إطلالة على موقف المستشرقين من القرآن الكريم
فبراير 23, 2025موقف النقد العربي القديم من ظاهرة التناص المعاصرة ( الحلقة الثانية الأخيرة )
فبراير 23, 2025دراسات وأبحاث :
شعر ألطاف حسين حالي في ضوء الكلمات القرآنية
دراسة وصفية
الباحث عبد القيوم *
بهر القرآن الكريم عقول الناس وألبابهم ، وأسر قلوبهم ، واستولى على نفوسهم منذ نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما تميز به عن سائر كلام البشر بجزالة الألفاظ وفصاحتها ، وابتعاده عن الحوشي ، وسحر بيانه وجودة سبكه . فقد تحدى القرآن جميع الفصحاء ، فوقفوا حياله وفقة المبهوتين الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة ، معلنين ضعفهم وعجزهم . وقد استولى سحر ألفاظ القرآن على ألباب الأدباء والشعراء خاصةً المعروفين بحسهم المرهف وأذواقهم الراقية الرفيعة . والشاعر ألطاف حسين حالي أحد الشعراء في الأدب الأردي الذين تشربوا النص القرآني ، وارتكزوا على ألفاظه وصوره ومعانيه في سبيل بناء صرحه الشعري ، ويظهر ذلك جلياً في عدة مواضع من أبياته . لذا أعددت هذا البحث عن تحليل شعره وفق الألفاظ القرآنية من خلال الكشف عن الآيات التي اعتمدها الشاعر في أخذ مفاهيم الآيات القرآنية في مواضع كثيرة ، ويتبع هذا البحث المنهج الوصفي للموضوع . كي يتضح الأثر الفعال لشعره في نفوس المسلمين ، وترفع به هممهم إلى إصلاح حياة المسلمين الاجتماعية وتقدمهم .
إن ألطاف حسين حالي يعد من أشهر الشعراء في الأدب الأردي . ولد الشيخ ألطاف حسين حالي عام 1253هـ/1837م في باني بت : ويقال : إن سلسلة نسبه تمتد إلى الصحابي أبي أيوب الأنصاري [1] ، توفي أبوه وهو صغير ، وأصيبت أمه بالمرض فكفله أخوه الأكبر ، وواجه حالي مشكلات ماديةً لم تعوضه عنها شفقة أخيه ومحبته . حفظ القرآن الكريم ودرس القراءات ، وبعدها درس الفارسية والعربية ، كل هذا وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة ، وتزوج في سن مبكرة ، إلا أن زواجه لم يشغله عن طلب العلم ، وكانت الحالة المادية لزوجته طيبة مما هيأ له ظروفاً مناسبةً ، وقد رغب حالي كثيراً في حضور مجالس العلماء والأدباء فانضم إلى حلقة ” غالب ” و ” ذوق ” وغيرهما ، وتحمس لقول الشعر ، وكان في العشرين من عمره حين اندلعت ثورة التحرير عام 1273هـ /1857م فتركت أحداثها المؤلمة تأثيرها على فكره ، وكان لها دخل كبير في تشكيل عاطفته الإسلامية وحركته الإصلاحية . تنقل حالي من عمل إلى آخر ، وظل يعمل لأربع سنوات في لاهور مراجعاً ومصححاً للكتب المترجمة إلى الأردية ، واشترك في محافل الشعر هناك ، بعدها انتقل من لاهور إلى دلهي ، وانضم إلى المدرسة الإنجليزية العربية ، وكان ذلك في وقت بدأت التأثيرات الغربية تعم الهند ، وهكذا وقف في وجه هذه التأثيرات الغربية وشارك في كل نشاطات الأدباء والعلماء الإصلاحية والعلمية والتعليمية ، وترأس حالي عام 1907م جلسات مؤتمر تعليم الأمة الإسلامية الذي عقد بكراتشي ، وكان ذلك في فترة انقطع فيها عن مشاغله العلمية ، وفي آخر يوم من أيام سنة 1914م توفاه الله ودفن حيث ولد في باني بت . فاحتل حالي مكانةً مرموقةً في الأدب الأردي ، فقد جدد في أشعاره ، كما أنه كان يعد الأستاذ الأول في النقد الأردي ، تأثر بحركة سيد أحمد خان فأكد على ضرورات الحياة الجديدة ، واتجه إلى التركيز على إصلاح المسلمين وإنقاذهم مما أصابهم من انحطاط أخلاقي وسياسي واجتماعي . وحاول أن يكتب الشعر بأسلوب جديد ، إلا أنه متصل بالتراث ، فلم يجعل محاولات التجديد تقتلعه من جذوره الممتدة عبر تراث الأدب الإسلامي الأردي أو العربي أو الفارسي ، واتسمت أبياته بالطابع الأخلاقي ، فهو يذكر المسلمين بأيام مجدهم وما وصلوا إليه في الهند من ذل ، ويذكرهم بما كانوا عليه من علم وما وصلوا إليه من جهل .
