زجاجة المصابيح : بين المنهج والميزات

حماية اللغة العربية بين الشعارات والتطبيق
أبريل 20, 2022
صفات الماء الدالة على تنوعه في القرآن الكريم
يونيو 3, 2022
حماية اللغة العربية بين الشعارات والتطبيق
أبريل 20, 2022
صفات الماء الدالة على تنوعه في القرآن الكريم
يونيو 3, 2022

تعريف بكتاب قيم :

زجاجة المصابيح : بين المنهج والميزات

د . سعيد بن مخاشن *

الحمد لله الذي أخلد كلامه بالآيات القرآنية ، والصلاة والسلام على مبين الكتاب بالأحاديث النبوية ، وعلى من تبعه من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين وعباد الله الصالحين حاملي لواء الشريعة الإسلامية ، وبعد :

فإن أرض الهند تربة طيبة بتضاريسها حيث خصها الله عزوجل بميزات عديدة ونباتات مزهرة ، لها أوراق رفيعة وأزهار بيضاء ، وقد صب على أهاليها الفضل والشرف ، وهداهم إلى كثير من الحسنات وفعل الخيرات ، واصطفاهم للأعمال الصالحات والأفعال الطيبات ، وفضلهم على كثير من الخلق بخدمة العلوم الإسلامية بشكل عام وعلم الحديث النبوي الشريف بشكل خاص ، فنراهم يأتون بعمل فيه كمال وإبداع ، ويخلفون آثاراً جليلةً ، ويرسمون خطوطاً علميةً جليةً على جبهة الزمان عاماً بعد عام وفترةً بعد فترة .

ومن أبرز الشخصيات العباقرة الذين قاموا بمحاولات جادة في خدمة علم الحديث الشريف وتطويرها بين سمع أرض الهند وبصرها ، وكرسوا حياتهم واستفرغوا وسعهم في تحقيق أهدافهم السنية ، الشيخ الإمام محدث الدكن مجدد الزمن أبو الحسنات السيد عبد الله النقشبندي القادري الحنفي ( رحمه الله وجعل مثواه في جنات عدن ) .

ترجمة الإمام أبي الحسنات محدث الدكن رحمه الله :

كانت ولادة الإمام أبي الحسنات السيد عبد الله رحمه الله في العاشر من ذي الحجة يوم الجمعة بحيدرآباد عام 1292هـ 1876م في أسرة علمية ، فدرج في عش العلم ، وشب في ربوع الدين ، وتربى وترعرع في أحضان الحكمة والمعرفة . وكان الإمام رحمه الله يحمل ألقاب             ” أبو الحسنات ” و ” محدّث الدكن ” .

إن الإمام أبا الحسنات السيد عبد الله النقشبندي رحمه الله نجم ساطع في سماء الحديث النبوي الشريف يهتدي به كل من يسلك على مسلك الشريعة الإسلامية الغراء ، كما يعد الإمام أبو الحسنات من أكبر علماء الحديث وأرفعهم مرتبةً وخبرةً في هذا المجال . ويتصل إسناد الشيخ في الحديث بطريق أستاذه محمد حكيم عبد الرحمن بالشيخ محمد إسحاق الدهلوي .

كان الإمام أبو الحسنات السيد عبد الله النقشبندي محدث الدكن رحمه الله مفسر الآيات القرآنية وما تنطوي عليه من المعاني والأسرار ، وفقيه الأحكام الشرعية وما تحتوي عليه من الحلال والحرام ، لكنه أبدى اهتماماً كبيراً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث النبوية وأعطاها الأولوية على جميع العلوم الأخرى ولم يعتمد قط على مقارنات باطلة في الأحاديث النبوية الشريفة .

