دروس وعبر من قصة هدهد سليمان عليه السلام مع دراسة بلاغية
يونيو 4, 2024شعر الصحابي الجليل الجارود العبدي رضي الله عنه دراسة موضوعية فنية ( الحلقة الأولى )
يونيو 4, 2024دراسات وأبحاث :
رحلة الأمير عبد الوهاب خان للحج ( 1331هـ ) :
دراسة تحليلية
د . ثمامة فيصل
تُعتَبَرُ كتبُ الرحلات بوجه عام مصادرَ مهمةً للمعلومات والبيانات المُسجَّلة في حدود الزمان والمكان ، فإنها تحوي في طياتها مشاهدات وملاحظات ووقائع وأحداث يسجلها أصحابها وقتَ وقوعها . ولو استثنينا بعض الرحلات التي تتخللها مبالغاتٌ وخرافاتٌ من أمثال رحلة ابن بطوطة ، فإن معظمها تمثل النزعة الواقعية للأدب في أحسن صورها ، وتختلف عن الفانتازيا الذي يجمع بين الفكاهة والتراجيديا ، وعن القصة والرواية التي يعتمد كلٌّ منهما على الخيال والإثارة والتصوير والتشويق من حيث الأساس ، وعن السير الذاتية التي يحكي فيها أصحابُها ماجَرَياتِ حياتهم بإلقاء نظرة شُمولية عليها دون تخصيصها بالتَّرحال والتَّطواف بأرجاء البلاد . فالرحلات لا تتمحور حول شخصية المؤلف وذاتها بقدر ما تتمحور حول مظاهر الحياة ومشاهد الكون فيما حوله ، وهو يجوب الآفاق . ومن الرحلات التي اعتنى بها الباحثون والمؤرخون باعتبارها مصادر تاريخية مهمة رحلاتُ الحج والرحلاتُ إلى الأماكن المقدسة . ومع أن هذا النوع من الرحلات تطغى فيها الناحية الدينية والوجدانية على الناحية الأدبية والبلاغية ، إلا أن أحداً لا يستطيع إنكار أهميتها الأدبية البَتَّةَ .
والرحلة التي قد تناولتها للتحليل والدراسة من خلال هذا البحث المتواضع ، نستطيع أن نعدها من الرحلات القديمة ذات أهمية تاريخية ووثائقية ، فقد ألفها باللغة الأردية قبل ما يزيد على قرن من الزمان الأمير الهندي عبد الوهاب خان الذي خرج من إمارة ” محمد آباد ” المعروفة بـ ” إمارة طَونْكْ ” ( State of Tonk ) في رحلة لأداء فريضة الحج وزيارة بعض الأماكن المقدسة سنة 1313هـ الموافق 1913م . وقبل الخوض في دراسة هذه الرحلة يطيب لي أن أقدم نبذةً عن إمارة طونك الإسلامية وترجمةً موجزةً عن صاحب هذه الرحلة الأمير عبد الوهاب خان . وسأذكر بعض النماذج المترجمة من الرحلة أثناء دراستي لها .
لما تضعضعت الإمبراطورية المغولية في بلاد الهند بدءاً من مطلع القرن الثامن عشر الميلادي لأسباب مختلفة ، قامت مآت من الإمارات الإسلامية وغير الإسلامية ما بين صغيرة وكبيرة في طول البلاد وعرضها معلنةً استقلالها مُحَوِّلَةً قبلتها من دلهي إلى لندن مع مرور الأيام . فقامت إمارةٌ قوية في حَيدَرْ آباد ، وثانيةٌ في بوفالْ ، وثالثةٌ في رامْفُورْ ، ورابعةٌ في طَونك ، وهكذا قامت مآت من الإمارات ، ووالت كلُّها – طوعاً أو كرهاً – الحكومةَ البريطانيةَ بعد أن أعلنت بريطانيا سيطرتَها الكاملة على الهند سنة 1857م . وكانت من بينها إمارةُ محمد آباد المعروفة بإمارة طونك التي قامت في غرب الهند في منطقة كانت تسمى رَاجْبُوتَانا ( Rajputana ) وتسمى اليوم راجَستانْ ( Rajasthan ) .
