قضايا معاصرة هامة من مفطرات الصوم
أبريل 20, 2022المخاطر في الصكوك الإسلامية
أغسطس 28, 2022الفقه الإسلامي :
سفر النساء للحج دون محارم
( الحلقة الأولى )
أ . د . المفتي محمد مصطفى عبد القدوس الندوي *
ومما يمتاز الإنسان ويفوق على غيره من الخلائق : النزاهة والطهارة وعفة النفس ، ولتحقيقه شُرِع النكاح ، وأُمر الناس بالابتعاد عن مواضع الفتن ، ونُهوا عن الاقتراب بها واتخاذ الدواعي والوسائل التي توصلهم إليها ؛ فتُلقيهم في التهلكة ، وتُجرّدهم من لباس التقوى وجوهر العفاف . وهذا الحكم الشرعي يكلف به الذكر والأنثى جميعًا على التساوي ، إلا أن الأنثى ضعفة خلقة ، وعبارة عن الستر والحجاب ، حتى قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” المَرْأَةُ عَوْرَةٌ ” . ( أخرجه الترمذي في الرضاع ، باب ، برقم : 1173 ، وقال : ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ” ، وابن خزيمة في صحيحه ، برقم : 1685 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 5598 ) . واهتم الإسلام بالحفاظ عليها أكثر وأمرها بالمكث في البيت ومنعها من الخروج منه إلا عند الحاجة ؛ فقال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) [ الأحزاب : 34 ] .
ومن تدابير ووسائل الحفاظ عليها ، ومن طرق الرفق بالقوارير أن لا تسافر إلا أن يكون معها زوجها أو محرم من محارمها ، هذا في جانب من جهة الشرع الإسلامي ، وفي جانب آخر أن ذلك الزمان وفّر تسهيلات متنوعة في مجالات الحياة الإنسانية حتى سهّل السفر وأطوى بعده ، وجعل المسافة البعيدة أن يقطعها الإنسان في أقل وقت في عدة ساعات ، فتخففت مشقة السفر وتقللت الفتن ، وأمكن أن يودّعها امرأةً محرمٌ لها في الطائرة بحيدرآباد مثلاً ، ويستقبلها زوج أو محرم آخر في جدة بلا خوف وخطر . وفي تلك الخلفية والأوضاع الراهنة قد حدثت قضايا معاصرة عديدة حول سفر المرأة للحج ، تحتاج إلى تقديم حلول شرعي ، والتفكر والتأمل من جديد في ضوء القرآن والحديث والفقه الإسلامي وأصوله ، وهي :
1 – شرط المحرم في سفر المرأة في ضوء الكتاب والسنة :
قد علمنا أنه لابدّ أن يكون مع النساء محرم في السفر ، إلا أنه ينشأ هناك سؤال ، ما هو المراد منه ؟ هل المراد من السفر مسافته الشرعية المحددة لقصر الصلاة ، أو مطلق السفر أو هو مقيد بأيّام معيّنة ؟
ينبغي لنا قبل أن نخوض في الجواب والتعيين في المراد من السفر ، أن نجمع الروايات الواردة في ممانعة السفر للنساء بغير محرم ؛ فتنقسم الروايات كلها إلى أربعة أقسام :
الأول : أن لا تسافر المرأة مطلقاً إلا إذا كان معها زوجها أو محرم من محارمها ، بدون أيّ قيد مسافة أو يوم وليلة ، كما يدل عليه قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) [ الأحزاب : 34 ] . ومن الأحاديث :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ” أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ” . ( أخرجه الترمذي في الفتن ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الجَمَاعَةِ ، برقم : 2165 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وابن حبان في صحيحه ، ذِكْرُ الزَّجْرِ أَنْ يَخْلُوَ الْمَرْءُ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمُغِيبَةٍ ، برقم : 5586 ، والحاكم في المستدرك ، برقم : 387 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ) .
