رعاية الله للمرأة على تداول الأزمان في عُش الزوجية ( الحلقة الثانية )

حب النبي صلى اللّه عليه وسلم
نوفمبر 22, 2024
حفظ الفروج – وقاية صحية
نوفمبر 22, 2024
حب النبي صلى اللّه عليه وسلم
نوفمبر 22, 2024
حفظ الفروج – وقاية صحية
نوفمبر 22, 2024

الدعوة الإسلامية :

رعاية الله للمرأة على تداول الأزمان

في عُش الزوجية

( الحلقة الثانية )

بقلم : الدكتور غريب جمعة *

نعود إلى الحديث عن رعاية الله للمرأة ، ولكنها في هذه المرة عند الزواج .

عند بداية تكوين عش الزوجية :

وإنك لتجد حرمة المرأة في الشريعة الإسلامية مصونةً حيث لا تُزوج إلا برضاها واطمئنان نفسها وإذعان قلبها مادام اختيارها كان موفقاً ومسدداً .

نعم حق الولي ثابت ، ولكن هذا الحق لا افتئات فيه ولا ظلم ولا حجر للمرأة عن الزواج ، وإنما هو تيسير السبيل واختيار الأحسن والأصلح .

وتفاوت السن الكبيرة بين الرجل والمرأة ينبغي أن يراعى في الزواج وإلا كنا قد ألقينا المرأة في أتون من النار وفي حفرة من جهنم ، وهذا بلاء كبير لا يحتمل ولا يسكت عنه ولا يفعله إلا الذين لا ضمير ولا إنسانية لهم ، بل الذين أعمتهم الأطماع وأغواهم الشيطان بزخرف من زخارف الدنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وتأمل حديث بريرة ومغيث لترى إنصافاً للمرأة ما بعده إنصاف وتقديراً لمشاعرها ما بعده تقدير . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :     ” إن زوج بريرة كان عبداً يقال له مغيث كأني أنظر إليه خلفها يطوف ودموعه تسيل على لحيته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثاً ؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم : لو راجعتيه . فقالت : يا رسول الله ! تأمرني ؟ قال : لا إنما أنا شافع . قالت : يا رسول الله ! لا حاجة لي فيه ( خ . د . ت . ن ) [1] .

وتأمل هذين الحديثين أيضاً : ” عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد ابن جاريه الأنصاري عن خنساء بنت خزام الأنصارية ” أن أباها زوَّجها وهي   ثيب . فكرهت ذلك . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرد نكاحه ” ، أخرجه البخاري .

عن عائشة رضي الله عنها : ” أن فتاة دخلت عليها فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، وأنا كارهة . فقالت : إجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبرته . فأرسل إلى أبيها فدعاه . فجعل الأمر إليها . فقالت : يا رسول الله ! قد أجزت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن أُعْلم النساء : أن ليس للآباء من الأمر شيئ ” . وفي نسخة السماع : ” أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيئ ” ؟ أخرجه النسائي .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” آمروا النساء في شأنهن ” ، أخرجه أبو داود .

وهذه القاعدة أخذ بها الفقهاء فإن الرجل الذي يزوج ابنته الصغيرة قبل البلوغ فلها الخيار أن تنقض الزواج إذا بلغت ” .

في عش الزوجية :

مصير كل فتاة إلى بيت الزوجية حيث تسكن نفسها ويطمئن قلبها وتعيش شركةً مباركةً مرضيةً لا تنغيص فيها ولا كآبة ولا مهانة .

والمرأة التي تعيش في بيت الزوجية سعيدةً فلا بد أن يسعد بها الرجل والأبناء أيضاً وأهل الزوجين . أما إذا كانت المرأة شقيةً في هذا البيت فالشقاء يعم الجميع .

