شتان بين مؤتمر ومؤتمر

دور العمل الإيجابي في تنحية الشباب عن المفاهيم الخاطئة
يوليو 3, 2024
دور العمل الإيجابي في تنحية الشباب عن المفاهيم الخاطئة
يوليو 3, 2024

صور وأوضاع :

شتان بين مؤتمر ومؤتمر

محمد فرمان الندوي

انطلقت قمة الدول السبع في الفترة ما بين 13 – 15 يونيو عام 2024م لثلاثة أيام ، بإيطاليا على دعوة من رئيسها جارجيا ميلوني ، وكانت محاور مؤتمر القمة قضايا عالمية ، منها قضية أوكرانيا ، وقضية فلسطين ، وقضية البحر الهندي ، والتوترات المتزايدة من الصين ، والذكاء الصناعي ، وقد دُعي إليها كضيوف شرف كثير من الرموز الدينية وأيقونات الدول ورؤساء البلدان ، والمظمات العالمية أمثال البابا فرانشيسكو وأنطونيوغوتيرش الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة ، ورئيس الأردن الملك عبد الله الثاني ، ورئيس تركيا السيد رجب طيب أردغان ، ورئيس وزراء الهند نريندرا مودي وغيرهم ، فهؤلاء الدول التي دُعي رؤسائها إلى مؤتمر القمة ليست أعضاءً في المجموعة ، لكنها تُدعى بكل استمرارية ، ويطالب منها إدلاء الآراء في القضايا الشائكة .

اجتماع استثنائي لتنمية الاقتصاد :

الواقع أن مجموعة الدول الصناعية السبع ( G.7 ) منظمة اقتصادية لمواجهة الأوضاع الطارئة ، تأسست في نوفمبر عام 1975م بعد ما اشتبكت الظروف العالمية بالنظر إلى قضية فلسطين ، ووقعت حرب ثالثة بين العرب وإسرائيل ، وقد وقعت من قبل حربان بين العرب وإسرائيل عام 1948م ، وعام 1967م ، ولم تتحقق الغاية المتوخاة من ورائها ، وبدأت المعدات الحربية والعسكرية ترسل مباشرة من الدول الأروبية إلى إسرائيل ، رغم أن الدول الأوربية كانت عالةً على العالم العربي في استخراج البنزين ، والحصول على النفط الذي يسير عجلة الحياة ، فدعا بعض الغيارى من ملوك العرب اجتماعاً استثنائياً ، واتفقوا على قرارات حاسمة ، بحيث إن الدول الأوربية إذا لم تتأخر عن مساندة إسرائيل ، ومواصلة الاعتداءات على السكان العرب في فلسطين لاضطروا إلى إلغاء مواثيقهم نحو تصدير البنزين إليها ، ورحم الله الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمةً واسعةً ، فإنه خاض في هذا الغمار ، من دون لومة لائم ، وكان قراره قراراً حاسماً في هذه القضية ، ولم يخطر ببال أوربا مثل هذا القرار من قبل ، هذا الذي أرجعها فكرياً إلى عصر الحجارة ، ولو للمحة واحدة ، ففكرت الدول الأوربية نحو تنمية اقتصادها والتكفل بوسائلها ، فأنشأت مجموعة الدول الست التي تضم أمريكا ، وألمانيا ، وإيطاليا ، وفرنسا ، وبريطانيا ، واليابان ، ثم انضمت إليها كندا عام 1976م ، فأصبحت هذه المجموعة مجموعة الدول السبع ، وكانت روسيا منذ 1997م عضواً لهذه المجموعة ، لكنها بعد إغارتها على كريميا             ( Crimea ) في أوكرانيا واستيلائها عليها ألغيت عضويتها ، فبقيت الدول السبع متحدةً ومتعاضدةً في هذه المجموعة .