الكلمات القرآنية في شعر حالي :
لا يزال الأدباء الإسلاميون يستقون من نبض القرآن الكريم ونبعه الغزير ما يقوم ألسنتهم ويكفل لهم إحسان القبول بدون تكلف أو تعمل أو اختيار الألفاظ . . . فأصبح القرآن الكريم معجمهم اللغوي والأدبي الذي ساروا على مداه ، مهما اختلفت أقطارهم وتباعدت أمصارهم وأعمالهم . ومنع الأدباء من تناول الأغراض التي تخالف تعاليم الدين الحنيف ، مثل وصف الخمر والغزل الفاحش الماجن . فلم يتأثر بالقرآن الكريم شعراء العرب فحسب ، وإنما تأثر شعراء الأمم والشعوب الإسلامية بالقرآن الكريم أيضاً في لغاتهم ، مثل الفارسية والتركية والأردية ، وحذا كل شاعر منهم حذو الشعراء العرب ، منهم ألطاف حسين حالي الذي استعار القيم الخلقية والمثل العليا من القرآن الكريم وعندما نقرأ شعره فنجده كأنه ترجمة الآيات القرآنية وتعبير عن الحكم النبوية ، والرسالة الإسلامية الخالدة في طياته ، ورسالة القدوة والعمل للمسلمين . إذا ذهبنا نتتبع آيات القرآن الكريم في شعر حالي وجدناه يشير إليها في مواضع ، وما غرضه من هذا إلا تأييد فكرته بالدليل كل الدليل ، وتأييد مذهبه الإصلاحي الإسلامي الواقعي بالحقيقة التي لا يجد الشك إليها سبيلاً . وانتفع حالي في أشعاره بالنصوص الإسلامية والمفاهيم القرآنية ، كما نعرف أن للألفاظ أهميةً بالغةً ، فهي اللبنة الأساسية التي يشكل بها الشاعر صرحه الشعري ، وكلما اعتنى الشاعر بانتقاء الألفاظ الصحيحة الجزلة الموحية ، كان ذلك مدعاةً لجودة شعره وحسن تأليفه ، وتأتي كلمات القرآن الكريم في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة والبيان ، لأنها : ” لبُ كلام العرب وزبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الشعراء والبلغاء في نظرهم ونثرهم ” [2] ، ولذلك عمد شاعرنا ” حالي ” إلى النص القرآني فاستقى منه الكثير من مفرداته ، وأكثر من استعمال الألفاظ القرآنية في أشعاره . وهنا نتكلم عن الأبيات التي ألفاظها مستقاة من آيات قرآنية مختلفة ، استعملها الشاعر في أبياته مثل ” الجنة ” ، و ” إرم ” ، و ” سلسبيل ” ، و ” كوثر ” حيث يقول :
بہشت اور ارم سلسبیل اور کوثر پہاڑ اور جنگل جزیرے سمندر
اسی طرح کے اور بھی نام اکثر کتابوں میں پڑھتے رہیں اکثر
پہ جب تک نہ دیکھیں کہیں کس یقین پر کہ یہ آسماںپر یا ہیں زمین پر [3]
الجنة وإرم والسلسبيل والكوثر والجبال والغابات والجزائر والبحار نقرأ هذه الأسماء في القرآن الكريم ، فكلمة ” بهشت ” أي ” الجنة ” جاءت في آيات كثيرة : ( مثل الجَنَّة التي وُعِد المتَّقُون إلخ ) [4] ، واللفظ ” إرم ” جاء في سورة الفجر ( إِرَمَ ذَات العِمَاد ) واللفظ ” السلسبيل ” وقد قال الله جل وعلى عنها : ( عيناً فِيهَا تُسمَّى سَلسَبِيلاً ) ، وكذلك نجد كلمة الكوثر في القرآن الكريم ، وهي نهر من أنهار الجنة والخير الكثير ، ( إِنَّا أَعطَينَاكَ الكَوثَر ) [5] وكذلك وصف الشاعر حال أولئك الذين لا يخافون الله ويعملون أعمالاً سيئةً ، إنهم نسوا الله في الحقيقة ، فأنساهم أنفسهم ، قائلاً :
نہ مظلوم کی آہ وزاری سے ڈرنا نہ مفلوک کے حال پر رحم کرنا
ہوا وہوس میں خودی سے گذرنا تعیش میں جینا نمائش پر مرنا
سدا خواب غفلت میں بے ہوش رہنا آدم نزع تک خود فراموش رہنا
فمفهوم كلمة ” خودفراموشى ” ( نسيان الذات ) في هذا البيت قد اقتبس من الآية القرآنية : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم ) [6] .
