نظرة على مصادر المـذهب الحنـفي ومراجعه
نوفمبر 3, 2021أسلوب المتنبي وخصائصه
نوفمبر 3, 2021دراسات وأبحاث :
دراسة لفلسفة الفقر في ضوء شعر محمد إقبال
الباحث شكيل أحمد دار *
الملخص :
يعد العلامة محمد إقبال من أشهر المفكرين وأهم المصلحين وأعظم الشعراء وأكبر الفلاسفة الإسلاميين في العصر الحديث ، اشتهر بفلسفته عن الذات التي سماها بـ ” خودي ” ( الذاتية ) ، قدم فيها مفهوماً جديداً للذات ، لقد نذر حياته لقضايا الأمة بعدما رأى أن الأمة قد أصابتها الأمراض المختلفة من الجمود والضعف وعدم الشعور بالمسؤولية ، فقام لتقديم الدواء لهذه الأمراض لتبرأ منها وتدب العافية في جسمها ، فكان من وصفات الدواء التي قدمها لتخلص الأمة من هذه الأمراض إفهام معنى الفقر الحقيقي . تهدف هذه المقالة إلى بيان معنى الفقر الحقيقي عند إقبال ، أنه لا يعني الإفلاس والاحتياج والمسكنة والبؤس ، بل هو إخلاص العمل لله وتخصيص الاحتياج إليه والتوكل عليه والاستغناء عما سواه ، وإذا تولد هذا الفقر الحقيقي في شخص يصبح غيوراً ويتوكل على الله ويستغني به عما سواه ، يرى إقبال أن الفقر هو من ميزات الإسلام والفقر الغيور هو عين الإسلام ، وهو نعمة ورثتها الأمة من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لا علاقة بين الفقر المستغني والرهبانية التي تحرض صاحبها على النزع إلى راحة البال والرغبة في العزلة والتي تهدي إلى الاجتناب عن صراع الحياة ، وأما الفقر فهو يهدي إلى السيادة والإمارة وينشئ في صاحبه القوة والجرأة والاستغناء وهذا الفقر عندما تحتضنه الأمة يحالفها النجاح وتحصل بها على الافتخار والاعتزاز .
الكلمات الدلالية :
فلسفة ، الفقر ، إقبال ، الغيور ، المؤمن ، الزهد ، الإفلاس ، الاحتياج ، الاستغناء ، القناعة .
إذا نظرنا إلى معنى الفقر اللغوي يتبادر إلينا أنه يعني الإفلاس والاحتياج وفراغ اليد من المال ، وكذلك هو يعني المسكنة والعجز والبؤس والعوز ، ولكن إقبال ما استعمل الفقر في معناه اللغوي بل هو يريد به إخلاص العمل لله وتخصيص الاحتياج إليه وحده والتوكل عليه والاستغناء عما سواه ، وكذلك هو القناعة على القليل وتطهير القلب من الحرص وتحريره من مطامع الدنيا والتجنب من الرغبة في الشراهة ، فإنّ ألهى شيئ في هذه الدنيا للإنسان عن دينه هو حب الدنيا وحب المال ، ويكون جميع مساعي الإنسان – على وجه العموم – في الدنيا لجمع الأموال والثروات مع أنه لا يشبع به أبداً ، هو يشيخ ولا يشيخ حرصه هو يعجز ولا يعجز طمعه بل هو يشب مع شيخوخته وعجزه ، وهو دائماً يفكر في جمع الأموال والثروات ،حتى وأحياناً هو يهين ويذل نفسه ويحطها عن منزلتها لهذه الأموال ، وهو يظن أنه سيصبح مكرماً ومشرفاً وذا مكانة من خلال جمع الثروات وكثرتها ، وأن ماله سيخلده إلى الأبد ، مع أن الشرف الحقيقي لا يمكن الحصول عليه بالمال والثروة والغنى ، بل يمكن بالزهد فيه والاستغناء عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” الغناء غنى النفس ” ، فالفقر الحقيقي عند إقبال هو الفقر الغيور يعني ألا يتكفف المؤمن أمام الآخرين ولا يتشحذهم ولا يمد يد التسول إليهم بل يقتنع على القليل ويتوكل على اللّه ، والفقر الغيور هو من ميزات الإسلام ، حتى إن إقبال يعتبر أنه هو الإسلام عينه والفقر الغيور فهو اسمه الثاني ، يقول :
لفظ اسلام سے یورپ کو اگر کد ہے تو خیر
دوسرا نام اسی دین کا ہے فقر غیور [1]
( إن قَلى الغرب من لفظة ” الإسلام ” فلا بأس ، فإن لهذا الدين اسماً آخر وهو الفقر الغيور ) .
إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عربياً ، وكان ينتسب إلى الحجاز لذلك يسمي إقبال نعمة الفقر هذا ” الفقر الحجازي ” ، وهو يحرض أبناء الأمة على التماسه ويحضهم على البحث عنه ، لأنهم حينما احتضنوا هذا الفقر الغيور يتولد فيهم الاستغناء ، والمؤمن حينما وجد هذا الفقر واحتضنه فلا يحتاج إلى شخص أو إلى شيئ من الأسلحة لإحراز الانتصار ونيل الفتح على عدوانه ، وهو لا يحتاج إلى الأموال والخيرات ليكون غنياً بل هو يرى نعمة الفقر من الثروات الثمينة ، وعلى المؤمن أن يدعو الله دائماً أن يخوله هذه النعمة ولا يحرمه إياها أبداً . يقول يعظ ابنه وأبناء الأمة :
ہمت ہو اگر تو ڈھونڈ وہ فقر جس فقر کی اصل ہے حجازی
اس فقر سے آدمی میں پیدا اللہ کی شان بے نیازی
یہ فقر غیور جس نے پایا بے تیغ وسنان ہے مرد غازی
مومن کی اسی میں ہے امیری اللہ سے مانگ یہ فقیری [2]
( إن كنت ذا همة فقم وابتغ فقراً حجازياً . فالإنسان يحصل بهذا الفقر على صفة الله مثل الاستغناء بلا إعواز . الشخص الذي يحصل على هذا الفقر الغيور فسيقاتل بغير السلاح . غناء المؤمن وإمارته به ، فابتغ من الله هذا الفقر ) .
لقد استخدم إقبال في شعره بالفارسية والأردية كلمات ” قلندر ودرويش مرد كامل ” في معنى صاحب الفقر الغيور ومتبادلة له ، والقلندر والدرويش والإنسان الكامل كلها أسماء مختلفة للمؤمن الفقير الحقيقي ، وهذا الفقير لا يملك إلا التوحيد ، وهو ثروته الوحيدة الثمينة ، يعرف الله ولا يرهب سواه .
قلندر جز دو حرف لا إله کچھ بھی نہیں رکھتا
فقیہ شہر قارون ہے لغت ہاے حجازی کا [3]
( إن القلندر ( الدرويش ) لا يملك إلا كلمة التوحيد ، ومفتي المدينة غني بمصطلحات الحجاز ) .
وهنا يتضح أن إقبال يعتبر التوحيد ثروة ” قلندر ” ( صاحب الفقر ) واكتسابه والكنز الذي جمعه في جميع حياته ، وهذا التوحيد هو سر الفقر ، لأنه يعني عدم تعليق القلب بشيئ سوى الله ، وهو الحرية الباطنة والتحرر من قيود الدنيا و ” قلندر ” حينما ينكر جميع الأشياء سوى اللّه تعالى بقوله : ” لا إله إلا الله ” يتولد فيه الاستغناء ، فلا يحتاج بعد ذلك إلا إليه .
وهذا الفقر المستغني الذي عندما تعتنقه الأمة وأفراده ويأخذوه بالقوة سيحالفها النجاح ويعانقها الفوز وتحوز النصر بعد النصر وتحصل به على الافتخار والاعتزاز حتى إن هذا الفقر يصل بها إلى أوج رقيها وازدهارها ، لأن الفقر هو أساس الهمة ، لذلك يوصي إقبال شباب الأمة ألا يتفقدوا طرقاً للتطور والتقدم في الثقافة الغربية المعاصرة ولا يبحثوا عن سبل التنمية والرقي فيها لأنها مجردة منها ، فعليهم إن أرادوا الرفعة وتمنوا السمو أن يتصفوا بصفة الفقر والاستغناء .
نہ ڈھونڈ اس چیز کو تہذیب حاضر کی تجلی میں
کہ پایا میں نے استغنا میں معراج مسلمانی [4]
( أيها الشاب ! لا تبتغ هذا الشيئ ( الرقي والتقدم ) في الحضارة المعاصرة ، لأن رقي المسلم وتطوره في الاستغناء والقناعة ) .