توصيات ليست من العدل في شيئ :

وانتهت القمة بقرارات وتوصيات هامة ، منها الدعم الخاص لقضية أوكرانيا ، وتحديد مبالغ باهظة من الدولارات ، ونصت التوصيات على أن الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ سنتين لا بد لها من تمويل أوكرانيا ، وتسليحها بالأسلحة الحديثة الأحدث ، دار الحديث في هذه القمة حول أوكرانيا كأنها عُقدت لهذا الغرض ، كما جرى فيها الاستنكار والشجب لعمليات القتل للرجال والنساء والأطفال على أرض فلسطين ، وأعاد جوبايدين بهذه المناسبة اقتراحها لحل هذه القضية ، لكن هذا الاقتراح بموقفه الثنائي المزدوج لم ينل طريقه إلى العمل والتنفيذ ، فإن هذه المجموعة لا تزال ترسل الأسلحة الفتاكة لتدمير غزة وفلسطين ، وتقوم مع إسرائيل جنباً إلى جنب ، وتشجعها من وراء الستار ، وترسل حيناً لآخر إلى الدول العربية ممثلها ووزير خارجيتها لتطبيع العلاقات معها ، وإدراك حقيقة الأمر ، فإن دراسة هذه التوصيات تكشف أن مجموعة هذه الدول كانت ولا تزال متحسمةً خلال القمة لوقف الحرب في أوكرانيا ، وتزويدها بالوسائل والأسباب ، لكنها فقدت حماستها ” النادرة ” نحو قضية غزة ، وإنهائها كلياً ، فإذا كانت الولايات تعتبر نفسها سيدة العالم ، وقائدة الدول ، أكبر قوة عالمية على وجه الأرض ، فلابد من توحيد المواقف والآراء في جميع القضايا العالمية ، وإن الولايات المتحدة تتهم الصين بالضلوع في قضية أوكرانيا دعماً لروسيا ، وتوفير المعدات العسكرية إليها ، وفي جانب آخر تقوم الولايات المتحدة بمساندة لأوكرانيا ، وتخصيص كميات هائلة من الدولارات لها .

هذا الجانب الانحيازي لمجموعة الدول السبع في قمتها أثار حفائظ روسيا وغيرتها الخامدة ، وقد كان من الإنصاف أن يُدعى الطرف الثاني من حرب أوكرانيا وروسيا إلى القمة ، واللافت للنظر أن روسيا كانت عضواً في هذه المجموعة ، لكن شطب اسمها من هذه القائمة قبل أكثر من عشر سنوات ، وقد استنكرها الحضور الأعضاء في القمة استنكاراً شديداً لعمليات روسيا على أوكرانيا ، ولم يرتفع صوت من قبل هؤلاء العقلانيين ، أدعياء العدل والإنصاف على الخسارات الأخرى التي تلحق بالدول الأخرى ، إن هذا الموقف المزدوج ، وهذا الرأي الثنائي هل يقبله الضمير الإنساني ؟ كلا ، لا والله ، إنه وصمة عار أصبحت ضربة لازب على الذين يهتفون صباح مساء بالأمن والسلام ، والعدل والمساواة ، وأعجب من ذلك وأغرب أن هذه الدول تصدر قرارات وإعلانات حول قضايا عالمية في جانب ، وتعلن إعلانات صارخة عنها ، لكنها تتعامل معها في إرسال أسلحة مبيدة ، وقنابل مهلكة إليها لقتل الأبرياء العزل .

الحاجة إلى رجال عصاميين :