وعن أبي معبد ، قال : سمعت ابن عباس ، يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ” لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ” فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، امرأتي خرجت حاجّة ، واكتتبتُ في غزوة كذا وكذا ، قال : ” ارجع فحُج مع امرأتك ” . ( أخرجه البخاري في الجهاد والسير ، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجَّة ، أو كان له عذر ، هل يؤذن له ، برقم : 3006 ، ومسلم ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 424 – 1341 ، وللفظ لمسلم ) .
وجه الاستدلال أن الله تعالى يُحبّ أن تكون المرأة محصورةً في البيت ، لا تخرج عنه إلا عند الحاجة ؛ بل جعل الشرع الإسلامي خروجها ذريعةً للفتنة ؛ فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” المَرْأَةُ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ” . ( أخرجه الترمذي في الرضاع ، باب ، برقم : 1173 ، وقال : ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ” ، وابن خزيمة في صحيحه ، برقم : 1685 ) . وزاد ابن حبان في صحيحه ، ( رقم : 5598 ) : ” وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ رَبِّهَا إِذَا هِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا ” . ولأجل ذلك لم يفرض عليها الأعمال التي تحتاج إلى الخروج من البيوت لتحقيقها من الجهاد ونفقة الزوج والأولاد ، ولم يوجب عليها صلاة الجمعة والعيدين وجماعة الصلوات الخمس المفروضة ، ولم يجعل انعقادها مسنونةً في حق النساء بل جعل أفضل الصلوات فرادى ، ثم جعل خيرها مهما كانت أخفى وأستر ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : ” صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا ، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا ” . ( أخرجه أبو داود ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ ، برقم : 570 ، وابن خزيمة في صحيحه ، بَابُ اخْتِيَارِ صَلاةِ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا عَلَى صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا ، برقم : 1690 ، وابن حبان في صحيحه ، ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ صَلاةَ الْمَرْأَةِ كُلَّمَا كَانَتْ أَسْتَرَ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِهَا ، برقم : 2217 ، والحاكم في المستدرك ، وَمِنْ كِتَابِ الإِمَامَةِ ، وَصَلاةِ الْجَمَاعَةِ ، برقم : 757 ) . ورُوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ أَحَبَّ صَلاةٍ تُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ إِلَى اللَّهِ فِي أَشَدِّ مَكَانٍ فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً ” . ( أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ، بَابُ اخْتِيَارِ صَلاةِ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا عَلَى صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا ، برقم : 1691 ) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمَّتِهِ ، امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ ، فَقَالَ : ” قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي ، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي ” ، فَأَمَرَتْ ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْئ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ . ( أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ، بَابُ اخْتِيَارِ صَلاةِ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا عَلَى صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا ، برقم : 1689 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 2217 ، وأحمد في مسنده ، برقم : 27090 ) .
والثاني : أن الأحاديث المانعة وردت مقيّدة بمسيرة يوم وليل ؛ فهذا أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ ” . ( أخرجه البخاري ، باب : في كم يقصر الصلاة ، 1088 ) .
والثالث : أن الأحاديث المانعة وردت مقيّدة بمسيرة ثلاثة أيام وليالي ، فمنها ما رُوي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ” ( أخرجه البخاري ، باب : في كم يقصر الصلاة ، برقم : 1086 ، ومسلم عن أبي سعيد الخدري ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 417 – 827 ) .
وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها ، أو أخوها ، أو زوجها ، أو ابنها ، أو ذو محرم منها ” . ( أخرجه الترمذي في الرضاع ، باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها ، برقم : 1169 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 2718 ، 2733 ) .
والرابع : هو المقيد بمسافة معيّنة : كما هو مرويّ عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا يحل لامرأة ، تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر بريداً ” . ( أخرجه أبو داود ، باب في المرأة تحج بغير محرم ، برقم : 1725 ، وابن خزيمة في صحيحه ، بَابُ الزَّجْرِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بَرِيداً مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ ، برقم : 2526 ، وقال المحقق الأعظمي : إسناده صحيح ، ابن حبان في صحيحه ، برقم : 2727 ، والبزار في مسنده ، برقم : 8520 ، والْبَرِيدُ : اثْنَا عَشَرَ مِيلاً بِالْهَاشِمِيِّ ( صحيح ابن خزيمة ، رقم : 2526 ) .
