قضية فلسطين : هل لها من حل ناجع ؟
يوليو 13, 2021استخراب أو استعمار !
سبتمبر 4, 2021صور وأوضاع :
ظاهرة الخوف والذعر ، وطرق معالجتها
محمد فرمان الندوي
وجه كالح للغرب :
نشرت بعض المصادر الإعلامية تقريراً أن الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق والمناطق الأخرى من العالم العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م لحقت به أمراض نفسية ، وقد أصيب الجيش الأمريكي بالاضطراب النفسي ، فاضطر إلى الانتحار وقتل النفس ، فتجاوز عدد المنتحرين في الجيش الأمريكي خلال 20/ عاماً أكثر من ثلاثين ألف مقاتل ، وطبقاً لدراسات الباحثين الأمريكيين تصاعدت نفسية الخوف والذعر في القوات الأمريكية ، وقام الخبراء بتحليل هذه الأزمة فقالوا : يرجع أمره إلى عدم عودة الجيش الأمريكي إلى منازله ، والجراحات الشديدة والاضطرابات النفسية ، ومما يبعث على الأسف أن معظم المنتحرين هم الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 – 35 ، بالنسبة إلى عامة المواطنين . ( وكالة الأنباء الهندية : 27/6/2021م) .
هذا في جانب ، وفي جانب آخر صدرت على أجهزة الإعلام من منظمة الصحة العالمية ( WHO ) أرقام وتقارير عن الانتحار في العالم كله ، مفادها : أن ثماني مأة ألف شخص ينتحرون سنوياً ، فأروبا في مقدمة الدول المنتحرة ، والشرق الأوسط في آخرها .
يعتقد كثير من الناس بالنظر إلى حياة الغرب الباذخة أن حياتها حياة سعيدة هنئية مريئة لا يكدرها شيئ من تلوثات العالم ، ولا ينغصها جزء من علائق الدنيا ، وهم يعيشون في أبراج عالية أو قصور ناطحات للسحاب ، فهم أحب خلق الله في الأرض ، وقد حيزت لهم أسباب الدنيا بحذافيرها من المنزل والمركب والرواتب الشهرية والأصدقاء والخُلان ، فهم في نوع مبتكر من الحياة ، الواقع أن الأمر بالعكس ، وهذا ظن خاطئ ، وضرب من الخيال لا علاقة له بالواقع ، لا ننكر من الغرب اعتنائه بالجمال الظاهري ، ولا ننكر من الغرب تنظيم الأمور وتنسيقها ، ولا نجحد أنهم أوفياء للميعاد ، ومواظبون على الحضور في المكاتب والإدارات قبل الوقت ، ولا نستبعد منهم أنهم يواصلون الليل بالنهار والنهار بالليل في ابتكار شيئ واختراع ماكينة ، ويبذلون لها حياتهم ، لكن مع ذلك كله لا ينالون من الطمأنينة ما يجد أهل الإيمان بإيمانهم ، ولا يدركون من الراحة القلبية والسكينة التي تتنزل على عباد الله الصالحين من السماء ، ويسودهم شبح من الخوف والذعر ، فلا يكاد يفارقهم سواء كانوا فرادى أو جماعات ، أضف إلى ذلك ما يوجد في الغرب من الصراع بين البيض والسود ، وهو صراع عنيف يسبب أحياناً حوادث مرعبةً ، وقد نقلت وسائل الإعلام قتل جورج فلايد في مدينة منيا بولس في شمال الولايات المتحدة على يد شرطي أمريكي أبيض ، فأشعل ذلك ناراً ملتهبةً للعداوات والحزازات بين البيض والسود ، وأثار موجة غضب عارمة داخل وخارج الولايات الأمريكية ، حتى أثر ذلك في تيار الحياة ، هذا أسوء مثال للعنصرية التي يعيشها الغرب ، نستطيع أن نقدر مدى خطورة الوضع بين البيض والسود وانتشار الذعر والخوف فيهم .
من أين ينشأ القلق والخوف ؟
فالبلبلة الفكرية أو القلق النفسي سمة الحضارة الغربية ، ومعلوم أن كل حضارة لها سماتها وآثارها ، ولها مبدؤها ومنشؤها ، فالحضارة الغربية عجنت طينتها بالحضارة الوثنية ، فلا تكاد تنفك عن ميزاتها ، وكل من حملها وانتحلها كان منطبعاً منها ، وهذه الحضارة ليست لها دعائم وأسس متينة ، بل بناؤها على أخشاب منخورة ينخرها السوس ، فيخر على أهلها السقف من فوقه ، وقد قال الدكتور محمد إقبال : إن إبداع الغرب الذي بهر العقول والألباب وحير النفوس والأرواح ، وكشف عن قوى الفطرة ، سيكون انتهاؤه وزواله بآلياته المبدعة ، وقد أشار الإمام السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي إلى أن حضارة الغرب لا أساس لها ، فالقلق النفسي والاضطراب الذهني من دوافعها ، يقول الإمام الندوي : ” وقد كان من المصادفات الأليمة المحزنة والمآسي الفاجعة للبشرية أن الحضارة الغربية ترعرعت في عصر قد ثار على الدين وأسسه من الإيمان بالغيب وغير ذلك ، وفي أمة قد ثارت على الذين تزعموا الدين ، واستغلوه لشهواتهم وأنانياتهم ، واشتد غضبها عليهم لسوء سيرتهم وهمجيتهم ، ووقوفهم في سبيل التقدم وحرية العقل والعلم ، فترافق نشوء الحضارة والصناعة والاتجاه المادي العنيف مع الاتجاه إلى تنظيم الحياة على أسس مادية خالصة ، وقطع صلة المجتمع والبشرية عن فاطرها ، ومصرِّف هذا الكون ، وكل ذلك اقتضته سلسلة الأسباب وطبائع الأشياء وووضع أوربا الخاص ، فشبت هذه الحضارة واختمرت ” . ( مقالات في الفكر والدعوة للإمام الندوي ص : 198 ، طبع دار ابن كثير ) .
