دور الأستاذ في بناء الإنسان !

الإدغام بحسب الصفة من القرآن الكريم
مايو 3, 2021
اليوم العالمي للبيئة : منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية
يونيو 2, 2021
الإدغام بحسب الصفة من القرآن الكريم
مايو 3, 2021
اليوم العالمي للبيئة : منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية
يونيو 2, 2021

دراسات وأبحاث :

دور الأستاذ في بناء الإنسان !

الأستاذ الدكتور سيد احتشام أحمد الندوي [1]

شخصية الأستاذ كظل دوحة كبيرة ، الأستاذ نور للطلبة وشمعة مضيئة لهم ، الأستاذ يصنع شخصية الطالب كما تصنع الأشياء في المصانع والمعامل ، الأستاذ يبدل حياة الإنسان وينصح له ، الأستاذ هو الذي يقسم العلم والفضل ، وللأستاذ ناحيتان : ناحية لعلمه ، فهو ينقل العلم من نفسه إلى نفس الطالب ، وناحية أخرى له هي السيرة ، الأستاذ هو أستاذ للعلم وأستاذ للسيرة ، الطلبة يتأثرون بعلمه وبسيرته ، وربما تغيَّر حياة الطالب بسبب سيرة الأستاذ ، الأستاذ هو يصنع الأذهان ، ويصوغ سير الطلاب ، الأستاذ هو الذي يقلب الإنسان ويعطيه قوة البيان ، من يجعل الأديب ؟ ومن يجعل الشاعر ؟ ومن يجعل الخطيب ؟ ومن يجعل الزعيم ؟

هذا هو الأستاذ الذي يجلو الأذهان وينوِّر القلوب ، وينفخ روح الحرية ، وروح الخطابة ، وروح الأدب في نفوس الأطفال الساذجة ، وهو ينفخ أقدار الحياة وأقدار الأخلاق ، وينفخ روح الإيمان في قلوب الناشئين ، الإنسان يصنع في الحقيقة في معمله ، الإنسان يصنع في مصنعه حسبما شاء الأستاذ ، الأستاذ يعطي شمعةً تبقى مضيئةً في حياة الطالب ، الأستاذ يعطي سراجاً يكون مضيئاً خلاف الهوجاء ، الأستاذ يقسم العلم كما تقسم الحلويات ، الأستاذ يفتح باباً جديداً كل يوم أمام الطلبة ، الأستاذ يريهم آفاقاً جديدةً ونوراً ساطعاً ومنارةً مضيئةً للحياة والكائنات .

الأستاذ هو نور للمجتمع البشري :

هو الذي ينير القلوب والنفوس ، وشخصيته يتخرج منها الدكاترة والمهندسون والعلماء ، كلهم يأخذون العلم من الأساتذة ، الأستاذ يذهب إلى الفصل بغير كتاب ولا قرطاس ، ولكن ذهنه كتاب ، وقلبه شمعة ونفسه مملوءة بالعلم ، وهو بحر يتموج فيه العلم والفضل ، وهو بحر يوجد فيه اللؤلؤ والمرجان ، وتزخر فيه العلوم ، وتتموج فيه الأفكار العالية ، وتفيض منه أنهار جارية ، وهو عين فياضة ونور ساطع ، وله شخصية عظيمة متنوعة ، وربما يذهب إلى الفصل بغير كتاب ولا صحيفة ، وبغير ورق ولا قلم ولا دواة ، هو العلم ينفجر من جوانبه ، العلم قد امتزج بروحه وجسمه ، حياة الأستاذ كحياة التاجر ، فهو يتجر العلم والأدب ، والشوق والذوق ، هو يقسم العلم كل يوم وكل حين ، الأديب لفظه أدب ، وخياله أدب ، وجملته أدب ، فإن الأستاذ الأديب العالم إذا اجتمع فيه الخصائص فكل ما يقول هو العلم ، وكل ما يتلفظ يكون أدباً ، وكل ما يمس يصبح أدباً ، وكل لفظ يخرج من فيه فهو أدب ، وقد قالت العرب   قديماً : الأدب لا موضوع له ، هذا صحيح جداً ، الأدب لا موضوع له ، العلم لا موضوع له ، لأن الأدب داخل في باطن شخصية ، الأدب والعلم داخلان في خفايا القلب والنفس ، يعني أن الشخصية هي الأدب ، وأن الشخصية هي العلم ، وكل ما يخرج من الأستاذ هو العلم ، وهو الأدب ، وهو الفضل ، لأن يتكلم من مكانة عالية ، ويلقي محاضرته بعد دراسة واعتماد وطمأنينة ، الأستاذ يريد أن ينور القلوب المظلمة ، الأستاذ يريد أن يفسر المسائل المبهمة ، الأستاذ يريد أن يظهر ما غمض على الطلاب ، وأن يريهم آفاقاً جديدةً لم يكونوا يعرفونها من قبل ، الأستاذ الشفيق لا بديل له ولا نظير له ، فإن الأستاذ الذي أنفق جهده وسعيه في تعليم القواعد الابتدائية ، فإنه غرس شجرةً وبذر بذرةً لم تزل تنمو ، وترتقي الأُسس التي غرس عليها الأستاذ الأول في المدرسة الابتدائية .