2 – مبنى حكم شرط المحرم في سفر المرأة :
واتضح مما سبق أن الروايات ليست متفقةً في تعيين المسافة وعدد الأيام والليالي ، ثم المستزاد عليه منها ما يدل على منع خروج النساء بغير محرم مطلقاً ، كما يدل عليه قوله تعالى ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) [ الأحزاب : 34 ] أيضاً ، كما سبق مفصلاً ، ويتقاضاه مقصد الشريعة الإسلامبة المطهرة أيضاً ؛ بما سمّت المرأةَ عورةً ، ومعنى العورة أن تكون مستورةً عن أعين الناس مهما كان في وسعها ، ومحصورةً في البيت مهما أمكن ، كما تقدم ؛ فيمكن أن يقال في ضوء ما سبق : إن الأصل في سفر المرأة أن يكون معها زوجها أو محرم من محارمها ، سواء كان سفرها ليوم وليلة ، أو ليومين وليلتين ، أو ثلاثة أيام وليالي ، أو أقل من يوم وليلة ، أو أكثر من ثلاثة أيام وليالي ؛ لأنه إذا كان سفرها ثلاثة أيام وليالي ممنوعاً بدون محرم ، وإذا كان سفرها أكثر منها فيكون ممنوعاً بالدرجة الأولى بغير محرم ، وقد نص عليه في رواية أخرى ، وهي عن أبي سعيد الخدري ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم ” أخرجه مسلم في الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 418 – 827 ) .
وأما إذا كان سفرها أقل من يوم وليلة ؛ فيدل على منع سفرها بغير زوج أو محرم قول الله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) [ الأحزاب : 34 ] ، وإطلاق الأحاديث الخالية من تقييد مسافة ويوم وليلة ، وحديث ما جاء فيه أن امرأة إذا خرجت منفردةً بغير محرم ، استشرفها الشيطان ويصطادها ، ثم يفعل بها ماشاء ويستخدمها كيفما شاء ، وحديث تحريم الخلوة بالأجنبية .
ثم يتقاضى مقصد الشريعة الإسلامية المطهرة أن لا تخرج أولاً ، وإن أرادت أن تخرج عند الحاجة فلا بد أن تكون معها زوجها أو محرم من محارمها ؛ لأن الشارع جعل المرأة عورة ، وخروجها يخالف كونها عورةً .
والمراد من السفر الممنوع المنهي عنه في النصوص الشرعية في الحقيقة : السفر الذي تخشى فيه المرأة الفتنة على نفسها ، طويلاً كان أو قصيراً ، أو أكثر من يوم وليلة أو أقل منه . ويمكن أن يحمل اختلاف المسافة الوارد في النصوص الشرعية على اختلاف الظروف والأحوال يخشى فيها الفتنة ويغلب الظن فيها الفتنة . والدور الحاضر الذي نعيش فيه ونتنفّس ونمر به ، لا يخفى على أرباب العقول والأبصار ، هي أسوأ وأشر الأدوار ، وتتزايد الشرور والفتن يوماً بعد يوم بشتى أشكالها وأنواعها ، وباب الفتنة مفتوح على مصراعيه على الدوام ، وتهدّدها وتحذّرها وتفزعها كل وقت وآن ، وما زالت على خطر إن خرجت بغير محرم أو زوج إلى أن تعود إلى بيتها ، فالخير كل الخير في عدم سفر المرأة بدون محرم ولو كان أقل مدة من يوم وليلة ، حتى المشي إلى السوق أيضاً .
وخلاصة القول أن سفر المرأة بغير محرم لم يتقيد بيوم وليلة ولا أقل من ذلك ولا أكثر ، ولا بزمان ولا بمسافة سفر شرعي ؛ فلا يجوز شرعاً أن تخرج خارج البيت إلا عند الحاجة ويكون معها زوج أو محرم ، خاصةً لا تسافر سفراً يصدق عليه اسم السفر عرفاً ، سواءً كان طويلاً أو قصيراً ؛ بما أسلفنا . ولأنه تعرض للأخطار ودعوة إلى فتنة إلى نفسها ، ومن المعلوم أن الفتنة تحدث فجأةً .
