” سراجاً منيراً ، ( سيرة خاتم النبيين ) “

” منثورات من أدب العرب ” : منهجه ومزاياه
نوفمبر 19, 2023
جزيرة العرب : دراسة وجيزة
نوفمبر 19, 2023
” منثورات من أدب العرب ” : منهجه ومزاياه
نوفمبر 19, 2023
جزيرة العرب : دراسة وجيزة
نوفمبر 19, 2023

” سراجاً منيراً ، ( سيرة خاتم النبيين ) “

للشيخ محمد الرابع الحسني رحمه الله

بقلم : الدكتور أبو بكر الصديق *

إن سيرة خاتم النبيين والمرسلين محمد العربي عليه الصلاة والسلام تحتل الصدارة والمكانة المتميزة بين مؤلفات ومصنفات علماء الإسلام وكتابه . وقد أنتج العلماء أعمالاً رائعةً ومواد غزيرة حول السيرة النبوية المشرفة في أكثر من مائة لغة رسمية في العالم ، وقاموا بتغطية جوانب عديدة من حياة الرسول الكريم . وإن الأدب الإسلامي اليوم على اختلاف اللغات العالمية زاخر بكتب سيرة خاتم النبيين رحمة للعالمين .

كما التفت علماء شبه القارة الهندية إلى كتابة السيرة النبوية باللغة العربية والفارسية والأردية ، ولا يزالون يضيفون إلى هذا الصنف بإبداعاتهم إلى يومنا هذا . ومن بينها هذه السيرة التي ألفها الشيخ محمد الرابع الحسني رحمه الله باللغة الأردية للقراء المسلمين من طبقة المثقفين في شبه القارة الهندية . والغرض الأساسي من تأليف هذا الكتاب هو تقديم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة حقيقية ، وهي سيرة التراحم والتسامح والإحسان والحنان والشفقة مع الناس ، وإزالة سوء التفاهم من أذهان العامة من الناس حول ذات الرسول ودينه الذي أتى به للبشرية جمعاء ، وإبطال كيد الكائدين من الكتاب المستشرقين المعادين للإسلام المشوهين وجه الدين الحنيف والمسيئين إلى ذات الرسول عليه ألف التسليمات .

طُبع كتاب ” رهبر إنسانيت ” باللغة الأردية لأول مرة في سنة 2008م المصادف 1429هـ من دار الرشيد ، لكناؤ الهند . يحتوي الكتاب على 464 صفحة وعشرة أبواب . وكتب له فضيلة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني رحمه الله كلمة الناشر التي تستغرق 13 صفحةً ، تحدث فيها عن أهمية السيرة النبوية ودورها الفعال في تمويه القلوب والأذهان إلى ذات الرسول العربي عليه الصلاة والسلام وتعريف الإسلام بصورته   الحقيقية ، إذ السمة البارزة في سيرة الرسول هي اللين والحنان والتسامح والتراحم لا للمسلمين  فحسب ، بل للإنسانية جمعاء . كما قال عز    وجل : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلعَالَمِيْن ) [ الأنبياء ] .

واستعرض الشيخ محمد واضح رشيد بشيئ من التفصيل دعايات المستشرقين المتعصبين ومؤامراتهم لتنفير عامة الناس عن الإسلام ، وأكد على إبراز الجوانب الخلقية النبوية وسمة الرحمة والتسامح التي  تتجلى في جميع فعاليات وسلوكيات خاتم النبيين ، وبذلك يمكن الدفاع عن حوزة الإسلام في الغزو الفكري الذي شنَّه الغرب ضد الدين الحنيف وأتباعه في العصر الحديث .

وأما المقدمة التي تستغرق 18 صفحةً فقد دبجها يراع مؤلف الكتاب فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني رحمه الله . بدأ المؤلف بتسليط الضوء على غاية بعثة الأنبياء وإرسال الرسل في أدوار مختلفة عبر التاريخ الإنساني ، ثم خص بالذكر غاية بعثة خاتم النبيين كأسوة حسنة للإنسانية كلها ، كما قال عز وجل : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنْ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) [ سورة سبأ ] .

وكما قال : ( وَلَكُم في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَاليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ الله كَثِيراً ) [ سورة الأحزاب ] .

ثم لخص حياته النبوية بالإيجاز مرتكزاً على جوانبها الخلقية وما واجهه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من المحن والشدائد بالصبر والمصابرة والحلم والأناة لسنين طوال . وقام بتحليل مغازيه في ضوء سلوكه الحسن وتوجيهاته الطيبة لأصحابه في هذا الصدد ، وأجلى الغموض عن الجهاد وأغراضه السامية حيث تتجلى سمة كون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين .

ثم تحدث عن أهمية تدوين السيرة النبوية وتاريخ تدوينها بالإيجاز ، وذكر أسماء أصحاب النبي الذين اهتموا بتدوين أحاديث السيرة والشمائل النبوية مثل عبد الله بن عباس ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك رضوان الله عليهم أجمعين . ثم من التابعين من قاموا بتدوين السيرة النبوية مثل عروة بن زبير ، وهب بن منبه ، ابن شهاب الزهري وغيرهم ، ومن تبعهم من موسى بن عقبة ، محمد بن إسحاق ، الواقدي ، ابن هشام ، وابن سعد وغيرهم .

ثم ذكر بعض أهم مؤلفات السيرة النبوية الشهيرة بالعربية من أمثال جوامع السيرة النبوية لابن حزم الأندلسي ، والروض الأنف لعبد الرحمن السهيلي ، وزاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزي . وانتهى بذكر سيرة ” نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ” للدكتور الشيخ صالح بن عبدالله إمام الحرم المكي المطبوع في 1418هـ .

