منهج التجديد والتيسير في الفقه الإسلامي عند الشيخ يوسف القرضاوي
أبريل 27, 2024إنكم لمن المقربين
مايو 4, 2024الدعوة الإسلامية :
عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم
( الحلقة الثانية )
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي
مما يدل على عظمة النبي – صلى اللّه عليه وسلم – أن الله تبارك وتعالى قرن ذكر نبيه – صلى اللّه عليه وسلم – بذكره في مواطن كثيرة من القرآن الكريم، وأعلن أن من أطاع رسوله فقد أطاع اللّه ، ومن عصاه فقد عصى اللّه، يقول الله تبارك وتعالى : ( مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) [ سورة النساء ، الآية : 80 ] .
ولما أمر الله تعالى نبيه – صلى اللّه عليه وسلم – بإعلان طاعته ، أعقبه بأمر طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم فيقول : ( قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ) [ سورة آل عمران ، الآية : 32 ] .
حرب من اللّه و رسوله :
وإن الربا من أكبر الكبائر ومن أقبح السيئات ، ومن أشنع الآثام ، وقد شدد اللّه سبحانه وتعالى النهي عن المعاملة بالربا ، لما فيه من ضرر فادح يلحق بالفرد والمجتمع . ” وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا ” ، ويقول تعالى : ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [ سورة البقرة ، الآية : 279 ] .
فعندما أعلن اللّه تعالى الحرب على من لا ينتهي عن هذا الكسب الخبيث ، جعلها حرباً من نفسه ورسوله أيضاً .
براءة من اللّه ورسوله :
وربط تعالى كذلك اسم النبي صلى اللّه عليه وسلم باسمه حينما ذكر براءته من المشركين فقال تعالى : ( بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ) [ سورة التوبة ، الآية : 1 ] .
وكيف تبقى لهؤلاء المشركين عهود عقدوها مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فإنهم لم يألوا جهداً في نقض عهودهم ، فأمر اللّه تعالى نبيه بإلقاء عهودهم إليهم ، فنسب اللّه العهد إليه وإلى نبيه الحبيب – صلى اللّه عليه وسلم – ، وقال : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ ) [ سورة التوبة ، الآية : 7 ] .
وأبان الله تعالى عقب آيات عديدة من نفس السورة حق رسوله الخليل – صلى اللّه عليه وسلم – على المؤمنين ، حينما عزم الكفار على تهجير الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتآمروا على إخراجه بدار الندوة فقال : ( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ ) [ سورة التوبة ، الآية : 13 ] .
حدث غزوة تبوك وبيان عظمته :
وبمناسبة ذكر حدث غزوة تبوك ، قد قرن الله سبحانه وتعالى اسم النبي – صلى اللّه عليه وسلم – باسمه حينما أمر المؤمنين بالتجهيز والخروج واستنفرهم الرسول – صلى اللّه عليه وسلم – للجهاد في سبيل اللّه كما قال تعالى : ( ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ سورة التوبة ، الآية : 41 ] .
فتخلف المنافقون عن الجهاد ، وجاؤوا بمعاذير كاذبة واهية ، فنزلت فيهم آيات توبخهم وتكشف أمرهم ، يقول تعالى : ( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [ سورة التوبة ، الآية : 94 ] .
فأعلى اللّه تعالى منزلة الرسول – صلى اللّه عليه وسلم – بذكره في هذه المناسبة الخطيرة إذ قال : وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ .
بيان عظمة الرسول في آيات القرآن الكريم :
لقد جمع اللّه تعالى في مواطن كثيرة من كتابه المجيد بين ذكره وذكر نبيه الحبيب محمد – صلى اللّه عليه وسلم – وذلك يمثل شهادةً أكيدةً على عظمة النبي – صلى اللّه عليه وسلم – وعلو شأنه وسمو مكانه ، فعندما ذكر اللّه الإيمان به ، أتبعه بذكر نبيه قائلاً : ( فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا ) [ سورة التغابن ، الآية : 8 ] .
ويقول تعالى في سورة الصف : ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ سورة الصف ، الآية : 10 – 11 ] .
وإننا نجد كذلك ذكر مكانته الرفيعة وبيان مرتبته العليا في مواضع متعددة من القرآن الكريم ، فلما منح الله سبحانه وتعالى الفتح المبين الذي يتمثل في صلح الحديبية ، أضافه إلى رسوله المصطفى – صلى اللّه عليه وسلم – رغم أن هذا الفتح كان لجميع المسلمين – تكريماً له وتشريفاً . يقول تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) [ سورة الفتح ، الآية : 1 ] .
ويبين الله تعالى في الآيات التالية نعمه الجليلة الأخرى على نبيه – صلى اللّه عليه وسلم – فيقول : ( لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً . وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً ) [ سورة الفتح ، الآية : 2 – 3 ] .