وقد استعمل إقبال هذا الفقر الغيور ضداً للفقر اللاديني والتسول والشحاذة ، وكلا الفقرين يختلفان اختلافاً كلياً لا يمكن أن يجتمعا أبداً مثل شاطئي النهر ، فإن الشحاذة والتسول يتشحذ شخص فيه الناس ويتكففهم ، وأما الفقر الحقيقي فإنه يستغني به عن الأشياء والمطالب والتمنيات المادية وهو يسخر به الكون ويحكم الطبيعة ، ولقد وازن إقبال كلا الفقرين في بال جبريل ( جناح جبريل ) في النظم ” الفقر ” ، فواحد ينشئ الجبن والضعف والعجز والوهن في صاحبه ويهديه إلى الانحطاط ، وأما النوع الثاني من الفقر فهو يهدي إلى السيادة والإمارة وينشئ في صاحبه القوة والجرأة والاستغاء ويورثه الإسلام الحقيقي ويجعله من ورثة الحسين رضي الله عنه .
اک فقر سکھاتا ہے صیاد کو ننچیری اک فقر سے کھلتے ہیں اسرار جہانگیری
اک فقر سے قوموں میں مسکینی ودل گیری اک فقر سے مٹی میں خاصیت اکسیری
اک فقر ہے شبیری ، اس فقر میں ہے میری میراث مسلمانی ، سرمایئہ شبیری [5]
( هناك فقر يجعل الصياد نفسه فريسةً ، هناك فقر تتكشف به أسرار الكون لصاحبه ، هناك فقر يتولد به البؤس والمسكنة والكآبة في الناس ، وهناك فقر يجعل الخزف والتراب كيميائياً ، وهناك فقر شبيري [6] ، والغنى مستور فيه ، وهذا هو الفقر الذي هو إرث المسلم وميراث الحسين رضي الله عنه ) .
والفقر هو حالة روحانية وكيفية معنوية ، وهو طريق وموقف تنال به مقاصد الحياة الشريفة الأفضلية على التمنيات والشهوات والمطامع المادية ، وهو يخلق وقاراً خاصاً وكرامةً وهيبةً ممتازةً في شخص مؤمن ، وينشئ فيه الرغبة والميل إلى الاستغناء ، فهو يستغني به من حب الدنيا والأفكار المادية وحرص المناصب وطمع السلطة والنزع إلى الثروات والخيرات والرغبة في الأموال ، لا حقيقة لنعم هذه الدنيا عنده ، هو يستهينها ويحقرها ، وهو يؤمن بالله مخلصاً ولا يتوكل إلا عليه ، ومكانة صاحب الفقر الذي يطيع الله ويتبع رسوله صلى اللّه عليه وسلم ومنزلته هي أعلى وأرفع وأفضل من السلاطين والملوك أمثال سكندر ودارا ، وهو وارث أسد الله علي المرتضى عليه السلام في حكمته وجرأته وعزيمته .
دارا وسکندر سے وہ مرد فقیر اولی ہو جس کی فقیری میں بوئے اسد اللہ [7]
( الفقير الذي انبعث من فقره عبير أسد الله علي فهو أعز من أبهة الإسكندر وملك دارا ) .
والفقر هو ليس الزهد والدروشة فقط ، بل هو الاستغناء الذي يسبب العجائب والمعجزات التي تملّك الإنسان العروش والتيجان وتملكه الملك والعساكر ، والإنسان لا يحتاج إلى الاستيلاء والسيطرة ليحصل على منزلة الملوك والسلاطين بل يحتاج إلى الإيمان بالله واتباع ما أمره والتوكل عليه والزهد في حب الدنيا والمال ، إذا كان كذلك فهو ملك وسلطان له هيبة وعظمة وأبهة .
کافر ہے مسلمان تو نہ شاہی نہ فقیری مومن ہے تو کرتا ہے فقیری میں بھی شاہی [8]
( المسلم إن عاش مثل الكافر فهو في الحقيقة ليس زاهداً ولا ملكاً ، وأما المؤمن فيكون ملكاً رغم فقره وإعوازه ) .
