إسهام الإسلام في عهد العلم والحضارة المعاصرة
أبريل 28, 2025الإخلاص وأثره في الحياة الإنسانية
أبريل 28, 2025التوجيه الإسلامي :
رسل الله في خاتم كتبه السماوية
( الحلقة الثانية )
بقلم : الدكتور غريب جمعة *
أشرنا في الحلقة السابقة إلى أننا سنذكر نبذاً عن بعض أمجاد أولي العزم من الرسل المباركة التي تفضل الله بها عليهم ، وقد شرفهم بالثناء على إخلاص عبوديتهم له جل جلاله ، فهم عباد الله البررة الأطهار ، المكرمون الأخيار في كل أدوار حياتهم .
(1) أول أولي العزم : نوح عليه الصلاة والسلام :
(1) جاء سيدنا نوح ، والبشر جلامد صماء عاتية ، مصفدون بأغلال تقاليدهم ، ومزهوون بأساطير معتقداتهم الوثنية المنحطة ، وأخلاقهم الشرسة القاسية ، فأخذ يدأب الليل والنهار ، وهو يدعوهم إلى الإيمان السماوي الصحيح ، ليخرجهم من غياهب الوثنية والشرك إلى مشارق أنوار الإيمان الساطعة ، وهو مشفق عليهم يخشى أن ينزل عليهم العذاب بسبب إعراضهم عنه وسخريتهم منه .
يقول تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِى ضَلاَلَةٌ وَلـٰكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ . أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ . أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [ الأعراف : 59 – 63 ] .
(2) وإعراض قومه وإصرارهم على تقاليدهم الوثنية لم يحل دون استمراره في دعوتهم لينهض بعقليتهم إلى وعي حقائق الإيمان الصحيح والتغذي بها وهضمها وتمثلها في أعمال مجيدة سامية .
وحينئذ تنزاح عن نفسياتهم غشاوة التقاليد البالية ، ويفهمون أن نوحاً مرسل من الله إليهم ، لإصلاحهم وإسعادهم وتألفهم حقاً وصدقاً ، فلا يستصغر أغنياؤهم فقراءهم ، وهم يحسبون أن الخير محصور فيهم ولا يتجاوزهم إلى الفقراء ، ويرفضون أن يكونوا مثلهم ، ويفهمهم نوح عليه السلام أن كبرياءهم سوف ترديهم وأنه لا يستطيع مطلقاً أن يزدريهم ازدراءهم . وأن يمنعهم من الإيمان ، لأن ذلك هو الظلم بعينه . والله أعلم بنفوسهم من كل أحد ، وعقوبة طردهم من الله مخيفة ولا إفلات منها ولا نصرة .
وهو يعلنهم أنه ليس ملكاً ولا يملك خزائن الله ولا يعلم الغيب ، بل لا يريد أن يتفضل عليهم بالإيمان . يقول تعالى : ( وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ . وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ ) [ هود : 30 –31 ] .
(3) ولاقى رسول الله نوح عليه السلام من الأهوال ما لاقى من ترصد وإيذاء وكراهية ، وكم حاولوا أن يبطشوا به ، لا لشيئ إلا لأنه يريد إسعادهم وتصحيح عقليتهم وإيمانهم بالله خالقهم العظيم ، ولكنهم باءوا بالفشل واستجاب الله دعاءه ونجاه من شرهم وأغرقهم الطوفان .
يقول تعالى : ( وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ . وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) [ الأنبياء : 76 – 77 ] .
(4) وجاء رسول الله نوح عليه السلام والبشر لا تزال تغشاهم مواريث العصر الغابي من قسوة في العواطف ، وتحجر في التفكير ، وخبث في الطباع وجمود في العقائد ، فإيمانهم كان مقتصراً على ما ورثوا من جهالات ، وكفرهم بحقائق وحي الله ، فكانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويغمضون أعينهم ويتجللون بثيابهم كلما دعاهم إلى حقائق الإيمان بوحي الله ، وها هو رسول الله نوح عليه السلام يستجير بالله مما لاقى ويلاقي منهم يقول تعالى : ( قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً . وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً ) [ نوح : 5 – 7 ] .
وعُد إلى إكمال ” سورة نوح ” في القرآن المجيد ورقمها (71) كما رأيت . فإنك تفهم كم كانت تلاقى رسل الله من الصدود والسخرية بهم والأذى من الخلق !!! وهم لا يريدون لهم إلا الخير والهداية .