أسس هذه الإمارةَ محمد أمير خان الذي انحدر أجدادُه من أفغانستان ، ودخلوا الهند في عهد الإمبراطور المغولي الثالث عشر محمد شاه الذي حكم الهند من 1719م حتى 1748م . وكانت الإمبراطورية المغولية قد آذنت بالتفكك والانهيار بسبب انغماس محمد شاه وخلفائه من بعده في ملذات الحياة ، فعمت الفوضى وسادت البلبلةُ كلَّ أرجاء الهند . وفي مثل هذه الظروف المتقلقلة وُلد أمير خان سنة 1768م ، وكان قد ورث الشجاعة والبسالة والطُّموح وقوة الإرادة من أجداده ، فألف جيشاً عرمرماً من أتباعه بلغ عددُ المحاربين فيه اثني عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل ، وبدأ يحالف الأمراء الهندوس في المنطقة ؛ فكان ينصر بعضَهم ضد بعض صنيعَ ” المُرتَزَقَة ” في زماننا ، وكان النصر حليفاً لمن ينصره أمير علي مع سهمٍ له مضمونٍ فيما يفتحه من المناطق . فسيطر على منطقة طونك سنة 1806م كما سيطر على بعض المناطق الأخرى بجوارها ، وأخيراً في 1817م ، وبعد توقيعه اتفاقيةً مع الحكومة البريطانية التي كانت تُرَسِّخُ أقدامها في الهند آنذاك ، أسس إمارته باسم ” محمد آباد ” التي اشتهرت باسم ” إمارة طونك ” نسبة إلى عاصمتها مدينة طونك . وخلال فترة قصيرة استطاع أمير علي إحلالَ الأمن والسلام في أطراف إمارته ، واشتغل بكل صدق وإخلاص بإعمارها وتطويرها ، فشيد لرعيته الأسواق والمساجد والحدائق وما إلى ذلك . وتوفي سنة 1834م بعد أن حكم هذه الإمارة 17 عاماً .
شهدت هذه الإمارة تطوراً ملموساً وازدهاراً ملحوظاً وتبوأت مكانةً مرموقةً بفضل الجهود المخلصة التي بذلها أمراؤها بدءاً من مؤسسها أمير خان حتى آخر أمرائها محمد فاروق علي خان الذي تم في عهده ضم الإمارة إلى حكومة الهند عقب استقلال البلد من الاحتلال البريطاني سنة 1947م . وعُمِرت هذه الإمارة مائةً وثلاثين سنة حكمها خلال هذه الفترة ستةُ أمراء كما يأتي :
– مؤسس الإمارة محمد أمير خان ( حكم 17 سنة حتى وفاته في 1834م )
– محمد وزير خان ( حكم 30 سنة حتى وفاته في 1864م )
– محمد علي خان ( حكم 3 سنوات حتى انعزل عن الحكم في 1867م )
– محمد إبراهيم علي خان ( حكم 63 سنة حتى وفاته في 1930م )
– سعادت علي خان ( حكم 17 سنة حتى وفاته في 1947م )
– فاروق علي خان ( حكم بضعة أشهر حتى انضمت الإمارة إلى الحكومة الهندية في 16 أغسطس 1947م )
تميز رؤساء هذه الإمارة في جانبٍ بحنكتهم السياسية ودربتهم الإدارية ، فأحسنوا إدارة شؤون الإمارة ، وأدوا مسؤولياتهم بكل أمانة ؛ حتى سادها الرخاءُ وانتشرت فيها الرفاهيةُ وقام فيها العدلُ والإنصافُ ، وتعايش أهلها بالوئام والانسجام . وشُيِّدَت فيها المساجد والمستشفيات ، وأُسست فيها المدارس والمكتبات ، وبُنِيت فيها الشوارع والجسور والحدائق والأسواق .
