دلالة اللفظ والسياق في تفسير القرآن والحكم على الحديث

التربية والأخلاق وتأثير ضعفهما على المجتمع
يوليو 13, 2021
درس من الحوادث
يوليو 31, 2021
التربية والأخلاق وتأثير ضعفهما على المجتمع
يوليو 13, 2021
درس من الحوادث
يوليو 31, 2021

التوجيه الإسلامي :

دلالة اللفظ والسياق في تفسير القرآن والحكم على الحديث

الأستاذ حسن الحضري *

القرآن الكريم ، المعجزة والمنهاج ، الذي تحدَّى الله تعالى به العرب بعد أن آتاهم من الفصاحة والبيان ما آتاهم ، ثم تحدَّى به أهل الأرض قاطبةً في كل زمان ومكان ، أن يأتوا بآية مِن مثله ؛ وحين نتأمل في آيات القرآن الكريم ؛ تتبدَّى لنا وجوه إعجازه التي لا تنقضي ولا يُمَلُّ مِن تتبُّعِها ، ولأن القرآن هو الحكَم في كل شيئ ، وبلاغته هي المرجع ، ودلالته هي القياس ؛ فإننا نتناول في هذا المقال مسألة جماليَّة ، تتعلق بدلالة اللفظ والسياق القرآني في تفسير القرآن والحُكم على الحديث ، وذلك من خلال نموذجين تطبيقيَّين : أحدهما يتعلق باللفظ ، والآخر يتعلق  بالسياق .

أولاً : ما يتعلق بدلالة اللفظ : ومن ذلك قول الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [ الحج : 52 ] ؛ فقد أخطأ المفسرون في تفسير معنى قوله تعالى : ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) ؛ قال ابن جرير [ ت : 310هـ ] [1] : ” قيل : إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ أن الشيطان كان ألقَى على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنزل الله عليه من القرآن ، ما لم ينزله الله عليه ، فاشتد ذلك على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – واغتمَّ به ، فسلاه الله مما به من ذلك [2] ، وقال الزجاج [ ت : 311هـ ] [3] في قوله تعالى : ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) : ” أي : إذَا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ” [4] ، وروَى ابن أبي حاتم [ ت : 327هـ ] [5] في معناه : ” إذا حدَّث ؛ ألقى الشيطان في    حديثه ” ، ثم روَى أيضاً : ” ( إِذَا تَمَنَّى ) : يعني بالتمني التلاوة والقراءة ،      ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) : في تلاوة النبي ، ( فَيَنْسَخُ اللهُ ) : ينسخ جبريل بأمر الله ، ما ألقى الشيطان على لسان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ” [6] .

وهذه التفاسير السابقة كلها تتعارض مع نصِّ القرآن الكريم في مواضِعَ عديدة ؛ كقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ يونس : 37 ] ، وقوله جل شأنه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ الحجر : 9 ] ، وقوله : ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) [ الشعراء : 210 – 212 ] ، وقوله جل شأنه : ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فصلت : 42 ] .

والصواب أن قوله تعالى ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) بتضعيف ياء        ( أُمْنِيَّتِهِ ) هو دليل واضح على أن الضمير يعود على الشيطان ، وليس على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ قال في ” لسان العرب “:  ” ويقال للأحاديث التي تُتَمَنَّى : الأمانيُّ ؛ واحدتها أُمْنِيَّةٌ ” [7] ؛ ولو كان الضمير يعود على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لما جاءت الآية الكريمة بلفظ ( أمنيَّته ) – بتضعيف الياء – ولجاءت بها مخفَّفة ؛ تنزيهاً للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذْ هي بتضعيف الياء تعني الكذب ، ضمن ما تعنيه ، أما تخفيفها فلا يحيلها إلا إلى معنى واحد وهو التمني ، فالتفسير الصحيح هو ( إذا تمنَّى النبي – وهو لا يتمنى إلا صدقاً – ألقى الشيطان أكاذيبَه ؛ وحرف الجر هنا زائد ) ، والحال هنا كقوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) [ فصلت : 26 ] ؛ فلَغوُ الكافرين هنا ليس معناه أنهم يضيفون إلى القرآن ما ليس منه ؛ ولكن مرادهم – كما روى ابن جرير – ” تحدَّثوا وصِيحوا كيما لا تسمعوه ” [8] .

ومن ذلك يُعلَم بطلان ما رواه الطبراني [ ت : 360هـ ] [9] ، ” عن ابن عباس ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قرأ ( النجم ) ، فلما بلغ  ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ) [ النجم : 19 – 20 ] ؛ ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ؛ فلما سجد ؛ سجد المسلمون والمشركون ، فأنزل الله عز وجل : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ ) [ الحج : 52 ] إلى قوله ( عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) [ الحج : 55 ] يوم بدر ” [10] .

ثانياً : ما يتعلق بدلالة السياق : ونتناول منه قول الله تعالى :         ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) [ الرعد : 13 ] ؛ وقد ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة ، مذاهبَ بعضها خطأ ؛ قال ابن جرير : ” أما الرعد ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه ؛ فقال بعضهم : هو ملَك يزجر السحاب ؛ وقال آخرون : إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فيتصاعد ، فيكون منه ذلك الصوت ” [11] ؛ وروَى الماوردي [ ت : 450هـ ] [12] في تفسيره ما نصه : ” في الرعد قولان ؛ أحدهما : أنه الصوت المسموع ؛ وقد روي عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال : ( الرعد وعيد من الله ، فإذا سمعتموه فأمسكوا عن الذنوب ) ؛ الثاني : أن الرعد ملَك ، والصوت المسموع تسبيحه ” [13] ، وقال البغوي [ ت : 510هـ ] [14] : ” أكثر المفسرين على أن الرعد اسمٌ لِمَلَكٍ يسوق السحاب ، والصوت المسموع منه    تسبيحه ” [15] .

