الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي ورحلته إلى سلطنة عمان
فبراير 23, 2025علم فقدناه :
دموع أسى الفراق على نجل الأستاذ العملاق
بقلم : الأستاذ محمد أرشد عبد الغفور الندوي *
أَبْكِي وَعَيْنُ الشَّرْقِ تَبْكِي مَعِي [1] عَلَى الأَرِيبِ الْكَـاتِبِ الأَلمَـعِـي
جَــــرَى عَــــصِــيُّ الــدَّمْـعِ مِنْ أَجْلِــهِ فَـــزَادَ فِـي الْجُـودِ عَلَى الطَّــيِّعِ
حزن يفجع القلوب ، ويعمق الجراح في سويدائها ، وغم يكسر أعمدة الأنس ، وصخور الثقة على شاطئ الآمال ، وجوى يحرق الأكباد للأمجاد ، ويكدر صفوة المنى ، ويقطع العروة الوثقى للشعور بالأمان ، ويعصف بالمشاعر والوجدان في طوفان الأسى والأشجان ، ونبأ عظيم يسلب العقول ميزانها ، ويقفدها توازنها ، ونعي مفاجئ يفجر العيون أنهاراً من الدموع الغزار الحرَّى ، وبحاراً من العبرات الهائجة المائجة في المدامع والمآقي ، وفراق شديد القلق والهلع من شأنه أن لا يصدق ما وقع ، ولا يقر عليه قرار ، ولا يستقر عليه أمر الاعتراف والإقرار .
إنه نعي الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – الأمين العام لندوة العلماء لكناؤ ، الهند ورئيس تحرير صحيفة الرائد الندوية النصف الشهرية ، والذي وافته المنية الفاجعة مساء أمس الأربعاء : 14 من رجب 1446هـ – 15 من كانون الثاني ( يناير ) 2025م ؛ وذلك إثر اصطدام سيارة دهسته على حافة الطريق أثناء وقوفه على دراجته النارية لتغطية رأسه بالكوفية الشتوية للوقاية من البرد القارس في الشهر الجاري .
حَبَسَ اللِّسَانَ وَأَطْلَقَ الدَّمْعَا [2] نَــاعٍ أَصَـمَّ بِنَـعْــيِـكَ السَّمْعَا
وقفة جميلة مع شيخنا الفقيد :
(1) سنحت لي فرصة الزيارة والتلاقي بفضيلة الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – في رحاب ندوة العلماء أول مرة عام 2020م وأنا قادم من مصر ، وتقابلنا في دار الضيافة .
إنها زورة أولى ذهبية حصلت بيننا ، وجلسة تعارفية طيبة نسجت أهميتها من خيوط قصيدة رثاء والده التي لا تبلى ولا تنقطع ، ولا تضعف ولا تلين مع مرور الأيام والسنين .
(2) طلب أستاذي الشاعر المبدع المصري الأزهري الكبير محمد المعصراني إليَّ أن أفيده بأسماء أولاد سماحة شيخنا السيد محمد الرابع الحسني الندوي ليذكرها في قصيدته الرثائية المطولة المئوية [3] التي ألفها على رحيله احتفاءً بحبه له ، وتقديراً لشخصيته الكريمة النابغة ؛ فاتصلت هاتفيّاً بالأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – فإذا هو مستقبل مكالمتي بحفاوة ومسرة ، وتحية وأريحية ، ويغمرني بعطفه ولطفه ، وكان الكلام بالعربية ، وسمعته أول مرة يتكلم بها ؛ لعله تطييباً لخاطر المخاطب ، وإكراماً لإرادته المستمرة في الوصول إلى المشوار ، وتأكيداً لأهمية اللغة العربية في حياتنا اليومية .
مارس الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – نشاطه الأدبي وموهبته الإنشائية وطورها حتى وصل بها إلى أعلاها قمةً إصلاحيةً ، وأسماها قيمةً أدبيةً ، وأوفاها أسلوباً دعويّاً ، وأثراها منهجاً فكريّاً وذلك من خلال صحيفة الرائد التي خصصت له عموداً خاصّاً باسم ركن الأطفال ، ونثر فترةً طويلةً على صفحته المتلألئة سوانح أفكاره ، وروائع خواطره ، وبدائع مشاعره ، وبسط فيها نفوذ سيطرته القلمية في انتظام واهتمام ، وأضاء جنبات التربية والإصلاح ، وجوانب السلوك القويم والخلق العظيم ، ومطالب الصراط المستقيم ، حتى شق لنفسه طريق التقدم والتفوق ، والتميز والنبوغ في أسلوب كتابته وقوة كلمته وتمكن قلمه .
كان جميل الخلق ، طيب السيرة والمسيرة ، هادئ الطبيعة ، متزن العواطف ، متقد القريحة ، معتدل الفكر ، عميق التفكير ، كريم المعاملة ، رفيقاً ليناً غير متكلف ، ولا متصنع ، بعيداً عن الأضواء والضوضاء ، خفيف الروح ، مشرق الديباجة ، لا تفارقه ابتسامته الحانية ، وبشاشته الهانئة موصوفاً برقة الطبع ولين العريكة ، وحسن المحاضرة ، ولطف المعاشرة .