في هذه الظروف لا بد من مراجعة التاريخ الإنساني ، واستكشاف العصاميين من الأمة المسلمة ، ويمكن هنا مجرد إشارة إلى مآثر الملك فيصل بن عبد العزيز ( 1906م – 1975م ) الذي وهبه الله عزيمةً صادقةً ، وقوةً حازمةً ، فكان يقاوم القوى المعادية للإسلام بقوة وأناة ، وكان يتمنى أن يستقل العالم الإسلامي من سيطرة الأعداء الألداء ، الذين يتربصون به الدوائر ، ويحيكون له خيوط المؤامرات النجسة ، إن موقفه نحو قضية فلسطين كان واضحاً ، وكان يقول بكل صراحة مخاطباً للمسلمين : ” علموا أولادكم أن فلسطين محتلة ، وأن المسجد الأقصى أسير ، وأن المقاومة شرف ، وأنه لا توجد دولة اسمها إسرائيل ” ، لا شك أنه أصاب المحز حينما تكلم بهذه القولة الصريحة من دون خوف لا خجل ، وقد سجلت كتب التاريخ أن الملك فيصل أعلن من خلال إذاعات المملكة عن تصريحاته : ” إننا نعتبر قضية فلسطين قضيتنا وقضية العرب الأولى ، وإن فلسطين بالنسبة لنا أغلى من البترول كسلاح في المعركة إذا دعت الضرورة لذلك ، وإن الشعب الفلسطيني لا بد وأن يعود إلى وطنه ، حتى ولو كلَّفنا ذلك أرواحنا جميعاً ” ، فقد دافع الملك فيصل عن المسجد الأقصى على منبر الأمم المتحدة ، وقال بكل قوة : الشيئ الوحيد الذي بدَّد السلام في المنطقة هو القضية الفلسطينية ، وفي أكتوبر 1973م أصدر الملك فيصل قراراً تاريخياً عن قطع البترول عن الولايات المتحدة فقال في قراره : إن استيناف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة ، فلقي هذا القرار قبولاً وترحاباً كبيراً في العالم كله ، ولم يكن هذا القرار من السعودية فقط ، بل كان من منظمة الدول العربية المصدرة للبترول         ( أوبك ) ، فكان ذلك مبعث حزن كبير للغرب ، وقد كان من مآثر الملك فيصل أنه حاول لنشر التضامن الإسلامي في العالم الإسلامي ، وعقد في مدينة الرباط أول اجتماع تحقيقاً لهذا الغرض ، فسارع إليه الملك فيصل على جناح الشوق ، كما حضرت بهذه المناسبة 26/ دولة عربية وإسلامية ، فأنشئت بموافقة جميع الدول الأعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي 1969م ، ثم منظمة التعاون الإسلامي ، ثم تطورت حتى أصبحت الآن منظمةً إسلاميةً كبيرةً تضم سبعاً وخمسين دولة إسلامية ، وهي تحمل رسالة جماعية للمسلمين ، ونظراً إلى حماسه النادر في التاريخ الجديد اغتيل بيد ابن أخيه بالمسدس ، وانتقل إلى رحمة الله تعالى ، لكنه ترك بصمات رائعة على صفحات التاريخ الإسلامي .

شتان بين مؤتمر ومؤتمر :

تُعقد مؤتمرات لمجموعة الدول السبع كل عام ، كما تنظم جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها من المنظمات العالمية ، مؤتمرات وندوات لصالح بلادها وعبادها ، لكن شتان بين مؤتمر ومؤتمر ، وندوة وندوة ، فالحاجة ماسة اليوم إلى مراجعة الأعمال ، والعودة إلى المصدر الأصيل الذي تحدث عنه الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله : ” لا ينهض العالم الإسلامي إلا برسالته التي وكلها إليه مؤسسه صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بها والاستماتة في سبيلها ، وهي رسالة قوية واضحة مشرقة ، لم يعرف العالم رسالة أعدل منها ، ولا أفضل ولا أيمن للبشرية منها ……. وبالاستعداد الروحي والاستعداد الصناعي والحربي والاستقلال التعليمي ينهض العالم الإسلامي ، ويؤدي رسالته من الانهيار الذي يهدده ، فليست القيادة بالهزل ، إنما هي جد الجد ، فتحتاج إلى جد واجتهاد ، وكفاح وجهاد ، واستعداد أي استعداد ، كل امرئ يجري إلى يوم الهياج بما استعدا ” ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : 295 ) .