ثم ذكر بعض أهم مؤلفات أردية حول السيرة النبوية ، على رأسها ” نشر الطيب في ذكر النبي الحبيب ” للشيخ أشرف علي التهانوي ،          و ” رحمة للعالمين ” للقاضي محمد سليمان المنصورفوري ، و ” سيرت النبي ” للعلامة شبلي النعماني والسيد سليمان الندوي .

ينقسم الكتاب على عشرة أبواب :

الباب الأول : يشتمل على بداية التاريخ الإنساني من أبي البشر آدم عليه الصلاة والسلام ، وحاجة الإنسان إلى الهداية الربانية ومهمة الأنبياء والرسل .

الباب الثاني : جمع فيه المؤلف أوضاع العالم في القرن السادس الميلادي أي قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، واستعرض أحوال الأمم الأوروبية والآسيوية والعربية دينياً وخلقياً واجتماعياً وسياسياً وحاجة البشرية إلى النبي الأعظم ، وخص العرب بالذكر ، وتحدث بالتفصيل عن حالة العرب وحاجتهم إلى الرسالة الإلهية ، أسباب وراء بعثة خاتم النبيين في العرب .

الباب الثالث : يحتوي على أحوال السيرة النبوية وحوادثها ما قبل البعثة .

الباب الرابع والباب الخامس : هذان البابان مختصان بحياة الرسول عليه الصلاة والسلام ما بعد نزول الوحي وقبل هجرته إلى المدينة المنورة . ركَّز فيهما المؤلف على جامعية الرسالة المحمدية وجوانبها الإنسانية ، وما أصاب الرسول وأتباعه السابقين الأولين من الابتلاء على يد المعاندين من قريش وقبائل مكة ، حتى اضطر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة من وطنه الحبيب .

الباب السادس : هذا أطول أبواب الكتاب وأهمها ، حيث يحتوي على الحياة النبوية في دار الهجرة . استوعب المؤلف في الباب أهم مباحث حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأسس بناء المجتمع الإسلامي ، والمؤاخاة بين المسلمين ، وابتلاء المؤمنين في دار الهجرة ، والمعاهدة والصلح ، والغزوات والسرايا ، دعوة الملوك والأمراء إلى الإسلام ، والمرحمة العامة يوم فتح مكة ، ودخول الناس في الدين أفواجاً . وفي نهاية الباب قارن حروب المسلمين بحروب غيرهم ، وأبرز الجانب الخلقي وموقف الرحمة والتسامح للرسول الأعظم حتى في ساحة القتال وما بعد وضع الحرب أوزارها في صورة الإحسان مع أسرى الحرب .

الباب السابع والثامن : هذان البابان يحتويان على بضع صفحات ، ففي الباب السابع عرض المؤلف وقعة حجة الوداع وخطبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ووصاياه وتوجيهاته ورسالته الإنسانية كلها . وأما الباب الثامن فإنه يتعلق بآخر أيام حياته ، ومرضه ووفاته ، وما خلفت وفاته من أثر على أصحابه المحبين . وانتهى بذكر أزواج النبي وأولاده ، فسلط ضوءاً على الحكمة والمصلحة وراء كل نكاح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .

الباب التاسع : لا نبالغ إن اعتبرنا هذا الباب زبدة كلام المؤلف ، حيث جمع فيه الشمائل والأخلاق النبوية التي تجعله رحمةً للعالمين ، وكونه إنساناً كاملاً يتحلى بالعدل والوسطية والتحمل والأناة ، والسلوك الحسن مع الكل ، والرفق  بالحيوانات والدواب ، والإحسان مع الأعداء . وانتهى ببيان المنهج النبوي في الدعوة والإرشاد وتزكية النفس وإصلاح الباطن .

الباب العاشر : وهذا الباب يشتمل على ذكر أصحاب النبي الذين عاشوا السيرة النبوية ونهلوا من منهل النبوة . كتب المؤلف نبذةً قصيرةً عن  32 من أصحاب النبي عليه السلام ، فبدأ بذكر الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرة . وينتهي الباب بذكر ستة من الصحابة الذين كانوا صغاراً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم .

الخاتمة :

تفيد الدراسة أن الشيخ محمد الرابع الحسني رحمه الله نجح في غايته من تأليف هذا الكتاب ، وأنه قدم سيرة الرسول الأعظم خاتم النبيين في مرآة مكارم أخلاقه الذي بعث من أجل إتمامه كما قال        ” بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” . واختار المؤلف أسلوباً رائعاً رشيقاً سهلاً وبسيطاً يجلب اهتمام القراء من الجيل الحديث . ويمكن القول بأن مطالعة هذا الكتاب تزيل كثيراً من الأوهام المتفشية عن ذات الرسول ودينه الحنيف من الأذهان وتعيد الثقة وتجدد الإيمان في القلوب .

ونظراً إلى الإفادة العامة ، قام د . إحسان الحق الندوي بترجمة هذا الكتاب باللغة الإنجليزية ، التي طُبعت من دار الرشيد ، لكناؤ في عام 2011م بالاسم التالي : Prophet Muhammad (saw), The Perfect Guide for Mankind .

كما ترجمه الأستاذ محمد وثيق الندوي بالعربية ، وطُبعت الترجمة العربية باسم ” سراجاً منيراً : سيرة خاتم النبيين ” من دار الرشيد ، لكناؤ في عام 2014م .


* الأستاذ المشارك ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة غوهاتي ، آسام ، البريد الإلكتروني : bakkar.abudr@gmail.com