وبعض المحدِّثين زعموا أن الرعد ملَك ؛ رُوِيَ عن ابن عباس [ ت : 68هـ ] [16] أنه قال : ” إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي      بغنمه ” [17] ، ورُوِيَ ” أن مجاهداً [ ت : 104هـ ] [18] كان يقول : الرعد ملك ، والبرق أجنحة الملك يَسُقْنَ السحاب ” [19] .

وهذا خطأ ؛ وإنما الصواب هو ما رواه الترمذي [ ت : 279هـ ] [20] : عن ابن عباس ، قال : أقبلت يهود إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقالوا : يا أبا القاسم ! أخبِرْنا عن الرعد ما هو ؟ قال : ” ملَك من الملائكة موكَّل بالسحاب ، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ” ، فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال : ” زجرُهُ بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر ” ، قالوا : صدقت [21] .

فحديث الترمذي بهذا اللفظ والسياق معناه أن الرعد هو صوت السحاب حين يزجره الملَك ، وليس معناه أن الرعد ملَك كما زعمت الروايات السابقة ، التي لحقها التحريف عند رواية الحديث بالمعنى .

وحين ننظر إلى سياق الآية الكريمة ؛ نجد أن الله تعالى قدَّم ذكر الرعد على ذكر الملائكة ، ولو كان الرعد ملَكاً لقدَّم ذكر الملائكة ثم خصَّ منها الرعد ؛ على غرار قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )  [ الأحزاب : 7 ] ؛ حيث قدَّم ذِكر النبيين ، ثم خصَّ منهم أولي العزم عليهم السلام ؛ ولا يمكن أن يقال هنا : إن تقديم الرعد على الملائكة هو كتقديم السبع المثاني على القرآن وهي منه ، في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) [ الحجر : 87 ] ؛ وذلك لأن السبع المثاني هنا قُدِّمت لأنها – كما روى ابن جرير – ” تثنى في كل صلاة ” [22] ، فذلك هو وجه تقديمها استثناء من قاعدة السياق القرآني .

* عضو اتحاد كتاب مصر .

[1] ” الأعلام ” للزركلي ، ( 6/69 ) ، طبعة : دار العلم للملايين ، الطبعة الخامسة عشرة 2002م .

[2] ” تفسير الطبري ” ( 18/663 ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، طبعة : مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1420هـ – 2000م .

[3] ” الأعلام ” للزركلي ( 1/40 ) .

[4] ” معاني القرآن وإعرابه ”  للزجاج ( 1/159 ) ، تحقيق : عبد الجليل عبده شلبي ، طبعة : عالم الكتب – بيروت ، الطبعة الأولى 1408هـ – 1988م .

[5] ” الأعلام ” للزركلي ( 3/324 ) .

[6] ” تفسير ابن أبي حاتم ” ( 8/2502/14004 ) و ( 8/2503/14005 ) ، تحقيق : أسعد محمد الطيب ، طبعة : مكتبة نزار مصطفى الباز – المملكة العربية السعودية ، الطبعة الثالثة 1419هـ .

[7] ” لسان العرب ” لابن منظور ( 15/295 ) ، طبعة : دار صادر – بيروت ، الطبعة الثالثة 1414هـ .

[8] ” تفسير الطبري ” ( 21/460 – 461 ) .

[9] ” الأعلام ” للزركلي ( 3/121 ) .

[10] أخرجه الطبراني في ” الكبير ” ( 12/53/12450 ) ، تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي ، طبعة : مكتبة ابن تيمية – القاهرة ، الطبعة الثانية .

[11] ” تفسير الطبري ” ( 1/388 – 342 ) .

[12] ” الأعلام ” للزركلي ( 4/327 ) .

[13] ” تفسير الماوردي ” ( 3/100 – 101 ) ، تحقيق : السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم ، طبعة : دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان .

[14] ” الأعلام ” للزركلي ( 2/259 ) .

[15] ” تفسير البغوي ” ( 3/11/1190 ) ، تحقيق : عبد الرزاق المهدي ، طبعة : دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الطبعة الأولى 1420هـ .

[16] ” الأعلام ” للزركلي ( 4/95 ) .

[17] أخرجه البخاري في ” الأدب المفرد ” ، ( ص 380 برقم 722 ) ، تحقيق : سمير بن أمين الزهيري ، طبعة : مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، الطبعة الأولى 1419هـ – 1998م .

[18] ” الأعلام ” للزركلي ( 5/278 ) .

[19] أخرجه البيهقي في ” السنن الكبرى ” ( 3/506/6475 ) ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، طبعة : دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ، الطبعة الثالثة 1424هـ – 2003م .

[20] ” الأعلام ” للزركلي ( 6/322 ) .

[21] أخرجه الترمذي في سننه ( 5/145/3117 ) ، تحقيق : بشار عواد معروف ، طبعة : دار الغرب الإسلامي – بيروت 1998م .

[22] انظر ” تفسير الطبري ” ( 1/109 – 110 ) .