ثم يقول تعالى في نفس السورة : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ ) [ سورة الفتح ، الآية : 10 ] .
ومما يدل دلالةً واضحةً على عظمة النبي – صلى اللّه عليه وسلم – وعلو مرتبته أنه تعالى حينما أقسم بمكة المكرمة ، ذكر أن لنبيه علاقةً وثيقةً مع هذا البلد وأنه من قاطني هذا المكان العظيم ، فيقول تعالى : ( لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ . وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ) [ سورة البلد ، الآية : 1 – 2 ] .
فبذلك زاد البلد شرفاً وعزاً ما لم يزد غيره من بلدان العالم ، وقد نزلت هذه الآيات حين كان مقيماً في مكة المكرمة ، وكان أصحابه – رضي اللّه عنهم – يمرون بأوضاع حرجة صعبة ، وكانوا يصبحون ويمسون في مشاكل شتى .
عظمة قرابة النبي صلى اللّه عليه وسلم :
وقد سما الله تبارك وتعالى بمكانة زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – لما كان لهن من علاقة وقرابة من النبي – صلى اللّه عليه وسلم – قال تعالى : ( يا نِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ ) [ سورة الأحزاب ، الآية : 32 ] .
فصرّح تعالى بعظيم مكانهن ورفيع مقامهن ، وبيَّن أنهن منحن من الفضل وسمو المنزلة ما لم تمنح غيرهن من النساء حتى وضعن في موضع القدوة لسائر نساء العالم ، فهذه المرتبة العظمى التي سعدت بها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات إنما هي من أجل قرابتهن من النبي صلى الله عليه وسلم .
وأبرز تعالى منزلة أهل البيت قائلاً : ( إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [ سورة الأحزاب ، الآية : 33 ] .
واجب الأمة المسلمة تجاه حقوق النبي صلى اللّه عليه وسلم :
وإنه من حقوق النبي– صلى الله عليه وسلم – على الأمة المسلمة أن يعرفوا ما أثبته اللّه سبحانه وتعالى لنبيه – صلى اللّه عليه وسلم – من درجة سامية ومكانة عالية ، ويحلوا عظمته – صلى الله عليه وسلم – بقلوبهم ، فيتحدثوا عنها ويبينوها للعالم .
انتشار ذكره وبيان منزلته :
ومما يدل على عظمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الله سبحانه وتعالى أقسم بحياته – صلى الله عليه وسلم – في القرآن عندما ذكر قوم لوط ، وأكد أنهم لفي ضلالتهم وجهلهم يتخبطون ويتسكعون ، وأنهم في أودية الظلام يتيهون . فأقسم قائلاً : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [ سورة الحجر ، الآية : 72 ] .
” وعن ابن عباس قال : ما خلق اللّه وما ذرأ من نفس أكرم عليه من محمد – صلى اللّه عليه وسلم – وما سمعت اللّه تبارك وتعالى أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال : لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ .
وقد أكرم اللّه سبحانه وتعالى نبيه – صلى اللّه عليه وسلم – بنعم كثيرة لا يمكن لأحد حصرها ، لكن اللّه تعالى قد عدَّد له في سورة الضحى بعض هذه النعم بأسلوب تتجلى به عظمته ويبرز به فضله على الخلق أجمعين ، وأبان كذلك أنه سوف يمنح من ظهور أمره وبقاء ذكره وانتشار دينه في الأرض من مشارقها إلى مغاربها ، ويعطى من الحوض والشفاعة والثواب والمنزلة في الآخرة ما سيجعله راضياً مبتهجاً مستبشراً ، راضياً مسروراً . فقال تعالى : ( وَٱلضُّحَىٰ . وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ . وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ . وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ . أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ . وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ . وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ . فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ . وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ . وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) .
قد امتن اللّه سبحانه وتعالى على نبيه في سورة الشرح مذكراً بأنه قد شرح صدره ، ووضع عنه وزره ، وبلّغه من المقامات السامية والدرجات الرفيعة ما لم يبلغ أحداً من الخلق أجمعين . وبيَّن أن من نعمه عليه أنه قد رفع شأنه ، وأعلى مقامه ، حيث أنه جعل اسمه مقروناً باسمه ، فلا يُذكر اللّه تعالى إلا ويذكر معه نبيه الحبيب – صلى اللّه عليه وسلم – ، يقول تعالى : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ . فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً . فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ . وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ ) .
وقال الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه :
وضم الإله اسم الــنـبي إلى اسمــه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمــــــه لــــــيـــــــعــــــزه فذو العرش محمود وهذا محمد
فكل ما قدمنا من آيات من القرآن الكريم يدل دلالةً قاطعةً على عظمة النبي – صلى الله عليه وسلم – ويبين مقامه لدى اللّه سبحانه وتعالى ، ويوضح مكانته في الأولين والآخرين ، ويجلي منزلته للأمة المسلمة بأسرها .
( للحديث صلة )