بين الطاعون و ” كورونا فيروس ” أسبابه وتعليمه
يوليو 25, 2020أبو نصر الفارابي وجهوده العلمية مع إشارة خاصة إلى كتابه ” إحصاء العلوم ” ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 15, 2020دراسات وأبحاث :
سلطانات وحاكمات من التاريخ
السلطانة الأولى : آسيا بنت مزاحم – رضي الله عنها –
بقلم : زينب رحمة الله ، الدوحة ( قطر العربية )
كانت آسيا ذات فراسة وشجاعة وترجّت فرعون أن يحفظ موسى – عليه السلام – ونفعها الله – سبحانه وتعالى – بذلك وفتح قلبها للإيمان ؛ وكامرأة وأنثى استطاعت آسيا – رضي الله عنها – أن تحرر نفسها وفكرها من القيود ورفضت السير في ركب زوجها ؛ ورفضت مغريات الحياة وراحتها وأعلنت عن موقفها بقوة وصبر وثبات .
وقد كانت آسيا ملكة على عرشها ؛ تعيش في قصور ممهدة ؛ وبين يديها العبيد والجواري ؛ إلا أنها فضلت جنات وقصوراً وعبيداً وجوراي ربها ؛ واشتاقت لجوار ربها وتسابقت في قوافل الشهداء . فآمنت بالله – سبحانه وتعالى – وتجرأت على مدعي الألوهية فرعون وأعلنت إيمانها ؛ فما كان من ذلك الطاغية الذي لم يتحمل إيمان زوجته – التي شاركها الحياة – بإله غيره ؛ إلا أن عذبها أشد العذاب ؛ فأمر أن تربط يداها ورجلاها على أوتاد من حديد وأن تضرب ضرباً شديداً ؛ فضربت حتى سالت دماؤها وانسلخ جلدها ؛ وأمر بوضع رحى على صدرها ؛ ولكن إيمان تلك المرأة كان أكبر من جبال الأرض فصبرت واحتسبت ؛ وعندما عاينت الموت رفعت بصرها إلى السماء ودعت الله – سبحانه وتعالى – أن يرحمها ويبني لها بيتاً في الجنة ؛ قال تعالى : ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” ، فاستجاب الله دعائها ؛ يقول ابن كثير – رحمه الله – : فرأت بيتها في الجنة ؛ فابتسمت وضحكت حين رأت بيتها ، فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها ! إنا نعذّبها وهي تضحك ، ثم ماتت – رضي الله عنها – ؛ نعم ماتت من عاشت بين القصور والبخور والعطور والخدم والعبيد واختارت الموت ولقيا ربها ؛ كيف لا ؟ وهي المؤمنة المتضرعة ؛ يقول السعدي – رحمه الله – : ” فوصفها الله بالإيمان والتضرع لربها ؛ وسؤالها لربها أجل المطالب ؛ وهو دخول الجنة ؛ ومجاورة الرب الكريم ؛ وسؤالها أن ينجيها الله من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة ؛ ومن فتنة كل ظالم ؛ فاستجاب الله لها ؛ فعاشت في إيمان كامل وثبات تام ؛ ونجاة من الفتن ” .
فالملكة التي كانت إذا أرادت التحرك وقفت لها أنفاس الخدم ؛ وإذا أرادت الإشارة تسابقت لها الأيدي بما اشتهت من النعم ؛ والتي عاشت في أجمل القصور وارتدت أغلى الحلي ؛ عفت نفسها عن هذا النعيم الزائل وفضلت قصراً لا يزول وحللاً لا تبلى وحلياً لا يصدأ ؛ وملكاً لا يفنى .
ولهذا قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – عنها : ” كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ” ( صحيح البخاري ومسلم ) ، والمراد : بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء ( فتح الباري 6/447 ) ، وقال النووي المراد هنا : ” التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى ” ( شرح صحيح مسلم 15/198 ) .
وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : خط رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الأرض خطوطاً أربعة ثم قال : تدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ابنة عمران ، وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ” . ( رواه أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك ) .
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” حسبُك مِن نساء العالَمين أربعٌ : مريم بنت عمران ، وآسيا امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ” ( رواه أحمد وابن حبان ) .
هذه المرأة والملكة المؤمنة والسراج الذي أضاء ظلمات قصر فرعون ؛ فهل لنا أن نكون سراجاً يضيئ ويشع النور حاملاً معه الصبر والثبات والدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى– ؟
المصادر والمراجع :
- المستدرك للحاكم
- تفسير السعدي
- تفسير ابن كثير
- شرح صحيح مسلم للنووي
- صحيح ابن حبان
- فتح الباري لابن حجر
- مسند الإمام أحمد
السلطانة الثانية : الملكة بلقيس – رضي الله عنها –
المكلة العظيمة التي خلد ذكرها في القرآن الكريم ؛ والتي امتد حكمها من اليمن حتى فلسطين وضفتي البحر الأحمر ؛ الملكة التي تذكر جنباً إلى جنب مع سيدنا سليمان – عليه السلام – فلا يمكن لأي مؤرخ ومفسر القفز عن ذكرها . وهذه الملكة هي ملكة سبأ الملكة بلقيس الموصوفة بالحكيمة والمقتدرة ؛ والتي وصف عرشها بالعظمة ؛ وقومها بالقوة والبأس .