الرهبانية عند إقبال شيئ والفقر شيئ آخر لا علاقة بينه وبين الزهد في الدنيا وتركها والنزع إلى راحة البال والميل إلى طبيعة الزهد والرغبة في العزلة لأن هذه الطريقة تهدي إلى الاجتناب عن صراع الحياة والتباعد عن معركتها ، ولا يمكن التقدم في الحياة والرقي فيها إلا بالصراع والكفاح والتحرك ، والرهبانية ضد الحركة والنضال والمكافحة لا يمكن أن تساوي الفقر . ومعنى الفقر الحقيقي عند إقبال يختلف اختلافاً كلياً عن معنى الفقر التقليدي والرائج في الناس اليوم ، يقول في منظومة ” فقر وراهبى ” ( الفقر والرهبانية ) :
کچھ اور چیز ہے شاید تری مسلمانی تری نگاہ میں ہے ایک فقر ورہبانی
سکون پرستی راہب سے فقر ہے بیزار فقیر کا ہے سفینہ ہمیشہ طغیانی [9]
( لعل إسلامك الموهوم شيئ آخر ، فأنت ترى الفقر كالترهب . لا علاقة بين الفقر وراحة البال في الرهبانية ، فسفينة الفقير لا يزال تمخر ) .
يشعر إقبال بأن الفقر له صلة عميقة مع رقي الأقوام وانهيارها ، وإن صاحب الفقر المتحرك يلعب دوراً مهماً ومؤثراً في تطور مجتمع وتقدم ملة ، وإن الإمارة والقيادة والسيادة في الدنيا هي إرثه ، ولا يستحقها إلا هو ، ولا يحصل الافتخار والاعتزاز ولا يقدر العلاء في الدنيا إلا لقوم يكون أفراده متصفين بصفة الفقر المستغني ، وإن الأمة المسلمة وقعت فريسةً للانحطاط والاندثار منذ أخطأت في فهم معنى الفقر واستغنت عن الفقر الحقيقي .
یہ فقر مرد مسلمان نے کھو دیا جب سے رہی نہ دولت سلمانی و سلیمانی [10]
( لما أضاع المسلمون هذا الفقر ضاعت منهم ثروة سلمان الفارسي والنبي سليمان عليه السلام ) .
ولا فرق عنده بين الملوكية والفقر وصاحبيهما إلا أن الأول يحتاج إلى المملكة والعساكر والسلطة لإظهار روعته وأبهته وشوكته وأما الثاني فهو مستغن عن كل ذلك لإظهار شأنه وسطوته وعظمته ، ولكن الأسف الشديد أن درويش اليوم يفقد القوة الروحانية التي كانت تخافها أسود الغابة فضلاً عن الملوك وأصحاب التيجان وذوي القوة .
گو فقر بھی رکھتا ہے انداز ملوکانہ نا پختہ ہے پرویزی بے سلطنت پرویز
اب حجرہ صوفی میں وہ فقر نہیں باقی خون دل شیراں ہو جس فقر کی دستاویز[11]
( لا شك في أن الفقر مثل الملوك في شيمه ، ولكن الملوكية بغير السلطنة ناقصة ) .
لا يبقى في قعدة الصوفي الفقر الذي كان من شيمه أن يخشاه الأسود .
وليس الفقر أن يطرب الإنسان ويرقص ويغني ، بل أن يأخذ حياته في حين وآن ، وليس الفقر أن يبحث عن الراحة والهدوء في الكهوف والأغوار ، بل هو أن يثير الثورة والانتفاضة في جميع أنحاء العالم من البر والبحر ، والمؤمن الفقير يكون دائماً في الكفاح والنضال ليسخر الكون لإعلاء كلمة اللّه ، وكذلك ليست الكآبة وكسر الخواطر والشكوى من مصائب الحياة والفرار منها بل هو مواجهة الصعوبات وتحمل الشدائد والآلام والأزمات وتجشم المشقات والمعاناة في الحياة ، وهو الرضا بالقدر من الله والاستسلام لما يرضى به والإذعان له .