وتميزوا في جانب آخر بعنايتهم الخاصة بتحصيل العلم ونشره بين رعيته وتقديرهم البالغ للعلماء والأدباء ، فقصد العلماءُ هذه الإمارةَ من مختلف أنحاء الهند ، واستنارت مساجدُها ومدارسُها بأشعة العلم والأدب ، وزخرت مكتباتها بالكتب العربية والفارسية المخطوطة منها والمطبوعة ، بالإضافة إلى الاهتمام البالغ بنشر الكتب وتوزيعها . والجدير بالذكر أن مكتبة طونك تُعرف حتى اليوم لاحتضانها مجموعةً قيمةً من الكتب المخطوطة والمطبوعة القديمة .
ومما يدل على اهتمام رؤساء هذه الإمارة بخدمة العلم ونشره ما ذكرته المصادر من أن الرئيس الثالث لإمارة طونك محمد علي خان ألف كتاباً بعنوان ” قرة العيون ” ، احتوى على خمسة آلاف صفحة واشتمل على مسائل ومعلومات جامعة حول علوم اللغة العربية وتاريخ الإسلام والمسلمين .
ومن مظاهر حميتهم الإسلامية أنهم كانوا يربون أولادهم تربيةً إسلاميةً وكانوا يحفِّظونهم القرآنَ الكريمَ ، فنلاحظ لقب ” الحافظ ” و ” القارئ ” بين ألقاب العديد من أمرائهم ، كما أنهم كانوا يحرصون على الخروج في السفر لأداء فريضة الحج ، ومنهم من ألف رحلته المقدسة مثل هذه الرحلة التي ألفها الأمير عبد الوهاب خان بعنوان ” سفرنامۂ سعادت ” ( أي : رحلة السعادة ) .
ولد الأمير محمد عبد الوهاب خان سنة 1272هـ الموافق 1855م في مدينة طونك ، وسماه بهذا الاسم جدُّه رئيس طونك آنذاك محمد وزير خان . حفظ عبد الوهاب خان القرآن الكريم وتعلم التجويد في صغر سنه فلُقب ” الحافظ ” و ” القارئ ” ، ثم توجه إلى تحصيل العلوم الأخرى من كبار علماء طونك ، فتعلم علوم العربية مثل النحو والصرف والإنشاء . وقرأ كتب الحديث مثل مشكاة المصابيح وصحيح البخاري وغيرهما ، وكتب الفقه ، وكتب الأدب مثل ديوان امرئ القيس وديوان المتنبي ومقامات الحريري وغيرها على كبار علماء الإمارة . وكل هذا يدل – كما ذكرنا آنفاً – على اهتمامهم البالغ بتربية أولادهم تربيةً إسلاميةً وعربيةً وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية .
وبعد تلقيه مختلف العلوم تقلد الأمير عبد الوهاب خان بعضَ المناصب الرفيعة في الإمارة ، فعُيِّن رئيسَ قسم الشؤون الشرعية ، ثم عُين قائدَ الجيش ، ثم نائبَ رئيس الإمارة ، وعمل كعضو في بعض اللجان الرسمية المهمة للإمارة حتى آخر حياته . وكان مهتماً بتعليم الناشئة ، فكان يهيئ لهم الدراسة ، وكان يوفر لهم الكتب مجاناً على نفقته الخاصة . ومن نماذج خدمته للعلم أنه نشر كتاب ” تيسير القارئ شرح صحيح البخاري ” للشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي مع شرحين آخرين للصحيح وكتاب أسماء الرجال للإمام ولي الله الدهلوي في هامشه ، ثم وزعه مجاناً بين أهل العلم . وكان عابداً زاهداً وَرِعاً ، وكان متحلياً بالأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة كما أشار إلى ذلك الشيخ أبو المظفر في مقدمة هذه الرحلة . وتتجلى نزعته الدينية هذه من خلال هذه الرحلة أيضاً فنجده فيها حريصاً على زيارة المساجد والمدارس ووصفها .