الملكة التي كانت هي وقومها يعبدون الشمس من دون الله – سبحانه وتعالى – ؛ حيث إن ديانة السبئيين كانت تقوم على عبادة الكواكب ؛ والديانة الرئيسة عندهم تقوم على ثالوث من الكواكب هو : المقه ؛ ذات حميم ؛ عثتر ، ويتكون من : الإله الأب : القمر ؛ والإله الأم : الشمس ؛ والإله الابن : نجم الزهراء ( اليمن ماضيها وحاضرها للدكتور أحمد فخري ؛ ص 56 ) .
ذكرت قصة الملكة بلقيس في القرآن الكريم في سورة النمل ؛ وتبدأ من اختفاء الهدهد من مجلس سليمان – عليه السلام – وتوعده إياه إن لم يأت بعذر مبرر ؛ قال تعالى : ” وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ؛ لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِين ” ( سورة النمل 20 – 21 ) .
ويذكر ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره : ” قال سفيان بن عيينة وعبد الله بن شداد : لما قدم الهدهد ، قالت له الطير : ما خلفك ؟ فقد نذر سليمان دمك ؛ قال : هل استثنى ؟ قالوا : نعم . قال : ” لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ” قال : نجوت ” .
ويذكر الرازي – رحمه الله – في تفسيره عن المرأة التي كانت تملكهم أنها : ” بلقيس بنت شرحبيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ؛ وكانت هي وقومها مجوس يعبدون الشمس ، والضمير في تملكهم راجع إلى سبأ ؛ فإن أريد به القوم فالأمر ظاهر ، وإن أريدت المدينة فمعناها تملك أهلها ” .
وجاء في تفسير ابن كثير – رحمه الله – أن الملكة بلقيس كانت تمتلك مأة ألف قيل ، تحت كل قيل مأة ألف مقاتل ؛ أما أولو مشورتها فكانوا ثلاث مأة واثني عشرة رجلاً ؛ وكل رجل منهم على عشرة آلاف رجل ؛ وكانت بأرض تعرف بالمأرب على بعد ثلاثة أميال من صنعاء ؛ أما عرشها فكان سرير عظيم تجلس عليه مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللآلئ ؛ وقال زهير بن محمد ابن إسحاق أنه كان : ” من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ” .
وعندما وصل إليها كتاب سليمان – عليه السلام – أرسلت إليه هديةً عظيمةً قيل إنها كانت لبناً من ذهب ؛ وقيل أنها آنية من ذهب ؛ وذكر مجاهد أنها أرسلت جواري في زي غلمان وغلمان في زي جواري ؛ وقالت إن عرف هؤلاء فهو نبي ؛ أما سليمان – عليه السلام – فرفض هذه الهدايا ؛ وقال : ” أَتُمِدُّونَن بِمَالٍ ” أي : أتصانعونني بمال لأترككم في شرككم ومالكم ؟ وقد أعطاني الله – سبحانه وتعالى – ملك ومال خير مما أنتم فيه ، ولما رجعت رسلها إليها سمعت وأطاعت هي وقومها وأقبلت تسير إلى سليمان – عليه السلام – هي وقومها خاضعة لمتابعة الإسلام .
ويذكر الإمام الشوكاني – رحمه الله – كيف أن هذه الملكة العظيمة جمعت قومها وشاورتهم وحذرتهم من مسيرة سليمان – عليه السلام – إليهم قبل أن تعرف حقيقته ؛ حيث قال : ” في قوله تعالى : ” أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ” ؛ جمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم في رأيها ؛ فأجمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه فسارت حتى إذا كانت قريبة ؛ قالت : أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله ؛ وإن ردها تابعته فهو نبي ” .
ثم يذكر ابن كثير – رحمه الله – كيف نقل سليمان – عليه السلام – عرشها ؛ بعدما جمع الإنس والجن وقال لهم : ” يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ” ( سورة النمل 38 ) .
وقد أراد سليمان – عليه السلام – فعل ذلك لأنه بعد إسلامهم لن يحل له أخذ أموالهم ؛ وفعل ذلك ليريهم قدرته ودليل نبوته ؛ فقال مارد من الجن : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك أو مجلسك أو مقعدك ؛ أما الذي عنده علم من الكتاب فقام وتوضأ ودعا الله – سبحانه وتعالى – قائلاً : ” يا إلهنا وإله كل شيئ إلهاً واحداً لا إله إلا أنت إيتني بعرشها ” ؛ قال فمثل بين يديها .
أما في قوله تعالى : ” قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ” ( سورة النمل 41 ) .