لقد ذكر العلامة الفقر في نظم طويل له في الديوان ” والآن . . . ماذا نصنع ؟ يا أمم الشرق . . . ” تحت عنوان ” فقر الصالحين ” ، بيّن فيه ميزات الفقر الحقيقي وخصائصه ومآثره وأهميته ، ويقول إن الفقر لا يعني ترك الدنيا والزهد فيها بل إنه يعني تسخير الكون وما فيه ، بل يعني العزة والكرامة والمجد والقوة والسلطة والعفة والاستغناء ، كما فعل أسلافنا الصالحون ، فإنهم استفادوا من نعم الدنيا ولكن ما انغمسوا ولا غرقوا فيها مثل الماديين ، ويرى إقبال أن الفقر هو من سنة النبي المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وأن احتضانه من أسوته عليه الصلاة والسلام ، وأنه نعمة ورثتها الأمة المسلمة منه صلى اللّه عليه وسلم وهي وصية ورثته ، وأن الفقير يؤمن بالله ولا يخشى سواه أحداً ، فهو لا يكون عبد سلطان أو سلطنة بل هو حينما يتصف بصفات الفقر ثم يعلو تكبيره يهيب ويفزع من هيبته وروعته الملوك وأصحاب التيجان ، والرجل الفقير يصادم ويتعارض الملوك ، ويخاف من شوكة حصيره عرش المملكة . وعندما يتولد الفقر في المؤمن يظهر تارةً في حماسة المجاهدين وحميتهم رضي الله عنهم في بدر وحنين ، وتارةً يبدو في شكل تكبيرات الإمام الحسين رضي اللله عنه في كربلاء ، يقول :
چیست فقر اے بندگان آب وگل یک نگاہ راہ بین ، یک زندہ دل
فقر کار خویش را سنجیدن است بر دو حرف لا إله پیچیدن است
فقر خیبر گیر بانان شعیر بستہ فتراک او سلطان و میر
فقر ذوق وشوق وتسلیم ورضا ست ما امينیم ایں متاع مصطفی ست
بر مقام دیگر اندازد ترا از زجاج الماسمی سازد ترا
گرچہ اندر بزم کم گوید سخن یک دم او گرمی صد انجمن
بے پراں را ذوق پروازے دہد پشہ را تمکین شہبازے دہد
با سلاطین در فتد مرد فقیر از شکوہ بوریا لرزد سریر
فقر عریاں گرمئ بدر و حنین فقر عریاں بانگ تکبیر حسین [12]
( يا عبيد الماء والطين ( الدنيا ) ! هل تعلمون ما هو الفقر الغني ، هو عين عارفة الطريق الصحيح والقلب الحي ( بحب الله ) . الفقر مؤاخذة عمل النفس وأن يرى لا إله ( التوحيد ) نبراس هدى الحياة . الفقر يحرر خيبر مع كون خبز الشعير غذاءه ، السلاطين والأمراء كلهم يخشونه وتابعون له . الفقر ذوق واشتياق ( إلى الله ) وتسليم ورضا ( لما قضى الله ) ، وهو ميراث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونحن أمناؤه . الفقر يصل بك إلى منزلة ( رفيعة ) ، إن كنت من الزجاج سيجعلك ألماسا . وصاحب الفقر ولو أنه قليل الكلام في المجلس ولكن نفساً واحداً له يمنح الحرارة لألف مجلس ويحمسها . وهو يشوق الطيور منتوفة الريش إلى الطيران ويحثها عليها ، ويمنح البعوضة قوة العقاب وهيبته . الفقير يصادم الملوك ( لكلمة الحق ) ، وعروش المملة تخشى روعة حصيره وعظمته . الفقر الصريح هو حماسة بدر وحرارة حنين ، والفقر الجلي هو صوت تكبيرات الحسين رضي الله عنه .
القوة والفاعلية والرياضة والاستغناء هذه صفات الفقر المتميزة عند إقبال ، هو يرى أن أكثر الشباب المسلمين مجردون عن هذه الأوصاف ، وإن أصحاب نعومة الأيدي والكسل يعيشون عيشة الاستعباد والعبودية ، ولا يستطيعون أن يحرروا أنفسهم من أغلال العبودية وقيودها ، وعلى المسلمين أن يتصفوا بالصفات المذكورة ، ولذلك عليهم أن يذكروا سيرة الأسلاف الصالحين ، وهو يحرض الشباب أن ينشؤوا فيهم صفات العقاب ، لأنه طائر متصف بخصائص الفقر من الزهد والحياة البسيطة والهمة والجرأة والعزيمة والشجاعة والحذر والتنبه والإباء وعدم الغفلة والتجنب من الحرص والطمع وعادة التحاشي من الترف والبذخ والطيران إلى السمو والرفعة والعلو ، والطموح إلى الشموخ والعُلا ، وصفات الفقر والاستغناء حينما تنشأ في الشباب المسلمين فعندئذ تكون غايتهم أرفع وأعلى ويرمون إلى السمو والعلاء .
