دراسة حول الأدب الإسلامي

الدراسات الصوتية وجهود علماء المسلمين فيها
سبتمبر 4, 2021
سيرة ابن إسحاق بتحقيق الدكتور محمد حميد الله : استعراض ودراسة
سبتمبر 4, 2021
الدراسات الصوتية وجهود علماء المسلمين فيها
سبتمبر 4, 2021
سيرة ابن إسحاق بتحقيق الدكتور محمد حميد الله : استعراض ودراسة
سبتمبر 4, 2021

دراسات وأبحاث :

دراسة حول الأدب الإسلامي

الدكتور محمد بدر عالم *

الأدب الإسلامي هو ليس بمصطلح جديد ، بل له تاريخ طويل ، والقرآن هو أول مصدر للأدب الإسلامي ، وبعده أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نشأ هذا النوع الخاص للأدب في فجرهما ونال عنايةً شديدةً بين المجتمع الإسلامي ، وأعلن القرآن الكريم : ( وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ . إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ) [1] .

ومما أُثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه قال : ” إن مِن الشعر لحكمة ” [2] ، والحكمة نعمة من الله تعالى كما قال : ( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً ) [3] .

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل : ” إن الشعرحكمة ” ولكنه قال : ” إن من الشعر لَحِكمة ” ، فيعني أن بعض الشعرحكمة وبعضه ليس كذلك . بل يمكن أن يكون مفسداً أو شراً ، فالأدب الذي لم يعبر عن الحياة تعبيراً جميلاً من خلال تصور الإسلام هو يستحق أن يسمى بالأدب الإسلامي .

وإن مصطلح ” الأدب الإسلامي ” يتكون من كلمتين ، جاءت ثانيتهما صفة للأول ومخصصة لها . ولكي نصل إلى كنه هذا    المصطلح ، ونتعرف على دلالته يجب أن نمعن النظر في هاتين الكلمتين .

إن ” الأدب ” كلمة مفتوحة الدلالة ، ويتم تخصيصها لتحديد الدلالة والمقصود منها ، وهذا التخصيص قد يجيئ عن طريق وصفها بصفة ، كما في مصطلح الأدب الإسلامي ، وفي مصطلحي الأدب القومي والأدب الرومانسي وغيره . وقد يكون تخصيص كلمة ” الأدب ”  بالإضافة ، حيث نقول : أدب الزهد وأدب المرأة وما إليهما .

ثم إن اعتبارات هذا التخصيص تتنوع وتتعدد نظراً إلى الكلمات التي ترد صفة لكلمة الأدب . فقد يكون هذا التخصيص منطلقاً من زاوية العقيدة مثل الأدب الهندوسي والأدب اليهودي وغيره ، ومن زاوية الأيدولوجيات حيناً آخر ، والمقصود بها المذاهب الجديدة التي حدثت في الآونة الأخيرة ، فيقال – مثلاً – الأدب الشيوعي والأدب الوجودي . وأحياناً تكون ناحية اللغة أو القومية هي  التي تسبب في تخصيص الأدب ، مثل الأدب العربي ، والأدب الإنجليزي والأدب الفرنسي . فقد يراد من هذه المصطلحات الثلاثة الأدب المكتوب بلغة من هذه اللغات : العربية والإنجليزية والفرنسية ، بصرف النظر عن جنسية الأديب وهويته   المكانية ، وحينذاك يكون الأدب أدب لغة . وبهذا المفهوم يكون الأدب المكتوب بالعربية عربياً ، حتى ولو كان كاتبه من أبناء الدول الأخرى التي ليست اللغة العربية لغتها الأصلية كالهمذاني والثعالبي وغيرهم كثيرون في تاريخ أدب اللغة العربية . ويراد من هذه المصطلحات المذكورة آنفاً ، الأدب الذي ينتجه الأدباء المنتمون إلى هذه القومية بغض النظر عن اللغة التي تضم هذا الأدب . وعليه يدخل بديع الزمان الهمذاني والثعالبي والزمخشري ومن على شاكلتهم في قائمة الأدباء الفرس ، بينما هم يعدون بصورة عامة من أدباء وكتاب اللغة العربية . وقد يكون التخصيص على أساس الوطنية مثل الأدب السوري والأدب المصري والأدب السعودي ، فكل أدب أنتجته قرائح أبناء وطن ، ويكون معبراً عن أشواقه وهمومه وقضاياه ومشكلاته ، بأي لغة كانت ، هو الأدب الوطني لذلك البلاد . وعلاوةً على ذلك قد يكون التخصيص بموجب مذهبية محددة مثل : الأدب الصوفي والأدب المعتزلي ، وقد يكون على أساس الموضوع مثل : أدب الزهد وغيره . وقد ينظر فيه إلى من كتبه أو كتب له مثل : الأدب النسائي وأدب الموالي ، وقد يكون على أساس مذهب من المذاهب الحديثة مثل : الأدب الرومانسي والأدب الحداثي . وقد يراعي في التخصيص زمان أوعصر خاص ، إلى ذلك من الزوايا والمنطلقات التي يمكن أن ينطلق منها الأدب ، ولكن لا بد لكل أدب يدخل تحت عنوان مصطلح من المصطلحات من أن يكون له ملامح مشتركة وخصائص متميزة .