خلف الإمام أبو الحسنات رحمه الله عدداً من المؤلفات والإنجازات العلمية الشهيرة في التفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم والفنون ، من بينها : ” زجاجة المصابيح ” ( موسوعة الأحاديث النبوية ) ، و ” سلوك مجددية ” ، و ” يوسف نامه ” ، و ” غلزار أولياء ” ، و ” علاج السالكين ” ،   و ” كتاب المحبة ” ، و ” ميلاد نامه ” ، و ” معراج نامه ” ، و ” شهادت نامه ” ، و ” قيامت نامه ” ، و ” مواعظ حسنة ” و ” فضائل رمضان ” وغيرها .

شيوخه وتلاميذه :

تلمذ الإمام أبو الحسنات السيد عبد الله النقشبندي رحمه الله في الحديث النبوي الشريف على عدد من كبار العلماء في عصره ، منهم : شيخ الإسلام محمد أنوار الله الفاروقي مؤسس الجامعة النظامية ، والشيخ منصور علي خان ، والشيخ عبد الرحمن السهارنفوري ، والشيخ حبيب الرحمن السهارنفوري بيدل ، والشيخ محب الله شاه ميران ، ومولانا محمد ياسين وآخرون رحمهم الله .

وقائمة تلاميذه وأتباعه طويلة جداً وهم مبعثرون في كافة البلاد الهندية والإسلامية والعربية والعجمية . كما تم الاعتراف بمكانته المتميزة خاصة في مجال علم الحديث من قبل العلماء في كل عصر ومصر .

وفاته :

وانتقل الإمام أبو الحسنات رحمه الله إلى رحمة الله صباح يوم الخميس في اليوم السابع والعشرين من شهر أغسطس سنة 1964م ، ودُفن في الحديقة النقشبندية بحيدرآباد .

زجاجة المصابيح :

إن هذا الكتاب من أبرز مؤلفات الإمام أبي الحسنات السيد   عبد الله رحمه الله في الحديث النبوي الشريف على أنه ألف هذا الكتاب بفكرة مبكرة أنيقة لم يسبق إليها أحد من موكب المحدثين من العصر القديم إلى  العصر الماثل ، حيث إنه قد جمع فيه الإمام أبو الحسنات محدث الدكن رحمه الله بين التأليف القديم من حيث غزارة المادة وخصب الفكرة ، وبين التأليف الجديد من حيث العرض والتنسيق وسهولة الأسلوب . وإن الأمة المسلمة لا تستطيع أن تنساه بسبب خدماته الجادة المضنية في علم الحديث الشريف فإنه قام بنفسه بملء الخلإ الذي لم يسبقه إلى ملئه أحد .

إن زجاجة المصابيح في خمسة مجلدات ، أما المجلد الأول فهو يبدأ من كتاب الإيمان وينتهي إلى كتاب الصوم باب الاعتكاف ، فالأحاديث الواردة فيه ثلاثة آلاف وخمسة وثلاثون ( 3035 ) حديثاً في ثمانية وتسعين ( 98 ) باباً .

والمجلد الثاني يبدأ من كتاب فضائل القرآن وينتهي إلى كتاب العتق باب الأيمان والنذور ، وعدد الأحاديث الشريفة فيه ألف وست مأة وخمسون ( 1650 ) حديثاً في خمسة وستين ( 65 ) باباً .

والمجلد الثالث يبدأ من كتاب القصاص وينتهي إلى كتاب الرؤيا ، وعدد الأحاديث الشريفة فيه ألف وثلاث مأة وخمسة وعشرون ( 1325 ) حديثاً في أربعين ( 40 ) باباً .

والمجلد الرابع يبدأ من كتاب الآداب وينتهي إلى كتاب الفتن باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أما عدد الأحاديث الشريفة فيه ألف ومأة وستة وخسمون ( 1156 ) حديثاً ، في ستة وأربعين  ( 46 ) باباً .

والمجلد الخامس يبدأ من باب فضائل سيد المرسلين وينتهي إلى ثواب هذه الأمة ، يبلغ عدد الأحاديث الواردة فيه إلى ست مأة وستة عشر  ( 616 ) حديثاً ، وثلاثة وعشرين ( 23 ) باباً .