ونوح ككل رسل الله . ها أتت ذا تجده يلفت أنظار الخلق إلى جلال ما يكون الخالق في الوجود من الأكوان ، يقول تعالى : ( مَّا لَكُمْ لاَ ترجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً . أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً . وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً . وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً . ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً . وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً . لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ) [ نوح : 13 – 20 ] .
فلو كانت الأرض وهاداً سحيقةً وأطواداً شامخةً ولم تكن مبسوطةً على عظم تكويرها ، لما استطاع الإنسان العيش على ظهرها والسير عليها من قارة إلى قارة .
وجزى الله رسوله نوحاً عليه السلام ، فقد نصح للبشر وأدى الرسالة ولكن البشر كانوا ظلمةً جبارين ، ضالين مضلين ، فما انتفعوا بوحي الله ولا نفعوا فأخذهم الطوفان وهم ظالمون .
(2) ثاني أولي العزم : خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام :
سيدنا إبراهيم والد الأنبياء الساميين أبناء منطقتنا ، أرسله الله في عاصف موَّار من الشرك والوثنية ، وقد طغى على الكرة الأرضية طغيان طوفان نوح ، فكان لا بد من ركوب الأخطار ، وامتطاء الأهوال واقتحام الصعاب ، لتأخذ الدعوة إلى الإيمان الصحيح مجراها الصافي الدفاق . ولم لا يكون الأمر كذلك ، والأساطير والترهات تشرِّق بالشعوب وتغرِّب . والكهنة يعقدون لهم العقائد ويهولونها بمدهشات الألغاز ، وخفايا الرموز والتواء الطقوس ، مما زينوا لهم من أنواع الآلهة ، كي يتسلطوا عليهم ، وينالوا منهم مآربهم . حتى الحكام الزمنييون دعوا لعبادتهم الجماهير ، ورأوا في ذلك كسباً لقلوبهم .
على أن عبادتهم في زعمهم أكرم وأروع وأفضل من عبادة الأبقار والأحجار والنيران والشمس والكواكب التي كانت تسود المجتمعات . والحق أن عبادة غير الله العظيم كفر ، وأن الإيمان هو خاص بعبادة الله الخالق العظيم .
أجل جاء سيدنا إبراهيم ولم يبق بين البشر من آثار وحي الله الذي جاء به نوح عليه السلام إلا ما يشبه العتمة بعد زوال الشفق الأحمر حين يأتي عليه سريان الليل ، وتغرقه أهازيعه في بحر الظلمات ، والكهان يزينون لهم عبادة الآلهة التي اتخذوها لهم من شتى أفراد الكائنات باختراع الخوارق المدهشة ، وعب النزوات المغرية ، ويهولونها بتعقيد العقائد ، وتعمية مدلولاتها بمدهشات الألغاز وخفايا الرموز والتواء الطقوس . لكي يسخروا الجماهير تسخير الدواب حتى ينالوا منهم وينيلوا من يرهبونهم من الرؤساء نزوات الشياطين .
(1) هذا ما حدا بالحكام الزمنيين إلى فرص تأليههم وعبادتهم على الجماهير . ورأوا في ذلك كسباً لقلوبهم وإذعاناً لهم ، بل رأوا تأليههم وعبادتهم أجدى وأفضل من عبادة الأحجار والأبقار والفيلة والنجوم والشموس والظلام والنور والنار ، وناهيك بما كان بين سيدنا إبراهيم والنمرود من جراء ذلك من مواقف جد حاسمة .
كن محرراً يقظاً واعياً مثل خليل الرحمن تفز بصحة الإيمان المنجى إن كنت ممن يرغب في صحة الإيمان المنجى . يقول تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِى رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّىَ ٱلَّذِى يُحْيِـى وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـى وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 258 ] .
وسيدنا إبراهيم عليه السلام قد استطاع منذ أربعين قرناً أن يُفهم العقل الإنساني طريق الإيمان اليقيني الصحيح . أفهمه إياه بالمشاهدة العيانية ، والنظر العلمي الدقيق ، والفكر المتحرك المنطلق .
وجعل أهله يستطيعون أن يعلموا يقيناً ، أن تأليه أي فرد من أفراد الكائنات . مهما كبر وعظم باطل في عين الواقع اليقيني المشاهد ، وقد مثل حالهم في أدوار التأليه المخترع حتى انتهى منه إلى إعلان حقيقة الإيمان العلمي اليقيني .