وقوام سعادة المرأة في بيت الزوجية إنما يكون بمقدار امتثالها لأمر ربها في هذا البيت ورضاها بعيشها فيه وعدم التطلع إلى سواها لأن الرضا مبعث السعادة وقوامها . وذلك إذا عرفت أن للزوج حقوقاً يجب أن تحترم وتؤدى ، وإذا عرف الزوج أن للزوجة حقوقاً يجب أن تحترم وتؤدى . وهذا منصوص عليه في قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) . [ البقرة : 228 ] .

ودرجة الزوج إنما هي تكاليف وإرهاق ومسئولية رفع الله سبحانه وتعالى المرأة عن ذلك كله . ومتى حصل الاتفاق بينهما على هذا الأمر فلا خلف ولا تباين ولا تنابز ، لأن مثار كل ذلك إنما هو الانحراف عما فرض الله لعباده .

ومهما يكن فالله سبحانه وتعالى أدرى بمصالح العباد من أنفسهم ، والعادة أن الإنسان إذا نزلت به نازلة أو ألمت به ملمة يلجأ إلى حكيم يستشيره ويأخذ بنصحه وإرشاده . فما بالك إذا كان رب العالمين وأحكم الحاكمين هو الذي قدم هذا الإرشاد والنصح لعباده في أمر بيت الزوجية وسواه . ألا ترى أن الله جل جلاله بعد أن ذكر ما للمرأة وما للرجل من حقوق أوصى الرجل كذلك بها بصورة عامة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ويحك يا أنجشة ! رويدك سوقك بالقوارير ” . قال أبو قِلابة ( بكسر القاف ) : يعني النساء .

وفي رواية قال : ” كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاد يقال له : أنجشة ، وكان حسن الصوت ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ، رويدك يا أنجشة ! لا تكسر القوارير ” . يعني ضفعة النساء . [ أخرجه البخاري ومسلم ] .

وللبخاري أيضاً قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير ، فحدا الحادي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أرفق يا أنجشة ويحك بالقوارير ” . ( رويدك سوقك بالقوارير ) رويدك بمعنى : أمهل وتأن وارفق .

قد جاء في الحديث أنه أراد من القوارير : النساء ، وشبههن بالقوارير لأنه أقل شيئ يؤثر فيهن ، كما أن أقل شيئ من الحداء والغناء يؤثر في النساء أو أراد : أن النساء لا قوة لهن على سرعة السير ، والحداء مما يهيج الإبل ، ويبعثها على السير وسرعته ، فيكون ذلك إضراراً بالنساء اللواتي عليهن [2] .

والقوارير هن قناني ( جمع قنينة ) الزجاجة الرقيقة التي يجب أن تحفظ وتدارى ، والرجل متى ما حافظ على زوجته وداراها بالحسنى في شئونها فإنه يعيش سعيداً بها وتعيش هي أيضاً سعيدة به سعادةً عمليةً متصلة على مدى الحياة لا يكدر صفوها مكدر ولا ينغصها منغص .

وخلاصة كل ذلك هي : في المعاشرة بالمعروف ، والمعروف هو الجامع لكل أمر خير مبارك محبب إلى النفوس . فيه السداد والرعاية والبشاشة ولين الكلمة ولين الجانب كل ذلك داخل في معنى المعروف قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلمَعرُوفِ فَإِن كَرِهتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيجعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً ) . [ النساء : 19 ] .

ألا ترى أن الله جل جلاله يفتح باب الأمل والرضا للزوجين إذا تطاول بهما العمر وامتدت الحياة . والحياة لا بد لها على مدى مجاريها من عثرات وحُفر وأشواك . هذه هي التي تجعل الزوجة أحياناً تعتريها السآمة والكراهية وكذلك الزوج . ولكن الله جل جلاله أفهم الزوج والزوجة معاً أن هذه الكراهية لا تدوم ، وكم من إنسان كره أمراً ثم عاد إليه راضياً محباً .