فجملة الأحاديث الشريفة في زجاجة المصابيح سبعة آلاف وسبع مأة واثنان وثمانون ( 7782 ) حديثاً ، ومأتان واثنان وسبعون ( 272 ) باباً ، وستة وعشرون ( 26 ) كتاباً .

إن ” زجاجة المصابيح ” كتاب فريد من نوعه بخصائص رائعة ، ولا تقتصر محتوياته على موضوع دون موضوع ، ولكنه يحتوي على أسس نظام كامل للحياة ، ويغطي مجموعةً كاملةً من القضايا ، ويتراوح من أبواب معينة من الإيمان والعبادة والمعاملات التجارية والأخلاق والوصايا إلى التعاليم الأخلاقية العامة ، والحقوق ، والحدود ، والأحوال الشخصية ، ومجموعة من الاهتمامات الخاصة والاجتماعية الأخرى .

الباعث على التأليف :

إن الشيخ أبا الحسنات لما تفرغ لدرس مشكاة المصابيح والعكوف عليها أجال فكرته في كيفية جمعها ونوعية تبويبها وتنسيقها ، وعرف أنها خير ذخيرة من الأحاديث النبوية التي تؤيد مذهب الفقه الشافعي وتعضده ، فهجس في فكرة الإمام أبي الحسنات رحمه الله على أن يسير على منوال مشكاة المصابيح نفسها في جمع الأحاديث التي تأسس عليها الفقه الحنفي فعزم على ذلك ، كما يقول في مقدمة زجاجة المصابيح :

” أما بعد ، فيقول أفقر عباد الله إلى رحمة الله أبو الحسنات السيد عبد الله بن مولانا السيد مظفر حسين الحيدرآبادي الحنفي           ( عاملهما الله بلطفه الخفي وتجاوز عنهما بكرمه الوفي ) إن التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم لا يستتب إلا بالاقتفاء لما صدر من مشكاة صدره ، والاعتصام بحبل الله لا يتم إلا ببيان كشف أسراره . وكان كتاب مشكاة المصابيح الذي ألفه مولانا الحبر العلامة والبحر الفهامة ، مظهر الحقائق وموضح الدقائق الشيخ التقي النقي ولي الدين محمد بن عبدالله الخطيب التبريزي ، أجمعَ كتاب في الأحاديث النبوية وأنفعَ لباب من الأسرار المصطفوية وأجمعَ تأليف صنف في بابه وأضبط لشوارد الأحاديث وأوابدها . ولما سلك الخطيب – رفع الله درجته – في تصنيفه مسلك الإمام الشافعي رضي الله عنه ، كثيراً ما كان يختلج في قلبي أن أؤلف كتاباً على منوال المشكاة أسلك فيه مسلك إمامنا الأعظم أبي حنيفة النعمان عليه الرحمة والرضوان ، إلا أن ضيق باعي قد كان يثبطني عن القيام في هذا المقام حتى رأيت في المنام أن شمس الضحى وبدر الدجى ونور الهدى ومصباح الظلم حبيبنا النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم طلع علي وقال ” سلاماً ” ، قلت ” سلام ” فضمني – روحي فداه – إلى صدره الذي هو منبع العلم والحكم وعانقني . فلما استيقظت فرحاً ومسروراً حمدت الله على هذه النعمة وشكرت له ، فأصبحت هذه الرؤيا الصالحة شرحاً لي صدري وصار عسره علي بها يسري ، فصممت عزمي بتأليفه وشددت ميزري لكتابته وما وضعت فيه حديثاً إلا وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم عند وضعه ، وسميته ” زجاجة المصابيح ” . والله تعالى أسأل سوال الضارع الخاشع متوسلاً بحبيبه المشفع الشافع أن يجعله خالصاً لوجهه من فضله ، وأن ينفع المسلمين به كما ينفعهم بأصله ، وأن يتقبل هذا ويجعله ذخيراً لمعادي ، إنه بالإجابة جدير وعلى كل شيئ   قدير ” [1] .

