عبد العزيز جاويش الشيخ الذي رفض منصب شيخ الإسلام

السيد علي الهمذاني وأسلوب دعوته في كشمير
نوفمبر 3, 2021
المجاهد الكبير الإمام إسماعيل بن عبد الغني الشهيد رحمه الله ( 1193هـ – 1246هـ )
ديسمبر 4, 2021
السيد علي الهمذاني وأسلوب دعوته في كشمير
نوفمبر 3, 2021
المجاهد الكبير الإمام إسماعيل بن عبد الغني الشهيد رحمه الله ( 1193هـ – 1246هـ )
ديسمبر 4, 2021

رجال من التاريخ :

عبد العزيز جاويش

الشيخ الذي رفض منصب شيخ الإسلام

الدكتور غريب جمعة – جمهورية مصر العربية

( الحلقة الثانية )

ذكرنا طرفاً من توجيهات الرجل التربوية بالنسبة إلى رسالة التعليم التي ملكت عليه أقطار نفسه ، وأصبحت شغله الشاغل ، فكان يعمل في مكتبه بالوزارة ما يزيد على عشر ساعات ، وأحياناً يصلي المغرب في مكتبه ، وقد يمتد الوقت إلى صلاة العشاء .

ولم يجعل عمله من أجل رسالته مقصوراً على مكتبه ، وإنما خرج به إلى المجتمعات العامة ، فكان يتحدث فيها عن أنواع التربية من علمية وخلقية ووجدانية وعقلية ، ثم يدعو إلى إنشاء مدارس ( رياض الأطفال ) ويضع لها المناهج المناسبة ، بل إنه سبق عصره فطالب بضرورة إيجاد معاهد خاصة بالتجارة والزراعة والصناعة ، وهو ما يطلق عليه اليوم التعليم الفني ، وطالب بإنشاء معاهد للتربية النسوية ثم يشرح مزايا كل معهد منها شرح المسؤول الخبير بما يريده حتى تنشرح له الصدور ويتجاوب معه المجتمع .

ولم يقف الرجل عند حدود الكلام والتوجيه النظري فقط ، بل إنه تقدم خطوةً جريئةً في ميدان العمل ، إذ أنشأ المدرسة الإعدادية لتكون بعيدةً عن سلطة المستشار الإنجليزي ( دنلوب ) ، واختار لها نخبةً من أفضل الأساتذة ، ووكل نظارتها إلى رجل يعرف مهام وظيفته والهدف منها إلى جانب تحليه بسداد الرأي وكرم الخلق ونظافة السلوك وطهارة اليد ، ووضع لها المناهج التعليمية التي تربي وتنشئ الطالب الجاد الحر الوطني الغيور .

ثم تقدم الرجل خطوةً أخرى في الميدان العملي ، فاختار مجموعةً ممتازةً من أنبغ طلابها وسافر معهم إلى باريس – من شدة حرصه عليهم وحبه لهم وفخره بهم – في بعثة تعليمية ، إذ أشرف بنفسه على ما يحتاجون إليه كطلاب علم في وطن غير وطنهم ، ثم ودعهم بعد أن وضع لهم من قواعد السلوك الحسن والخلق الكريم ما يعصمهم من فتنة شهوات باريس وهو يؤمل كل خير ، وأن يعودوا منارات علم ومصابيح رشد وهداية في وطنهم .

كان الرجل – رحمه الله – يرى أن رسالته الإصلاحية لا تتم إلا إذا أضاف إلى إصلاح التعليم إصلاح الأسرة التي هي اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع من المجتمعات . وكانت دعوة قاسم أمين إلى التحرير رائجةً في ذلك الوقت ، وقد أحدثت من البلبلة في الفكر والمخاصمة في الرأي الشيئ الكبير .

ولكن الشيخ الجليل نهض بكل همة ليتحدث عن وضع الأسرة في الإسلام حديث العالم الباحث المدقق الذي يتناول الموضوع من جميع زواياه ، فلا يدع زيادةً لمستزيد ، فبين كيف يرشد الإسلام إلى تكوين الأسرة وإلى دوام العشرة الطيبة بين الزوجين وإلى أحكام الطلاق والرضاع وغير ذلك مما يتعلق بالأسرة من أحكام .

بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حينما تولى رئاسة تحرير جريدة      ” اللواء ” أفسح صفحات اللواء لجميع الآراء سواء المتفقة منها أو المتعارضة حتى يميز الله الخبيث من الطيب ويبدو الصبح لذي عينين .

ولقد كتب في هذا الموضوع بحثاً جمع بين الدقة العلمية والعذوبة الأدبية قدمه إلى المؤتمر الذي عقدته الحكومة المصرية عام 1329هـ ، لمناقشة رسائل التقدم الاجتماعي ، وقد أثنى الحاضرون على ذلك البحث وقالوا : إنه فصل الخطاب في هذا المؤتمر.

أراد الرجل أن يقدم خدمةً أخرى لدينه ، فبدأ يكتب في تفسير القرآن وكانت مجلة ( الهداية الإسلامية ) تنشر ما يكتبه في هذا المجال لبيان مقاصد القرآن ببيانه الرائع ، جاعلاً من ذلك علاجاً لأدواء المجتمع من حوله على ضوء القرآن .

وليسمح لنا القارئ الكريم بشيئ من إيضاح هذا الموضوع – مع الإيجاز – حتى تتحقق أكثر من فائدة بإذن الله ، فائدة علمية وأخرى تاريخية وثالثة أخلاقية ورابعة اجتماعية . إلى غير ذلك مما يفتح الله به . . . لأننا لا نكتب هنا كتابةً تشبه السيرة الذاتية للمؤلف وكفى . . . لا ، فإن الأمر أبعد من ذلك بكثير ( وما توفيقي إلا بالله ) .

نقول : إن هذا النوع من التفسير الذي كتب فيه الشيخ جاويش متأثراً بالشيخ محمد عبده يسمي التفسير الأدبي الاجتماعي ، كما ذكر الدكتور جمال النجار في بحثه القيم في الموسوعة القرآنية المتخصصة التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة ، حيث يقول الرجل عنه .

وهو لون من التفسير ظهر في العصر الحديث أراد به رواده البعد عن المباحث التحليلية الدقيقة والمصطلحات والتخصصات العميقة التي ربما تقف حائلاً دون هداية الناس إلى المراد من إنزال القران الكريم ، فتناولوا بيان النص القرآني بطريقة تظهر مواضع دقته وبلاغته بأسلوب شائق جذاب ، ثم طبقوا ذلك النص على ما في الكون من نظم العمران وسنن الاجتماع بما يظهر للناس أن سعادتهم في الدنيا وفوزهم في الآخرة رهن العمل بهذا القرآن ، ومن أبرز مزايا هذا الاتجاه :

  1. بيان أن القرآن هو الأصل في التشريع .
  2. إظهار ما في القرآن من شفاء لكل الأمراض الاجتماعية .
  3. تفنيد كل الشبهات التي أثيرت حول الإسلام .
  4. البعد عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
  5. تحذير الناس من الإسرائيليات لما لها من آثار خطيرة في التفسير ، بل وفي العقيدة ، ولكن أصحاب هذا الاتجاه – مع الأسف – وقعوا فيما حذروا الناس منه ، فرأيناهم في بعض الأماكن يروون هذه الإسرائيليات ولا يعلقون عليها بما يرد القارئ إلى الصواب .
  6. عدم الخوض فيما استأثر الله بعلمه .
  7. سهولة العبارة وبلاغتها .

وقد كان من الرواد الذين كتبوا في هذا الموضوع :

  1. الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية الأسبق .
  2. الشيخ محمد مصطفي المراغي شيخ الأزهر الأسبق .
  3. الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق .
  4. الشيخ عبدالعزيز جاويش متأثراً بالشيخ محمد عبده كما أشرنا إلى ذلك .

وإلى حلقة قادمة إن شاء الله .