إنما كان ذلك لاختبار ذكائها وبعد نظرها وثباتها ؛ حيث قالت : كأنه هو ؛ أي أنه يشابهه ويقاربه وهذا غاية في الحزم والذكاء ، ثم عندما أرادت دخول الصرح والقصر العظيم الذي بناه لها سليمان – عليه السلام – من زجاج يجري تحته الماء ؛ كشفت عن ساقيها فقيل لها : أنه صرح ممرد من قوارير ؛ فدخلته ودعاها سليمان – عليه السلام – إلى عبادة الله – سبحانه وتعالى – فقالت بقول الزنادقة فسقط سليمان – عليه السلام – ساجداً لله إعظاماً لما قالت ، وسجد من معه من الناس ؛ وعندما رأت ذلك قالت : ” رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” ( سورة النمل 44 ) ؛ فأسلمت وحسن إسلامها .
وهكذا كانت ملكة سبأ بلقيس امرأة تميزت بالفراسة والحكمة والدهاء والذكاء ؛ فلم تستبد برأيها في الأمور العظيمة والخطوب الجليلة ، ولجأت إلى استشارة قومها ؛ ويدل ذلك على فطنتها ؛ ولما عرفت الحق آمنت به وأسلمت للَّه طوعاً مع سليمان – عليه السلام – .
الملكة التي ذكرت في التوراة والإنجيل وكتب الأساطير والتاريخ ؛ والتي هي مثال المرأة الطاهرة والشجاعة والعزيمة وقوة التأثير .
تلك هي ملكة سبأ ، قال الهمداني أنها : بلقيس ابنة ذي شرح .وذكر الطبري : أنها ابنة إيلي شرح ؛ ويقول بعضهم : ابنة ذي شرح بن ذي جدن بن إيلي شرح بن الحارث بن قيس بن صفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب . بينما نسبها وهب بن منبه إلى الهدهاد ابن شرحبيل بن عمرو بن غالب بن السياب بن سبأ .
وكان والدها ملكًا عظيمًا ويعد من الملوك الأربعين المتأخرين الذين حكموا بلاد اليمن ؛ خلفه ابن أخيه الذي عرف بفجوره وسوء خلقه بعد وفاته ؛ فأضر بسمعة نساء مملكته ؛ وتعرض لبلقيس التي دبرت لمقتله وخلصت البلاد من شروره ؛ وبذلك أثبتت جدارتها وقوتها ودهاءها ؛ فما كان من رجال كبار الدولة إلا اختيارها كملكة عليهم ؛ وهكذا ظفرت بلقيس بأعظم عرش في التاريخ ، ويقول الشاعر تبّع في وصف عرشها :
عرشها رافع ثمانين باعًا كللته بجوهر وفريد
وبدر قد قــيـدته وياقوت بالــــتــــبـــر أيـما تقييد
وبالغت الكتب والأساطير في وصف عرشها العظيم ؛ كما بالغوا في وصف جندها وجيشها ووزرائها ؛ كما ذكروا أنه بعد إسلامها تزوجت سليمان – عليه السلام – وأنجبت له ولداً سُمي داود توفي في حياتهما ؛ وبعض المصادر الهندية تذكر أنه انجبت له آخر سُمي ابن الحكيم ؛ ورث بلقيس على عرشها ورفض توريث سليمان – عليه السلام – ؛ إلا أن بعض الروايات تذكر أن سليمان – عليه السلام – أعاد بلقيس إلى اليمن وزوجها من تبع ملك همدان وعاشت معه في رخاء .
ومن أعمال هذه الملكة العظيمة أنها بنت قصر غمدان العظيم الذي قيل أنه عشرون طبقة فوق بعضها البعض ؛ وكما قامت ببناء سد مأرب ؛ الذي ذكره الفخر الرازي : ” إن بلقيس هي التي مدت سد مأرب وجعلته طبقات ثلاثاً بعضها فوق بعض ” ؛ كما ازدهرت على يديها التجارة والزراعة ، وزادت ثروات البلاد واستقرت أحوال الناس .
هذه هي الملكة بلقيس الأسطورة التي خلدت في التاريخ على مر الزمان والدهور .
وذكرت الملكة بلقيس في قصيدة نشوان الحميري ؛ حيث قال :
أم أينَ بلقيسُ المعظَّمُ عرشُهُا أوصرحُهُا العالي على الأضراحِ
زارتْ سلــيــمانَ الـنـبـيَّ بتدمرٍ مِنْ مـــاربٍ ديـــناً بلا استنكـاحِ
المصادر والمراجع :
- الإكليل للهمداني
- البداية والنهاية لابن كثير
- التيجان في ملوك حمير لوهب بن منبه
- تاريخ ابن الوردي
- تاريخ الطبري
- القصيدة الحميرية لنشوان الحميري
- اليمن ماضيها وحاضرها للدكتور أحمد فخري
- المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها لعبد الله عفيفي
- نساء لهن في التاريخ الإسلامي نصيب لعلي إبراهيم
- سطور مع العظيمات لمحمد كامل
- تفسير الرازي
- تفسير ابن كثير
- تفسير الشوكان