فيدلنا مما جاء في هذه المقدمة على الأمور التالية :

  1. إن هذا الكتاب قد ألفه صاحبه على منوال ” مشكاة المصابيح ” للخطيب التبريزي رحمه الله .
  2. وسعى فيه إلى جمع الأحاديث التي تؤيد المذهب الحنفي ، بينما كان كتاب الخطيب جمع فيه من الأحاديث التي توافق المذهب الشافعي رحمه الله .
  3. وإضافةً إلى ذلك أنه دفع فيه تلك الاعتراضات التي تقدح في المذهب الحنفي أنه مبني على الرأي والقياس فقط ، لذلك أتى المؤلف بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة ، ليثبت أن ما من مسألة من مسائل المذهب الحنفي إلا وهو مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، والآثار الصحيحة ، وأقوال التابعين ، أو مستندة إلى قياس صحيح على أصل صحيح [2] .

وإن الله عز وجل قد أسعد بهذه الخدمة الجليلة الهامة الإمام أبا الحسنات رحمه الله الذي قد جمع بين العلوم منقولها ومعقولها ، خفيها وجليها ، وألهمه وأيده من وراء الغيب كما يلوح من بيانه في ديباجة الكتاب عن سبب المنافسة في هذا التأليف الأنيق والتصميم عليه .

طبعات زجاجة المصابيح :

تم طبع ” زجاجة المصابيح ” : (1) في حيدر آباد الهند عام 1361هـ . (2) في باكستان في ” المكتبة الخيرية ” بكوئته عام 1422م . (3) وفي قندهار بأفغانسان . (4) وقد صدر حديثاً من مكتبة إسماعيل بريطانيا . (5) كما أعلنت دار السمان للدراسات وتحقيق التراث بإسطنبول/بيروت بطبع هذا الكتاب قريباً .

منهج الإمام أبي الحسنات محدث الدكن رحمه الله :

إن الإمام أبا الحسنات رحمه الله قد التزم على نفسه عدة أمور في هذا التأليف الأنيق ، واهتم بها ، وهي كما يأتي :

الأول : قد جمع لكل موضوع كبير من موضوعات الكتب ما يتعلق به من الآيات القرانية ، وقد تلا في ذلك منهج صحيح البخاري . كما ذكر الآيات المقدسة في مستهل كتاب العلم : ” فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ” [3] ،       ” وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً ” [4] ، ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ” [5] ، ” يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ” [6] ، ” رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ” [7] .

الثاني : قد سلك المؤلف في تبويب ” زجاجة المصابيح ” مسلك        ” مشكاة المصابيح ” ، لأن غايته لم تكن إلا أن يدخر ذخيرةً جامعةً على أسلوبها توفي بمقصود أصحاب الفقه الحنفي وتشفي غلتهم ، نحو : ” باب المواقيت ” ، ” باب تأخير الصلوات وتعجيلها ” ، ” باب فضائل الصلاة ” ،   ” باب الأذان ” وما إلى ذلك .

الثالث : كما أن صاحب المشكاة راعى في التبويب وجهة الفقه الشافعي ، ولاحظ ثقةً به وتأييداً إياه ، فكذلك أقام أبو الحسنات رحمه الله مقامه وجهة الفقه الحنفي تحقيقاً إياه وتأكيداً عليه – هذا هو الفرق الأساسي بين مشكاة المصابيح وزجاجة المصابيح – نحو : ” باب فضل الأذان وفضيلة الإمامة وإجابة المؤذن ” .