اليهود أكثر الناس ذعراً وخوفاً :
وقد ساد الخوف والذعر على اليهود أيضاً ، فهم أكثر الناس خوفاً من الموت ، رغم أنهم يعتبرون أنفسهم أبناء الله تعالى وأحباؤه ، وقد استولوا على نوعين من الإعلام الإلكتروني والمكتوب ، ويوجد زمام الاقتصاد العالمي بأيديهم ، وساندتهم الدول الغربية في إقامة دويلة لهم في قلب العالم الإسلامي ، ولا تزال ترسل إليهم الأسلحة المدمرة الفتاكة ، ولهم مخابئ وأنفاق يستطيعون أن يختبئوا وقت الهجوم المباغت كما كان في حربهم قبل شهور مع أهل غزة ، لكنهم لا ينفصلون عن ظاهرة الخوف والذعر ، فيشنون غارات شعواء على أهل فلسطين إخفاءً لهذا الهلع الجاري في عروقهم مجرى الدم ، ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) ، وهم يخافون من الموت كثيراً ، وقد عبر القرآن الكريم عن نفسيتهم هذه فقال : ( قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ ) ( الجمعة : 6 – 7 ) .
شبح الذعر في العالم الإسلامي ومعالجته :
انتشرت نفسية الخوف والذعر في العالم العربي والإسلامي ، فلا يخلو قطر من الأقطار إلا ويوجد فيه شبح من الخوف والذعر ، فيعيش الناس في صراع بين هذا وذاك ، إذا بحثنا عن الأسباب وراء هذه النفسية عرفنا أن نظام التعليم المستورد إلى العالم الإسلامي هو الذي أحدث البلبلة الفكرية والقلق النفسي ، ذلك لأنه يعتمد على الروح المادية والاكتفاء بالآلات والوسائل ، ولا شك أن التعليم الغربي إذا لم يكن أخذه واقتباسه باسم الله تعالى سبّب ذلك إلى إنكار توحيد الله ونسيانه ، ونشوء الاضطراب في السياسة وداخل القلب ، وقد أبدى أحد الغربيين ” لارد ميكالى ” : نريد أن ننشئ بهذا التعليم جيلاً يكون في الشكل والصورة شرقياً ، لكن في الباطن يكون غربياً .
هذا النظام التعليمي بأسره على علاته لا يزال موضع اهتمام به في العالم العربي ، وقد نشأ هناك دعاته وحماته ، فهم ينشرون هذه الفكرة ، إما على غرَّة أو على بصيرة ، فيتذبذب الجيل الجديد ، ويشعر بتناقض في الفكر والعقيدة ، فإذا لم يكن هناك بديل أو غربلة لهذا النظام كانت النتايج بأفدح من هذا ، وقد وُجه إلى العلامة الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي سؤال عن سبب الحيرة المردية التي يعيشها العالم الإسلامي كله بصفة عامة ، والشباب المسلم بصفة خاصة خلال ندوة علمية في عمان ، فردَّ عليه رحمه الله تعالى قائلاً : ” من أعظم أسباب الحيرة التي يعانيها الشباب المسلم اليوم هو التناقض في المجتمع الذي يعيشه فيه : تناقض بين ما ورثوه ، وبين ما يعيشونه ، وبين ما يلقنونه تلقيناً ، وبين ما يطلبه علماء الدين ، هذا التناقض العجيب الذي سلط عليهم ومنوا به ، هو السر في هذه الحيرة المردية ” . ( الطريق إلى السيادة والقيادة : 162 ، طبع مؤسسة الرسالة بيروت ، الطبعة الأولى 1982م ) .
ألا بذكر الله تطمئن القلوب :
فالإسلام الذي دين الإنسانية جمعاء يتكفل لجميع طبقات البشر بالسعادة والهناء ، ويضمن لهم العزة والغلبة والانتصار ، ويخرجهم من ظلام الخوف والذعر إلى ساحة الطمأنينة القلبية ، ويعالج نفسية الخوف بالتوكل على الله وذكر أسمائه وصفاته ، فإنه يقول : إن الراحة الدائمة لا تكمن في الوسائل والأسباب ، ولا تختفي وراء الكواليس والقشور ، بل إنما تكمن في ذكر الله تعالى وتحميده وتسبيحه وتهليله وتكبيره وتلاوة القرآن وأداء الفرائض والنوافل بإخلاص وطهارة قلب ، قال الله تعالى : أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ( الرعد : 28 ) .