فمن أي زاوية من هذه الزوايا تم تخصيص الأدب بصفة               ” الإسلامية ” في مصطلح ” الأدب الإسلامي ” ؟ إن الأدب الإسلامي ليس أدباً وطنياً أو أدباً قومياً أو أدباً لغوياً ، وذلك أن هذا الأدب ليس مقصوراً على لغة معينة دون لغة ، فقد يمكن أن يكون ما كتب بالفرنسية أو الإنجليزية أدباً إسلامياً وما كتب بالأردية والعربية أدباً غير إسلامي لاختلاف الأدبين في المناحي الفكرية التي ينطلق منها الكتاب . وكذلك لا يتعارض الأدب الإسلامي مع الأدب القومي أو الأدب الوطني ، إذا كانت تدور الوطنية أو القومية لدى الأديب والشاعر تعبيراً عن التصور الإسلامي للوطنية أو القومية ، ولا يكون تمجيداً للعرق والتراب واحتقاراً وحطاً من شأن الأمم والشعوب الأخرى . يقول محمد قطب في هذا الصدد :

” كما أن الأدب الإسلامي ليس أدب الموضوع ، حتى يحكم باتصافه بالإسلامية أو خلوه عنها نظراً إلى المواضيع التي يبحث عنها ذلك الأدب . وذلك أن الأدب الإسلامي أدب أولاً وإسلامي ثانياً ، وإن مضمون النص مهما يبلغ من القدسية لا يعطيه عناصر الأدب الحيوية . ولذا يمكن أن يكون الموضوع الذي يتحدث عنه الأديب والشاعر إسلامياً صرفاً ، كأن يتحدث أديب عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن غزوة من غزواته ، أو عن حقيقة من حقائق العقيدة ، أو يصف هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاً تقريرياً مباشراً ، لا يخلق جهده أثراً أديباً ، مهما حشد له من ألفاظ وعبارات . وكذلك الشاعر الذي يعرض عظمة الإسلام وشموليته ، وقدرته على المشكلات الإنسانية عرضاً مباشراً لا يشكل ذلك قصيدة بمعنى الكلمة ، مهما كان عرضه مطابقاً لأزوان الخليل . وعلى العكس من ذلك قد يكون الموضوع موضوعاً غير إسلامي بحتاً كقضية التثليث – على سبيل المثال – في العقيدة النصرانية ، فإذا تناوله الأديب المسلم تناولاً إسلامياً فكشف حقيقته وأبعاده وتناقضه ولا معقوليته في لغة رفيعة ، فإن هذا الأدب يعد من صميم الأدب الإسلامي [4] .

والأدب الإسلامي أيضاً ليس أدب زمان وعصر بعينه ، كما يتراءى في بادئ الأمر ، إذ ذهب بعض مؤرخي الأدب إلى تسمية فترة محددة من عصور حياة اللغة العربية بالعصر الإسلامي .

وإن محاولة لوضع تعريف الأدب الإسلامي جاءت من قبل الشهيد سيد قطب ، الذي قام بتعريف الأدب بأنه كسائر الفنون : ” تعبير موح عن قيم حية ينفعل بها ضمير الفنان . هذه القيم ، تنبثق عن تصور معين للحياة والارتباط فيها بين الإنسان والكون ، وبين بعض الإنسان وبعض [5] . و ” كأنه أحس أن هذا التعريف لم يتضح الاتضاح المقصود فعاد يذيله بقوله أنه : التعبير الناشئ من امتلاء النفس بالمشاعر الإسلامية ” [6] .