الرابع : لا توجد مسألة في المشكاة إلا وقد انتشرت أحاديثها التي يستدل بها في ثلاثة فصول ، وذلك ما يشق على القراء التفحص عنها والوقوف عليها ، لأن القارئ في هذه الصورة لم يستطع أن يلم بما قصد إليه في نظرة خاطفة ، ولكن المؤلف رحمه الله أجاد فيما أفاد من أنه جمع لكل مسألة كل ما ينوط من الأحاديث النبوية في موضع واحد لا ترى فيها عوجاً ولا فصلاً .

الخامس : لا خفاء في أن الفقه الحنفي بحر لا ساحل له ، فما من مسألة من مسائله إلا وفيه أقوال يفوتها الحصر ، فلذلك تسهيلاً على القراء الكرام وتقريباً إلى الأفهام أخذ المؤلف رحمه الله أولاً : قولاً أفتي به ، وثانياً : شفعها وأتبعها بحديث من الأحاديث النبوية الذي يوافقه ويوثق به ، وثالثاً : مهد السبيل إلى رد ما يرد عليه من القدح فيه ، وقد ذيل أكثر الأحاديث بالنقد على الرواة لينقشع غمام الريب عما هو الحق .

السادس : لقد زين المؤلف رحمه الله حواشي الكتاب بالأجوبة المؤيدة بالحجج الدامغة ، وكشف القناع عن المقاصد الحنفية بعد التعبير الصحيح عن الأحاديث وكتب المسائل على أحوط طريق .

السابع : يشتمل هذا التأليف الجليل على خمسة أجزاء [8] .

أضافت مقدمة زجاجة المصابيح المطبوعة من دار البشرى أموراً :

  1. اعتنى المؤلف في بداية كل كتاب وباب بذكر الآيات من القرآن الكريم ، مستدلاً بها في أحاديثهما ، كما هو طريقة الإمام البخاري رحمه الله في جامعه الصحيح .
  2. أورد في الكتاب الأحاديث الصحاح من الصحيحين ، وعزاها إليهما بقوله ” متفق عليه ” ، أما إذا كانت من غير الصحيحين فذكر المصدر وبيّن درجة الحديث من الحسن والضعيف . والأحاديث الضعاف والمراسيل فيه قليلة ، وما توجد منها هي تتقوى وتتعضد بمتابعات وشواهد فترتقي إلى الحسان .
  3. خرّج أولاً الأحاديث التي تدل على ترجمة الباب دلالةً مطابقةً ، ثم ذكر ثانياً الأحاديث التي تدل عليها دلالة تضمن ، ثم يخرّج ثالثاً الأحاديث التي تدل عليها دلالة التزام .
  4. اتبع المؤلف في شرح الأحاديث منهجاً تحليلياً ، حيث ذكر أولاً الآيات الكريمة والأحاديث النبوية ، ثم ذكر الأحكام المستنبطة منها ، وبيّن خلاف الأئمة والفقهاء فيها ، وتحدث عن أسباب الخلاف وعللها . ثم ذكر أدلة المذهب الحنفي ووجوه ترجيحه ، ثم يعضده بأحاديث وآثار صحيحة وأقوال قوية ، ولا يقتصر بذلك فحسب ، بل يحاكم محاكمةً مبنيةً على النصوص وأصول المذاهب ، ثم يأتي بكلام نفيس من عنده وهو كالخلاصة مما ذكر قبلها .
  5. لم يذكر المؤلف في شرح المسائل الفقهية من أقوال الأئمة إلا ما كان منها مرجحاً عنده ، ومفتىً به عند العلماء [9] .

