النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الخامسة الأخيرة )
أبريل 28, 2025ليشهدوا منافع لهم
يوليو 9, 2025الدعوة الإسلامية :
طاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي *
وبمناسبة غزوة الخندق في المدينة المنورة هاجم الكفار والمشركون على المسلمين ، فاشتد البرد ، وتعسر الوقت على المسلمين ، وكانوا يعانون شدةً ومجاعةً وضيقاً إذ أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه جوعه ، فيكشف عن بطنه ، فهو مربوط بحجرين . وهناك صحابي يحفر الخندق ، وتحول صخرة دون حفره ، فيدخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ويخبر بذلك ، فيقوم النبي صلى اللّه عليه وسلم آنذاك ، فيضرب بها ضربةً فتحولت إلى تراب . ويصدر في ذلك الوقت الشديد من فمه كلمات تاريخية عظيمة : قد أعطيت قصور كسرى وقيصر .
وكان أصحابه رضي الله عنهم معهم ، وهم يرونه ليلاً ونهاراً ، فكان لهم قدوةً في الشدة والرخاء ، فلم تتزلزل أقدامهم في أصعب وقت ، بل ظلوا ثابتين على الحق ، متوكلين على ربهم تبارك وتعالى ، متمسكين بأسوة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم ، راجين لقاء اللّه تعالى متشوقين له ، مؤقنين بالآخرة ، مستعدين للتضحية والفداء في كل وقت من الأوقات ليسعدوا يوم القيامة بنعم اللّه التي لا تعد ولا تحصى ، فنزلت الآية الشريفة ! ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ) .
وكان أصحابه يؤمنون إيماناً قوياً بأن نجاحهم معقود باتخاذ أسوة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم ومنوط باتباع سننه الشريفة .
فكما أسلفنا أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم كما كان لهم قدوة في الشدة والرخاء ، وفي العسر واليسر ، وفي المنشط والمكره ، كذلك كان لهم قدوة في معاملة أصحابه وأعدائه والسلوك مع ذوي الأرحام والقرابات .
وكانت حياته في مكة مليئةً بالمشكلات والمحن الشداد ، يدعو الناس فيواجه منهم السب والشتم والسخرية والاستهزاء ، ويقوم بمهمة الدعوة في الطائف ، فيجرح ، ويأتمر به كفار مكة ليقتلوه ، لكنه كان رحمةً عامةً للعالمين ، وأسوةً شاملةً للبشرية جمعاء . فكانت قدوته بين أيدي صحابته يتأسون بأسوته ، ويتخذون منهجه ولا ينحرفون عنه للحظة من اللحظات ، ويصبرون على كل ما يلقونه من الشدة والأذى .
وفي معركة بدر التي كانت أول وأعظم معركة بين الحق والباطل حيث كان جيش من المشركين والكفار في عدة وعتاد بينما كان المسلمون في عدد ضئيل . وإنهم كانوا ثلاث مأة وثلاثة عشر بدون أي عدة وعتاد ، ينتظرون في ذلك الموقف الحاسم الشديد أمره صلى اللّه عليه وسلم ، ويترقبون إشارة عينيه وإيماءة حاجبيه .
وأكبر مثال لانقياد الصحابة لأوامره صلى اللّه عليه وسلم أنهم خرجوا من المدينة ليقروا أعينهم بزيارة الكعبة مشتاقين لها فيطوفون بها ويعتمرون .
لكن تلك القافلة المؤمنة وقفت عند الحديبية – وهو موضع قريب من مكة – بحكم النبي صلى اللّه عليه ، فصالح صلى اللّه عليه وسلم الكفار . وكان من شروط الصلح أن يعود المسلمون دون أن يدخلوا مكة ويعتمروا . فحل النبي صلى الله عليه وسلم من إحرامه وحلق رأسه ، فسرعان ما حلق الصحابة رضي الله عنهم رؤوسهم ، ولم يتأملوا للحظة بل استسلموا لأسوة النبي صلى اللّه عليه وسلم استسلاماً كاملاً .
وكانوا بانتظار إشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم ناضلوا كفار مكة وكسروا شوكتهم وقهروهم بكل ما يملكون ، لكنهم خضعوا لما أراده الرسول صلى اللّه عليه وسلم واستمسكوا بحكمه الأكيد .
فبالجملة أنهم اعتصموا بأسوة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وسلم ، وتبنوها بإيمان ويقين ، وجعلوا شخصيته قدوةً لهم لكل شعبة من شعب الحياة ، وذلك منهج حقيقي صادق وتفسير عملي لقوله تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ) .
فإن سيرته صلى اللّه عليه وسلم بأكملها دعوة عملية واضحة تفرق الحق من الباطل ، وتميز الخير من الشر .
فمن رأى حياته ودرس سيرته تقدم في حياته وبلغ ذروة الرقي والكمال . وإن القرآن الكريم وسيرته الطيبة منبعان عظيمان للرشد والهداية .
وكانت حياته في الواقع مرآةً ناصعةً وصورةً حيةً حقيقيةً للقرآن الكريم .
وهناك عدد كبير من الناس يقرأون القرآن وهم يقطنون بأرجاء العالم المتعددة ، ويعيشون في البيئات التي يغمرها الكفر والجاهلية . وفي هذا العالم الحالك كذلك هناك عدد هائل من الناس يعكسون سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم ويجسدون قدوته ويمثلون أسوته الحسنة الخالدة تمثيلاً واقعياً حقيقياً . فمن أصبحت حياته تفسيراً لأسوته الحسنة وانعكاساً لمنهاجه نال قبولاً لدى اللّه عز وجل ، وظلت حياته رسالةً حيةً ودعوةً متحركةً متنقلةً للعالم البشري يهتدي بها التائهون ويستنير منها الضالون .
فاستمع أصحابه رضي الله عنهم أجمعين لنداء الله عز وجل : لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة . فوعوها في قلوبهم وشكلوا في ضوئها حياتهم ، وقدموا لمن بعدهم من الطبقات البشرية المتنوعة نموذجاً حياً خالداً .
فنداء القرآن هذا باق آت دائماً في كل زمان ومكان . فينبغي لمن كان يرجو اللّه ولقاءه ويتشوق للجنة ونعيمها ويذكر اللّه تعالى كثيراً ويراقبه صباح مساء أن يلبي هذا النداء ، ويحاول أن يصوغ حياته وفق السيرة النبوية التي هي نموذج مثالي كامل للإنسانية جمعاء ، ولم يأت بمثله أحد من الأولين والآخرين .
( وللحديث بقية )
* معهد الدراسات العلمية ، ندوة العلماء ، لكناؤ .