أما خروج الأمير عبد الوهاب خان في رحلة الحج ، فإنه سافر لأداء الحج مرتين . خرج للمرة الأولى مع والده الأمير محمد علي خان سنة 1870م ، وكان عمره آنذاك 15 سنة ، ثم خرج ثانيةً في رمضان 1331هـ الموافق أغسطس سنة 1913م في عهد أخيه الكبير الأمير محمد إبراهيم علي خان ، وكان عمره 58 سنة وقتذاك ، وهذه هي الرحلة الثانية التي سجَّل مذكراتها ، ولكنها تر النورَ في حياته ؛ إلى أن أوعز نجلُه الأمير عبد التواب خان إلى المحدث الشيخ أبي المظفر الطبيب الخاص لرئيس إمارة طونك آنذاك إلى جمع مذكرات حج والده وتأليفها في شكل كتاب ، فنُشرت الرحلة بعنوان ” سفرنامۂ سعادت حرمين شريفين ” ( أي رحلة السعادة إلى الحرمين الشريفين ) في 1353هـ الموافق 1934م .
وبالإضافة إلى زيارته لمكة والمدينة زار الأمير عبد الوهاب خان خلال هذه الرحلة بيت المقدس وبعض المدن التاريخية في بلاد الشام أيضاً ، فوصفها في هذه الرحلة ، كما وصف بالتفصيل بعض المدن الأخرى التي زارها في طريقه إلى مكة مثل مدينة مومباي بالهند ومدينة بور سعيد في مصر وغيرهما . أما كلمة ” سعادت ” في عنوان هذه الرحلة ، فإنها تدل على السعادة التي نالها صاحب الرحلة بعد أدائه فريضة الحج ، كما تدل على نسبة الرحلة إلى الأمير سعادت علي خان رئيس إمارة طونك زمنَ نشرها .
وكان قد سبق الأميرَ عبدَ الوهاب خان العديدُ من الحجاج الهنود إلى تأليف رحلاتهم باللغة الأردية ، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأميرة سِكَنْدَرْ بَيغَمْ رئيسة إمارة بوبال ( 1864م ) ، والحاج مَنْصَبْ علي خان ( 1871م ) ، والحاج عليم الدين ( 1891م ) ، والأمير محمد عمر علي خان ( 1895م ) ، والأميرة سلطان جَهانْ بَيْغَمْ رئيسة إمارة بوفال ( 1903م ) ، وغيرهم . وتختلف هذه الرحلات من حيث الأسلوب ومن حيث المنهج . ولا يتسع المجال هنا للحديث عنها .
خرج الأمير عبد الوهاب خان في هذه الرحلة برفقة زوجته التي لم يسمها في الرحلة وحفيده عبد المحي خان الذي كان يتيماً وكان عمره ثلاث سنوات آنذاك . كما رافقه في هذه الرحلة عدد من أبناء أمهاته التابعين له . وصحبه ابناه الأمير عبد الوحيد خان والأمير عبد التواب خان حتى مومباي فرجعا بعد توديعهما إياه . وقد أشار الكاتب إلى خروج بعض الأمراء الآخرين أيضاً من طونك للحج في نفس العام . فكان قد سبقه في الخروج لأداء الحج من طونك في نفس السنة أخوه الكبير الأمير عبد الرحيم خان مع 34 شخصاً ، فلقيه في مومباي وودعه في مينائها .
وصل صاحب الرحلة أولاً إلى مدينة مومباي بالقطار ؛ لكي يركب السفينة المتجهة إلى بور سعيد من هناك . واختار طريق بور سعيد للوصول إلى مكة بدل ذهابه إليها عن طريق جدة مباشرةً كما كان يفعل عامة الحجاج الهنود في ذلك العصر ، فأشار إلى ذلك بنفسه موضحاً سببَ ذلك قائلاً : اخترتُ طريق بور سعيد ، لأن المسافرين في هذا الطريق لا يخضعون للحَجْر الصحي ، فلو ذهبنا عن طريق جدة ، لاضْطُرِرنا إلى إقامتنا في مدينة كامران لعشرة أيام للحجر الصحي ، الأمر الذي يؤدي إلى وقوع المسافرين في حرج شديد ومشقة بالغة ، فاخترنا طريق بور سعيد لكي نتجنب هذا الحرج وهذه المشقة . وعلاوةً على ذلك ، كنا نطمح إلى زيارة الأماكن المباركة الأخرى التي تقع في هذا الطريق .