السمات المميزة لزجاجة المصابيح :

تعتبر زجاجة المصابيح من أعظم وأشمل مجموعة من الأحاديث النبوية التي جمعها الإمام أبو الحسنات السيد عبد الله النقشبندي رحمه الله ، وتحتوي على بعض الصفات المميزة التي تفصلها عن غيرها من كتب الحديث وتجعلها بارزةً ومميزةً . تحظى زجاجة المصابيح بقبول واسع لدى عامة الناس كما تلفت انتباه العلماء أيضاً . تتمتع زجاجة المصابيح بعدة خصائص تنفرد بها وحدها ، من أبزرها ما يأتي :

  • إن زجاجة المصابيح ليست هي مجموعة مختارة من الكتب الستة الأصيلة للحديث مثل : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن الترمذي ، وسنن أبي داود ، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجة فحسب ، بل هي مجموعة مختارة من الأحاديث النبوية الموجودة في عديد من مؤلفات الحديث الأصيلة والموثوقة بها ، نحو السنن الكبرى للبيهقي ، مصنف ابن أبي شيبة ، مصنف عبد الرزاق ، سنن الدارقطني ، مؤطا الإمام مالك ، كتاب الآثار للإمام محمد ، سنن الدارمي ، ابن عدي ، رزين ، مسند أحمد بن حنبل ، شرح معاني الآثار للطحاوي ، سنن سعيد بن منصور ، المستدرك للحاكم ، صحيح ابن حبان ، المعجم الكبير ، المعجم الأوسط ، المعجم الصغير للطبراني وغيرها من المؤلفات الهامة في الحديث النبوي الشريف .
  • إن كل كتاب يتميز بميزات وخصائص ، فزجاجة المصابيح لها سمات خاصة منها أنها تحتوي على الأحاديث الداعمة للفقه الحنفي .
  • إن زجاجة المصابيح كتاب لا مثيل له حيث إنه يحتوي على الأسرار الإلهية وأحكام الشريعة الغراء .
  • إن الفصول في ” زجاجة المصابيح ” لها علاقة كبيرة بالحياة العملية اليومية ، وهي مفصلة للغاية ومفعمة بالأحاديث التي يحتاج المرء إليها ليل نهار لاتباع الشريعة البيضاء .
  • إن زجاجة المصابيح مرصعة بالحواشي المحققة من أكثر مأة كتاب أصيل لشرح الأمور دعماً للمذهب الحنفي للفقه .
  • إن مصادر الإمامين البخاري ومسلم ، وفقاً لممارسة علماء الحديث ، تسبق كتب الحديث الأخرى في ذكر المصادر ، أما في ” زجاجة المصابيح ” فقد وردت أولاً كتب أئمة المذاهب الفقهية رحمهم الله . وقد قصد بذلك مؤلف زجاجة المصابيح رحمه الله أن يشير إلى أن جميع أئمة الفقه رحمهم الله لهم السيادة والأسبقية في المرتبة على غيرهم من علماء الحديث . فعلى سبيل المثال ، إذا روى الإمام البيهقي والإمام مالك والإمام الطبراني والإمام الشافعي والإمام الطحاوي حديثاً ، فسيأتي الإمام مالك أولاً ثم الإمام الشافعي رحمهم الله ثم باقي العلماء حسب مراتبهم .
  • إن ” زجاجة المصابيح ” تحتل مكانةً مرموقةً من بين كتب الحديث النبوية الأخرى ، ولها أهمية وقيمة كبيرة في الأوساط الأكاديمية وغير الأكاديمية في الهند وخارجها .
  • إن الأحاديث النبوية جاءت على ثلاثة فصول في مشكاة المصابيح ، على حين جاءت الأحاديث النبوية في زجاجة المصابيح في فصل واحد وذلك لترتيب الأمر وتسهيل الأخذ ، وذلك يظهر جلياً ما روته مشكاة المصابيح واستهلت كتاب الأطعمة بهذا الحديث : عن عمر بن أبي سلمة ، قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” سم الله وكل بيمنيك ، وكل ” . ( متفق عليه )

لكن زجاجة المصابيح ذكرت أولاً الحديث الذي يشير إلى العمل الذي يسبق الأكل وهو غسل اليدين قبل الأكل ، فاستهلت زجاجة المصابيح بهذا الحديث : عن سلمان قال قرأت في التوراة : ” إن بركة الطعام الوضوء بعده ” ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ” [10] .