وكان كل ذلك مما أراه الله إياه في ملكوت السموات والأرض أفهمه له ليفهمه لقومه العميان الكبار . يقول تعالى : ( وَكَذٰلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ ) [ الأنعام : 75 ] .
أما تراه لما أظلم عليه الليل ، ورأى الكوكب يضيئ من جانب الأفق ، لفت نظر قومه إليه . وهو يقول مشيراً إليه ” هذا ربي ! ” وقصده أن ينقلهم من الآلهة المتخذة من كائنات الأرض إلى التفكير في ملكوت السماوات الذي لا تعد الأرض بالنسبة له إلا ذرة هزيلة .
وبعد هذه النقلة ، انتظر إبراهيم عليه السلام حتى غاب الكوكب في مجراه في الأفق وبدا القمر بازغاً ساطعاً .
وهنا حركهم إلى نقلة ثانية ، بتفكير حر منطلق قادر على النقلة من الحسن إلى الأحسن . إذا تأكدوا ذلك . وبمثل هذا التحرك والانتقال يتم الوصول إلى الحقيقة الإيمانية الكبرى .
أجل ، إن الوصول إلى الحقيقة لن يتم إلا بذلك ، شرط أن يكون مع العزيمة والإرادة المصممة على التحرك والانتقال . أي بعد انكشاف الحق الصراح . وهذا ظاهر في نص الآية . وإلا ظل غارقاً إلى أذنيه في ضلاله . وكم في الاستعانة بالله إلى الهداية من توفيق عظيم .
يقول تعالى : ( فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّى فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَـأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ ) [ الأنعام : 77 ] .
إن حقيقة الإيمان اليقيني ، تتجسد بين أيديهم شاخصة إليهم ، إذا هم تحركوا إلى النقلة الثالثة . وفي هذه النقلة أعلن إبراهيم عليه السلام تبرأه من كل توجه وتأليه وعبادة واستعانة وضراعة لغير الله فاطر السموات والأرض رب العالمين ، تبرءاً مخلصاً من كل شرك ووثنية . وإنا نجد في كل تحركاته العملية الدعوة المقصودة إلى الإيمان اليقيني الحق .
يقول تعالى : ( فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّى هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّى بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ) [ الأنعام : 78 – 79 ] .
يالله ! كم نجد لسيدنا إبراهيم عليه السلام من إيمان عملي علمي يقيني مشاهد ، يحرك به العقول الجامدة الملتوية على أوثانها وأصنامها ، يحركها تحركاً نيراً هادياً بعمق النظر ودقة العمل وصدق النية وقوة البرهان الصارخ . الذي جعل الخصوم المعاندين المقلدين يثوبون إلى الواقع اليقيني الماثل أمامهم . ولولا سطوة التقاليد الهوجاء المهيمنة على أنفسهم ، لثبتوا على الإيمان الحق الذي هداهم إليه إبراهيم عليه السلام ، ولم ينتكسوا شر انتكاس ، عامدين إلى أسلوب العاجزين ، أي إلى البطش به وإحراقه في النار ، ولكن أنى يتم لهم ذلك وهو من أولي العزم ولابد من إتمام دعوته إلى الناس .
يقول تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ . قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِى فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ . وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ . قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يٰنَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلاَمَا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ ) [ الأنبياء : 51 – 70 ] .
وهذا سيدنا إبراهيم يتغلغل في جزيرة العرب ، وينتقل بين قبائلها ويدعوهم إلى الإيمان بالله الخالق العظيم ، ويحطم الوثنية ويرجم الأصنام ، ويجدد بناء أول بيت عبادة ، شيد في الكرة الأرضية في جزيرة العرب في مكة المكرمة . ويدعو الناس إلى حجه والطواف حوله ومحاربة الوثنية والشرك وهجر عبادة الأصنام وتجنبها ، فكان بحق داعم الحنيفية السمحة في جزيرة العرب المقدسة . وقد ظل نسل ولده إسماعيل – الذين هم العرب المستعربة – يتكاثرون حتى كان منهم خاتم رسل الله محمد بن عبد الله صلوا الله وسلامه عليهم جميعاً .
يقول تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ ) [ البقرة : 127 – 129 ] .
( وإلى حلقة قادمة إن شاء الله )
* جمهورية مصر العربية .