصلاة والسلام في ساعة من ساعات الحياة .
( للحديث صلة )