رحلة الإسراء والمعراج : تأملات إيمانية وحقائق معجزة
يناير 28, 2025الحوار وسيلة سلام للمجتمعات البشرية
فبراير 23, 2025الدعوة الإسلامية :
طاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي *
عاقبة الكفار والعصاة :
لقد ذكر الله تعالى في مواضع متعددة من كلامه أن العاصين للرسول صلى الله عليه وسلم والمعاندين له سيلقون عذاباً شديداً ، وأنهم يوم القيامة يتحسرون على ما فعلوا في الدنيا ويندمون على جرائمهم الشنيعة التي أتوا بها بعصيانهم للنبي صلى الله عليه وسلم واستهانتهم بتعاليمه وتوجيهاته . يقول تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَعَصَوُا۟ ٱلرَّسُولَ لَوتُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً ) [ النساء : 42 ] .
وقد حذرهم الله تعالى من عواقبهم الوخيمة المؤلمة مراراً ، فقال : ( وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ) [ الأنفال : 13 ] .
وفي موضع آخر : ( فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ النور : 63 ] .
والحقيقة أنه لا يمكن أن يعصي النبي صلى الله عليه وسلم إلا من أعمته أهواؤه وضلت بصيرته خلف شهوات الدنيا وزخرفها ، فلا يهمه سوى شهواته ورغباته في المال والجاه والمنصب ، فلا يبحث عن الحق ولا يريد أن يفهم ما أنزله ربه من الهدى والنور .
قال تعالى : ( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ) [ القصص : 50 ] .
الإعراض عن حكم الرسول من أعمال الكفر والنفاق :
إن الكفار والمنافقين إذا دُعوا إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم لم يطيعوا ، بل يتكبرون ويعاندون في قبول الحق ، فعصيان النبي صلى الله عليه وسلم علامة من علامات الكفر والنفاق .
يقول تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً ) [ النساء : 61 ] .
ويقول في موضع آخر : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُوا۟ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا أَوَ لَوكَانَ آبَآؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) [ المائدة : 104 ] .
ذكر اتباع الرسول في الأحاديث :
وقد أكد الله سبحانه وتعالى مراراً وتكراراً اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن المجيد ، وحذر من يعصونه من عذاب شديد ، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه هذا الأمر في حديثه .
وهذا من الإعجاز النبوي ، حيث استشرف النبي صلى الله عليه وسلم بعين نبوته زماناً سيخرج فيه من الناس من ينكر الحديث والسنة ، فأعلن عليه الصلاة والسلام : ” لا أُلفينَّ أحدَكم متكئاً على أريكتِه ، يَأتيه الأمرُ من أمري مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه ، فيقول: لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ” ( سنن أبي داود ، كتاب السنة ، باب لزوم السنة ، رقم الحديث : 4607 ) .
لقد ترك بعض الصحابة أموراً كان يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم بدافع التورع ، وعزموا على مواصلة العبادة ليلاً ونهاراً ، واعتقدوا أن التورع الزائد والعبادة المستمرة ولولم تثبت من النبي صلى الله عليه وسلم تزيدهم فضلاً وقرباً من الله سبحانه وتعالى .
فعندما علم بذلك قال صلى الله عليه وسلم : ” ما بالُ أقوامٍ يتنزَّهُونَ عن الشيئ أصنعُه ؟! فواللهِ إنِّي لأعلَمُهم باللهِ وأشدُّهم له خشيةً ” ( صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب ، رقم الحديث : 6101 ) .
وقال في حديث آخر : ” القرآنُ صعبٌ مستصعَبٌ على من كرِهَه ، ميسَّرٌ على من اتَّبعَه ، وهو الحَكَمُ ، وحديثي صعبٌ مستصعبٌ وهو الحَكَمُ ، فمن استمسَكَ بحديثي وفهمَه وحفِظَه جاء مع القرآنِ ، ومن تهاون بالقرآنِ وبحديثي خسِر الدنيا والآخرةَ ” ( كنز العمال : 2468 ) .
وقال : ” من اقتدى بي فهو مني ، ومن رغب عن سنتي فليس مني ” ( مسند أحمد ، رقم الحديث : 24189 ) .
وقد بين ذلك في رواية بمثال فقال : ” كلُّ أُمَّتي يدخلونَ الجنَّةَ إلا مَن أَبى ، قالوا : يا رسولَ اللهِ ، ومَن يَأبَى ؟ قال : مَن أطاعَني دخلَ الجنَّةَ ، ومَن عصاني فقد أَبى ” ( صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب ، باب الاقتداء بسنن رسول الله : 7280 ) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول : ” جاءت ملائكةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو نائمٌ ، فقال بعضُهم : إنَّه نائمٌ ، وقال بعضُهم : إنَّ العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانُ ، فقالوا : إنَّ لصاحبِكم هذا مَثَلاً ، فاضرِبوا له مَثَلاً ، فقال بعضُهم : إنَّه نائمٌ ، وقال بعضُهم : إنَّ العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانُ ، فقالوا : مَثَلُه كمَثَلِ رجلٍ بنى داراً ، وجعل فيها مَأدُبةً ، وبعث داعياً ، فمَن أجاب الداعيَ دخل الدارَ وأكل من المأدُبةِ ، ومن لم يُجِبِ الداعيَ لم يدخلِ الدارَ ولم يأكُلْ من المأدُبةِ ، فقالوا : أوِّلوها له يفقَهْها ، فقال بعضُهم : إنَّه نائمٌ ، وقال بعضُهم : إنَّ العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانُ ، فقالوا : فالدارُ الجنَّةُ ، والداعي محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، فمَن أطاع محمَّداً صلى الله عليه وسلم فقد أطاع اللهَ ، ومن عصى محمَّداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللهَ ، ومحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فرْقٌ بين الناسِ ” ( صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام ، باب الاقتداء بسنن رسول الله ، رقم الحديث : 7281 ) .
الأسوة الحسنة :
لقد أمر الله سبحانه وتعالى في مواطن كثيرة من القرآن الكريم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهمية هذا الاتباع واضحة وجلية ؛ لأن المتبع ينبغي أن يكون قدوةً حسنةً ونموذجاً كاملاً يحمل في حياته شخصيةً قويةً تترك تأثيراً عظيماً في النفوس .
وتكون حياته مشعلاً يُبدد الظلمات لمسالك الحياة كافةً ، ويهدي التائهين الضالين إلى الصراط المستقيم ، وينبغي أن يكون قائداً كاملاً وهادياً متكاملاً يستطيع أن يساير الركب الإنساني كله في شتى مراحل الحياة ، ويرشده إلى النجاح الحقيقي السرمدي في كل زمان ومكان ، ويسهل في ظل توجيهاته اجتياز أصعب العقبات وأشد التحديات ، وإن هذا المتبع الكامل والقائد المثالي الأعظم كان حقاً نبينا محمداً العربي صلى الله عليه وسلم .
وقد خاطب خالق العالمين الإنسانية كلها قائلاً : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) [ الأحزاب : 21 ] .
( وللحديث بقية )
* معهد الدراسات العلمية ، ندوة العلماء ، لكناؤ .