وأما خروجها من بيت إلى بيت أو من محلة إلى محلة قريبة فيجوز أن تخرج فرادى بغير محرم إذا كان الطريق مأموناً وتأمن على نفسها ( بدائع الصنائع : 2/301 ) .
3 – سفر المرأة لحج التطوع دون محرم :
اتفق عامة أهل العلم على أن المرأة لا يجوز لها ولا يحل شرعاً أن تخرج من بيتها إلى حج نفل أو عمرة أو إلى سفر آخر مباح إلا مع زوج أو محرم ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر ( راجع : بدائع الصنائع : 2/123 ، والذخيرة : 3/180 ، والبيان : 4/45 ، وحاشية الدسوقي : 2/9 ، ط : دار الفكر ، رد المحتار : 1/146 ، ط : دار إحياء التراث العربي ، ونهاية المحتاج : 3/250 ، ط : مصطفى الحلبي 1967م ، وكشاف القناع : 2/394 ، ط : عالم الكتب 1983م ، وفتح الباري : 4/91 ، ونيل الأوطار : 5/16 ) ، وهو المذهب الصحيح المنصوص عند الشافعية . ( المجموع للنووي : 8/147 ، 9/326 ) .
ثم الحنفية أباحوا سفر المرأة بما دون ثلاثة أيام وليالي بلا محرم ، وهم يقولون : ما دون ثلاثة أيام ليس بسفر ؛ فلا يشترط فيه المحرم ، كما لا يشترط للخروج من محلة إلى محلة . وعلى هذا : إذا كانت المسافة بين المرأة وبين مكة ثلاثة أيام فصاعداً فلا يجوز لها الخروج لحج التطوع بغير زوج أو محرم ، وإن كانت أقل من ذلك جاز لها الخروج لحج التطوع بغير زوج أو محرم ( بدائع الصنائع : 2/301 ، شرح مختصر الطحاوي للجصاص ، باب صلاة المسافر : 2/90 ) .
وأما المالكية فقد أباحوا سفر المرأة مع غير ذي محرم إذا كانت مسافة السفر أقل من يوم وليلة ( البيان التحصيل لابن رشد المالكي القرطبي : 18/228 ، مواهب الجليل في مختصر شرح مختصر خليل : 2/525 ) . وعلى هذا : جاز لها السفر لحج التطوع إذا كانت المسافة بينها وبين مكة أقل من يوم وليلة ، إلا أن أبا عمرو بن عبد البر قال : والصحيح أن لا تسافر مع غير المحرم ( مواهب الجليل شرح مختصر خليل : 2/525 ) .
والراجح أن المرأة لا يجوز لها الخروج شرعاً إلى حج التطوع إذا لم يكن معها زوج أو محرم من محارمها ، وإن قلت مدة السفر من يوم وليلة أو كثرت عملاً بمذهب الشافعية وبه قال غير واحد من العلماء كما سبق ؛ وذلك نظراً إلى الأدلة النقلية السالفة والأوضاع الراهنة السائرة السيئة الفاشي فيها الفساد ، وباب الفتنة مفتوح على مصراعيه كل آن ووقت ، ومن المعلوم أن الفتنة لا يُعلم أوان حدوثها ، ثم ربما تحتاج المرأة إلى المعاونة خلال أعمال الحج ، خاصةً إذا مرضت ، كما لا يخفى على أولي الألباب والأبصار .
