مؤشرات جديدة في جائحة ” كورونا “
فبراير 21, 2021أخي القارئ الكريم !
مايو 3, 2021الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
شهادة التاريخ لضعف الإنسان !
شهد التاريخ البشري على امتداده ، وخلال ابتدائه المعلوم والمجهول ، كثيراً من التطورات الإنسانية العالمية ذات الطغيان والتمرد والادعات الكاذبة ، ولنأخذ على سبيل المثال ذلك الطاغية الذي زعم أنه إله والدنيا كلها خاضعة له في جميع شئون الخلق والأمر ، فرعون موسى عليه السلام الذي تكرر ذكره في كتاب الله تعالى ، بادعائه أنه هو الرب لجميع الخلائق ، وهو الذي يستحق العبادة وخضوع الناس أمامه كعبيد أذلاء ، يأمر وينهى ، والدنيا كلها خاضعة لإرادته ولرغباته ، وقد حكم فرعون موسى ، مدةً لا بأس بها أرض كنعان مصر ، هذه البقعة المباركة التي كان خلقها الله سبحانه وتعالى كقطعة من أرضه وسمائه ، كان قد أخضعها لتحقيق رغائبه النفسية المتمردة التي لم تعد تفارقه ما كان يدعى في هذه الأرض أنه إله وليس هناك ما يدعى بالإله أو الخالق في اي حال من الأحوال ، ولكنه مات سوء ميتة حينما علا في الأرض وأسرف في دعواه بالألوهية ، حتى دعا سيدنا موسى عليه السلام ربه تعالى وطلب منه أن يكفه عن دعواه التي كان يدعي بها ، ويطمس على أمواله ، وأتباعه الذين كانوا وزراء فرعون ومساعديه المخلصين أن يشدد قلوبهم ولا يدخل فيها الإيمان ما لم يمتحنوا بعذاب أليم ، وقد صرح بذلك كتاب الله العظيم فقال : ( وَقَالَ مُوسَىٰ : رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ، رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ ، رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ . قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ . وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ : آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ) .
فلما رأى فرعون أنه لا سبيل إلى المنجي من الغرق بعد ما جاوز الله سبحانه بني إسرائيل البحر ونجاهم عن طريق جاف من الأمواج والمياه المواجة ، فلما تبعهم فرعون انضم الماء وتذاوب فيه الطريق اليابس ، وكتب الله سبحانه وتعالى أن يقضي على تمرداته ودعواه بالألوهية الكاذبة ، وهنالك صرخ قائلاً : ( آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ) ، فرد عليه الله سبحانه وتعالى قائلاً : ( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ . فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) ( سورة يونس ) .
هذا مثال واقعي بينه الله تعالى لهذا الإنسان العاجز عن أداء مسئولية دون أن يتحمل أكثر من تلك المسئولية التي فرضها عليه حتى يكون مسلماً بالمعنى الواقعي ويكون من أتباع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الصادقين ، عاملاً بجميع ما أنزله الله تعالى على خاتم النبيين من شريعته الخالدة الشاملة ، والباقية الدائمة إلى يوم الدين ، وهناك أمثلة كثيرة للطغاة البغاة من مدعي الألوهية في طبقات الملوك والرؤساء والأغنياء والوجهاء من الناس ، ولا ينقصنا اليوم مثل هذه النماذج من الحكام والقادة على المستوى الفردي والجماعي ، أفلا نشاهد اليوم ما يحدث في الدول الكبرى التي تحكم الحكومات الصغيرة وقليلة العَدد والعُدد ، ويتصور حكامها الشعب العام والجماهير من الناس عبيداً خاضعين لأوامرها ونواهيها ، وقد تمثل لنا مثل هذا الواقع في دولة تعتبر نفسها سيدة دول العالم وإن كانت بعض الحكومات لا يخضع لأحكامها وأوامرها في الأخذ بالحيطة الكاملة في قضاء شئون الحياة ويخالفها بأحكام وأوامر ومصالح سياسية لا تتفق مع الخضوع أمام الدول التي تزعم أنها تسود العالم الإنساني بكامله شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً .
ومما يعرف الناس جميعاً أنها فشلت في فرض أوامرها على الإنسان بعد مدة قليلة فحسب ، وعوقبت من الله تعالى بمثل تلك الجائحة التي اخترعتها لتخويف العالم البشري وإخضاعه لجميع ما تريد أن تفرض على الناس من تضييق دوائر العيش والاكتساب الشرعي ، ولكنها هي التي وقعت فريسةً للشبكات التي نسجتها ثم نشرتها على مستوى الأفق العالمي ، وأصبحت من الدول المستضعفة اليوم ، بينما كانت تعتبر أقوى دول العالم في كل ناحية من المعاش والحضارة والصناعة ، وكان العالم يتخوف من قوتها وطاقاتها المادية ولكنه يستوحش اليوم من وجودها ، ويتنازع شعوبها فيما بينها مما يهدد بقاءها على الاعتراف بالطاقة العلمية والسياسية على المستوى العالمي ، وينطبق على هذه الدول القوية والمفتخرة بوسائلها وآلاتها ما كان يزعم فراعنة العالم ممن كانوا لا يرضون بأقل درجة من الآلهة التي تأمر وتنهى .
إن العقيدة الدينية هي التي تدفع المرء على ترخيص النفس والمال في سبيل إرضاء الضمير ، وتحقيق شريعة الله في الأرض ، وهي التي تمنعه عن الوقوع في الهاوية التي أشار إليها كتاب الله فقال : ( وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ ) وهي التي تمنعه عن مساومة الضمير ، ومراودة أهل الحق ، وعن التنازل عن المستوى الإيماني ، والقيم الخلقية في أصعب اللحظات وأدق المواقف ، ثم إنها هي التي ترفع قيمة الإنسان ومكانته بين بني جلدته وأبناء قومه ، وهي التي تتولى ترسيخ جذور الإيمان بالآخرة في أعماق القلوب ، وتمكنه من التواضع في الله والاستماتة في سبيل إعلاء كلمة الله ، والنهوض لتحقيق السعادة في معنى الكلمة في الدين والدنيا .
ولو لا العقيدة الصافية الخالصة لما نالت البشرية بغيتها من الهداية والهدوء والالتجاء إلى ظل الأمن والسلام ، ولما كان في الدنيا عدل ولا رحمة ولا حب ولا إيثار ، وإن هـذه المعاني العالية إنما عرفها البشر عن طريق العقيدة ، وتعارف عليها العالم بواسطة رجال العقيدة والدين ، واستفادتها المجتمعات البشرية من تعاليم الإسلام الاجتماعية وتوجيهاته السماوية ، وهي ما دامت تستنير مــن نورها وبهائها ، وما كانت تعيش في ظلالها وتحت تأثيرها ، رافقها النصر وساعدتها القوى الغيبية ، وأتيحت لها الفرص للامتداد والاتساع ، وتوجيه الحياة والإنسان إلى الاتصال بمنبع القوة والنور ، ومصدر العز والعلو والسعادة .
إن العالم البشري بجميع ما فيه من حضارات وعلوم ورقي وتقدم واتساع وتفنن ، وبكل ما فيه من مظاهر وآثار ذات أهمية قصوى ، لفي أشد حاجة إلى عقيدة جامعة تجمع شمل الحياة وتلم شعث المجتمعات ، وترتق فتق الحضارات والنظرات ، وتربط الإنسان بمصير الإيمان واليقين ، ثم تتكفل له بالسعادة الدائمة الخالدة وحسنتي الدين والدنيا ، إنها عقيدة الإيمان بالله وتوحيده ، إذ أن الحياة إذا ارتبطت بوحدة العقيدة واتصلت بالله الواحد القهار فلا شك أنها أدركت سر السعادة والعز ، واهتدت إلى غاية الأمن والهدوء ، وخرجت من حدود الحزن والخوف والمصائب والنكبات ، والتجأت إلى ساحة الفرح والسرور وملجأ النعيم والحبـور ، والحب والتعاون والطمأنينة الكاملة .
وذلك ما عبر عنه كتاب الله بالإيمان والاستقامة عليه ، وبشر أصحابها بالأمن والسرور والجنة فقال : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) .
بهذه العقيدة والاستقامة عليها ، يتمتع الإنسان بالسعادة الحقيقية ، في كل مكان ، ولذلك قال رسول الإسلام العظيم محمد صلى الله عليه وسلم رداً على من سأله عن طريقة جامعة للحياة الإسلامية المطمئنة : ” قل آمنت بالله ثم استقم ” .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
سعيد الأعظمي الندوي
7/رجب/1442هـ
20/فبراير/2021م