نشأته وتعليمه :
وُلد عام 1960م في بيت عريق شهير من أسمى البيوت علماً وفضلاً ، وأشرفها حسباً ونسباً ، وأشدها صلابةً في الدين والخلق ، وأعرقها مكانةً في التاريخ والدعوة ، وأكثرها محافظة على القيم الدينية المنورة ، والسنن النبوية المطهرة ، وكان الابن الوحيد لوالده الأديب الألمعي ، المفكر الرشيد فضيلة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – وحفظ القرآن الكريم وتلقى تعليمه الأولي في بلدته رائي بريلي ، ثم سافر إلى ندوة العلماء لكناؤ ، والتحق بها وتخرج فيها ، وحصل على شهادة الليسانس من قسم الشريعة 1981م ، وحصل على شهادة الفضيلة ( الماجستير ) 1983م ، كما حصل على شهادة التخصص ( الماجستير ) من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة لكناؤ 1986م ، ثم حصل على شهادة دورة تدريبية للمعلمين من جامعة الملك سعود بالرياض 1990م .
كتبه بين التأليف والتعريب :
(1) ( أخي العزيز ) بالعربية . (2) ( خواطر ) بالعربية . (3) في مسيرة الحياة . وهو مترجم إلى العربية للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي . (4) الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي ، حياته ومنهجه في الدعوة . وهو مترجم إلى العربية للشيخ محمد الثاني الحسني . (5) الإمام المحدث محمد زكريا الكاندهلوي ومآثره العلمية . وهو مترجم إلى العربية للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي . (6) دعوة للتأمل والتفكير . (7) بصائر . وهو مترجم إلى الأردية للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي .
المناصب :
- الأمين العام لدار العلوم لندوة العلماء لكناؤ .
- النائب الأول لرئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، ورئيس مكتبها لشبه القارة الهندية .
- رئيس تحرير صحيفة الرائد العربية نصف الشهرية ، ندوة العلماء لكناؤ .
- كان يشرف على عدة مدارس دينية وهيئات تعليمية وندوات أدبي .
كان الأستاذ جعفر مسعود الندوي من أواخر الأبطال في ساحة الفكر الإسلامي في أسرته الكريمة بأوسع معانيه وأدواته التي كان يمتلكها عن اقتدار وجدارة وخاصة أنه كان قد أوتي من الخلق أكرمه وأعظمه ، والأدب والاحترام أعلاه وأسماه ، إلى جانب أنه امتطى سنام القيادة القلمية العربية ، واستوى على صهوة الكتابة المتميزة في حلبة من افتتاحية الرائد التي تولاها منذ فترة وجيزة ، حيث كان يطلق من جبهتها الأمامية قذائف فكره ، وجواهر أدبه ، وروائع وعظه ، وطلائع دعوته كان لها صدى جميل يتعاظم ويترامى في أنحاء البلاد وخارجها فأصدر مقالاته وكتاباته مشعةً بروح دينية مخلصة ، ومشبعةً بتوعية اجتماعية صادقة ، ومتقدةً بالإخلاص والصدق والتفاني في سبيل العقيدة والمبدأ والهدف السامي .
إنها فجوة عميقة وسعها رحيل الأستاذ الأديب السيد جعفر مسعود الحسني الندوي –رحمه الله تعالى – في الوسط الندوي العلمي والفكري والثقافي المكثف إلى جانب فراغ إداري موسع تشهده ندوة العلماء لكناؤ ، إثر وفاته .
أَنّى حَــــلَـــلْـتُ أَرَى عَــلَــيْكَ مَآتِماً [4] فَلِمَنْ أُوَجِّهُ فِيكَ حُسْنَ عَزَائِي
لِبَنِيكَ أَمْ لِــذَوِيـكَ أَمْ لِلْــكَـــوْنِ أَمْ لِلـدَّهْـرِ أَمْ لِــجَــمَـاعَـةِ الْجَــوْزَاءِ
* أستاذ المعهد العثماني للتميز ، بنغالورو – الهند .
[1] من شعر حافظ إبراهيم .
[2] من شعر حافظ إبراهيم .
[3] من شعر الشاعر محمد المعصراني ، وهي منشورة في صحيفة : الرائد ، العدد الممتاز ، مايو – أغسطس : 2023م ، ص 210 – 212 . وفي مجلة : البعث الإسلامي ، العدد الممتاز ، شهر أغسطس : 2023م ، ص 295 ، ومطلعها :
قِفَا نَبْكِ إِنَّ الْحُــزْنَ عَــاتٍ وَهَـائِلُ وَفَجْعُ الرَّحِيلِ الصَّعْبِ غَاوٍ وَغَائِلُ
مائة بيت من الطويل .
[4] من شعر حافظ إبراهيم .