أجل باب الأمل مفتوح لأن عسى في كلمة الله هي أمل سيحقق بإذن الله متى امتثل الرجل والمرأة أمر الله ورضيا بالواقع ونهجا منهج الرضا والقبول والمسايرة والملاحظة والتحمل وسوى ذلك مما يكدر عادة صفاء الحياة الزوجية .

أجل عسى هي الأمل الكبير من الله الأكبر الذي بيده ملكوت كل شيئ ، وهو القادر على إنفاذ ما وعد . فما على الزوج إلا الصبر ، وما على الزوجة إلا الصبر . وأما جلاء الغمة وكشفها وإزاحة الكراهية لتعود فرجةً وخيراً هو أمر محقق من رب العالمين لمن امتثل أمر الله وصبر ونهج منهج الحق والخير في حسن الحال والمآل .

وتأتي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء لتضيف إلى ما سبق نوراً على نور ، وتأكيداً على تأكيد . . حيث يقول صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر . أو قال غيره ” . [ رواه مسلم ] . وقوله ” يفرك ” هو بفتح الياء وإسكان الفاء وفتح الراء ومعناه : يُبْغِض . يقال : فَرِكت المرأة زوجها وفركها زوجها بكسر الراء يفركها بفتحها : أبغضها . والله أعلم .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ” . [ رواه مسلم ] .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه . فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء ” . [ متفق عليه ] .

وفي رواية في الصحيحين : ” المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ” .

وفي رواية لمسلم : ” إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة ، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها . وكسرها طلاقها ” .

المرأة الأم :

وحين تكون المرأة أمــاً تكون عماداً لأسرتها وقواماً لذراريها وسنداً لزوجها فهي أشبه بالعماد الذي يرفع البيت عالياً وينصلح به الحال .

والأم هي كل شيئ في الحياة . إنما الحياة أم . ألا ترى أن كل شيئ يبحث عن أصله ومرجعه ويسمونه أماً .

إذاً فالأم هي قوام البيت وسنده وحنانه ورحمته وبشاشته وتدبيره . وليس ذلك من باب الكلام الطائر ، وإنما هو حقيقه واقعة في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الماثلة في هذا الحديث الشريف : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” يا رسول الله ! من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ” أمك ” ، قال : ثم من ؟ قال : ” أمك ” . قال : ثم من ؟ قال : ” أمك ” . قال : ثم من ؟ قال : ” أبوك ” . [ متفق عليه ] .

فأنت ترى في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالأم ثلاث مرات وفي الرابعة بالأب . فكأن للأم ثلاثة أرباع البر حيث إنها تتحمل ثلاثة أرباع المسئولية عن حياة الأسرة وسعادتها ، والرجل له الربع وهو القوامة .

وكل تدبير في البيت وكل تنظيم إن لم يكن مبعثه من الأم الواعية لرسالتها فلا تدبير ولا تنظيم . ولو قلت حياة بيت الزوجية إنما تقوم على الأم فلا تعدو الواقع أبداً . ولذلك كان من الخطأ والخطر معاً والبلاء يثلثهما إذا كانت الأم فارغةً من العلم بمسئوليتها عن بيتها وزوجها وأولادها ، وتعيش عيشة اللامبالاة ، ولا تفكر في تنظيم العيش في منزلها وتقدير نفقاته ، وما يتصل بذلك ، فإن البيت بلا ريب يتداعى ويتفرق أهله ويصبح أثراً بعد عين .

وهل أضر بيت الزوجية في الإسلام وكاد يقوض أركانه إلا الجهل بحقيقة الإسلام وتعاليمه وإرشاداته ونصائحه لبناء الأسرة وإصلاح حالها وتربية الأبناء ليكونوا أمل المستقبل ورجاء الأمة وأسس النهضة المباركة في أمتهم ، وهذا كله يفتقر إلى إعداد وتفكير وعمل متواصل لأن الشيئ لا يكون بنفسه ولكن بالرعاية والعناية .