تيرے صوفے ہیں افرنگی تیرے قالین ہیں ایرانی لہو مجھکو رلاتی ہے جوانوں کی تن آسانی
امارت کیا شکوہ خسروی بھی ہو تو کیا حاصل نہ زور حیدری تجھ میں نہ استغنائے سلمانی [13]
( إن مقاعدك إفرنجية وزرابيك إيرانية ، إني أكاد أبكي دماً من أجل ترف الشباب وبذخهم . ( لا خير فيك ) ولو أصبحت ملك الملوك ، ما دمت متجرداً من بأس علي المرتضى واستغناء سلمان الفارسي ) .
الفقر هو الرضا والقناعة والإذعان والاستسلام ، وهو من ميراث النبي ونحن أمناؤه ، وصاحب الفقر ملك في حد ذاته لا يقيم وزناً لشأن الملوك ومنزلتهم وفخامتهم ، ولا قيمة عنده لخزائن الذهب والفضة ولا يعتبرها شيئاً ، هو يركز عينيه على هدفه الرفيع لذلك يستهين بعرش الملوك وهي عبث في نظره ، وهو لا يكون عبد الحرص والطمع والمال بل يكون عبداً خالصاً لله ، ويبذل جهوده لإظهار كلمته .
نگاہ فقر میں شان سکندری کیا ہے خراج کی جو گدا ہو وہ قیصری کیا ہے [14]
( لا تعبأ أعين الفقير بأبهة الإسكندر ، فما قيمة التيجان التي تحتاج إلى الخراج والعوائد ) .
المصادر والمراجع :
- د . أحمد إسرار : علامة إقبال اور هم ، اعتقاد ببلشنغ هاوس ، الطبعة الأولى ، 2005م .
- د . إقبال محمد : تجديد الفكر الديني في الإسلام ، ( ترجمة محمد يوسف عدس ) ، دار الكتاب اللبناني ، 2011م .
- د . إقبال محمد : تطور الفكر الفلسفي في إيران ( إسهام في تاريخ الفلسفة الإسلامية ) ( ترجمة د . حسن محمود الشافعي و د . محمد السعيد جمال الدين ) ، الدار الفنية للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1989م/1409هـ .
- د . إقبال محمد : كليات إقبال ، استقلال بريس لاهور ، إقبال أكيديمي باكستان – لاهور ، نيشنل بك فاونديشن ، إسلام آباد ، 1990م .
- د . إقبال محمد : كليات إقبال ( فارسي ) ، مكتبة دانيال ، باكستان .
- د . حنفي حسن : محمد إقبال فيلسوف الذاتية ، دار المدار الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 2009م .
- عزام عبد الوهاب : محمد إقبال سيرته وفلسفته وشعره ، مؤسسة هنداوي للتعليم والتربية ، القاهرة .
- الكيلاني نجيب : إقبال الشاعر الثائر ، الشركة العربية للطباعة والنشر ، القاهرة .
- الندوي أبو الحسن علي : روائع إقبال ، دار الفكر ، دمشق ، الطبعة الأولى ، 1960م .
- الهاشمي شفيق الرحمن : إقبال كا تصور دين ، اسلامك بك فاؤنديشن ، دهلي ، الطبعة الرابعة ، 2011م .
* الجامعة الإسلامية للعلوم والتقنية ، كشمير .
[1] كليات إقبال ( ضرب كليم ) ، محمد إقبال ، ص ٥٤٣ .
[2] المرجع السابق ، ص ٦٠٢ .
[3] كليات إقبال ( بال جبريل ) ، محمد إقبال ، ص ٣٦٨ .
[4] المرجع السابق ، ص ٤٤٧ .
[5] المرجع السابق ، ص ٤٩٠ .
[6] يريد حفيد النبي المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنهما .
[7] كليات إقبال ( بال جبريل ) ، محمد إقبال ، ص ٣٨٦ .
[8] المرجع السابق ، ص ٣٧٠ .
[9] كليات إقبال ( ضرب كليم ) ، محمد إقبال ، ص ٥٦٣ .
[10] المرجع السابق ، ص ٥٦٤ .
[11] كليات إقبال ( بال جبريل ) ، محمد إقبال ، ص ٣٦٣ .
[12] كليات إقبال ( فارسي ) ، ( پس چہ باید کرد اے اقوام مشرق ) ، محمد إقبال ، ص ٩٣٢ – ٩٣٧ .
[13] كليات إقبال ( بال جبريل ) ، محمد إقبال ، ص ٤٤٧ .
[14] المرجع السابق ، ص ٣٧٩ .