سمجھتے ہیں گمراہ جن کو مسلماں نہیں جن کو عقبی میں امید غفراں
نہ حصے میں فردوس جن کے نہ رضوان نہ تقدیر میں حور جن کے نہ غلماں
پس از مرگ دوزخ ٹھکانا ہے جن کا حمیم آب وزقوم کھانا ہے جن کا [7]
ففي هذه الأبيات استخدم الشاعر الكلمات القرآنية : ” رضوان ” و ” الغفران ” و ” الفردوس ” و ” الحميم ” و ” الزقوم ” ونجدها في الآيات القرآنية التالية :
( أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَنْ بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ) ، ( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ) ، ( إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ) ، وأما كلمة ” حور ” فقد وردت في آيات قرآنية كثيرة منها : ( كَذٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ) ، وأما كلمة ” غلمان ” فقد وردت في الآية القرآنية التالية : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ) ، وأما كلمة ” حميم ” فقد وردت في ذكر الكافرين الذين يعذبون بعذاب موجع مؤلم في جهنم ، ويشربون ماء شديد الحرارة ، يقول الله تبارك وتعالى في وصف الكافرين : ( وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ ) . هؤلاء الكفار يأكلون في جهنم من شجرة الزقوم ، وهي شجرة تنبت في قعر جهنم ، ثمرها قبيح المنظر كأنه رؤوس الشياطين ، كما قال الله تعالى في كلامه المجيد : ( أَذٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ) .
كذلك استخدم الشاعر ألفاظ ” دين برحق ” ( دين الحق ) في أشعاره المختلفة منها :
لیاعقل ودین سے نہ کچھ کام انہوں نے کیا دین برحق کو بدنام انہوں نے
مگر دین برحق کا بوسیدہ ایواں تزلزل میں مدت سے ہیں جس کے ارکاں
زمانے میں ہے جو کوئی دیں حق کا مہماں نہ پائیں گے ڈھونڈا جسے پھر مسلماں[8]
هذه الكلمات أي ” دين الحق ” نجدها في آيات قرآنية مختلفة منها : ( قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [9] ، ( هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً ) [10] ، وكذلك استخدم الشاعر في بعض أبياته أسماء أصنام مختلفة مثل ” اللات ” و ” العزى ” و ” مناة ” :
قبیلے قبیلے کا اک بت جدا تھا کسی کا ہبل تھا کسی کا صفا تھا
یہ عزی پہ وہ نائلہ پر فدا تھا اسی طرح گھرگھر اک بت تھا [11]
وأسماء هذه الأصنام مذكورة في القرآن الكريم صراحةً : ( أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ . وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ ) [12] . ونجد أيضاً لفظ ” خير الأمم ” في أشعاره :
ہمارا یہ حق تھا کہ سب یار ہوتے مصیبت میں یاروں کے غمخوار ہوتے
سب ایک ایک کے باہم مددگار ہوتے عزیزوں کے غم میں دل افگار ہوتے
جب الفت میں یوں ہوتے ثابت قدم ہم تو کہہ سکتے اپنے کو خیر الامم ہم [13]
وهذا اللفظ متناص في هذه الآية الكريمة : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ) [14] .
الخاتمة :
نلاحظ مما سبق أن الشاعر ألطاف حسين حالي لم يقتصر على الاقتباس النصي والإشاري فحسب ، بل نجده يستدعي الألفاظ القرآنية في شعره ، وذلك لما تحمله هذه الألفاظ من خاصية دلالية مكثفة ، ولأن لجوء الشاعر إلى هذه المفردات القرآنية تطوي أمامه مسافات طويلةً من التعبير وتلهمه تصوير الموقف أدق تصوير ، فقد حرص على الإفادة من هذه الألفاظ لجمال معناها ، وقدرتها الفائقة في التعبير ، ويظهر لنا تأثر الشاعر بمعاني وألفاظ القرآن الكريم في أشعاره ، ويتضح لنا أيضاً أن الألفاظ القرآنية كانت منبعاً يستقي منه الشاعر ويرصع بها نصوصه ، يستجلب من خلاله البركة والحجة ، هذا الأمر الذي يدل على إعجابه التام بالقرآن الكريم .
* قسم اللغة العربية ، جامعة كشمير .
[1] تاريخ أدبيات مسلمانان باك وهند ،ج 9 ، ص 134 ، بنجاب يونيورستى لاهور .
[2] الراغب الأصفهاني ، مفردات في غريب القرآن ، ج 1 ، مصر ، ص 6 .
[3] حالي ، مسدس حالي ، ص 48 .
[4] سورة الرعد ، الآية 35 .
[5] سورة الكوثر ، الآية 1 .
[6] سورة الحشر ، الآية 19 .
[7] حالي ، مسدس حالي ، ص 51 .
[8] حالي ، مسدس حالي ، ص 53 .
[9] سورة التوبة ، الآية 29 .
[10] سورة الفتح ، الآية 28 .
[11] حالي ، مسدس حالي ، ص 20 .
[12] سورة النجم ، الآية 19 – 20 .
[13] حالي ، مسدس حالي ، ص 41 .
[14] سورة آل عمران ،الآية 111 .