ألا ترى الشجرة التي تزرعها في بيتك إن لم ترعها وتقدر لها غذاءها وحرثها وما يتصل بها تذبل وتموت ، وهذا شأن الأولاد فإن لم يكن وراءهم فكر نير وقاد وعمل جاهد ساهر وإصلاح وطيد وتوجيه سديد ومراقبة دقيقة فإنهم يعيشون سبهللة ، لا يدرون ما يأخذون ولا ما يدعون إلا بما يتصل بأهوائهم وطفولتهم ، وهنا يدخل دور رفقاء السوء الذين يضيعون النسل شر ضياع ، ويقضون عليه القضاء المبرم ، وحينئذ يقف الوالدان يبكيان ولا رجاء ولا فائدة في البكاء ، ولأن الحياة عمل وسهر وجد واجتهاد وقوة وإرادة وتصميم ، هذه هي الحياة في صورنا الحقيقية البناءة .

ولا شك أن من يطلع على حقوق المرأة في هذه العجالة وينعم نظره فيها ويدرك مدى ما عليها ، ولها أعظم أمر الزوجية وأكبرها وعلم أنها مناط الحياة ومدار السعادة ومستقر الأمة ومحل أسس بنائها . وأدرك لولا المرأة لما كانت الأسرة والأولاد . وعبء الأسرة والأولاد إنما تتحمله المرأة في كثير كثير .

فالذي ينظر بصغار إلى المرأة ويحتقرها إنما هو الصغير المحتقر ، والمرأة لم تخلق لتكون محل لذة فحسب . وهذا تترفع عنه الحيوانات وليس من الواقع في شيئ . إنما المرأة عماد بيت وقوام منزل وتربية أسرة وسعادة عيش ومستقر رحمة ودعامة عفاف وثروة خلق وحضن طفولة وسقاء ماء الحياة لهذه الطفولة الفضة الغضة .

ناهيك والمرأة هي التي تتحمل العبء الكبير لنشأة الحياة وبنائها ورعايتها . فهل يسوغ لمن يعلم أن المرأة لها هذه الدرجات العلى وهذه الرعاية من الله ، وهذا الإعداد العظيم لتكون الأم في منزل الزوجية .

هل يصح بعد ذلك أن تعامل بالطلاق والفكاك لأجل لذة بهيمية تصيب بعض الرجال الذين يعيشون عيش الحيوان ولا يدرون ما يفعلون .

ولولا الطلاق الذي يعتري بعض النساء ظلماً وبهتاناً لما حصل فساد في الأرض وانحطاط في الخلق ، والسبب كل السبب هو البعد عن أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعالم سنته وطرائق أخذه في الحياة الدنيا والإعداد للحياة الآخرة .

والطلاق وسيلة هدم وتقويض أركان وإعصار جائح وزلزال مدمر ، لا ينبغي أن يدخل في بيت الزوجية مادام البناء قائماً على أسس الإصلاح والخير والاستقامة والرشد والفكر والعقل والـتأمل في مصائر الأمور لأن دخوله معناه النهاية التي لا يرضاها الله ورسوله والمؤمنون إلا في أضيق الحالات وأحرجها .

حينئذ يكون الفكاك رحمةً كما يكون الوصل رحمةً . نعم فكاك الزوجية ليس هيّناً ، ولكن لن يصلح العطار ما أفسد الدهر .

( وإلى حديث قادم إن شاء الله ) .

* جمهورية مصر العربية .

[1] المنهاج البديع في أحاديث الشفيع صلى الله عليه وسلم ، تأليف محمد على الأنس ،    بيروت ، طبع على نفقته 1374هــ ، الجزء الثالث ، باب : بريرة ، ص 339 .

[2] جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم للإمام المبارك محمد بن الأثير الجزري ، دار الفكر ، بيروت ،1971م ، المجلد الخامس ، ص 171 وما بعدها .