4 – شرط المحرم في سفر المرأة لحج الفرض :
فيه قولان :
الأول : وهو اتفاق أكثر أهل العلم على كون المحرم أو الزوج شرطاً لوجوب الحج ولزومه على المرأة ، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه ( تحفة الفقهاء : 1/387 ، فتح القدير : 3/419 – 420 ، البناية : 4/16 ، فتاوى سراجيه ، ص : 32 ) وهو المذهب الصحيح عند الحنفية ( ” والصحيح أنه شرط الوجوب ” ( بدائع الصنائع : 2/301 ) ، وصححه السروجي ( البحر الرائق ومنحة الخالق : 2/553 ) سواءً كانت شابةً أو عجوزاً ؛ لأن الحديث في شرط المحرم للوجوب – كما يأتي – لا يفصل بين الشابة والعجوز ( المتلقط في الفتاوى للسمرقندي ، ص : 99 ، بدائع الصنائع : 2/300 ) . وعن أحمد قولان : الأول أن المحرم من شرائط لزوم السعي دون الوجوب ، والثاني أنه من شرائط لزوم الأداء . والمذهب عند الحنابلة كما في الشرح الكبير : ” يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها ، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح إذا كان بالغاً عاقلاً ” . ( الشرح الكبير مع المغني : 3/200 ، راجع أيضاً : الإنصاف : 3/410 ، والمغني : 5/30 ) ، واختاره ابن المنذر من الشافعية ( الإقناع : 1/202 ) . وقال محي الدين الطبري : ” وافق أبو حنيفة في اشتراط المحرم أو الزوج أصحاب الحديث ، وهو قول النخعي ، والحسن البصري ، وسفيان الثوري ، وأبي ثور ، وابن حنبل ، واسحاق بن راهويه ، وأحد قولي الشافعي ” . ( البناية : 4/149 ، ط : نعيميه ، ديوبند ) .
والثاني : أنه لا يشترط وجود الزوج أو المحرم في حق المرأة لسفر الحج المفروض ، وهو قول مالك ( الموطأ : 1/425 ، المنتقى : 3/83 ، المجموع : 8/243 ) ، والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات ، ومعنى ذلك أن المحرم لا يشترط على التعيين ، وهو الأصح عندهم . ( فتح الباري : 4/90 ، المجموع : 8/146 ) .
الملاحظة : والصبية التي بلغت حد الشهوة بمنزلة البالغة حتى لا يسافر بها من غير محرم ؛ لأنه يطمع فيها ، ولا يؤمن من وقوع الفساد عليها . ( الهداية والبناية : 4/154 ، نعيميه ديوبند ) .
- 4 – المراد من المحرم :
المراد من المحرم : زوج المرأة ومن لا تحل مناكحتها على التأبيد بنسب أو رضاع ، أو سبب كالمصاهرة ؛ فإنها تشبه التحريم بالنسب ، مثل : أب ، وابن ، وأخ ، وعم ، وأب الزوج ونحوهم ممن لا تحل له . ( الملتقط في الفتاوى الحنفية للسمرقندي ، ص : 99 ، والفتاوى السراجية ، ص : 320 ، والمغني لابن قدامة : 3/194 ، دار الفكر ، الشرح الكبير مع المغني : 3/104 ) ، كما أشير إلى ذلك في حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً : ” . . إلا ومعها أبوها ، أو ابنها ، أو زوجها ، أو أخوها ، أو ذو محرم منها ” . ( أخرجه مسلم في الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 423 – 1340 ) ؛ لأن الحرمة المؤبدة تُزيل التهمة في الخلوة ، ولهذا قالوا : إن المحرم إذا لم يكن مأموناً عليها لم يجز لها أن تسافر معه . ثم سواءٌ كان حراً أو عبداً ؛ لأن الرق لا ينافي المحرمية ، سواءً كان مسلماً أو ذمياً ، أو مشركاً ؛ لأن الذمي والمشرك يحفظان محارمهما ، إلا المجوس ؛ لأنه يعتقد إباحة نكاحها ؛ فلا تسافر معه ؛ لأنه لا يؤمن عليها كالأجنبي ( بدائع الصنائع : 2/300 ، ط : دار الكتاب ديوبند ) .
هذا عند الحنفية ، وافقهم الحنابلة في المجوس وخالفوهم في الذمي ؛ فقال ابن قدامة : ” وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِقَرَابَتِهِ الْمُسْلِمَة . قَالَ أَحْمَدُ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ بِنْتُهُ : لا يُسَافِرْ بِهَا ، لَيْسَ هُوَ مَحْرَمًا لَهَا ” . ( المغني لابن قدامة : 3/194 ، دار الفكر ) . وقال أبو حنيفة والشافعي هو محرم لها ؛ لأنها محرمة عليه على التأبيد ، . . . ولا ينبغي أن يكون في المجوسي خلاف ؛ فإنه لا يؤمن عليها ويعتقد حلها . ( بدائع الصنائع : 2/300 ، ط : دار الكتاب ديوبند ) .