فزار أثناء رحلته الأماكن التاريخية التي تقع في بلاد الشام ووصفها بشيئ من التفصيل ، فوصف مدينة يافا ، ومدينة القدس ، ومدينة الخليل ، ومدينة بيت لحم ، ومدينة حيفا ، ومدينة دمشق بوجه خاص . كما أشار إلى بعض الأماكن التي مر بها أثناء تنقله بين هذه المدن . ومما يلفت انتباهَنا اهتمامُه الخاص بوصف مدينة مومباي الهندية ومدينة بور سعيد المصرية وصفاً مفصلاً . فامتد وصفهما على جزء كبير من هذه الرحلة .
أما مدينة مومباي فوصف سوقه المسماة بكرافت ماركيت ونَبَّهَ إلى أن البضائع التي تُباع في هذه السوق أغلى مقارنةً بالأسواق التقليدية . ووصف مبانيها الشامخة وشواطئها الرائعة . وتحدث عن مساجد مومباي وأشار إلى وسعتها وجمالها وروعتها ، وقال : إن أهالي هذه المدينة يصلون العيد عادة في المساجد ، فصلى هو أيضاً العيد في المسجد الجامع المعروف بمسجد زكريا ، وأشاد باهتمام المسلمين البالغ بمساجدهم في هذه المدينة . ووصف سكن الحجاج ومدرسة ” أَنْجُمَنِ إسلامْ ” وأشاد بمبانيهما الشامخة .
ومما يلفت انتباهَنا إشارتُه إلى الطفرة الاقتصادية في مدينة مومباي ، فذكر أن التجارة هي الشغل الشاغل لكل شخص في هذه المدينة ، وأنها مليئة بالأثرياء الذين يملكون الملايين من الروبيات وبالتجار الذين يديرون محلات تجارية فاخرة . ولم يختلف الأمر اليوم ، فإن هذه المدينة ظلت محتفظةً بهويتها التجارية رغم مرور أكثر من قرن ، فتُعرف اليوم أيضاً كالسابق بالعاصمة التجارية للهند .
وأما مدينة بور سعيد المصرية التي تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في الطرف الشمالي لقناة السويس ، فوصف الأمير عبد الوهاب خان تمثال المهندس والدبلوماسي الفرنسي ليسبس ( Ferdinand de Lesseps ) الذي اكتمل تحت إشرافه مشروعُ حفر قناة السويس ، ووصف مستودع المدافع ، والبيوت الخشبية على شاطئ البحر ، ووسائل النقل مثل العربات والترام ، وبيوت النصارى وملابسهم ، مشيراً إلى أن المدينة تنقسم إلى قسمين : قسم يسكنه النصارى وقسم يقطنه العرب . ووصف مدرستين شيدتهما فيها الدولة العثمانية ، إحداهما خاصة لليتامى ، بينما يدرس في الثانية عامةُ أطفال هذه المدينة . ووصف المسجدَ التوفيقي الذي بناه حاكمُ مصر محمد توفيق باشا ( ت 1892م ) ، وقارن بين مساجد بور سعيد ومساجد مومباي ، وقال : وتجدر الإشارة بهذه المناسبة إلى أن الاهتمام بالمساجد في مومباي أكثر من الاهتمام بالمساجد في بور سعيد . وشَبَّهَ مومباي ببور سعيد من حيث كثرة الإنارة وازدهار التجارة فيهما ، وأشار إلى أن مومباي أغلى من بور سعيد .