ثم جاء بعده أخوه الأستاذ محمد قطب بتعريف الفن الإسلامي – والأدب نوع من أنواع الفن – بقوله : ” هو التعبير الجميل عن الكون ، والحياة ، والإنسان ، من خلال تصور الإسلام للكون والحياة      والإنسان ” [7]  .

وتتابع بين القطبين كتاب باحث درس الأدب الإسلامي ، وحاول تعريفاً له في ضوء دراسته له : ومن الملاحظ أن التعاريف المختلفة الأخرى إما اختصار أو شرح لهذا التعريف أو إضافة أو حذف أو تعديل . وهذه بعض التعاريف : إن الروائي الإسلامي الدكتور نجيب الكيلاني عرّف الأدب الإسلامي بقوله : ” تعبير ، فني ، جميل ، مؤثر ، نابع ، من ذات مؤمنة ، ومترجم عن الحياة والإنسان والكون ، أفق الأسس العقائدية للمسلم ، وباعث للمتعة والمنفعة ، ومحرك للوجدان والفكر ، ومحفز لاتخاذ موقف والقيام بنشاط ما ” [8] . ويعرّف الدكتور عماد الدين الخليل : ” تعبير جمالي مؤثر بالكلمة عن التصور الإسلامي للوجود ” [9] . وعرّفه الدكتور عبد الرحمن رأفت باشا : ” هو التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب تعبيراً ينبع من التصور الإسلامي للخالق عزّ وجل ومخلوقاته ” [10] . وعرّفه الأستاذ محمد المجذوب : ” الأدب الإسلامي هو الفن المصور لشخصية الإنسانية من خلال الكلمة المؤثرة ” [11] .

والدكتور عدنان النحوي يعرف الأدب الإسلامي بقوله : ” الأدب الإسلامي باللغة ، يحمل خصائص الفن ، وله عناصره الفنية والخاصة   به . و ” الأدب الإسلامي هو ومضة التفاعل بين الفكر والعاطفة في فطرة الإنسان مع حادثة أو حوادثة ، حين تدفع الموهبة الأدبية هذه الومضة موضوعاً فنياً ينطلق على أسلوب التعبير باللغة ، ممتداً في أغوار النفس الإنسانية ، والحياة ، والكون ، والدنيا ، والآخرة ، مع عناصره الفنية التي يهب كل منها الأسلوب قدراً من الجمال الفنية ، ليشارك الأدب الأمة في تحقيق أهدافها الإيمانية ظاهرة ، وحياة إنسانية نظيفة ، وهو يخضع في ذلك كله لمنهاج الله الحق المتكامل قرآناً وسنةً ” [12] .

والأستاذ عبد الرحمن حسن  حبنكة الميداني يعرف الأدب الإسلامي : ” هو التعبير بأيّ فن من فنون الكلام الجميل المؤثر ، بشرط أن يكون ذا مضمون لا يتنافى مع ما أمر به الإسلام أو نهى عنه ، أو أذن به ” [13] . والأستاذ محمد حسن بريغش ، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية سابقاً يضع تعريفاً للأدب الإسلامي بقوله : ” التعبير الفني الجميل للأديب المسلم عن تجربته في الحياة من خلال التصور الإسلامي ” [14] . ويعرف الدكتور سعد أبو الرضا هذا الأدب قائلاً : ” عندما يتلقى الفنان الحياة من خلال التصور الإسلامي لها ، وينفعل بها في إيطار قيم الإسلامي ومبادئه ، ثم يصوغ هذه التجربة صياغةً جميلةً معبرةً موحيةً ، حينئذ يمكن أن يشكل هذا الجنس الأدبي بخصائصه – شعراً كان أو قصةً أو مسرحيةً أو غيرها شيئاً من سمات الأدب الإسلامية ” [15] .

ويوضحه الأستاذ السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي : ” إن الأدب لا يمكن أن يكون أدباً حقيقياً وفطرياً إن لم يوجد فيه الإيمان بالحقائق الدينية والألم في القلب ” [16] .