ثم صفة المحرم أن يكون عاقلاً بالغاً ، بحال يؤمن عليها ، أي : لا تخشى الفتنة على نفسها من جانبه ؛ لأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ، وذلك لا يحصل إلا من البالغ العاقل المأمون عليها . ( انظر : المغني لابن قدامة : 3/194 ، والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي : 1/490 ) .
2 .4 – أدلة المجوزين :
والحاصل أن في اشتراط المحرم في سفر المرأة لحج الفرض قولين : الأول : يشترط لوجوب الحج ، والثاني : لا يشترط . وأما الفقهاء الذين لا يشترطون المحرم ، فهم يستدلون بما يأتي من الأدلة :
1 – قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ عمران : 97 ] .
وجه الاستدلال أن هذا الخطاب يعمّ الرجال والنساء ويشملهم أجمعين ؛ فإذا كان للمرأة زاد وراحلة وهي تأمن على نفسها ، فهي مستطيعة . ( انظر : المجموع شرح المهذب : 8/145 ، والعدة للصنعاني حاشية على أحكام الإحكام لابن دقيق العيد : 2/487 ) .
2 – عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ ، فَقَالَ : ” يَا عَدِيُّ ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ ؟ ” قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا ، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا ، قَالَ : ” فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهَ . ( أخرجه البخاري في الأنبياء ، بَابُ عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ ، 3595 ) .
وجه الاستدلال أن المرأة إذا أمنت على نفسها جاز لها الخروج كما في هذا الحديث ، ولو لم يكن جائزاً لم يمدح به الإسلام . ( انظر : الحاوي : 2/364 ، والمهذب مع المجموع : 7/86 ) . وقال النووي : ” وأما حديث عدي فخرج في سياق المدح والفضيلة واستعلاء الإسلام ورفع مناره ؛ فلا يمكن حمله على ما لا يجوز ” . ( المجموع شرح المهذب : 9/328 ) .
3 – عن ابن عمر ، قال : فقام رجل فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ قال : ” الزاد والراحلة ” . ( أخرجه الترمذي في الحج ، باب : ومن سورة آل عمران ، برقم : 2998 ، وقال : ” هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي ، وقد تكلم بعض أهل العلم في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه ” ، والدارقطني في الحج ، برقم : 2417 ) .
وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر ” السبيل ” بأنه الزاد والراحلة لا غير ، ولم يذكر ” المحرم ” من السبيل . ( راجع : الأم : 2/117 ، والتعليق الكبير : 2/1099 ) .
4 – عن إِبْرَاهِيم ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، ” أَذِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا ، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ” . ( أخرجه البخاري في الحج ، بَابُ حَجِّ النِّسَاءِ ، برقم : 1860 ) .
وجه الاستلال أن الحديث يدل على جواز سفر المرأة بغير محرم إذا كانت معها النساء الثقات والطريق مأموناً ، ولم ينقل نكير أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن وأزواج النبي على ذلك . ( انظر : فتح الباري : 4/76 ، 91 ) .
5 – عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا : لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي ؟ قَالَ : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” . ( أخرجه البخاري في الجمعة ، بَابُ هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ ؟ برقم : 900 ) .
وجه الاستدلال أن الحديث دلّ على أنه لا يحلّ منعهن عن المساجد ، والمسجد الحرام من هذه المساجد . ( الإحكام في أصول الأحكام : 2/167 ) .
6 – عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ ؟ فَقَالَ : ” لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ ، حَجٌّ مَبْرُورٌ ” ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ ” فَلاَ أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” . ( أخرجه البخاري في جزاء الصيد ، باب حج النساء ، برقم : 1861 ) .
وجه الاستدلال أن الحديث يدل على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجاً ولا محرماً . ( فتح الباري : 4/89 ) .