لولا الأستاذ لساد المجتمع الإنساني الجهل والعماية ، لولا الأستاذ لما تخرج العلماء والفضلاء من المدارس والكليات ، ولكن طبقة الأساتذة والمعلمين هم دائماً في مشقة ، ولهم معيشة ضنكاً ، والسبب في ذلك أن مستوى الحياة للأستاذ يكون عالياً ، لأن أهل العلم يأتون إليه بين حين وحين ، وهو يسافر إلى الجامعات والكليات ، وهو يطوف في البلاد لنشر العلوم والفنون ، وكل هذا يحتاج إلى المال ، والمال الموجود عنده لا يكفي حاجته والمشقة العلمية التي يحتملها تحتاج إلى غذاء جميل قوي ، ولكن لا يكون له احتمال هذا العبء ، لأن راتبه لا يكفي لحوائجه المتنوعة ، الأحوال تختلف مع اختلاف المعاهد والمدارس والمكاتيب والجامعات والكليات ، أساتذة المدرسة الابتدائية في أسوء حال لأن رواتبهم قليلة  جداً ، ومستوى التعليم في المدرسة الابتدائية أسوء وأقبح وأحط ، وهذا هو السبب في انحطاط مستوى التعليم في عامة الأحوال ، وكذلك الأحوال في المدرسة الثانوية ، أما الكليات فحال الأساتذة فيها فلا بأس بها ، أما الأساتذة في الجامعات فهم أحسن حالاً وأوفر مالاً من جميع الطبقات بين أقسام الأساتذة ، ولكن لا بد لنا أن نقول : إن الأساتذة حياتهم في مشقة دائمة ، لأنهم إذا رجعوا إلى بيوتهم يستعدون لإلقاء المحاضرة ، ولا يمكن إلقاء المحاضرة قبل الاستعداد ، أما الكاتبون إذا رجعوا من المكتب إلى بيوتهم فلا عمل لهم ولا هم لهم ولا غم لهم ، أما أساتذة الجامعات والكليات فهم يرجعون من المعاهد إلى بيوتهم بالعمل الكبير فهم يستعدون لإلقاء المحاضرة ، وهم يدرسون كثيراً ، وهم يشرفون على الباحثين في بيوتهم ، أما الأستاذ فهو يستعد لإلقاء الدرس والمحاضرة  للغد ، وهو يمتحن كراسات الامتحان ، وهو يسافر للامتحان الشفهي ، وهو لم يزل في مشقة فهو يستعد لإلقاء المحاضرات في جامعات أخرى ، وإذا زاد المنصب زادت مسئولياته ، ولكن البيئة والحكومة وأهل السلطة لا يرون إلى الحقائق الحقة ، وهم لا يرون أن أستاذ المدرسة الابتدائية كيف يعلم إذا لم يكن عنده فلوس .

ولا بد لنا أن نقول الحق ولو كان مراً ، ولا بد لنا أن نقول كلمة حق ولو كان عند سلطان جائر ، والتجربة تدل على أن كثيراً من الأساتذة لا يعتنون بالتدريس ، وإن شرذمة منهم لا يحضرون في الفصول ولا يعلمون ، وهم لا يكملون المنهج الدراسي المقرر في الفصول ، وهم لا يصححون الكراسات والتمرينات ، وهم لا يدربون الطلاب ولا يلتفتون إلى التمرينات ، ولا يعتنون بأحوال الطلبة ، ولا يجتهدون لعرفان مواهب الطلاب والتربية للمواهب ، ولكن مثل هؤلاء الأساتذة قليل ، وبعض الأساتذة لهم مهنة أخرى بسبب قلة المال ، والإفلاس ، لأن رواتبهم لا تفي بحاجاتهم ، ولكنهم هم شرذمة قليلون في العدد ، أما الباقي فهم المبتلون ، ولا بد للآباء أن يعرفوا مكانة الأستاذ في حياة أولادهم ، ولا بد للحكومة أن تعرف مدى أهمية الأستاذ في بناء المجتمع الإنساني ، ولا بد للبيئة أن تعطي حق الأساتذة وتكرم مثواهم ، قيل مرةً للدكتور رادها كرشنن لما كان رئيس جامعة بنارس في الهند : إن قسم المناهج البوذية لم يدخل فيه طالب منذ سنوات فعليك أن تلغي هذا القسم . فقال الرئيس الفاضل : لا والله ، لا ألغي هذه المادة ، لأن الأستاذ كالمعبد والمسجد ، لو جاء أحد إليه ليعبد فيه فعليه أن يعبد ، لأن المعبد يبقى للناس ولولم يجئ إليه أحد فلا حرج ، أما المعبد فيبقى للناس ، المعبد موجود للذين يريدون إنارة قلوبهم وتزكية نفوسهم ، والأستاذ كالمصباح المنير فالنور يشع حوله ، وهذا كفاه عزةً وكرامةً أنه يربي أجيالاً ويجعلهم مثقفين .

[1] علي جراه ، أترابراديش ( الهند ) .