الفارق الأساسي بين مشكاة المصابيح وزجاجة المصابيح :

لقد سلك الإمام أبو الحسنات رحمه الله في ” زجاجة المصابيح ” منهجَ الخطيب التبريزي رحمه الله نفسه في ” مشكاة المصابيح ” في أمور :

منها : أن الخطيب التبريزي رحمه الله بنى كتابه على الأحاديث التي تؤيد المذهب الشافعي رحمه الله ، أما الإمام أبو الحسنات رحمه الله فبناه على الأحاديث التي تؤيد المذهب الحنفي .

ومنها : إن الإمام أبا الحسنات رحمه الله لم يكتف على جمع الأحاديث التي تعضد المذهب الحنفي ، بل راعى وجهة الفقه الحنفي في تبويب زجاجة المصابيح أيضاً .

ومنها : إن الإمام أبا الحسنات رحمه الله زوَّد زجاجة المصابيح بالآثار والأقوال والفتاوى التي تؤيد الفقه الحنفي .

ومنها : إن الإمام أبا الحسنات رحمه الله قد تحدث عن رواة الأحاديث وأسانيدها .

ومنها : إن الإمام أبا الحسنات زين زجاجة المصابيح بالحاشية المزودة بالحجج الدامغة .

ومنها : توجد في ” المشكاة ” مسألة في ثلاثة فصول مختلفة ، والتي تنشر فيها أحاديث المسألة ، أما في ” الزجاجة ” فتوجد المسألة في الأحاديث في فصل واحد .

الكلام على الرواة :

إن الإمام أبا الحسنات رحمه الله لم يكتف على ذكر الأحاديث النبوية من مختلف مؤلفات الحديث بل تعدى إلى الجرح والتعديل على رواة الحديث وأثبت الأمر بأدلة داعمة ، كما ذكر الإمام أبو الحسنات حديثاً في باب ما يقرأ بعد التكبير : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال : ” سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ” . ثم علق الإمام       أبو الحسنات رحمه الله على هذا الحديث قائلاً : ” رواه الترمذي وأبو داؤد ، وإسناد أبي داؤد حسن رجاله مرضيون ، ورواه ابن ماجة عن أبي سعيد . قال الترمذي : ” هذا حديث لا نعرفه إلا من حارثة وقد تكلم فيه من قبل حفظه ” ، انتهى . وقال التوربشتي : هذا حديث حسن مشهور وأخذ به من الخلفاء عمر رضي  الله عنه ، والحديث مخرج في كتاب مسلم عن عمر وقد أخذ به عبد الله بن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة ، وذهب إليه كثير من علماء التابعين ، واختاره أبو حنيفة وغيره من العلماء فكيف ينسب هذا الحديث إلى الضعف ، وقد ذهب إليه الأجلة من علماء الحديث كسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . وأما ما ذكره الترمذي فهو كلام في إسناد الحديث الذي ذكره ولم يقل أن إسناده مدخول من سائر الوجوه مع أن الجرح والتعديل يقع في حق أقوام على وجه الخلاف ، فربما ضعف الراوي من قبل أحد الأئمة ووثق من قبل آخرين . وهذا الحديث رواه الأعلام من أئمة الحديث وأخذوا به ، ورواه أبو داؤد في جامعه بإسناد ذكره فيه وهو إسناد حسن رجاله مرضيون ، فعلم أن الترمذي إنما تكلم في الإسناد الذي ذكره [11] .