7 – قياس على المهاجرة من دار الحرب وعلى المأسورة إذا انفكت من الأسر ، بجامع أنه سفر واجب كما سفر الحج واجب ، فالعلة سفر الوجوب مشتركة بينهما . ( راجع : مواهب الجليل : 3/489 ، والمجموع : 8/346 ، والمغني : 5/31 ) .
8 – أن السفر إلى الحج سفر واجب فوجب أن لا يكون المحرم شرطاً في فطع الطريق إليه . ( راجع : الحاوي : 4/364 ) .
9 – أن وجود من تأمنه يقوم مقام المحرم . ( الإشراف لعبد الوهّاب : 1/217 ) .
3 .4 – أدلة المانعين :
وأما الذين يشترطون المحرم لوجوب الحج على المرأة ؛ فعلى قولهم لا تعّد المرأة مستطيعةً بدون محرم ، وهم احتجوا بأدلة نقلية وعقلية ، فهي على ما يلي :
1 – قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ عمران : 97 ] .
وجه الاستدلال أن من شرائط الاستطاعة بالنسبة للمرأة وجود محرم لها في سفرها من بلادها للحج حتى رجوعها ؛ لأن الآية مفسَّرة بالحديث الشريف الآتي عن ابن عباس رضي الله عنه في حق استطاعة المرأة ؛ فمعنى ذلك أن المحرم من السبيل في حقها ؛ بما أن الآية لا تتناول النساء حال عدم الزوج والمحرم معها ؛ لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها ؛ فتحتاج إلى من يركبها ، ولا يجوز ذلك لغير الزوج والمحرم ؛ فلم تكن مستطيعة في هذه الحالة فلا يتناولها النص . ( بدائع الصنائع : 2/299 ، ط : دار الكتاب ، ديوبند – الهند ) .
2 – وعن أبي معبد ، قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنه ، يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ” لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، امرأتي خرجت حاجة ، واكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : ” ارجع فحُج مع امرأتك ” . ( أخرجه البخاري في الجهاد والسير ، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة ، أو كان له عذر ، هل يؤذن له ، برقم : 3006 ، ومسلم ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 424 – 1341 ، واللفظ لمسلم ) . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضاً ، أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيْنَ نَزَلْتَ ؟ ” ، قَالَ : عَلَى فُلَانَةَ قَالَ : ” أَغْلَقْتَ عَلَيْكَ بَابَهَا لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” ( أخرجه الدارقطني في الحج ، برقم : 2440 ، وصححه أبوعوانة ( نيل الأوطار للشوكاني : 3/452 ، باب النهي عن سفر المرأة للحج إلخ ) .
وجه الاستدلال : دلّ ذلك على أنها لا ينبغي لها أن تحج إلا به ، ولو لا ذلك لقال له : وما حاجتك إليك ؛ لأنها تخرج مع المسلمين وأنت فامضِ بوجهك فيما اكتتبت ، ففي ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمره بذلك ، وأمرِه أن يحج معها ويخرج ويدع الغزوة ، دليل على أنها لا يصلح لها إلا به ( شرح معاني الآثار : 2/116 ) ، ثم فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمّى المحرم أو قائم مقامه . ( نيل الأوطار : 3/452 ) .
كذلك عدم استفسار النبي صلى الله عليه وسلم واستفصاله منه : هل معها رجال مأمونون ، أو خرجت مع نساء ثقات ، دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا بزوجها ؛ لذلك قال الحافظ ابن حجر : لو لم يكن ذلك شرطاً ، لما أمر زوجها بالسفر معها وتركه الغزو الذي اكتتب فيه ، ولا سيّما رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ : ” فقال رجل : يا رسول الله ! إني نذرت أن أخرج في جيش كذا كذا ، ولو لم يكن شرطاً ما رخّص له في ترك النذر ” . ( فتح الباري : 4/92 ) .