فالأدب الإسلامي ، هو ليس أدباً لغوياً ، ولا أدباً قومياً ، ولا أدباً وطنياً ، هو ليس أدب موضوع وليس أدب زمان ولكنه متفرد ، وهو فوق التصانيف المذهبية والفلسفة والقائدية وفوق أيّ تصنيف .

إن كون الأدب إسلامياً أو غير إسلامي هو التصور الذي يقوم على أساسه العمل الأدبي . فإذا كان التكوين النفسي والروحي للأديب أو الشاعر إسلامياً ،وصدر في رؤيته الإبداعية وتصوره الأدبي عن هذا التكوين فهو أدب إسلامي ، كائناً ما كان موضوعه الذي يعالجه . أما إذا تأثر بقراءات أخرى صدرت عن تصور غير إسلامي ، فتشبع بها ، واقتفى أثرها في الرؤية والتصور ، فلن يكون أدبه إسلامياً ، ولو كان موضوعه من صميم الإسلام .

يقول الدكتور مصطفى عليان : ” إن الإسلامية في الأدب تصور فكري في تعبير أدبي ، لا يقف عند حدود الاستعانة المباشرة أو غير المباشرة بمعاني القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، وإنما نلمسها في التميز الذي أراده الإسلام لأدبه وأدبائه في التعبير عن صدى القيم في النفس تعبيراً حيوياً منبثقاً من التصور الإسلامي ، فهي تتعدى ما يلوح في ظاهر النص إلى ما يجول في داخله من فكر وإحساس وتصور ، وما يعرف فيه من إيحاء بمواقف إسلامية [17] .

وبالاختصار إن الأدب الإسلامي يشترك مع الآداب الأخرى في الركن الأول ، وما له من شروط ومستلزمات فنية ، وإغفال هذا   الركن ، وتجاهل إحدى العناصر الفرعية التي يتضمنها سوف يخرج العمل الأدبي بدون شك عن كونه أدباً ، فضلاً عن كونه أدباً إسلامياً . ثم إذا توافر هذا الشرط الفني ، ينظر في ذلك الأدب هل أنه يصدر في مضمونه ومحتواه الفكري والنظري عن التصور الإسلامي للوجود . وهذا التصور هو الفارق بينه وبين الأدب غير الإسلامي . إن التعبير عن التصور الإسلامي للوجود بدون الكلمة المؤثرة والقدرة الإبداعية ، أو الكلمة المؤثرة خلواً من هذا التصور الخاص لا يوجد الأدب الإسلامي في شيئ ، مهما كانت التجربة عظيمةً ، والفكرة واضحة ، بل لا بد من وجود الركنين بكل عناصرهما الفرعية ، لكى يتحقق مفهوم الأدب الإسلامي ، أي لا بد من تحقق القدرة الفنية من جهة ، ونقاء التصور الإسلامي وسيادته على ما يصدر عنه فكراً وعملاً ، من جهة أخرى .

* الأستاذ بالجامعة العربية الإسلامية ، بدر فور ، آسام ، الهند .

[1] سورة الشعراء : 224 – 227 .

[2] رواه البخاري .

[3] سورة البقرة : 269 .

[4] الأستاذ محمد قطب : منهج الفن الإسلامي ، ص : 120 – 121 .

[5] الأستاذ سيد قطب : في التاريخ ، فكرة ومنهاج ، ص 11 . الطبعة السادسة 1983 .

[6] الأستاذ سيد قطب : في التاريخ ، فكرة ومنهاج ، ص 28 .

[7] الأستاذ سيد قطب : منهج الفن الإسلامي ، ص 6 .

[8] مدخل إلى الأدب الإسلامي ، ص 36 .

[9] مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي ، ص 69 .

[10] نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد ، ص 96 .

[11] الأدب الإسلامي فكرته ومنهاجه ، ص 73 .

[12] عدنان على النحوي : الأدب الإسلامي : إنسانيته وعالميته ، ص 76 – 77 .

[13] نحو أدب إسلامي ، ص 71 ، مقال قضايا حول الشعر العربي والأدب الإسلامي .

[14] الأدب الإسلامي أصوله وسماته ، ص 114 .

[15] الأدب الإسلامي وقضية وبناء ، ص 7 .

[16] جريدة كاروان أدب ، 5/ شوال 1414هـ .

[17] د . مصطفى عليان : مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي ، ص 12 .