وذكر الإمام أبو الحسنات رحمه الله حديثاً في باب القراءة في  الصلاة : عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أخرج فناد في المدينة أنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب فما زاد ” . ثم علق عليه الإمام أبو الحسنات رحمه الله : ” رواه أبو داؤد وسكت عنه ورجاله كلهم ثقات مشهورون إلا جعفر بن ميمون فقد وثقه الحاكم في المستدرك وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات . والحديث صريح في الدلالة على عدم ركنية الفاتحة ، فإن لفظة ” ولو ” المتصلة يشير إلى عدم تخصيص الفاتحة ويؤمي إلى تعميم القراءة لها ولغيرها لذلك قال أبو حنيفة بوجوبها ” [12] .

وذكر الإمام رحمه الله حديثاً : عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة ” . ثم قال : ” رواه محمد والدارقطني والبيهقي عن إمامنا أبي حنيفة وهو أحسن طرقه حكم عليه ابن الهمام بأنه صحيح على شرط الشيخين . وقال العيني : هو حديث صحيح ، أما أبو حنيفة فأبو حنيفة ، موسى بن عائشة الكوفي من الثقات الأثبات من رجال الصحيحين ، وعبد الله بن شداد من كبار الشاميين وثقاتهم وهو حديث صحيح ” [13] .

وذكر الإمام رحمه الله : عن عمرو بن محمد بن زيد عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت يحدثه عن جده أنه قال : ” من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له ” . وقال البخاري في رسالة القراءة أنه : ” لا يعرف لهذا الإسناد سماع بعضهم عن بعض ولا يصح مثله ” . ثم قال رحمه الله :         ” والجواب عنه أولاً : إن المعاصرة وإمكان اللقي يكفي عند الجمهور في صحة الاتصال ورفع الانقطاع ، وثبوت اللقي كما هو تشدد البخاري لا يجب عند الجمهور كما تقرر محققاً في أصول الحديث . والمعاصرة وإمكان اللقي ههنا متحقق بين داؤد وعمر وبين عمر وموسى وبينه وبين زيد وهو يكفينا في ثبوت اتصال السند . وثانياً : إن الانقطاع الظاهر لا يضر عندنا إذا كان الراوي ثقةً يروي عن الثقات لا سيما في القرون المشهود لها بالخير [14] .

وذكر الإمام أبو الحسنات رحمه الله في باب الوتر : عن بريدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ” . رواه أبو داؤد والحاكم في مستدركه وصححه . وفي رواية للدارقطني عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” الوتر حق واجب ” . وفي إسناد أبي داؤد أبو المنيب عبيد الله بن عبدالله ، وقد تكلم فيه البخاري . قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول : ” هو صالح الحديث ” ، وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء . وقال الحاكم : ” وثقه ابن معين ، فهذا ابن معين إمام هذا الشأن وكفى به حجة في توثيقه إياه ” [15] .

وصلى الله تعالى وبارك وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

* أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة مولانا آزاد الأردية الوطنية ،Email: sayeed_makhashin@yahoo.com

[1] أبو الحسنات السيد عبد الله شاه : زجاجة المصابيح ، طبعة ثانية ، حيدر آباد ، اسبيد بريس ، ج 1 ، ص 1 و 2 .

[2] السيد عبد الله شاه : زجاجة المصابيح ، كراتشي ، دار البشرى ، 1436هـ/2015م .

[3] سورة التوبة ، الآية : 122 .

[4] سورة البقرة ، الآية : 269 .

[5] سورة الزمر ، الآية : 9 .

[6] سورة المجادلة ، الآية : 11 .

[7] سورة طه ، الآية : 114 .

[8] السيد عبد الله شاه : زجاجة المصابيح ، مقدمة الكتاب .

[9] زجاجة المصابيح ، دار البشرى ، ص ج .

[10] زجاجة المصابيح ،  ج 3 ، ص 325 .

[11] السيد عبد الله شاه : زجاجة  المصابيح ، الجزء الأول ، ص 238 .

[12] المصدر السابق ، ص 243 .

[13] المصدر السابق ، ص 248 و 249 .

[14] المصدر السابق ، ص 252 .

[15] زجاجة المصابيح ، ص 353 و 354 .