ظهر من ذلك أن المحرم لو لم يكن شرطاً لوجوب الحج على المرأة ؛ لما أمر زوجها بالسفر معها للحج وترك الجهاد الذي اكتتب فيه ، لا سيّما أنه ورد في بعض ألفاظ الحديث : إني نذرت أن أخرج في جيش كذا كذا ، فلو لم يكن شرطاً ما رخّص في ترك نذره . ثم يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ : ” لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ ” فيه التنصيص على تخصيص سفر الحج .
3 – عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” لا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ سَفَراً ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إِلا وَمَعَهَا زَوْجُهَا ” . ( أخرجه الدارقطني في الحج ، برقم : 2442 ) .
فيه دلالة على أن المرأة إذا قصدت مطلقاً أو أرادت السفر للحج ؛ فلا تسافر إلا ومعها زوجها أو محرم . والمعلوم أن النهي يقتضي التحريم .
4 – الأحاديث الواردة في النهي عن عموم سفر المرأة بغير محرم مع اختلافها في الألفاظ والتعابير تتفق في المعنى والمراد ، وهو وجود الزوج أو المحرم يصاحبها في السفر ، سواء كان السفر مسيرة يوم وليلة ( أخرجه البخاري عن أبي هريرة في أبواب تقصير الصلاة ، باب في كم يقصر الصلاة ، برقم : 1088 ، ومسلم في الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ،421 – 1339 ، والترمذي نحوه عن أبي سعيد الخدري ، باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة ، 1169 ) ، أو يومين ( أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري ، في جزاء الصيد ، باب حج النساء ، برقم : 1864 ، ومسلم في الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره ، برقم : 827 ) أو ثلاثة أيام فصاعداً ( أخرجه البخاري عن أبي هريرة في أبواب تقصير الصلاة ، باب في كم يقصر الصلاة ، برقم : 1088 ، ومسلم في الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ، برقم : 418 – 827 ) ، أو مطلقاً من قيد يوم أو يومين أو ثلاثة أيام ( أخرجه ابن حبان عن ابن عمر في صحيحه ، برقم : 2729 ، ومسلم عن ابن عباس ، باب سفر المرأة مع محرم ، برقم : 424 – 1341 ) .
وجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن سفر المرأة للحج من جملة الأسفار الداخلة تحت الأحاديث ، فيمتنع سفر المرأة إلا مع الزوج أو المحرم . كذلك يستفاد من جملة الأحاديث أن كل ما يسمّى سفراً تنتهي عنه المرأة بغير زوج أو محرم .
5 – قياس حج الفرض على حج النفل بعلة جامعة هي أنهما إنشاء سفر ، فكما لم يجز لها السفر بغير محرم لحج النفل كذلك لم يجز لها السفر بغير محرم لحج الفرض ، خاصة إذا علمنا أن حج النفل يجب ويلزم بالدخول فيه كما قال تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) [ البقرة : 196 ] ( ينظر : المقنع شرح الخرقي : 2/583 ، والمغني : 5/31 ، والفروع : 5/242 ) . ثم المقصود من مشروعية المحرم للمرأة في السفر حفظها وصونها ، وهو عام في القريب البعيد والفرض والنافلة ( ينظر : بدائع الصنائع : 2/123 ، وتبيين الحقائق : 1/257 ، وشرح العمدة : 1/176 ) ؛ فلا يؤمن عليها دون محرم إذ النساء في الضعف كاللحم الموضوع على خشبة إلا ما ذب عنه .
6 – يستفاد من الأحاديث السابقة الدالة على شرط المحرم للمرأة لفرض الحج أن شرط المحرم ليس معلّلاً بالمعاونة وخوف الفتنة ؛ بل ذلك أمر تعبدي ، لابد أن يعمل بذلك .
7 – ومن المعلوم أن كل فقيه شرط شرطاً لوجوب الحج على الناس ليس من القرآن ولا من السنة ، كقضاء الدين ، والثبوت على الراحلة وغير ذلك ؛ فالشرط الذي قررته الأحاديث الشريفة أولى أن يؤخذ بالدرجة الأولى ويعمل به .
( للحديث بقية )
* عميد كلية البحث والتحقيق والإفتاء بجامعة العلوم غرها – غجرات .