قطع صاحبُ الرحلة مسافةً طويلةً خلال هذه الرحلة بالقطار منذ انطلاقه براً من مدينة يافا الواقعة شرقَ البحر الأبيض المتوسط حتى وصوله إلى مكة . ومما يستوقفنا بهذا الشأن اهتمامُه الخاص بوصف القطار وذكره جميع المحطات التي مر بها القطار ، فنلقاه حريصاً غاية الحرص على ذكر كل محطة مع وصفٍ لها في عبارة موجزة ووصفِ ما شاهَدَه بين تلك المحطات من مظاهر الطبيعة من زروع وأشجار وجبال وأنهار وإنسان وحيوان .
وصل صاحب الرحلة إلى المدينة المنورة قبل وصوله إلى مكة بسبب اتجاهه أولاً نحوَ بلاد الشام لزيارة الأماكن التاريخية فيها ، فركب القطار في دمشق ووصل به إلى المدينة المنورة . فوصف محطة القطار بالمدينة كما وصف أبواب المدينة وأبواب المسجد النبوي ووصف زيارته للقبور فيها .
ومما يمكن أن يؤخذ عليه أن عنوان هذه الرحلة لا يدل بدقة على محتوياتها ، بحيث إن العنوان المكتوب على صفحة العنوان هو : سفرنامۂ سعادت حرمین شریفین ، ( أي رحلة السعادة إلى الحرمين الشريفين ) مع أن الحديث عن مكة والمدينة في هذه الرحلة التي تقع في 152 صفحة لا يتجاوز 30 صفحة . فكان الأجدر أن يضاف إلى العنوان : ( والأماكن المقدسة الأخرى ) .
وقليلاً ما نجده ينظر إلى الأشياء بعين ناقدة وفاحصة ، فيغلب على أسلوبه السرد والوصف ، اللهم إلا مواضع نجده فيها يقارن بين المدن مثل مقارنته بين مومباي وبور سعيد من حيث الاهتمام بالمساجد ومظاهر الرقي والازدهار فيهما ، ومقارنته بين مدينة بور سعيد ومدينة جَيْبُورْ الهندية أثناء حديثه عن شوارع بور سعيد وأسواقها . وأسلوبه شيق وممتع من حيث المجموع إلا أننا نجد فيه شيئاً من الإسهاب والإطالة مثل ذكره كافة محطات القطار ووصفها بين يافا والمدينة المنورة ، الأمر الذي يبعث بعض الضجر والملل في نفس القارئ .
وخلاصة القول أن هذه الرحلة حافلة بكثير من المعلومات التاريخية النافعة حول الأماكن التي تحدث عنها صاحبها ، فإنه قد سجّل فيها مشاهداته وملاحظاته ، ووصف ما رآه في البر والبحر من مظاهر الطبيعة والعمران ، فالرحلة وثيقة تاريخية ألفها هندي من ذوي العلم والسلطان قبل أكثر من قرن من الزمان .
المصادر والمراجع :
1. أحمد ، ممتاز . جغرافیۂ ریاست ٹونک . ط 1 ، مطبعة سعادت ، طونك ، الهند ، 1935م .
2. بيغم ، الأميرة سكندر . مذكرات رحلة حج . تعريب : ثمامة فيصل وإبراهيم البطشان . ط 2 ، مطبعة نور ، دلهي ، 2014م .
3. خان ، الأمير عبد التواب . تذكرۂ ٹونک . ط 1 ، طونك ، الهند ، 1937م .
4. خان ، الأمير عبد الوهاب . سفرنامۂ سعادت . ط 1 ، مطبعة محبوب المطابع ، دلهي ، 1934م .
5. خان ، الأمير محمد عبد المعيد . ریاست ٹونک کے حکمران ذیشان . ط 1 ، معهد البحوث العربية والفارسية ، طونك ، 2010م .
6. محمد ، دين . یادگار مسند نشینی ٹونک . ط 1 ، مطبعة فيروز ، لاهور ، 1930م .